الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"بنية وليس حدثًا": الاستعمار الاستيطاني والأصلانية الدائمة

2021-08-10 01:18:26 PM

ترجمة الحدث- أحمد أبو ليلى

فيما يلي مقالة كتبتها جيه كوهولاني كاوانوي J. Kēhaulani Kauanui  تناقش فيها التحولات الأساسية في دراسة  نظرية باتريك وولف Patrick Wolfe عن الاستعمار الاستيطاني باعتباره "بنية وليس حدثًا". المقالة المنشورة على موقع Lateral  لمجلة Journal of the Cultural Studies Association تحاج فيها كاوانوي Kauanui  بأن المشاركة الجوهرية فيما يتعلق بمفهوم الاستعمار الاستيطاني تتطلب أيضًا إعادة تفكير عميقة في المفهوم المرتبط بالأصلانية - بتمايزها عن العرق والإثنية والثقافة والأمة - جنبًا إلى جنب مع مجال دراسات الأمريكيين الأصلانيين والسكان الأصليين.

وفيما يلي نص المقال مترجما:

أبدأ هذا المقال[1] بتفكيك ما أعنيه في العنوان بعبارة "دوام الأصلانية" وما يعنيه ذلك لفهم الاستعمار الاستيطاني. فأنا أستخدمها هنا بمعنيين: أولاً، أن الأصلانية نفسها تدوم - فقد يكون المنطق العملي للاستعمار الاستيطاني هو "القضاء على السكان الأصلانيين"، كما تصور الباحث الإنجليزي الراحل باتريك وولف Patrick Wolfe ببراعة، ولكن الشعوب الأصلانية موجودة، تقاوم، وتستمر؛ وثانياً، أن الاستعمار الاستيطاني هو بنية تحتمل الأصلانية، كما تحاول إخفاءها.

غالبًا ما يُستشهد بمقال وولف "الاستعمار الاستيطاني وإزالة/محو السكان الأصلانيين" Settler Colonialism and the Elimination of the Native [2] باعتباره العمل الرئيسي الذي يمثل مفهوم ونظرية تحليل الاستعمار الاستيطاني. وعلى الرغم من إصرار وولف على توضيح الأمر مرارًا وتكرارًا بأنه لم يبتكر مجال دراسات الاستعمار الاستيطاني – وإنما قام بذلك الأكاديميون الأصلانيون - ضمن مجال الدراسات الأمريكية (كأحد الأمثلة)، إلا أنه غالبًا ما يُستشهد به كما لو أنه هو من ابتكرها. في الواقع، يبدو أن مقالته هذه (على الرغم من أنها ليست أول كتاباته حول هذا الموضوع، ولا الأخيرة) هي أيضًا أكثر المقالات التي يتم الاستشهاد بها، ربما لأنها تقدم الكثير في مادة واحدة من خلال التمييز بين الاستعمار الاستيطاني والإبادة الجماعية، وذلك بمقارنة الاستعمار الاستيطاني بالاستعمار الاستغلالي، ويوضح من خلال العمل المقارن الذي يركز على أستراليا وإسرائيل وفلسطين والولايات المتحدة كيف يعمل منطق الاستعمار الاستيطاني على القضاء على الشعوب الأصلانية.

كما لاحظ وولف، نظرًا لأن الاستعمار الاستيطاني "يدمر ليستبدل" ، فهو "إقصائي بطبيعته ولكنه ليس إبادة جماعية على الدوام".[3] وكان [وولف] حريصًا على الإشارة إلى أن الاستعمار الاستيطاني ليس مجرد شكل من أشكال الإبادة الجماعية، فثمة حالات إبادة جماعية دون استعمار استيطاني، لأن "المحو يشير إلى أكثر من تصفية مجمل الشعوب الأصلانية، على الرغم من أنه يشمل ذلك".[4] ومن ثم، اقترح [وولف] أن "الإبادة الجماعية البنيوية" تتجنب موضوع درجة الإبادة وتساعد في فهم العلاقات بين الاستئصال المكاني والقتل الجماعي، والاستيعاب الثقافي البيولوجي.[5] وبعبارة أخرى، فإن منطق القضاء على المواطن الأصلاني هو القضاء على الأصلاني كأصلاني. ومع ذلك، فإن التركيز حصريًا على المستعمر الاستيطاني دون تشاركية ذات مغزى مع السكان الأصلانيين - كما كان الحال في كيفية الاستشهاد بعمل وولف- تتسبب في  (إعادة) إنتاج شكل آخر من أشكال "القضاء على السكان الأصلانيين". لأن الاستعمار الاستيطاني هو مشروع يتمحور حول الأرض وينطوي على الاستيطان الدائم، كما يشير وولف في نفس هذا المقال، "يأتي المستعمرون المستوطنون للبقاء: الغزو بنية وليس حدثًا". [6]

في هذا المقال، أرغب في إعادة النظر في عبارة من ضمن عمل وولف والتي تم الاستشهاد بها كثيرا- أن الاستعمار الاستيطاني هو بنية وليس حدثًا - وذلك لاستكشاف سبب كون نفس التعبير غالبًا ما يمثل تشابكا جاداً في نظريته وفي نفس الوقت لعله أيضًا الجانب الأكثر إهمالًا فيها. علاوة على ذلك، أريد أن أعرض مناقشة حول الأصلانية كنظير تحليلي للاستعمار الاستيطاني وأن أقدم بعض تأملاتي النقدية حول سبب ضرورة أن يميل أي تفاعل ذي مغزى مع نظريات الاستعمار الاستيطاني- سواء كانت نظريات وولف أو غيرها- إلى مسألة الأصلانية. إذ لا تحل الدراسات الاستعمارية الاستيطانية محل دراسات السكان الأصلانيين ولا ينبغي ولا يمكن أن تحل محلها.

في حلقة نقاشية خلال الاجتماع السنوي لجمعية الدراسات الأمريكية (ASA) في عام 2015، بعنوان "تحليل الاستعمار الاستيطاني: إعادة تقييم نقدية"  “The Settler Colonialism Analytic: A Critical Reappraisal,”، حدد أليوشا غولدشتاين Alyosha Goldstein الكيفية التي تم من خلالها اختزال مشروع وولف إلى هذه العبارة من بين مجموعة أخرى من العبارات، وكيف أن هذه الإشارة قد أدت إلى جدولة نهج معين داخل الدراسات الأمريكية، من بين مجالات أخرى .[7] حدد غولدشتاين بعض الجوانب الإشكالية لمأسسة هذا العمل كحقل فرعي، بما في ذلك التأثيرات الناجمة عن انتزاع هذه اللازمة وتعميمها؛ فهم يحصرون أو يضعون أقواسًا لتشكيلات أخرى - مثل الاستعمار الاستغلالي والعبودية - بطرق لا تنفي الترابط والتشابك فحسب بل كذلك تنفي عملية المشاركة في تشكيلها. كما أشار إلى أن الإحالات السطحية إلى النظرية كثيرًا ما تتعامل معها باعتبارها نوعا قائما بحد ذاته يمكنه التجوال، أو أنه منفصل تماماً، بدلا من كونه متشابكا مع العمليات الاجتماعية الأخرى. اقترح غولدشتاين أيضًا أن الطرق التي يتم بها تحديد الممارسة الاستشرافية للنظرية تميل إلى إنتاج ثنائية قائمة على المستوطنين والأصلانيين.[8]

في سياق الدراسات الأمريكية، رسم روبرت واريور Robert Warrior العلاقة بين دراسات الأمريكيين الأصليين والسكان الأصلانيين (NAIS) والدراسات الاستعمارية للمستوطنين، "وكذلك السياق المنطقي لإثارة هذه القضية، وهو الدراسات الأمريكية". في "دراسات الاستعمار الاستيطاني ودراسات الأمريكيين الأصليين والسكان الأصلانيين"، والتي هي ورقة موقف تم تقديمها في الاجتماع السنوي لعام 2015 لـ ASA ، قام بتوثيق العلاقة النسبية بين مجموعات دراسات الاستعمار الإستيطاني ومجموعات دراسات السكان الأصلانيين في البرامج السنوية لـ ASA منذ عام 1997. وأوضح واريور Warrior قائلا "كان لدي قلق متزايد (ليس بناء على اجتماع لجنة البرنامج، ولكن بناء على المحادثات والملاحظات الأخرى)، من أن ظهور دراسات الاستعمار الاستيطاني أصبحت - ليس في كل مكان وتتم بأية وسيلة، ولكن أصبحت في بعض الدوائر عبارة عن استجابة للحاجة المزمنة للمزيد من الاهتمام والوعي بالدراسات الأصلانية والسكان الأصلانيين."[9] تم تحديد سنتين استثنائيتين حينما كان هنالك مزيد من الجلسات التي تركزعلى السكان الأصلانيين، ارتبطت كلتاهما بوجود (وعمل) الأكاديميين الأصلانيين: ففي اجتماع عام 1998 في سياتل، والذي يعود الفضل فيه حد كبير إلى الدور الذي لعبه نيد بلاك هوك  Ned Blackhawk في لجنة البرنامج (عندما كان طالب دراسات عليا)، وبعد عقد من الزمان في عام 2008 في الاجتماع في البوكيرك Albuquerqu عندما كان فيليب  ديلوريا Philip Deloria رئيسًا.

وللمفارقة اكتسبت دراسات الاستعمار الاستيطاني جاذبية أكبر من NAIS في مجال الدراسات الأمريكية رغم أن أكاديميي NAIS هم الذين يمكن اعتبارهم أنهم من قدموا منهج الاستعمار الاستيطاني كتحليل لمجال الدراسات الأمريكية في المقام الأول. وكان هذا بسبب عدم أخذ دراسات الأمريكيين الأصليين والسكان الأصلانيين (NAIS)  بجدية كافية في ASA، كما كان لدراسات الأمريكية كحقل امتياز على دراسات ما بعد الاستعمار والتعددية الثقافية. كما وأنه، في الأعمال التي تهتم بخطاب الأقلية، نادرًا ما يتم تمييز الأصلانية عن العرق، هذا في حال إذا ما تم ذكرها أصلاً. وبدا الأمر، ولسنوات، كما لو أن الأكاديميين- ليس فقط أكاديميو الدراسات الأمريكية، ولكن أيضا في المجالات الأخرى ذات الصلة، وكذلك حتى (أو بشكل خاص) التاريخ الأمريكي- بالكاد يستطيعون التحدث عن الاستعمار الأمريكي.  وقد ذكر واريور Warrior "الكدح" المتمثل في مساعدة الدراسات الأمريكية في معرفة ما يمكن وينبغي أن تكون عليه علاقتها بالدراسات الأصلانية. في الواقع، كان واريور Warrior باحثًا رئيسيًا في هذا المسعى.

تضمن الاجتماع السنوي لعام 2002 لجمعية الدراسات الأمريكية حلقة دراسية بعنوان "الدراسات الأمريكية (الهندية): هل يمكن أن تكون ضمن دراسات الجمعية الأمريكية للدراسات ASA منزلًا فكريًا؟" والتي شارك فيها روبرت واريور Robert Warrior وجان أوبراين Jean O’Brien وفيليب ديلوريا Philip Deloria. إذ فحصت مجموعة من العروض المقدمة، والتي نُشرت لاحقًا كأعمال منتدى في المجلة الفصلية الأمريكية، مسألة ما إذا كانت الربط، وبالتالي المجال بشكل عام، مواتيان لتطور وتوسع الدراسات الأصلانية. وكإجابة واحدة على السؤال، وبحلول عام 2005، شرع واريور Warrior في إطلاق لجنة توجيهية لتأسيس جمعية جديدة - تلك التي أصبحت جمعية دراسات الأمريكيين الأصليين والسكان الأصلانيين (NAISA)، والتي تأسست في عام 2008.[10]

لماذا تناول عدد قليل من العلماء مسألة الأصلانية في حين أنها شيء يتضمن معظم جوانب الثقافة والسياسات والسياسة والمجتمع الأمريكي هل لأن الولايات المتحدة دولة استعمارية استيطانية؟ كيف يمكن للمرء أن يفهم جمهورية الولايات المتحدة دون احتساب الإزالة العنيفة للسكان الأصليين، الشعوب الأصلانية - الأمم ذات السيادة الموجودة مسبقًا؟ ونظرًا لأن الاهتمام بالشعوب الأصلانية يستلزم دائمًا التحقق من الإشغال السابق والسيادة والأمة، فيمكن القول إن العديد من الأكاديميين قد نقلوها إلى مجال دراسات الأمريكيين الأصلانيين. من المؤكد أن دراسة الشعوب الأصلانية هي أساس للتاريخ والثقافة والمجتمع والسياسة الأمريكية. إن فهم الاستعمار الاستيطاني كبنية يكشف حقيقة أن الاستعمار لا يمكن أن يتم نفيه إلى الماضي، على الرغم من أنه يجب إضفاء الطابع التاريخي على الماضي والحاضر. إن الفكرة القائلة بأن الاستعمار شيء ينتهي بتفكيك المستعمرات البريطانية وعندما أصبحت الولايات المتحدة الأصلية الثلاث عشرة هي الولايات الأمريكية الأولى، لديها رواية مناظرة داخل الأسطورة القائلة بأن الشعوب الأصلانية انتهت بانتهاء الاستعمار.

تشرح الأعمال حول تاريخ المستوطنين المحليين وحوكمة المستوطنين [هذه] "البنية". تجادل جان أوبراين Jean O’Brien ، في كتابها  Firsting and Lasting: Writing Indians out of Existence in New England, theorizes the persistent myth of the vanishing Indian.[11] بأن التواريخ المحلية أصبحت وسيلة أساسية أكد بها الأمريكيون الأوروبيون حداثتهم الخاصة بينما انكروها على الشعوب الهندية. تفحصت أوبراين O’Brien في أكثر من ستمائة تاريخ محلي من ماساتشوستس وكونيتيكت ورود آيلاند، وبدءًا من الكتيبات إلى المعالجات متعددة الأجزاء، وشاركت هذه السرديات في الانشغال بتأسيس المنطقة كمركز للأمة الأنجلو سكسونية ومركز الثقافة الأمريكية الحديثة. حيث أصروا (بنبرة حزن غالبة) على أن السكان الأصلانيين لنيو إنجلاند قد انقرضوا، على الرغم من أن العديد من الهنود ما زالوا يعيشون في نفس البلدات التي تم تأريخها. كما خدمت عملية محو الشعوب الهندية ومن ثم إحياء ذكراها هدفًا استعماريًا أكثر عملية: دحض المطالبات الهندية بالأرض وبالحقوق. وجدت أوبراين O’Brien أنه من أجل إقناع المؤرخين المحليين لأنفسهم بأن الهنود قد اختفوا على الرغم من استمرارية وجودهم، اعتنقوا هم وقراؤهم مفاهيم النقاء العرقي المتجذرة في العنصرية العلمية للقرن ورأوا الهنود الأحياء على أنهم "مختلطون" وبالتالي لم يعودوا "هنودا حقيقيين". " تم استخدام التكيف مع الحياة الحديثة من جانب الشعوب الهندية كدليل إضافي على زوالها. لكن الهنود لم يقبلوا - ولن يقبلوا - هذا الطمس. استمرت هذه الصيغة كجزء سائد من التطبيع المعاصر للاستعمار الاستيطاني.

إن التعاطي بجدية مع الاستعمار الاستيطاني كبنية يسمح للباحثين الأمريكيين، على سبيل المثال، بتحدي تطبيع نزع الملكية باعتبارها "صفقة محسومة" يتم تنحيتها إلى الماضي بدلاً من كونها مستمرة. ويعتبر مفهوم مارك ريفكين Mark Rifkin عن الحس المشترك لدى المستوطن مفيدا هنا.[12] إذ يفحص كيف، حتى في الوقت الذي يمكن فيه وصف الاستعمار الاستيطاني بأنه بنية ونظام ومنطق، ينبغي استكشاف الشبكات العاطفية كجزء من فهم كيفية نشوء الحكم الاستعماري الاستيطاني كشرط بديهي لإمكانية وجود (المستوطن). بدراسة آثار كيفية مشاركة الكتاب الأمريكيين في إرث تهجير الأمريكيين الأصلانيين، يتساءل [ريفكين Rifkin] عن كيفية تحول المشاريع الإدارية المتنوعة للاستيطان وما يصاحبها من الفئات والجغرافيا والذاتيات جزءًا من الحياة اليومية لغير السكان الأصلانيين؟ يتناول ريفكين Rifkin هذا الشعور بالعطاء وأنواع المسارات الاجتماعية التي ينبثق منها والتي يولدها. وذلك بدلاً من الإيحاء بأن الأشكال اليومية لإحساس المستوطنين، والشعور بالفردانية، والاستحواذ تتبع بوضوح السياسة والتفويضات القانونية الرسمية، ويجادل بأن الحدود (المتغيرة) لحوكمة المستوطنين تساعد في توفير التوجيه والميل والزخم للتجارب غير الأصلانية في كل يوم.

ماذا يعني الاشتباك مع التأكيد على أن الاستعمار الاستيطاني هو "بنية وليس حدثًا"؟ إحدى الحالات الواضحة هي النكبة كعملية مستمرة - وليست كلحظة تاريخية منعزلة من الكارثة التي حدثت بسبب  ترحيل الفلسطينيين عام 1948، عندما طرد الصهاينة اليهود أكثر من 700,000 عربي فلسطيني من ديارهم ووطنهم خلال الحرب التي أسست دولة إسرائيل.[13] في أمريكا الشمالية هنالك 13 لإخراج الشعوب الأصلانية من أراضيها لاستخراج موارد للشركات التي تعمل في أعمال تتقسم من النفط إلى التنقيب عن المعادن واستخراج الماء، مما يتسبب في دمار بيئي مصاحب لتداعيات الإبادة الجماعية. أحد الأمثلة هو مشروع منجم بريستول باي Bristol Bay في ألاسكا، والذي تم توصيفه بأنه "نقطة الصفر للمعركة البيئية الكبرى التالية".[14] لقد كان نزاعاً على منجم نحاس وذهب كان من المقترح أن يكون بالقرب من خليج بريستول في ألاسكا - وهي منطقة نائية تضم العديد من قرى ألاسكا الأصلية وما يقرب من نصف سمك السلمون في العالم. طلبت ستة كيانات حاكمة أصلانية من وكالة حماية البيئة (EPA) استخدام سلطتها بموجب "قانون المياه النظيفة" لمنع إنشاء المنجم على أساس أنه سيضر بالممرات المائية والأسماك والحياة البرية في المنطقة.[15]

على الجانب الآخر، عند التأكيد على الأصلانية كفئة تحليل، يتم إثارة مسألة جوهرية دائمًا. إذ كما يصر علماء دراسات العرق النقدية على أن العرق هو فئة مفيدة تشكل تكوينًا اجتماعيًا متميزًا وليس فئة مشتقة ناشئة عن الطبقة و / أو العرق، فإن الأصلانية هي فئة من التحليل تختلف عن العرق والإثنية والقومية - حتى وإن استلزمت عناصر من كل تلك الفئات الثلاثة. ومع ذلك، فإن تأكيدات الشعوب الأصلانية على التميز والتأكيد على الاختلافات الثقافية غالبًا ما يُنظر إليها على أنها مجرد تأكيدات جوهرية، وبالتالي فهي تشبه الهويات الثابتة القائمة على صفات متأصلة ثابتة. وتأسيسا على هذا، فإن ما تبقى بالنسبة لبعض العلماء وكذلك الجهات الحكومية الوطنية والدولية هو السؤال عما إذا كان للأصل أي فحوى يمكن استخدامه كأساس للادعاء. وفيما يتعلق بكل من النضالات الثقافية والسياسية، فإن أحد مبادئ أي ادعاء بالأصل هو أن السيادة الأصلانية - التي يتم تأطيرها على أنها مسؤولية أكثر من كونها حقًا - مشتقة من الإشغال الأصلاني، أو على الأقل الإشغال المسبق. مثل العرق، فإن الأصلانية هي فئة مبنية اجتماعياً وليست فئة قائمة على مفهوم الخصائص البيولوجية الثابتة.

لكن اعتبار الأصلانية فئة من فئات التحليل ليس هو نفسه دراسة الشعوب الأصلانية. على سبيل المثال، ضمن النقاشات المشحونة حول سياسة الهجرة الأمريكية، فإن إدخال الأصلانية في الإطار يكشف بالضرورة عن الأصلانية وكيف تؤسس لاعتبار الولايات المتحدة مجتمعا استعماريا استيطانيا. في مثال آخر، خلال الحركة الاحتجاجية "احتلوا وول ستريت Occupy Wall Street، تحدى النشطاء الأصلانيون والنقاد استخدام مصطلح "احتلال" فيما يتعلق بالتاريخ الفعلي للاحتلال الاستعماري الاستيطاني. وكما لاحظت جوان باركرJoanne Barker بنظرة ثاقبة، فقد كان التجرد من السكان الأصلانيين هو الشرط المسبق التاريخي لوول ستريت نفسها - شارع به جدار بناه الهولنديون، جزئيًا، لإبعاد شعب منطقة ليناب Lenape عن وطنهم وتحويله لما أصبح الآن منطقة أسفل مانهاتن - والذي أصبح الاسم المجازي للصناعة المالية الأمريكية – وهي جميعها مبنية على نزع ملكية السكان الأصلانيين .[16] يوضح هذا التاريخ تماما مثل الحاضر ما كان وولف يقصده بالاستعمار الاستيطاني باعتباره "بنية وليس حدثًا". ومع ذلك، لا يمكن أن يكون بديلًا لتاريخ ليناب lenape  أو التركيز على ثقافتهم وأساليب حياتهم. في هذه الأثناء، يتمتع شعب ليناب Lenape بحكم ذاتي خارج وطنهم التقليدي في مانهاتا  Manahatta (المعروفة الآن باسم مانهاتن) - بقدر ما كانساس، وويسكونسن، وأوكلاهوما، ومدن أخرى - حيث يستمرون في الوجود ككيانات حاكمة أصلانية - في حين أن العشائر الأخرى من الليبنابيين تعمل على البقاء في أراضيها التقليدية الشاسعة في أجزاء أخرى مما هو نيويورك الآن، ونيو جيرسي وبنسلفانيا وديلاوير.[17]

نظرًا لأن الاستعمار الاستيطاني هو بنية وليس حدثًا، ولأن السكان الأصلانيين ما زالوا خاضعين لتلك البنية - وهو مشروع إبادة جماعي مستمر - يجب إشراك دراسات الأمريكيين الأصليين والسكان الأصلانيين (NAIS)  فيما يتعلق بالدراسات الاستعمارية الاستيطانية من أجل أي دراسة ذات مغزى لدولة الولايات المتحدة في سياق الدراسات الأمريكية والدراسات الثقافية والمجالات الأخرى ذات الصلة.

 

[1] يستند هذا المقال إلى التعليقات المقدمة في لقاء طاولة مستديرة بعنوان "اتجاهات جديدة في الدراسات الأمريكية" “New Directions in American Studies, ، عقدت في الاجتماع السنوي لجمعية الدراسات الأمريكية American Studies Association لعام 2014.

[2] Patrick Wolfe, “Settler Colonialism and the Elimination of the Native,” Journal of Genocide Research 8, no. 4 (Dec. 2006): 387–409. 

[3] Ibid, 387. 

[4] Ibid, 390. 

[5] Ibid, 403. 

[6] Ibid., 388. Wolfe’s earlier work also advanced the same analysis: “The colonizers come to stay—invasion is a structure not an event.” See Settler Colonialism and the Transformation of Anthropology (London and New York City: Continuum International Publishing Group, 1998), 2. Wolfe’s first book provided a history of settler colonialism in Australia through a history of anthropology that explores the links between metropolitan anthropological theory and local colonial politics from the 19th century up to the late 20th century, settler colonialism, and the ideological and sexual regimes that characterize it. The work is an incisive analysis of the politics of anthropological knowledge given its production through the historical dispossession and continuing oppression of indigenous peoples.

[7] Also, Wolfe did not coin the concept of settler colonialism, although through his work, the analytic has gained important traction and visibility. That work includes his long time, direct intellectual engagement with scholars in Native American and Indigenous Studies, enabling an ongoing conversation—much of which has been US-based—which has enabled visibility in the American Studies context. US-based Palestinian academic and civil servant Fayez Sayegh first used the concept in his 1965 work, Zionist Colonialism in Palestine (Beirut: Research Center, Palestine Liberation Organization, 1965). Notably, French Marxist scholar Maxime Rodinson addresses it in his book Israel: A Colonial-Settler State? (New York: Monad Press, 1973). And Palestinian scholar Rosemary Sayigh used the framework of settler colonial in her 1979 book, Palestinians: From Peasants to Revolutionaries; A People’s History (London: Zed Books, 1979).  Japanese American scholar J. Sakai also included some treatment of the concept through his 1983 Marxist focus on white workers in Settlers: The Mythology of the White Proletariat (PM Press, 2014). In 1992, Kanaka Maoli scholar and activist Haunani-Kay Trask wrote about “settlers of color” in Hawaii and their complicity with colonial structures of domination in “Settlers of Color and 'Immigrant’ Hegemony: 'Locals’ in Hawai’i,” Amerasia Journal 26, no. 2 (2000): 1-24. Later, by 2008, Candace Fujikane and Jonathan Y. Okamura co-edited the volume Asian Settler Colonialism: From Local Governance to the Habits of Everyday Life in Hawai’i (Honolulu: University of Hawai’i Press, 2008), which took up Trask’s challenge by documenting the role of Asian locals in Hawaii in relation to Kanaka Maoli. See also, Lorenzo Veracini, Israel and Settler Society (London: Pluto Press, 2006). Notably, Nira Yuval-Davis and Ella Shohat, among others, have consistently delineated the distinctions between the postcolonial Third World and the still colonized Fourth World in their respective works, which point to the differences between franchise colonialism and settler colonialism. Nira Yuval-Davis, Unsettling Settler Societies: Articulations of Gender, Race, Ethnicity and Class (London: Sage, 1995); Ella Shohat, “Notes on the 'Post-Colonial’,” in The Pre-Occupation of Post-Colonial Studies, eds. Fawzia Afzhal-Khan and Kalpana Rahita Seshadr (Durham: Duke University Press, 2000), 126-139.

[8] Some have also argued that Wolfe’s theory sets up a white-black binary that does not resemble other contexts, as though his most cited article applies this to the three case studies he focuses on. His discussion of this binary is specific to his discussion of the United States as he examines the contrasting racialization of indigenous and African peoples. In the case of Australia, the term “black” refers to indigenous peoples—whether hurled as a pejorative by settler descendants or embraced by those who are Aboriginal—and for that reason it cannot be said to be part of a black-white binary. And in the case of Israel/Palestine, there is no operative racial binary between those who are Israeli and those who are Palestinian since one can obviously be both Jewish and Arab, and the dividing line is based on a Zionist appropriation of Judaism—between those who are Jewish and those who are not. This is not an Anglo-specific theory, since the three cases studies Wolfe examines together—Israel/Palestine, the United States and Australia—include colonial settlers who are other than Anglo, namely Celts and Ashkenazi Jews. Additionally, Wolfe responded to the charge of perpetuating a binary between settler and native with his recently edited volume, The Settler Complex: Recuperating Binarism in Colonial Studies (Los Angeles: UCLA American Indian Studies Center, 2016).

[9] For a critical examination of this split in the Palestinian context, see Rana Barakat, “Writing Palestinian History: Settler Colonialism versus Indigenous Studies,” Conference Paper for “Zionism as a Settler Colonial Movement,” held by Mada al Karmil, Arab Center for Applied Social Research, December 16, 2015, Ramallah, Palestine. Also, for a look at the ongoing political contestation over the use of the settler colonial analytic in Palestine, see Brenna Bhandar and Rafeef Ziada, “Acts and Omissions: Framing Settler Colonialism in Palestine Studies,” Jadaliyya, January 14, 2016, accessed January 14, 2016, http://www.jadaliyya.com/pages/index/23569/acts-and-omissions_framing-settler-colonialism-in-.

[10] Notably, two of those on the ASA session (Warrior along with O’Brien) co-founded the association with me and three other colleagues, K. Tsianina Lomawaima, Jace Weaver, and Ines Hernandez-Avila. And perhaps ironically—or maybe not at all—it was during an ASA meeting (2005) when Warrior and O’Brien invited me to team up with them to build NAISA.

[11] Jean M. O’Brien, Firsting and Lasting: Writing Indians out of Existence in New England (Minneapolis: University of Minnesota Press, 2010).

[12] Mark Rifkin, Settler Common Sense: Queerness and Everyday Colonialism in the American Renaissance (Minneapolis: University of Minnesota Press, 2014).

[13] For works that historically document and theorize the Nakba, see: Walid al Khalidi, “Plan Dalet: Master Plan for the Conquest of Palestine,” Journal of Palestine Studies 18, no. 1, Special Issue: Palestine 1948, (Autumn 1988), 4-33; Walid al Khalidi, All That Remains: The Palestinian Villages Occupied and Depopulated by Israel in 1948 (Washington, DC: Institute for Palestine Studies, 2006); Nur Masalha, Expulsion of Palestinians: the Concept of “Transfer” in Zionist Thought (Washington: Institute for Palestine Studies, 1992); Ahmad Sa’di and Lila Abu Lughod, Nakba: Palestine, 1948 and the Claims of Memory (New York: Columbia University Press, 2007); Elias Khoury, “Rethinking the Nakba,” Critical Inquiry 38 (Winter 2012), 1-18; Ilan Pappe, The Ethnic Cleansing of Palestine (Oxford: One World Books, 2008).

[14] Juliet, Eilperin, “Alaska’s Bristol Bay Mine Project: Ground Zero for the Next Big Environmental Fight?”, The Washington Post, June 1, 2013, accessed January 12, 2016, https://www.washingtonpost.com/politics/alaskas-bristol-bay-mine-project-ground-zero-for-the-next-big-environmental-fight/2013/06/01/c4f528e6-ca00-11e2-9245-773c0123c027_story.html.

[15] Ibid.

[16] Joanne Barker, “Manna-Hata,” Tequila Sovereign, October 10, 2011, accessed January 12, 2016, https://tequilasovereign.wordpress.com/2011/10/10/manna-hata/.

[17] For more information, one can look at the work of the Manhattan-based Lenape Center, “a non-profit organization based in the ancestral Lenape island of Manhattan whose mission is continuing the Lenape cultural presence.” Accessed January 25, 2016, http://www.thelenapecenter.com.