السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بمناسبة عودة كورونا.. لماذا لا نغلق المدارس نهائياً؟| بقلم: ناجح شاهين

2021-08-25 01:04:06 PM
بمناسبة عودة كورونا.. لماذا لا نغلق المدارس نهائياً؟| بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

أنا جبان. نعم، أنا رجل جبان. ولو لم أكن جباناً لما تنكبت اليوم مشقة المزاحمة السخيفة والمملة لإيصال أطفالي إلى المدرسة. إذ ما الفائدة من المدارس؟ ماذا تقدم المدارس للوطن أو المواطن؟ أساليب النضال من أجل تحرير البلاد؟! طرق بناء الاقتصاد القائم على الإنتاج المتكئ على الذات؟! وما هي صلة مدارس الحكومة والوكالة ناهيك عن المدارس الخاصة بكل ما يجري في فلسطين؟

لكن ما هو المطروح أولاً على رأس جدول أعمال التاريخ لهذه الجغرافيا العربية الصغيرة المسماة فلسطين؟ هل من أحد يجهل الجواب؟ يقول لنا التاريخ الماكر مخرجاً لسانه: ليس هناك من شيء قبل أن تكونوا متأكدين أن هناك أرضاً تقفون عليها بثبات. يصبح كل ما تفعلون محض أوهام. لا بد إذن من تحرير فلسطين، بعد ذلك لا بد من التوقف عن مرض الاستهلاك الذي لا يجدي، والتوقف عن شراء السلع المستوردة التي لا تلزم إلا في سياق الترف الفاجر، المتلف لكل الأشياء.

من هنا لا بد أن أول شيء يجب أن تعلمه المدارس هو طرق المقاومة بأشكالها المختلفة. ثانياً لا بد من التدريب على أنواع الاستهلاك المقتصد الذي يؤسس للتراكم على طريق بناء اقتصاد منتج مستقل ومعتمد على نفسه. لا ضير بالطبع من التكامل مع الأمة إن كان هناك من فرصة لذلك في هذه اللحظة.

هل يعقل أن نذهب في الضفة إلى مدارسنا، كأن شيئاً لم يكن، وغزة تذبح منذ سنين الوريد إلى الوريد، ومدارسها تتحول إلى إسكانات لمئات الآلاف من ضحايا العدوان البربري الإسرائيلي المتواصل منذ عقدين على الأقل؟! غريب جداً:

"قمر على بعلبك

ودم على بيروت"

أو قمر على رام الله، ودم على غزة، مع المحبة والاعتذار لمحمود دوريش.

لكن هناك من سيقول: وهل علينا أن نمارس التجهيل في الوطن الفلسطيني كله، فنقدم للاحتلال هدية مجانية؟ هذا حقاً كلام حق، ولكنه في حاجة إلى فحص. إذ ماذا تفعل المدارس الفلسطينية التي لا تدرب على المقاومة، ولا على تنظيم الاستهلاك على أسس أكثر وعياً، أو على تطوير عقلية الإنتاج ضمن الشروط المحلية، وبالتكامل مع الإخوة الأعداء في باقي أقطار العروبة؟

تدرب المدارس الفلسطينية على الحفظ الصم لبعض المحتويات التي يتم نسيانها غداة تقديم الامتحان. لكن علينا أن نكون منصفين: تعلم الكتاتيب، عفواً المدارس الفلسطينية مبادئ القراءة والكتابة والحساب، والكثير من التعصب للرأي الواحد والحقيقة الواحدة. ما خلا ذلك معطيات data ليس هناك من يحتاجها.

نصيحة تربوية: لماذا لا نكتفي بتعليم مبادئ القراءة والحساب ثم نترك الطفل ينخرط في الحياة الاجتماعية؟

ذلك سؤال مزعج على الأرجح للنظام التعليمي، لأنه يفوت عليه فرصة "تضبيط" الطفل/المواطن، بغرض إنتاج شخص مشلول الإرادة والتفكير والرغبة في الفعل. التضبيط هو كلمة السر. فلا بد من تعليم الطفل طاعة الأوامر والتعليمات واحترام الحقيقة الواحدة التي لا يتطرق إليها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. ثم هناك التطبيع، تطبيع الحياة. لا بد من أن نلقي في روع الصغار والكبار على السواء أننا نعيش حياة طبيعية فيها تعليم ومدارس ووظائف ودولة واقتصاد وسوق ...الخ. لكن ذلك غير صحيح، لأننا لا نسيطر على شيء في بلادنا. نحن تحت الاحتلال، وإزاحة الاحتلال شرط لكي تكون حياتنا طبيعية. يضحك الكثيرون من دخول المحتل قلب رام الله ليسلم أمراً إلى هذا أو تلك للذهاب إلى مقابلة مع شرطته أو مخابراته. يشمل ذلك أحياناً نواباً عن الشعب في المجلس التشريعي الموقر. تخيلوا أن الجنود الكنديين يدخلون إلى واشنطون دي سي ويخبرون عضواً من أعضاء الكونغرس بأنه تحت الإقامة الجبرية وأن عليه يذهب إلى لوس أنجلوس. هل يمكن تصديق أن ذلك يسمح ببقاء دولة؟ فقط في حالتنا تظل الدولة موجودة في مستوى الشرطة وجهاز الإكراه الذي لا يقوم بدوره الأساس بحسب توماس هوبز في حماية الناس وأرضهم من اعتداء الدول الأخرى. ولا نعرف إن كان يقوم بحماية المواطن من اعتداء أخيه المواطن. بل لسنا متأكدين من أنه يقوم بأية مهمة في هذا الوقت باستثناء استغلال قوته للاعتداء على المواطنين المدنيين. ولقد بلغ السيل الزبى بتصريح أحد رجال الأمن في مواجهة زوجة أحد المعتقلين عندما قال على نحو "فج ولطيف": بلا حرية بلا خ.... .

لا تعلم المدارس مبادئ التفكير، كما أنها لا تقدم مهارات حياتية من أي نوع. لكنها تعلم بعض الأشياء الأساس من أجل تخريج موظف لا ينتج شيئاً. مجرد موظف ينضم إلى جهاز بيروقراطي متضخم لا يمكن أن يظل قيد الحياة يوماً واحداً بدون التمويل الخارجي. فالاقتصاد الوطني المحلي لا يحتاجه من ناحية، ولا يقدر على تحمل نفقاته من ناحية أخرى. فكأن الخارج هو الذي يريد هذا الجهاز وهو الذي ينفق من جيبه عليه ليبقيه في سجلات الأحياء. هل هذا الإنفاق جزء من خطة الخارج –أوروبا، الولايات المتحدة- لمساعدتنا في تحرير فلسطين وبناء اقتصاد منتج معتمد على الذات؟ لا نظن أن هناك حاجة إلى الإجابة.

ليس هناك من صعوبة في إدراك أن إقامة الأبراج والشركات التي تبيع الناس الهواء وقطاع الخدمات الذي لا يفيد في شيء إلا في تحويل القيمة وفائضها إلى الخارج كما إلى جيوب حفنة من أبناء طبقة تعيش في السياق الاقتصادي السياسي لوضع يتكيف مع الاحتلال وحاجاته. والحقيقة أن حاجات الاستقرار التي تنبع من هذا الوضع تتناقض مع حاجات "عدم الاستقرار" التي يحتمها، لسوء الحظ، المشروع الوطني التحرري. أنظروا إلى غزة كيف تهدم أبراجها على رؤوس ساكنيها. يحضر محمود درويش ببصيرته الثاقبة بقوة:

"ماذا تريد يا أبي علماً

وماذا تنفع الأعلام؟

هل حمت المدينة من شظايا قنبلة؟"

ونحن بدورنا نسأل: هل تفيد المدارس وشركات الخدمات وقطاع المعمار المتضخمة مع اختفاء الزراعة والصناعة تقريباً في تحرر الوطن أو صمود أبنائه في المستويات المختلفة؟ أرأيتم؟ أنا شخص جبان، ولو لم أكن كذلك لتلقفت دعوة منير فاشة الذكية والرائدة إلى "عدم قتل" الأطفال بإرسالهم إلى المدارس، والاكتفاء بتعليمهم بعض القراءة والكتابة ومبادئ العقل، لكن الأهم هو تعليمهم الكثير عن فنون مواجهة الأعداء وفنون الحياة الأخرى.