الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إسرائيل دولة عادية ولن تعيد لنا شبراً من الأرض/ بقلم: ناجح شاهين

2021-09-23 08:37:40 AM
إسرائيل دولة عادية ولن تعيد لنا شبراً من الأرض/ بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

نعم إسرائيل دولة عادية تماماً لا تختلف عن أية دولة أخرى. ليست إسرائيل شيطاناً أسود عيونه حمر وقرونه طويلة. إنها محض الدولة كما ينبغي لها أن تكون. ومن يريد لإسرائيل أن تتحول إلى ملاك يوزع الهبات والهدايا والحلوى على الأطفال والمحتاجين، لا يدرك شيئاً عن كنه الدولة منذ ولادتها قبل آلاف السنين في مصر والعراق وحتى دولة جنوب السودان البائسة. 

ما الذي يميز الدولة من النواحي الأساس؟ 

1.    الدولة تميل "غريزياً" منذ أن تبصر عيناها النور إلى تعظيم قوتها على حساب جيرانها من أجل أن تضمن حياتها الآمنة المستقرة. ولا بد أن أي تراخ للدولة في هذا المضمار سيقود حتماً إلى تفككها إلى دويلات أو ابتلاعها من قبل الجيران سواء أكانوا أصدقاء أم أعداء. 

2.    تحتكر الدولة مثلما لاحظ ابن خلدون ومن بعده ماكس فيبر وآخرون العنف "المشروع" ولا ترضى أبداً بأن يمتلك أي طرف آخر هذا الامتياز. وفي الواقع فإن فقدان هذا الامتياز يقود فوراً إلى فشل الدولة وانحلالها.

3.    تفرض الدولة "القانون" على مواطنيها بما يضمن صيانة الحقوق والامتيازات للجميع، وفي مقدمة ذلك، امتيازات أبناء الطبقة العليا التي كانت تتماهى بشكل مكشوف مع النخبة الحاكمة في الأنظمة السابقة للرأسمالية، ولكنها أصبحت أقل انكشافاً منذ بزوغ زمن حرية الاقتصاد والسياسة الرأسمالي. 

هناك إذن نخبة طبقية تهيمن وتقود الدولة والمجتمع بما يضمن مصالحها التي تتداخل وتتشابك مع مصالح المجتمع كله في الوضع "الطبيعي"، ولكنها تتفارق وتبتعد عن مصلحة المجتمع "العامة" في حالات مخصوصة تتصل بارتباط هذه النخبة، كرهاً بطبيعة الحال أو رضوخاً لمقتضيات الواقع، بجهات خارجية تهيمن عليها أو ترعاها أو تعطيها بعض الفتات لقاء دورها...الخ. ومن المعروف أن هذا الارتباط قد لا يكون ناجماً عن الإلزام بالقوة المباشرة إلا فيما ندر. فهناك حالات كثيرة يكون فيها الارتباط ناجماً بشكل أساس عن تكوين النخبة الطبقية التي لا تستطيع بنفسها شيئاً مما يجبرها على العيش في ظل الدول الأكثر نفوذاً والقادرة على مدها بالأمن والأمان بشكل أو بآخر. ومن أبرز الأمثلة على ذلك دول الخليج التي تكاد تشتري سلعة الأمن والحماية بكل غال ونفيس. 

ليست إسرائيل شراً مستطيراً ولا خيراً عميماً. إسرائيل أيضاً تريد أن تحافظ على نفسها وتريد أن تتوسع وتريد أن تعظم قوتها لما فيه منفعة النخب والجمهور على السواء. ولقد تمكنت إسرائيل في مغامرة ساحرة في حزيران 1967 من السيطرة على ما كان قد تبقى من فلسطين إضافة إلى الأراضي السورية والمصرية المعروفة. فماذا تفعل إسرائيل بعد ذلك؟ هل تقوم بإعادة هذه الأراضي إلى العرب والفلسطينيين صدقة عن روح أبويها؟ بالطبع سارعت إسرائيل إلى تهويد الأراضي كلها واستثمارها بما يخدم المشروع السياسي/الاقتصادي الذي تمثله الدولة. 

هل يعني ذلك أن إسرائيل لن تعطينا أي شيء مهما صغر أو قلت قيمته؟

ستعيد لنا إسرائيل ما تفرضه عليها مقتضيات مصلحة الدولة في أن لا تخسر أكثر منه بطرق أخرى بما فيها على سبيل المثال لا الحصر، العزلة الدولية، الحصار الاقتصادي العالمي، أو حرب عصابات تحريرية، أو حرب نظامية تشن من قبل "الجيران" العرب...الخ. خلاف ذلك لا يمكن لدولة إسرائيل أو غيرها أن "تتبرع" بثروتها الأهم وهي الأرض لأي كان. 

في هذا السياق يجب أن نقرأ "تنازل" إسرائيل عن صحراء سيناء التي لا تغني ولا تسمن من جوع ثمناً لإخراج مصر من النزاع وفقاً لنبوءة المؤسس دافيد بن غوريون. ومن هذا المنطلق أيضاً يجب أن نقرأ تخلي إسرائيل عن منابع الليطاني العزيزة على قلبها لكي توقف مسلسل الاستنزاف الطويل والمكلف الذي عانته في مواجهة المقاومة اللبنانية. 

ولأن إسرائيل لم تتعرض لأي تهديد جدي فيما يخص إقليم الجولان أو أي جزء من فلسطين فإن فكرة تخليها عن شبر منها هي أوهام بغض النظر عمن تبناها أو باعها أو اشتراها. وإذا كان السوريون يظنون أن إسرائيل ستعيد لهم شيئاً قبل أن يتمكنوا من محاربتها أو إقناعها بقدرتهم على محاربتها فإنهم واهمون. وينطبق ذلك بالطبع على فلسطين: إن لم تقنتع قيادة الدولة الصهيونية بأن الفلسطينيين أو إخوتهم العرب قادرون على إلحاق الخسائر بها، فإنها لن تتنازل عن شبر واحد من "أرضها" لهم.

من هنا تبدو لنا فكرة المفاوضات مخدراً لذيذاً مارسته منظمة التحرير خلال ربع قرن بسوء نية أو بنصف سوء نية. المفاوضات هي طريقة أقل تكلفة لرسم خريطة الصراع بحسب ما تشير موازين القوى عندما يتفق المتصارعون على تقييم تلك الموازين، ولا يعود هناك من داع لاختبار قوة الخصم في حلبة النزال. 

في تلك اللحظة يجلس الفرقاء ويتناقشون حول حقوق كل فريق بحسب ما يقيمون قوته بعناصرها المختلفة. بالطبع يمكن أن يختلف المتفاوضون على الحصص نتيجة عدم اتفاقهم على تحديد ميزان القوى على نحو دقيق، وقد يضطرون بسبب ذلك إلى جولات أخرى من الصراع الفعلي التي تحدد على نحو أوضح قوة كل فريق. 

إذا كانت إسرائيل مقتنعة بأن قوتها غير قابلة للمقارنة بقوة الفلسطينيين، وإذا كان الفلسطينيون مقتنعين بالأمر ذاته، فمن البدهي أن يسلم الطرفان بالواقع القائم. ولا يحاولان تغييره. 

هنالك بطبيعة الحال جيران آخرون يمكن لإسرائيل أن تفكر في التوسع باتجاههم بشكل أو بآخر خصوصاً بعد انغلاق بوابة الجنوب اللبناني بفعل المقاومة القوية هناك. أبرز هؤلاء الجيران حالياً دولة الأردن التي يمكن لها أن تؤدي أدواراً مختلفة في خدمة الدولة العبرية من قبيل استيعاب الفائض من سكان الضفة أو التحول إلى دولة فلسطينية ترضي تطلعات وأحلام المواطن الفلسطيني العادي وتريح إسرائيل من هذا الشبق الجنوني الذي يشدهم إلى ايرتس إسرائيل. 

إسرائيل دولة عادية تريد أن تعيش وتزدهر وتتوسع، وعلى من يرغب في أخذ العطايا منها أن يواجهها في ميدان المعركة أولاً، سواء بجهد عسكري منظم أو بحرب عصابات ثورية. خلاف ذلك يجب أن تكون مجنوناً لتطلب من شخص عاقل كإسرائيل أن يتبرع لك بممتلكاته وأرض أجداده، خصوصاً عندما تكون مقدسة وتدور حولها آلاف الأساطير.