الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الخيال العلمي في أدب الطفل العربي/ بقلم: سليم العابد

2021-12-30 08:26:53 AM
الخيال العلمي في أدب الطفل العربي/ بقلم: سليم العابد
سليم العابد

 من البوادر الحقيقية المشجعة في عالم اللغة العربية ما يشهده أدب الطفل من كتابات زاخرة ومتنوعة، والمرجع في ذلك الدور النسوي الحيوي في هذا المجال ومساهمات الكاتبات العربيات فيه ومنهنّ الكاتبة تغريد النجار وفاطمة شرف الدين وناهد الشوا ونصير بشور وسناء علي الحركة وريما الكردي وسمر محفوظ برّاج ولينا كيلاني، وماريا دعدوش وغيرهن كثيرات ممّن اجتمعت في كتاباتهنّ القصصيّة متعة السّرد مع لذّة المعرفة واحترام قواعد المحادثة وآداب الحوار وهي الفائدة من أدب الطفل كما حدّدها الناقد "أحمد السماوي" في كتابه "في أدب الطّفل".  

دون أن نغفل الدّور الرّيادي الذي لعبته د. هنادا طه في ترسيخ المستويات القرائية لدى القارئ العربي وكذلك لدور نشر أدب الطفل العربي. هذه المستويات التي تبنتها مؤسسة الفكر العربي منذ سنة ٢٠١٣ وتم على إثرها تصنيف ما يزيد عن ثماني آلاف قصة في أدب الطفل العربي ممّا كان له الأثر الإيجابيّ في الطالب والمدرّس، ووليّ الأمر، والنّاشر.

واليوم نجد أغلب دور نشر أدب الطفل العربية قد اعتمدت هذه المستويات القرائية وتقوم بنشر قصصها وفق هذا التصنيف مع تقسيم قصصها إلى قصص خيالية أو واقعية أو علمية. ومن أشهرها دار أصالة للنشر والتوزيع ودار كلمات ودار نهضة مصر ودار مايا ودار صفصافة ودار كشمش ودار لؤلؤة ودار نون ودار السلوى وغيرها.

كما شجعت الجوائز السخية التي صارت ترصد للمؤلفين أو الباحثين في هذا الأدب على مزيد من الإبداع والتميز. لذلك تطورت في العقدين الأخيرين أشكال القصص ومضامينها ورسومها التي تنهض بوظيفتيْ الترسيخ والمناوبة كما حدّدهما رولان بارت للصّورة. 

كما لا يخفى على نبيه قيمة أدب الناشئة في تلبية حاجيات الطّفل النفسيّة والمعرفيّة والجماليّة، إذ يعزز الأدب فيه ثقته بنفسه وقدرته على الإنجاز وتجاوز التحديات التي تواجهه. يقول "جون جاك روسو" في "اعترافاته ": "لا أتذكّر كيف تعلّمتُ القراءة، أتذكّر فقط أوّل كتبي وأثرها فيّ. فمن قراءاتي الأولى بدأت أحدّدُ بداية وعيي المتّصل بوجودي الذّاتي." 

 ورغم هذه البوادر الإيجابية والتي لا يمكن طمسها إلا أنّ مكتبة الطفل العربي مازالت تعاني من نقص فادح في أدب الخيال العلمي. رغم أن الخيال العلمي من أهمّ المواضيع المطروحة في مختلف الفنون اليوم مثل السينما والرسم، والنّحت، وفن العمارة، والأدب. وسأكتفي بالإشارة إلى النسخة الأخيرة من شريط "رجل العنكبوت" أو رواية أمين معلوف "أصدقاؤنا الغرباء" أو رواية دان براون "الأصل" لنلحظ أنّ الخيال العلمي مادة خصبة للعديد من المواضيع الفنية.  

ويقوم هذا النوع من الأدب على المزاوجة بين العلم والأدب في حبكة تستشرف المستقبل وتتوقع تصورات متنوعة عنه. وبقدر ما تخوض الثقافة الغربية غمار المستقبليات موضوعا وتوجه الأطفال له لإثراء قدراتهم الخيالية والعلمية، نكاد لا نجد له أثرا في الآداب العربية ما عدا بعض العناوين التي ظهرت في ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي للكاتب مصطفى محمود ونبيل فاروق ونهاد شريف ثمّ توفيق خالد توفيق في الرواية كما نجد نزرا قليلا من العناوين القصصيّة في أدب الخيال العلمي الموجه للطفل ومنها قصة "الطوفان الأزرق" للكاتب المغربي عبد السلام البقالي.

ومن أسباب ندرة الكتابة في أدب الخيال العلمي اليوم قصور الفكر العربي عن التفكير في المستقبل، فالعقل العربي اليوم لا يبتكر المنتج العلمي إنما يستهلكه فقط. كما أن الأدب العربي بقي خاضعا في أغلب مراحله إلى ثقافة تقليدية يوتوبية حالمة لا ثقافة نقدية متشككة وديستوبية.

ولعلّ أهم التحديات التي تواجه أدب الخيال العلمي ندرة الكتّاب والنقّاد المختصين فيه، وعزوف أغلب الناشرين عن نشر مثل هذا الأدب الذي لا يجذب العديد من القراء. فأغلب دور النشر تسعى لانتقاء نصوص إبداعية متميزة، ولكنها في نفس الوقت تخضع للعديد من الإكراهات مع عدم الرغبة في المجازفة بنشر مواضيع مستجدة أو حسّاسة. فالأعمال الأدبية العربية الروائية منها أو القصصية والتي تناولت أزمة كورونا ومخاطر الوباء تكاد تعدّ على الأصابع وإن كانت المدة التي مضت على الأزمة لا تتجاوز السنتين، ولكن لم تظهر آثارها على المؤلفات الإبداعية بعد. فالناشرون يعتبرون الأزمة عارضة ويتردّدون في قبول نشر مثل هذه الأعمال.

إن كنّا نروم نهضة حقيقيّة لأدب الطفل العربي، فلا يجب أن تنحصر السرديات القصصية في النصوص الأدبية في قصص خيالية أو واقعية فقط، أو أبطال بشرتهم بيضاء وأصحّاء بل يجب أن تتنوّع بتنوّع الواقع، وتسحر بألّيغوريا مفتنة، وتتمازج بالعلم وفتوحاته في عالم التكنولوجيا والاتّصال. ولعلّ المدن التّعليمية الضخمة في عدة بلدان عربية وخاصة الخليجية منها قادرة بما يتوفر لديها من إمكانيات ومرافق من وضع مشروع رائد للنهوض باللغة العربية وجعلها لغة أدب ممتع وعلم منجز. فمن لديه بصيرة بالمستقبل يستطيع التحكّم ببعض الحاضر.