الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فيلق الإعلام.. الحضور القوي والرحيل الهادئ| بقلم: نبيل عمرو

2022-01-05 10:57:32 AM
فيلق الإعلام.. الحضور القوي والرحيل الهادئ| بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

هذا الفيلق انطلق في ذات اللحظة التي انطلقت فيها الثورة الفلسطينية التي يحتفل الآن بذكراها السابعة والخمسين، الاشتباك في حرب الحبر والورق والقلم والأثير.

لم ينشد أي من رجاله ونسائه نجاة شخصية، ولم يتخلف عن ساحة قتال. كان ينتقل بين إذاعات كانت تبث صوت المذيع والنشيد مع أصوات القذائف، كما لو أنها موسيقى تصويرية تنقل بدقة ما يجري على الأرض إلى كل بيت، وإلى الأقبية غير المحصنة التي كانت تنتج على  ضوء شمعة جريدة فتح اليومية، ألم فلسطين الثورة المجلة المركزية، ثم إذاعة درعا البدائية فنيا والتي كانت مؤشرات الراديو تتثبت على رقمها حيثما يصل بثها، ثم إلى إعلام ملحمة بيروت الكبرى التي خرج منها الفيلق مثخنا بالجراح والموت.

كان فيلق إعلام الثورة مقاتلا على كل الجبهات، وما من موقعة حدثت إلا وكان رجال ونساء هذا الفيلق في طليعة المحاربين، بندقيتهم محشوة بالرصاص في قبضتهم اليمنى، والقلم والكاميرا والميكروفون في قبضتهم  اليسرى، وفي كل موقع من مواقع المعارك وما أكثرها واشرسها، كان من بين الشهداء والجرحى واحدا أو واحدة أو أكثر من هذا الفيلق.

لم يكن فيه فرق بين رئيس ومرؤوس، ولم يكن هنالك أمان لأحد أكثر من أمان رفيقه، كان الأمن والخطر يتقاسمان بعدالة، ومثلما كانت معارك الثورة تجري في المدى الممتد حيثما وجدت بنادقها كان رجال ونساء فيلق الإعلام يحاربون في الفضاء المكتظ بالخطر، وما من معركة وقعت إلا وكان جنود هذا الفيلق في طليعتها، فإن أصيبوا أو قضوا فهذا قدرهم وهذا خيارهم وإن نجوا فبمحض الصدفة ليس إلا.

لم يكن أعلام الثورة تقليديا ولم يكن فيه اختصاص كالمعمول به في أي إعلام عادي، كان رجل وامرأة إعلام الثورة مؤهلان للعمل في كل المجالات، كان سائقا لسيارة الإذاعة وهو رئيسها وكان احتياطا لمذيع أو محرر غاب بفعل مرض أو موت، وكان حارسا على مقره حين كان المقاتلون ذاهبين إلى معركة بعيدة عن المكان، كانوا يفعل عملهم الخطر والمجيد يعيشون حياة عمل صاخبة ومن أجل إتقان ما كانوا يعملون كان لا بد أن يموتوا واقفين.

سامي سرحان..

هو آخر الذين غابوا حتى الآن بعد أن ملئوا عقودا من حياتهم بصخب العمل الذي لا يهدأ، فهو كاتب بالقلم وقائد إداري ناجح في أهم المؤسسات، في الإذاعة حين كانت تحت سقف الخطر في حلها وترحالها، ووكالة الأنباء وجريدة فتح ومجلة فلسطين الثورة، وأخيرا صحيفة الحدث، التي كانت آخر مهامه فيها رئيسا لمجلس إدارتها وكاتبا للمقال السياسي الرئيسي فيها، وبفارق زمني يبدو كطرفة عين، كان رحيله مترافقا مع رحيل زملائه كما لو أن جانحة ألمت بهم، قبل ساعات من رحيل سامي رحل خالد أبو خالد الصاخب شعرا ونثرا وقتالا وحياة، وقبل أن يقام سرادق العزاء فيه لحقه سامي، كان رحيلا هادئا كما لو أن الراحلين خلدا إلى نوم عميق بعد عناء رحلة طويلة قاوما فيها التعب الجسدي بيقظة روحية لم تعرف السكون.

تحضرني أسماء كثيرة أسست فيلق الإعلام الفلسطيني، إعلام الثورة. غير أنني لم أذكر اسم واحد منهم خشية أن أنسى رفيقا أحق أن يذكر، وحسب آخر راحلين حتى الآن.. خالد وسامي، أن تمثل بغيابهم غياب رفاقهم جميعا مثلما نتمثل سيرة حياة كل واحد منهم التي كانت بين حدي الخطر والخطر.

للقدر تصاريف يعجز حتى الخيال عن تصورها، كأن ساعة توقيت توقفت عقاربها عن الدوران، حين مات سامي بهدوء وقبله خالد. ولأول مرة لم يشهد الراحلان ولم يشاركا في احتفالهم الأثير بانطلاقة ثورتهم.