السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أوكرانيا... أزمة للاستثمار وليس للحرب/ بقلم: نبيل عمرو

2022-02-13 11:50:29 AM
أوكرانيا... أزمة للاستثمار وليس للحرب/ بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

 

في السياسة تخلق أزمات من أجل استثمارها، وفي أزمة أوكرانيا التي تشد العالم كما فعلت أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا، يوجد استثمار أمريكي وروسي، نستدل عليه من حاجة كل طرف لتطوير نفوذه أو ترميم هذا النفوذ الذي تآكل وضعف، فبالنسبة لروسيا التي حوصرت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي من خلال التقدم الخطر لحلف شمال الأطلسي على مناطق نفوذها القديم، سواء في جمهوريات البلطيق أو في العديد من دول شرق أوروبا، ما جعلها معزولة داخل جغرافيتها المحدودة، وبالنسبة لروسيا كذلك ولبوتين بالذات فإن الحنين لعظمة الاتحاد السوفياتي ما يزال يراود مخيلته ليس وفق النمط الستاليني الفظ، وإنما بنفوذ أكثر فاعلية وليونة قوامه التحالف مع كيانات مستقلة وليس دويلات تابعة.

ويرى بوتين أن ما كان صعبا عليه زمن الانهيار السوفياتي، صار متاحا له بفعل استعادة روسيا لعافيتها وتعظيم تحالفاتها وتحسين قدراتها المالية والاقتصادية وخصوصا الصناعية منها، واقتحامها العديد من مناطق النفوذ التقليدية للخصم الأمريكي بما في ذلك الشرق الأوسط الذي كانت مكتوبة على بواباته عبارة بحروف أمريكية "ممنوع الدخول".

لم يحشد بوتين قوته العسكرية الضخمة على الحدود مع أوكرانيا لمجرد منع انضمامها للناتو، بعد أن أوسعتها روسيا تعجيزا وتمزيقا وحصارا من داخلها ومن حولها، وإنما كانت بمثابة استعراض صاخب للقدرات يخيف بها كثيرين ممن استخفوا بالوزن الروسي والذين تعاملوا مع انهيار الاتحاد السوفياتي كما لو أنه انهيار نهائي لروسيا ومجالها الحيوي.

إثارة بوتين للأزمة الأوكرانية سبقتها مشجعات ومغريات أهمها الانشغال الأمريكي في تغيير خرائط النفوذ التقليدي بفعل نهوض الخطر الصيني الذي انتقل إلى مرتبة الأولوية القصوى للاستراتيجية الأمريكية، فالصين ليست كما كان الأمر عليه زمن الأطلسي ووارسو أي زمن الحلف الثري ومنافسه الجائع الذي كان انهياره أسرع بكثير من بنائه، بل لأن المنافس الصيني ليس فقيرا وها هو يقلب المعادلات القديمة ليفرض معادلته الجديدة، ولا شك أن بوتين المتربص وقف على المغزى الذي انطوت عليه الهزيمة الماحقة لأمريكا في أفغانستان وكذلك الخلل الذي أصاب العلاقات الأمريكية الأوروبية خصوصا في حقبة ترامب الذي بلغ به الجموح والاستخفاف حد القول في أكثر من مناسبة "وما هو لزوم الناتو؟".

ثم إن بوتين كذلك يدرك مسبقا حجم رد الفعل الأمريكي والغربي عموما على تهديده لأوكرانيا حتى لو اضطر إلى التوغل العسكري على نطاق محدود.

كان بايدن نائبا للرئيس حين التهمت روسيا القرم وحين سخنت الأجواء حد الانفصال في شرق أوكرانيا، لقد أنقذ الأمريكيون نظام كييف الموالي بعد أن أطاحوا برجل موسكو هناك ولكنهم لم يغيروا بما يكفي من حجم التغلغل الروسي في الدولة البائسة وحصارها من حولها. 

هذا باختصار جديد جوهر الاستثمار الروسي في أزمة أوكرانيا، أما بايدن الذي تطارده أشباح الإخفاقات الاستراتيجية سواء تلك التي كانت زمن وجوده في إدارة أوباما أو التي حدثت في بداية عهده كرئيس من خلال الهزيمة المذلة في أفغانستان، وإفساح أمريكا المجال لتمدد روسي في الشرق الأوسط بقصد منها أو من دون قصد. بايدن هذا يبذل جهدا هائلا على حساب أوكرانيا البائسة لبعث دماء جديدة في التحالف التقليدي مع أوروبا ذات السياسات والمصالح المختلفة عن واشنطن، وكذلك لتعويض الخذلان الأمريكي والغربي عموما لأوكرانيا إثر اقتطاع القرم وتأسيس بؤرتي خطر دائم وانفصالي في شرق أوكرانيا، ثم وهذه أم الحكايات بالنسبة لبايدن أي تراجع شعبيته داخل أمريكا بحيث لم يحسنها قتل زعيم داعش بالصورة الاستعراضية التي تمت.

هل تقع الحرب باحتلال روسيا لأوكرانيا أو لبعض منها؟ هذا هو السؤال الأكثر تداولا على مستوى العالم كله... لا أحد يستطيع الجزم حتى صناع الأزمة بالإضافة إلى مستثمريها الأساسيين الروس والأمريكيين، ذلك أن اصطناع أزمة وإيصالها إلى حافة الحرب النووية والعالمية ربما ينتج معادلات غير محسوبة بمعنى أن تطورات أي أزمة كبرى يمكن أن تقود صانعيها وليس العكس، ذلك حدث كثيرا وفي أزمات كبرى أفضت إلى حروب أو إلى تسويات.

حالة أوكرانيا يصعب فيها الاستنتاج اليقيني لأن الطرف الأهم في اللعبة يحب الاحتفاظ بأوراقه وقراراته داخل خزنة فولاذية لا يمتلك مفتاحها سوى بوتين، أما الطرف الآخر الأمريكي والمسمى تجاوزا بالغربي فيبدو أنه لم يعد بيده غير بعض سلوك عسكري استعراضي في غاية المحدودية مع تركيز مبالغ فيه على السلاح المتوفر وهو العقوبات الاقتصادية وهذه لا تفعل الكثير عند بلد بحجم وإمكانات وتحالفات روسيا بطبعتها السوفياتية الجديدة والمنقحة.