الثلاثاء  19 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الجانب الأكثر ظلمة في الفعل الأمني اليومي لجهاز "الشاباك"( الجزء الثاني)

التجنيد

2022-05-20 08:29:35 AM
 الجانب الأكثر ظلمة في الفعل الأمني اليومي لجهاز
تعبيرية

الحدث- ترجمة الأسير إسلام حامد    

يعتبر جهاز الأمن العام "الشاباك" الإسرائيلي من أخطر المؤسسات الأمنية على المجتمع الفلسطيني، كونه يستهدف الإنسان الفلسطيني باعتباره العدو الدائم للكيان الإسرائيلي، وفي الواجهة الأكثر بروزًا لهذا الجهاز؛ شخصية الركاز[1] القائم على تنفيذ سياسات الجهاز الأمنية، وعليه تعتبر ترجمتي لهذه الدراسة محاولةً لتسليط الضوء أكثر على الجانب الأكثر ظلمة في الفعل الأمني اليومي للجهاز، وهي أيضًا كشف للغطاء الذي غلف قُبح الكيان الإسرائيلي ومؤسساته بالزيف والتضليل على من انطلى عليه ذلك.

ما هو السر في تجنيد أحدهم وهو في الأساس عدوٌ لك؟

المصدر يعمل في سبيل المال[33]، لكن أحيانًا تكون له أيضًا دوافع شخصية ونفسية[34]، وعليه كل المصادر يجب إظهار الاحترام المبالغ فيه لهم[35]، هكذا يتم رفع الخطورة والتي قد تأتي من المصدر، التحدي لضابط الشاباك في المنطقة هو في كيفية تحفيز المصدر بأن يتم تفعيله وتشجيعه.

التجنيد:

 مقابلة التجنيد دائمًا ما تكون مختصرة وصعبة، قبل كل شيء يجب التفكير في الآلية الناجعة والتي يمكن لها أن تقنع المصدر بالعمل مع الشاباك، الفرصة للمشغل هي عندما وافق -المرشح لأن يكون مصدرًا للشاباك- بأن يقابله، وهذا يعتبر أمرًا جيدًا عند حصوله، حينها قد تنجح التوقعات والتي تقود إلى الأفكار الإبداعية والخروج من الصندوق

 في العمق من كل ذلك، لكل شخص يوجد آلية تعامل، يجب أن يختار المشغل المكان بشكل مناسب جدًا والذي سيتم إجراء محادثة التجنيد فيه، والانتباه للأجواء العامة والكماليات، كل ذلك حتى يكون المصدر منتبه للسياق، ومنها أيضًا استخدام الدعابة ولغة الجسد والإيحاءات والتصرفات، وأن يكون اللباس ملائم للجو العام[36].

 الأهم هو عدم استهداف أحاسيس المصدر المرشح الشخصية حتى لا نصل إلى ردة الفعل السلبية والتي يجب ألا تكون، بالإضافة إلى عدم إغاظته أو تحقيره، على سبيل المثال: أحد الذين عمل حسون على تجنيدهم، قال: "إنه يخاف أن ينكشف"، فسأله على الفور: "لماذا تعتقد بأني كضابط شاباك لا أستطيع حمايتك؟"، وفي نهاية اللقاء أراد المصدر شرب القهوة، وشرب القهوة من طرف واحد يعتبر مؤشر مهم للطرف الثاني[37]. إذا لم نصل لاتفاق لا نشرب القهوة.

ما قدر المال الذي يتم دفعه للمصادر؟

  بشكل عام بحسب التحويل ووجود المال، ضابط الشاباك لا يتحدث بهذا الموضوع، لكن يمكن القول بأنهم يفضلون إعطاء المصادر مكافآت مالية حتى تجعلهم أكثر تبعية للشاباك، وهذا ما يجعل المصدر يعمل بجد في إرسال المعلومات، والجدل بين المشغل والمصدر حول رفع قيمة الحساب وليس على تلقي المال نفسه.

كيف يتم الجمع بين حياتين؟

 الأساس ليس الجمع بين حياتين، التباين في الحياة يجرح العواطف، الشاباك يحرص دائمًا على ألا يبدأ المصادر في كشف شكل حياتهم الجديد حتى لا يتم فتح العين، كأن يظهر فجأة مع سيارة أو ساعة باهظة الثمن، حدوث ذلك يجب ألا يكون[38].

في الخليل:

 عند وصول إيرز حسون للخليل طلب بأن يبسط سيطرته على كامل المنطقة الأمنية الخاصة به، وعليه تم توكيله بعدة أحياء في المدينة، الجزء الأكبر منها يعيش فيها مصادر ذات تصنيف عالٍ، ويعملون منذ زمن ليس بالقريب مع الشاباك، من بين تلك الحارات يوجد حي دائمًا يخرج منه عناصر حماس، والذين ينفذون العلميات التفجيرية، ولا يوجد أي مصدر في هذه الحارة[39]، بحسب ما تم فحصه فإن هذه الحارة تعتبر "ثقب أسود"، وعليه قرر حسون أن يبدأ بتجنيد المصادر البشرية في هذه الحارة.

لاحقا قام حسون بالتنسيق مع قائد كتيبة الجيش في المنطقة باقتحام الحارة من بيت إلى بيت، وعليه قامت القوات بتجميع جميع الرجال من جيل 18 إلى 35 وإرسالهم إلى مبنى الإدارة المدنية في الخليل[40].

وهناك تساؤل: لماذا يذهبون؟

 بحسب حسون هم غير ملزمين، ويستطيعون عدم الذهاب، لكن في النشاط التنظيمي والفاعلين فيه من الواضح بأنهم يفضلون عدم التهرب، وهذا من أجل أن يبرهنوا بعدم وجود سبب يخشونه في المقابلة، لكن هل يأتي الكل؟ على ما يبدو لا، يأتي عدة مئات!!

وعليه وضع طاولة أمام مبنى الإدارة المدنية وجلس حسون لتلقي الأجوبة من السكان، بدأوا بالوصول بعد تجميعهم الواحد تلو الآخر ليأخذوا منه التباليغ[41] لمقابلة ضابط المنطقة، التباليغ مجهزة بالتاريخ والساعة من أجل اختصار الوقت، وهكذا على مدار ثلاث ساعات تم توزيع أكثر من 400 تبليغ بنجاح، وخلال عدة أشهر تم إجراء المئات من المقابلات مع السكان على يد ضابط المنطقة الجديد، كل هذه المقابلات من أجل تجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات، والتي من خلالها يتم تشكيل صورة عما يجب أن يكون[42].

 حسون أضاف عنده من خلال ذلك كل المعلومات التي أمكن جمعها إلى مكتبه، كل معلومة وكل جزئية صغيرة يمكن أن نجعل منها موضوع محاضرة.

ماذا جرى في المقابلات؟

 بشكل محدد قرر حسون عدم تجنيد أي أحد ممن استدعاهم للمقابلة كمصدر للشاباك لسببين[43]: الأول عدم رغبته بحصول ضرر لكل واحد منهم، وهذا السبب جعله يطلبهم إلى مبنى الإدارة المدنية، وإذا تم تجنيد أحدهم سيتوقفون عن المجيء إلى المقابلة، والثاني من خلال خبرة حسون في عملية تجنيد المصادر، وبعدد كبير كما يرمز له، يتم التجنيد من خلال بناء قاعدة استخبارية عن المستهدف ويتم التعامل معه بناءً عليه.

حسون يلقب نفسه في كل مقابلة بأبي عصام[44] ركاز منطقة الخليل، قال لكل من قابلهم: "كل مشكلة أو ملاحظة أو تحذير تعود إليّ"[45]، وعليه من الممكن أن تأتي إلى قيادة المنطقة "الإدارة المدنية"[46] وتطلب مقابلتي وسأحاول أن أقدم المساعدة.

وصف تقريبي للحقيقة:

من المهم أن نقوم بالتمييز، فضابط المنطقة -الركاز- يعمل مكشوفًا، وهذا بخلاف المستعربين، وهو بائع بأحسن صورة له في المنطقة[47]، يقول حسون: "حقًا أنا بائع فقط باسم مستعار عربي "أبو عصام" والكل يعلم بأني "يهودي" ومسؤول المنطقة "ركاز". السكان يعلمون كيف يصلون إلى مكتبي من مكاني في الممر العام في مقر الكتيبة، أنا متواجد وأعمل هناك. لكن، الاتصال مع المصادر للتفريق بينهم وبين السكان يتم دائمًا في مكان سري وليس في مكاتب الشاباك الرسمية.

كيف يتم شرح عملية تجنيد شخص كمصدر لكنه رفض؟

 من تجربة حسون كضابط منطقة عمل لأكثر من 8 سنوات، قابل آلاف الفلسطينيين، وحاول تجنيد المئات، نجح بالفعل في مسعاه، لكن في نهاية الأمر لا يتعدى ذلك العشرات ممن عمل على تجنيدهم، وهذا نجاح بشكل ما. ويقول حول ذلك[48]: أنا أذكر بأنني استدعيت شخص كان ناشطًا في حماس وهو معروف لدي، أخبرني فور وصوله بأنه متزوج ولا يوجد لديه أولاد ووضعه المالي سيء، ويعلم بأنني ضابط المنطقة، وأنا الرابع الذي يستدعيه، وقال لي: "أعلم بأنك ستسألني عدة أسئلة وأعطيك الأجوبة، لكن وفِّر عليَّ الأجوبة بسبب أنه لا يوجد أحد في الكون يستطيع أن يقنعني بالعمل والاتفاق معكم، وأنا أفضل الموت على أن أكون عميلًا". وعليه رفعت يداي، هذه كانت محادثة لمدة أربع دقائق ولم يكن هناك مجال لأن أُكمل المقابلة، الأساس هو أنني حاولت، لم أنجح، تخطيت ذلك واستمريت.

ما هو شعور ضابط الشاباك عندما لا ينجح في تجنيد مصدر؟[49]

يتعلم ضابط الشاباك بأن عليه قمع مشاعره قدر الإمكان، والاستمرار بالعمل لإنجاح المهمة القادمة، على أن يُحاول التغيير وصنع تحول جذري في العمل، وأن يكون أفضل في الجولة القادمة. بحسب حسون كل الذين حاول تجنيدهم ورفضوا أن يعملوا كمصدر، هم قاموا بالعمل الخاطئ، الرفض يعود إلى اختيار خاطئ، هذا الاختيار صاحبه هو من يتحمل المسؤولية، وعليه يجب العلم أنه في المناطق يمكن أن يواجه ضابط الشاباك بكل تعقيدات الموقف، ولذلك لن تكون الإمكانيات متوفرة، في حقيقة الأمر عندما يتم استهداف شخص في عملية تجنيد، هذا فيما يتعلق بمن يرفض التجنيد، لكن قد يكون هناك أيضًا مصدر فاعل ويرغب في أن يتوقف عن العمل مع الشاباك ويقطع الاتصال، وعليه لا يجبر أحد على العمل مع الشاباك[50]. الفشل أحيانًا هو ما يكون ظاهرًا، لكن في الحقيقة هناك نجاح في قلب كل شيء.

نموذج عملي لحسون[51]:

وصل إلى حسون "ش" وشرح بأن السلطات الإسرائيلية ترفض إصدار تصريح له لدخول الكيان الإسرائيلي، ولا يوجد له عمل منتظم ودائم، وأنه سمع من خلال السكان في حارته بأن ضابط المنطقة يستطيع مساعدته، أجواء اللقاء وسياق الحديث كان سيَّال ومتدفق بشكل كبير، ومضطر به جدًا، شرح العديد من الأمور، منها صعوبة إمكانية زواجه بسبب سوء الوضع الاقتصادي وغير ذلك[52]، الضابط حسون عرف على الفور عدة أمور عنه، هو شاب يمتلك الكاريزما القوية ومتمكن، وهو شخص متدين وورع، مستمع جيد ومنتبه دائمًا، وعليه تم تقديمه كمرشح لأن يكون مصدرًا في حارته، والذي بدوره "الشاباك" سيقوم بمكافأته ومساعدته بكل الإمكانيات، وأهمها اقتصاديًا، لكن كل شيء كان متخبطًا حول الموضوع، سأل عدة أسئلة، وشرح بأنه يخاف من يوم القيامة كما هو عند المسلمين، ويخاف أن يدخل جهنم، وخشيته على أمنه الشخصي[53].

وعليه قام الضابط حسون بالاستشهاد بالآيات القرآنية والتي تمنع سفك الدماء، والآيات المتعلقة بالعلاقات بين المسلمين وأهل الكتاب "اليهود"[54]، وأيضًا تم استخدام وثائق وأمثلة والتي تحفزه بأن له كل الإمكانيات التي تضمن له حمايته الشخصية، ومع كل الإجابات التي تلقاها من حسون لم تكن كافيه له، وعليه قال "ش" بأن ضميره لا يسمح له[55]، حسون أنهى المحادثة بقوله إذا كان هو نادم فبابي مفتوح لك دائمًا، إلا أن الضابط المتمرس قام بأخذ كل ما أمكنه من "ش" من معلومات شخصية وعائلية وعاطفية شكلت قاعدة بيانات صلبة حول "ش"، عن طريقه وصل حسون إلى أخيه والذي تحول إلى المصدر "الأم الطائر"، طوال الوقت عمل مع الشاباك "الأم الطائر" كمصدر مهم وأخيه "ش" لا يعلم عنه شيء[56].

في ذكرى الذين سقطوا

من واقع الخبرة، عاد وقال حسون: "كانت في مشاعرهم المسيطرة على عقولهم، مع مرونة في الحسابات الشخصية"[57]، في إحدى الأيام هو يشرح كمثال: "وقفت بجانب بيت متعاون مع الشاباك -مصدر- رأيته جالسًا مع زوجته وأولاده، وفي مساء ذلك اليوم اتصل وقال لي بأن زوجته سألته مع من أنت تعمل؟ طلبت منه أن يحضر زوجته لمقابلتي، وهو وافق!! المفاجأة كانت من الزوجة عندما بدأت تتكلم معي في اللقاء وقالت لي: علمت من اللحظة الأولى بأن زوجي على اتصال معكم، لكن لم أستنتج السبب في إخفائه ذلك عني، من خلال حديثي معها تبينت بأنها ذكية ومؤثرة، بشوشة وذات مصداقية وتفاعلية، وعليه قمت بتجنيدها"[58].

بإثر ذلك تم إطلاق الاسم المستعار "الممثلة المئة" عليها وتكليفها بعدة مهمات تجريبية وكانت ناجحة بشكل كبير، لاحقًا كان زوجها يأتي بها إلى مقر الإدارة المدنية للقاء حسون، والذي كان يجهز التفاصيل وآليات العمل مع "الممثلة المئة"، وزوجها كان يجلس مع عناصر الأمن في غرفة مجاورة[59].

يقول حسون: في أحد الأيام سألتها لماذا تعملين معنا؟ قالت: كل السنوات الماضية كانت مثل البصلة، وهنا، ومن خلال التواصل مع الشاباك، نجحت في إيجاد نفسي وأن أكون ندًا[60].

صورة أخرى[61]:

 الاسم المستعار "الأزعر" تم تجنيده عن طريق كفوف يديه الحريرية، أو بشكل أدق مثل الصوف الناعم، كان شاب مسيطر في حارته، وعليه وجد حسون المدخل إلى تجنيده، يروي حسون ويقول: وصلت إلى بيته من أجل اعتقاله، والده طلب الرحمة وألا يتم اعتقاله، تحدث عن الاسترحام مرة بعد أخرى في أذني، وأن ابنه في جيل 18 سنة، ومتيقن بأن هناك خطأ ما.

  توجهت إلى الوالد وقلت له إذا كنت صادقًا في حديثك عن خطأ في الاعتقال، أنا سأقوم بالإفراج عنه وإعادته إليك بصحة وسلام بالضبط مثلما أخذته.

الوالد، والدموع في عينيه، أخذ يدي وقام بتقبيلها، ويضيف حسون، بشكل محدد اخترت إحدى الليالي الأكثر برودة في الخليل، نزلنا إلى موقع الكتيبة العسكرية "الجيش" والذين كانوا بانتظارنا، وعدت مجددًا مع الشاب الأزعر إلى بيته من أجل أن يأخذ معطفه ولِثامِهِ، العائلة كما أذكر شعرت بالكثير من الارتياح من هذا الفعل.

لاحقًا قمت بإرسال الشاب "الأزعر" إلى المعتقل، تبين أن الشاب مرهف الحس، مدلل جدًا ومريض بالنظافة "وسواس النظافة"، مرَّ يومان على دخوله المعتقل، حينها تلقيت اتصال من إدارة المعتقل يطلبون بأن أذهب إليهم فورًا، وشرحوا لي بأن الشاب "الأزعر" قام بأعمال شغب، ويصرخ "أخرجوني من هنا، هنا قذارة، وأنا لا أستطيع أن أتواجد أكثر هنا"، وصلت إلى السجن والتقيت به وقمت بتهدئته، وعلى الفور عرضت عليه أن يكون مصدرًا للشاباك، وهو وافق على الفور[62].

بعد الإفراج عنه من المعتقل تحول إلى مصدر، وقام بأعمال كثيرة لصالح الشاباك، بعد التواصل والحديث الشخصي أستطيع أن أقول بأننا تحولنا إلى أصدقاء.

في إحدى محادثاتنا تقريبًا، هو كشف لي عدة أمور عاطفية خاصة، بعد أن أصبح واعيًا في طفولته وعندما كان صبي صغير في المدرسة، كان يعتبر أنه يعاني من الكثير من المضايقات في كل المراحل التي تم ذكرها سابقًا، وأنا كضابط شاباك متمرس أصبحت مؤمنًا بأنه يعتقد بأنني أستطيع جعله يتغلب على المعاناة التي حصلت له سابقًا[63].

كانت الصدفة والتي جعلتها أكثر ارتباطًا من مصدر مشهور!! مع إثنين من الذين ارتبطوا وكانوا مصادر يعملون بشكل ذا بعد شخصي، هذا الأمر ربما حصل في كل المنظمات الاستخباراتية، السؤال المهم: إذا تعرضت حياة مصدر للخطر فكيف سيكون الوضع؟

----------------------------------------------------------------------------

[33] الأساس في تجنيد المصادر قائم على الإسقاط، ويتم ذلك بكل الطرق والوسائل الغير أخلاقية، وعليه يصبح الجانب المالي كتحصيل حاصل، مع التأكيد على أن مجمل المصادر الذين تم التحقيق معهم قدموا معلومات حول المكافآت المالية وكانت زهيدة جدًا، في مجملها لا تتعدى بضع مئات من الشواكل في أغلب الأحيان.

[34] من أبرز الأمثلة على الدوافع النفسية والشخصية ما حصل مع العميل عبد الحميد الرجوب من دورا الخليل، والذي ابتكر غرف العار "العصافير" بعدما تم استهدافه من قبل تنظيمه داخل السجون، والذي خرج على إثرها إلى الزنازين ومن ثم بدأ في تقديم الاقتراحات والاستشارات للشاباك في كيفية استخراج المعلومات من الأسرى الفلسطينيين، وما زال الأسير الفلسطيني يدفع ثمنًا غاليًا جراء وقوعه في غرف العصافير.

[35] السلوك الإيجابي الذي يقوم به ضابط الشاباك جزء من الخطة العامة والتي من خلالها يتم الإيقاع بالشخص المستهدف، مع التأكيد على أن الأصل في عملية التجنيد قائم على الإسقاط والابتزاز.

[36] من هنا تأتي أهمية دراسة علم النفس وبالأخص علم النفس الاجتماعي، حتى يتسنى لضابط الشاباك أن يتوصل للقرار الصحيح في عملية التجنيد المعقدة.

[37] لذلك من المهم جدًا أن يرفض الشخص المستهدف في المقابلة بأن يطلب الطعام أو الشراب بأنواعه لأنه يمثل رسالة إيجابية.

[38] المصادر لا يتم كشفهم في العادة بسبب مستوى معيشتهم المرتفع أو المتبدل، إنما اختلاف السلوك الاجتماعي والاضطراب النفسي ما يقود دائمًا إلى الكشف عن شخصياتهم، وكل ذلك يحصل في الوقت الذي يشكل المصدر دائرة الشك من حوله، والتي تعزز الشبهات حتى يتم فضح نفسه كمصدر.

·        "مكافأة العملاء وطبيعة عملهم" العنوان وما يحتويه مأخوذ من المادة التعليمية للدراسات العليا في سجن هداريم، مساق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

إن مكافأة العملاء بصورة عامة تعتبر مشكلة لجهاز الشاباك، ووجود مبالغ كبيرة معهم قد يؤدي إلى إثارة الشبهات من حولهم، إلا أن جهاز الشاباك يفضل دائمًا العميل الذي يتلقى أجرًا ثابتًا على أولئك الذين يتطوعون، وذلك يؤشر أن عدم قبول الأجر يدل على أن العميل لا يزال يجد صعوبة في تسليم الأهداف المطلوبة منه، وبالإمكان أن يتراجع عن تعاونه في أي لحظة، بل وربما يمكن أن يتحول إلى عميل مزدوج، حيث أن الحصول على أجر ثابت أو أجر مقابل كل معلومة ذات قيمة لا يعتبر فقط محفزًا للعمل، بل يربط هذا المبلغ العميل بالضابط ويجرمه أمام نفسه، الأمر الذي يجعل طريق العودة أصعب عليه كثيرًا إن لم يكن مستحيلًا.

وهناك عملاء من نوع آخر، يتعاملون ويرتبطون مع جهاز الشاباك من منطلق أيديولوجي، وهؤلاء قلة قليلة من بين العملاء، حيث يؤمن هذا الصنف من العملاء أن تعاملهم مع الشاباك سيقلص عملية سفك الدماء، ومن مهامهم العمل على تحسين صورة التعايش بين الشعبين، وعليه يقدمون المعلومات التي يعتقدون بأنها تلبي هذا الغرض، ويرفضون رفضًا باتًا تلقي أي مبالغ مالية، لأنهم يعتقدون أن تلقي المال مقابل خدماتهم يحولهم إلى خونة في نظر شعبهم.

الإشكال بالنسبة للضابط الميداني أو ضابط المنطقة هو في صعوبة معرفة ما إذا كان العميل الذي جنده سيبقى مخلصًا له أم لا، وعليه يتم إجراء الاختبارات للعميل بشكل دوري من أجل فهم وضعه النفسي والأمني جيدًا، والتعامل معه بناءً على ذلك، ومن هذه الاختبارات وضع العميل على جهاز فحص الكذب لضمان ولاء العميل من عدمه للشاباك الإسرائيلي.

[39] من المتعارف عليه في عموم الجمهور الفلسطيني أن الاحتلال الإسرائيلي قد اخترق جميع مناحي الحياة، لكن ومن خلال هذه الشهادة تبين أن مع الوعي المقاوم يمكن للجمهور الفلسطيني أن يعزل الظواهر الشاذة والتي حاولت الدخول عليه.

[40] وهذا ملاحظ على مدار السنوات الطويلة من الاحتلال المباشر للأراضي الفلسطينية بحيث يتم تجميع الناس بالجملة، وهذا يعتبر قبل كل شيء عقاب جماعي لجمهور المواطنين من جهة، ومن جهة أخرى رغبة ضابط المنطقة في تجنيد عنصر بشري كمصدر يمارس كل السبل والوسائل القمعية من أجل تلبية الاحتياجات الأمنية للكيان الإسرائيلي وهذا مقدم على كل القيم والأخلاق، فالغاية تبرر الوسيلة عند الكيان الإسرائيلي.

[41] التبليغ: هو إشعار يقدمه ضابط المنطقة للشخص المستهدف، ويحتوي على معلومات أساسية منها الاسم والمنطقة وعنوان إجراء المقابلة والساعة والتاريخ، ويعتبر المتخلف عن الاستدعاء مطلوب للاحتلال، وعليه قد يتم اقتحام البيت لاعتقال المستهدف أو تعميم اسمه على الحواجز حتى يتم اعتقاله.

[42] المترجم.

[43] قد يكون كذلك، لكن الأساس بالنسبة لضابط المنطقة هو استغلال الفرصة المناسبة للتجنيد وقد يكون بأي شكل.

[44] يتم تسمية ضابط الشاباك باسم مستعار "حركي" لعدة أهداف، منها إخفاء شخصيته الحقيقية تحت الاسم المستعار، كسر الحواجز النفسية بينه وبين عموم الشعب الفلسطيني والذي يتسمى بالكنية كأبي فلان.

[45] لا شك أن ضابط الشاباك يمتلك قاعدة بيانات واسعة عن الجمهور المستهدف، ويتم جمعها من خلال عدة مصادر، منها البشري والأهم التقني والذي دخل إلى كل بيت وشخص.

[46] الإدارة المدنية: وهي مبنى الحكم المحلي الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على المناطق المحتلة عام 1967م، وتم إنشاء إدارة مدنية في كل مدينة، تجمعها في الضفة الغربية قيادة واحدة والمتواجدة في مغتصبة بيت إيل شمال شرق رام الله، وتحتوي الإدارة المدنية على الفروع المتعددة كالتعليم والهويات والتصاريح والصحة والأشغال العامة والإطفائية. ومن جهة أخرى مكاتب للشاباك الإسرائيلي الذي ينظم ويتابع كل ما سبق بالإضافة إلى نشاطه الميداني.

[47] وهذه من أوضح الصور لضابط الشاباك، فالمهم لديه هو إحضار المعلومة بكل الكيفيات الممكنة، والتي قد تكون بالمال.

[48] القصة وما تحتويه دليل على أنه الشاباك لا يمتلك زمام الأمور، مع أن الشكل الخارجي لسيطرة الشاباك توحي إلى أنه متواجد في كل مكان، وعليه إن العنصر المنتمي إلى تيار المقاومة يمتلك من الدعامات الفكرية والأيديولوجية ما يحميه من الوقوع في حبال الشاباك وألاعيبه.

[49] ضابط الشاباك بشكل عام موظف يتلقى راتب شهري، فالمسألة ليست شخصية إنما هي بحسب الحاجة، إلا أن ذلك لا يعني وجود بعد نفسي للمسألة، وعليه قد ينقلب الأمر إلى الجانب الشخصي عندما ستكون الأخطاء أكبر وحجم الضرر أكبر.

[50] الشاباك ليس مؤسسة خيرية تخرج منها دون ضرر، وعليه يقوم الجهاز باستخدام كل السبل والوسائل التي تشكل ضغطًا قويًا على من يفكر بالانسحاب من العمل كمصدر، ويتم إجباره على التراجع.

[51] هذا النموذج يعبر عن مدى خطورة وانتهازية ضابط الشاباك، فهو من جهة كان مساهمًا في عدم إعطائه تصريح الدخول للكيان، كون ضابط المنطقة من يقرر ذلك، وكان من جهة أخرى المثال الذي يبحث عنه "ش" من أجل إيجاد حلول لإشكالياته.

[52] الانفتاح على ضابط الشاباك من الخطورة بمكان من يسلم نفسه إلى قاتله، وعليه الإشكال يكمن عند "ش" في عدم وجود صورة واضحة لديه عمن هو العدو ومن هو الصديق، كذلك من يمتلك مناعة المواجهة مع العدو لن يكون كمثال "ش".

[53] التخبط بين النوازع والواقع يقود إلى القرار الخاطئ، وهذا واضح من ضعف الوازع الديني، فلو كان قويًا لاستطاع التغلب على نوازعه دون الوقوع في هذا المطاف، ومع ذلك، المخاوف المطروحة تعبر عن الارتدادات السلبية الحتمية لعمل المصادر مع الشاباك، فكما يُقال نتيجة كل خائن الموت، ففي اللحظة التي يوافق فيها شخص ما على أن يكون مصدرًا للشاباك فهذا يعني أنه وقَّع على قرار قتله.

[54] وهذا جزء من الثقافة الواسعة التي يمتلكها ضابط الشاباك، وأيضًا يمتلك الأمثلة والقصص الشعبية والتي تعتبر المدخل لفتح نقاش مع الشخص المستهدف، وعليه يتم كسر كثير من الحواجز النفسية من خلال هذه المداخل المهمة.

[55] أزمة الضمير: قد تكون آخر ملاذ حتى لا يسقط أحدهم في وحل العمالة، لكن عند البعض يتم قهر الضمير بالنزوات، بحيث يصبح لا يسمع منه شيء.

[56] يتبين لنا كيف أن ضابط الشاباك قادر على استخدام المعلومات بشكل صحيح وإعادة توظيفها بما يخدم الوضع الأمني العام والذي يقوده الشاباك.

[57] البناء الأساسي للمصدر متواجد داخل حساباته، فهو يمتلك القابلية لأن يكون عميلًا نفسيًا وعاطفيًا، والأهم من ذلك المصلحة المتبادلة، في وقت من الأوقات كان العميل يمتلك من القوة والصلاحية في الميدان ما يجعله مؤثرًا على واقعه الاجتماعي، لكن وبعد محاربة هذه الظاهرة على أيدي قوى المقاومة الفلسطينية، أصبح وبشكل ملحوظ العميل النقطة السوداء والشاذة في المجتمع الفلسطيني.

[58] في مجمل الحالات المدروسة لنساء أصبحن مصادر للشاباك، كانت البداية من خلال السقوط الأخلاقي لهن، والذي قاد إلى السقوط الأمني.

                 المرأة الفلسطينية تعتبر نموذجًا في الصمود والتحدي، لكن ومن بين مجموع الشعب الفلسطيني يخرج العدد القليل جدًا من النساء لظروف اجتماعية قاهرة كما في كل المجتمعات، وبعد الابتزاز والإسقاط الأخلاقي يعملن كمصادر للشاباك الإسرائيلي.

                 وعليه يعلم الشاباك أن المساس بعنصر المرأة وبشكل مباشر يقود إلى ردات فعل اجتماعية مقاومة لمنسق الشاباك في المناطق، وهذا ما لا يريده، وعليه لم يغامر الشاباك كثيرًا في هذا المسار لأن المضار أكثر من المنافع، وهذا لا ينفي أنه قد حصل، إلا أنه يبقى ضمن الدوائر الضيقة، كالمثال المطروح هنا لا على الحصر.

[59] ليس من الطبيعي أن يقوم شخص بتسليم زوجته إلى ضابط المنطقة من أجل الحفاظ على سرية العمل الأمني بينهما، وعليه حدث كهذا يؤكد على أن الزوجة التي تقوم بالعمل الأمني على طريقة الشاباك ما هي إلا جزء من منظومة الإسقاط والابتزاز والاختراق للمجتمع الفلسطيني لصالح الشاباك.

[60] قد يصل الإنسان إلى أن يكون مسحوقًا اجتماعيًا، لكن لم يكن إنقاذ النفس من حالة التردي تلك بالعمل لصالح العدو، إنما بالبحث عن عوامل النقص في الذات، والبحث عن التغذية الإيجابية لها، وتقويم الخطأ، لا أن يرتمي في شباك العدو القاتلة.

[61] هذه الصورة وإذ تتكرر على مداد عمليات الاعتقال اليومية تعبر عن مدى اللاإنسانية التي يتمثل بها ضابط الشاباك، وهذا ما يؤكد دومًا على الغايات السوداء لهذه المنظومة الاستبدادية والتي تتلذذ بسحق كرامة الإنسان الفلسطيني.

[62] وعليه يستغل ضابط الشاباك الفرص ليقوم بعملية الابتزاز لتنفيذ مخطط التجنيد، والذي يكون مدروسًا بشدة مسبقًا.

[63] هذا النوع من التبرير أصبح عند الأشخاص تقليدي جدًا، وعليه لا يستوي وجود إشكالية عاطفية يتم حلها من خلال من يضطهد شعب بأكمله.

[64] قد تكون هذه الجملة من أهم ما قيل في هذه الأوراق، فضابط الشاباك والذي يبحث دائمًا عن أفضل الفرص لحماية أمن الكيان دائمًا، ما يعتبر كل المصادر أداة لا أكثر من ذلك.