الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

صراع الغاز بين إسرائيل ولبنان.. ورسالة طائرات حزب الله المسيرة

2022-08-10 08:32:25 AM
صراع الغاز بين إسرائيل ولبنان.. ورسالة طائرات حزب الله المسيرة

خاص الحدث

وصول الحفارة العائمة لشركة Energian اليونانية البريطانية إلى الحدود البحرية بين فلسطين ولبنان في 5 حزيران يونيو الماضي (على بعد حوالي 80 كيلومترًا من الساحل الإسرائيلي)، تمهيدًا لبدء إنتاج الغاز من حقل كاريش؛ فاقم التوترات بين إسرائيل ولبنان بسبب الخلاف بينهما حول موضوع ترسيم الحدود البحرية، وأثار ردود فعل وتهديدات قاسية من مختلف الأطراف والأطياف السياسية في لبنان.

يقول اللبنانيون إن جزءًا من حقل كاريش موجود في الأراضي اللبنانية وأن الإنتاج منه المقرر في الربع الأخير من عام 2022 يضر بالمصالح اللبنانية. بينما أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاب شديد اللهجة ألقاه في 9 يونيو 2022، أن استخراج الغاز من حقل كاريش هو خطوة عدوانية تجاه لبنان ومحاولة لنهب ثرواته الطبيعية، وهدد بأن حزب الله لديه المقاتلين والقدرات اللوجستية والاستخباراتية لمنع إسرائيل من القيام بذلك. وأكد أن القضية لا تقل أهمية عن تحرير الأراضي اللبنانية، وأنه شخصيًا لا يخشى الصراع مع إسرائيل، التي يقول إنها تعترف بقدرة الحزب على إلحاق أضرار جسيمة به.

وفي هذا السياق، أرسل حزب الله أربع طائرات بدون طيار غير مسلحة باتجاه حقل كاريش (واحدة في 29 يونيو وثلاث في 2 يوليو)، وقد اعترضتها إسرائيل. كان هذا العمل بمثابة تحرك واعٍ وموجه ضد إسرائيل وفي نفس الوقت تجاه مختلف الأطراف في لبنان. الشق المتعلق بإسرائيل، كان الهدف هو الردع في المقام الأول، مع الأخذ في الاعتبار إظهار التصميم على تنفيذ تهديدات نصر الله بالقيام بعمل عسكري أيضًا في المستقبل لمحاولة إنشاء معادلة ردع جديدة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في المجال الجوي والبحري أيضًا على حساب التصعيد والمخاطرة بالصراع. في مواجهة الأطراف المتنافسة والرأي العام في لبنان، من المهم لحزب الله أن يثبت مكانته كـ "حامي لبنان" خاصة في ظل الدعوات من بعض الأطراف اللبنانية بنزع سلاحه تلبية لرغبات أمريكية وغربية.

يرى نصر الله أن استخدام الطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي هو نوع من التوازن الاستراتيجي لتفوق إسرائيل الجوي الإقليمي. علاوة على ذلك، زاد حزب الله مؤخرًا من استخدامه للطائرات بدون طيار للتصوير في خدمة دعايته العسكرية ضد إسرائيل، حيث يقوم تقريبًا بشكل يومي بمراقبة أعمال البناء على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. منذ حوالي ثلاثة أشهر، توغلت طائرة صغيرة بدون طيار في عمق المجال الجوي الإسرائيلي. وتفاخر نصر الله، العام الماضي بأنه "منذ أن بدأ تشغيل نظام الدفاع الجوي لدى الحزب تمكن من تقليص حرية الحركة الجوية الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية. وفي 5 أبريل 2022، تم تأكيد التصريحات من قبل قائد القوات الجوية الإسرائيلية المنتهية ولايته، اللواء عميكام نوركين، الذي اعترف في مقابلة أمام الكاميرات قائلاً إنه في العام الماضي، تضررت حرية إسرائيل في العمل في لبنان بالفعل.

لقد أشاد أنصار حزب الله في لبنان بإطلاق الطائرات بدون طيار، لكن أطرافا أخرى في لبنان رفضت ما قام به الحزب، وهو ما أوقع اشتباكا لفظيا بين أنصار الطرفين. وانتقد مناصرو حزب الله بشكل علني ومباشر القيادة اللبنانية التي تفضل المسار الدبلوماسي. في المقابل أشار الوزير عبد الله بو حبيب إلى أن خطوة حزب الله تمت خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي، وبالتالي فهي غير مقبولة بل تعرض لبنان للخطر. حتى أن بو حبيب أعرب عن دعمه للجهود التي يقودها الوسيط الأمريكي عاموس هوشستين للتقدم بالتسوية بين إسرائيل ولبنان، وطالب بتسريع المفاوضات، وقدر أن هناك فرصة لاختتامها بحلول سبتمبر. ولمح إلى أنه يتوقع من حزب الله التحلي بالمسؤولية والوفاء بالتصريحات السابقة، والتي بموجبها سيدعم قرارات قيادة الدولة في هذا الشأن.

في 25 أيلول رد حسن نصر الله على الوزير بو حبيب بشكل ضمني، وهدد بأنه في حال بدأ استخراج النفط والغاز من كاريش في سبتمبر "قبل أن يأخذ لبنان حقه، فنحن ذاهبون إلى مشكلة، ووضعنا هدفا، وذاهبون إليه من دون أي تردد، وكل ما يحقق هذا الهدف سنلجأ إليه". ورأى نصر الله أن "الدولة اللبنانية عاجزة عن اتخاذ القرار المناسب الذي يحمي لبنان وثرواته، لذلك فإن المقاومة مضطرة إلى اتخاذ القرار".

وشدد نصر الله في مقابلة صحفية على أن "الهدف هو أن يستخرج لبنان النفط والغاز، لأن هذا هو الطريق الوحيد لنجاته". وأوضح أن "الدولة اللبنانية قدمت تنازلا كبيرا من خلال ما طلبته من الوسيط الأمريكي عندما تحدثت عن الخط  الـ23+، مشيرا إلى أن "الكرة الآن ليست في ملعب لبنان؛ لأنه هو الممنوع من استخراج النفط والغاز في المنطقة غير المتنازع عليها".

ويعارض حزب الله من حيث المبدأ إجراء اتصالات مباشرة مع إسرائيل، وهو ما قد يعني ضمناً الاعتراف بها أو فتح باب لإقامة علاقات اقتصادية وسياسية معها، لكنه لم يستطع منع وجود مفاوضات بشكل كامل، والتي تم تعليقها وإيقافها لأكثر من عقد من الزمان. لكن استئناف الاتصالات الدبلوماسية بوساطة أمريكية اليوم، في ضوء الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، يضعه في وضع إشكالي: من المهم أن يؤثر حزب الله بل ويمنع أي اتفاق محتمل قد يتضمن تسوية إقليمية-اقتصادية أو مصحوبة بسمات التطبيع مع إسرائيل، لذلك يحاول تصويرها على أنها تعمل ضد مصالح لبنان وضد قيادته.

حزب الله منزعج بشكل خاص من التغيير الملحوظ في الموقف الرسمي للبنان من مسألة الخلاف على ترسيم الحدود مع إسرائيل، والذي يتمثل هدفه الأساسي في العودة إلى المسار الدبلوماسي. بعد وصول منصة كاريش، استدعى اللبنانيون الوسيط الأمريكي إلى بيروت وفي لقاءات معه (13-14 يونيو) وعُرض عليه اقتراح تسوية يعكس ليونة في موقف ومطالب لبنان مقارنة بما تمت صياغته في العامين الماضيين.

يتألف الاقتراح اللبناني من ثلاثة عناصر رئيسية: 1) سيتبنى لبنان مرة أخرى موقفه المألوف في الماضي، المتمثل في ترسيم الحدود على طول الخط 23. 2) جميع الأرباح من الغاز المنتج من حقل قانا للغاز هي من حق لبنان، 3) لن تنتج إسرائيل الغاز من حقل كاريش إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق. تم تقديم هذا الموقف في 24 يونيو من قبل هوشستين إلى الجانب الإسرائيلي، لكن لم يتم إعطاء رد رسمي من إسرائيل بعد.

ليس من الواضح في هذه المرحلة ما إذا كان حزب الله ينوي تنفيذ تهديداته بمهاجمة الحفارة، بالنظر إلى رد الفعل الإسرائيلي والدولي المتوقع على مثل هذه الخطوة. وبغض النظر عن احتمال وقوع رد عسكري إسرائيلي والخوف من التصعيد الذي قد يلحق ضرراً جسيماً بمصالح لبنان، والذي هو أيضاً في أخطر أزمة عرفها في تاريخه، فإن الهجوم على منشأة مملوكة لشركة Energian سيؤدي إلى إشكالية دولية لمكانة المنظمة الدولية. وتجدر الإشارة إلى أنه عقب تهديدات نصر الله في 9 يونيو، استدعت وزارة الخارجية اليونانية المندوب اللبناني في أثينا واحتجت على ذلك.

وفيما يلي بعض المعالم الرئيسية في تطور المفاوضات بين لبنان وإسرائيل حول هذا الموضوع:

في الجولة الأولى من المفاوضات بين إسرائيل ولبنان حول ترسيم الحدود البحرية (2010-2012) بوساطة الأمريكي فريد هوف، قدم لبنان موقفًا بموجبه تكون الحدود البحرية مع إسرائيل عند النقطة 23. وظلت هناك فجوة تبلغ 860 كيلومترًا مربعًا بين هذا الخط والخط الذي تم اقترحته إسرائيل. لكن جهود هوف باءت بالفشل بسبب عدم استجابة لبنان للتسوية التي اقترحها والتي قبلتها إسرائيل، والتي بموجبها سيتم تقسيم المنطقة المتنازع عليها بين لبنان (55٪) وإسرائيل (45٪).

عملية الموافقة على الخط 29، التي يلتزم بها حزب الله، كموقف رسمي للبنان، لم تكتمل حتى الآن وليس لها أساس قانوني. أوقف الرئيس ميشال عون الموافقة النهائية للحكومة اللبنانية، ومنع إحالتها إلى مجلس النواب للمصادقة عليها. وأصبح الموقف اللبناني أكثر صلابة، وقد تسبب ذلك في توقف الجولة في 2020.

حاول الأمريكيون مرة أخرى التوسط بين الطرفين ابتداء من نوفمبر 2021 وأرسلوا كبير مستشاري الطاقة في وزارة الخارجية، عاموس هوشستين، للتوسط بين الطرفين، لكن بعد عدة جولات من المشاورات مع الإسرائيليين واللبنانيين، لم يحرز هوشستين أي تقدم.

وتبدو إسرائيل عازمة على تعزيز إنتاج الغاز من كاريش، انطلاقا من مزاعمها أن هذا الحقل في "مياهها الاقتصادية"، والأكثر من ذلك، فإن اقتراح التسوية للحكومة اللبنانية يوحي بذلك. ويحاول الجيش الإسرائيلي التأكيد أن اعتراضه للطائرات المسيرة بعيدًا عن منصة الحفر دليل قدرة إسرائيل على حماية المنصة وإحباط محاولات إلحاق الضرر بها.

وتجدر الإشارة إلى أن التقديرات الإسرائيلية هي أن حزب الله حاول استفزاز إسرائيل بإرسال الطائرات بدون طيار من أجل أن ترد عسكريا ليقوم هو الآخر بالرد وبالتالي نسف المحاولة الدبلوماسية الحالية للتوصل إلى حل وسط، والتي تبدو أكثر جدية من سابقاتها. لذلك، في هذه المرحلة، تعمل إسرائيل على التركيز في العملية الدبلوماسية وحتى النظر في تسويات اقتصادية لصالح التنازل في الموقف. بالتزامن، تعمل إسرائيل على تصوير دور حزب الله في القضية بالسلبي، وتحاول إظهار الحزب على أنه يمنع الحل الذي يساعد لبنان مالياً بل ويعرض أمن مواطنيه للخطر دون استشارة السلطات المخولة بذلك في لبنان، وذلك من أجل تعميق الانتقاد الداخلي له.