الأربعاء  24 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"عرين الأسود" في عيون الصحافة العبرية

"السّردية الإسرائيلية خطاب يجب الحذر منه"

2022-11-02 12:22:40 PM
عرين الأسود

الحدث- الأسير إسلام حامد

في الآونة الأخيرة اشتغل الإعلام الإسرائيلي لمتابعة مجموعات "عرين الأسود" وفعالياتها المقاومة ومدى تأثيرها وتأثرها بالمجتمع الفلسطيني وكيفية تحولها إلى نموذج، وحتى نفهم خلفية الإعلام الإسرائيلي وتناوله لظاهرة "عرين الأسود" تقدم هذه السلسلة من المقالات بعض الملامح التي يجب الانتباه لها جيدًا ونحن نتعامل مع الإعلام الإسرائيلي لعدة اعتبارات لا على الحصر منها: أن هذا الإعلام يعود في أدبيته إلى مرجعية شاملة وجامعة لكل ما يشكل ويركب الكيان الإسرائيلي الاستعماري المستند إلى مشروع الحركة الصهيونية القائمة على مبادئ ومرتكزات من اللازم أن تكون معلومة للجميع؛ لذلك علينا التذكير بها دائمًا حتى نبقى على اتصال واع لكل ما يحاك لنا، ومنتبهين للمخاطر  المحدقة بالشعب الفلسطيني وقضيته المباركة.

 وتشمل هذه المبادئ مركزانية العقل الإسرائيلي الموروثة على المركزانية الأوروبية القائمة على العنف والقهر والاستيلاء وتصنيف الآخر والتمايز معه، وصولًا إلى إلغائه والعمل على نفيه، وهو هنا "الكل الفلسطيني"، وتقوم أيضًا على الاستيطان الإحلالي الاستعماري وفردانية العرق اليهودي المقدس عند أصحابه، الذي يعتبر باقي أعراق البشرية تحت مفهوم الدونية والاحتقار وغيرها الكثير من محددات الحركة الصهيونية التي تشكل أيضًا الإعلام الإسرائيلي باعتباره جزءًا أصيلًا من المشروع الصهيوني.

 وللمفارقة هنا يتبنى الإعلام العبري إحدى أخطر النظريات الإعلامية التي سطّرها وأنشأها المتحدث باسم ألمانيا النازية " غوبلز " التي أصبحت تعرف باسمه وتقوم على أن:

  1. الرأي الأول هو الرأي السائد.
  2.  مهما كان صوتك قويًا فأنت بحاجة إلى قوة خلفك.
  3.  السيطرة على وعي الناس.
  4.  أن تكرار الفكرة أو الخبر سيؤدي إلى أن يتعامل الناس معها على أنها حقيقة.

 هذا ويتجنب الإعلام الإسرائيلي دائمًا إلى جانب المؤسسات الصهيونية المختلفة ضد القضايا الفلسطينية بما يخدم النظرة الشاملة والرواية الموجهة إلى الجمهور الصهيوني من أجل تشكيل وعي موجه زائف يتم من خلاله هندسة الجمهور الإسرائيلي في محاولات لا تنقطع من تشويه للحقائق باستعارات كاذبة وقيم أخلاقية مدّعاة التي لطالما تقهقرت وبان زيفها أمام سطوة الواقع الذي يفرض معادلته العادلة رغم كل شيء.

ويأتي كل ما سبق في سياق المعركة المفتوحة التي يخوضها الكيان في كل المجالات ضمن مظلة أيديولوجية صهيونية قاهرة تعمل بكل قوتها على سحق الرواية الفلسطينية في تكامل بين الإعلام العبري المصنف "بالكيان" باعتباره مؤسسة مدنية، وبين المؤسسة العسكرية والأمنية الصهيونية التي تدير المشهد الإعلامي والسياسي وغيرها من كل الزوايا؛ سعيًا لتحقيق الهدف الذي يخدم المشروع عبر تقديم خطاب الهيمنة الصهيونية المركزاني في مواجهة كل ما يقابله ويناهضه ويعمل على مقاومته، ويتم ذلك عبر الضابط الأساسي القائم على النظام المعرفي الصهيوني المرتكز على الثقافة الأمنية والتلاحم التاريخي مع السّردية الصهيونية والربط الدائم مع الدين كمقدس لا يمكن تجاوزه كونه المؤسس للرؤية والرواية الصهيونية المعاصرة.

 لذلك فإن ما يقدمه الإعلام الإسرائيلي من خطاب السيطرة والهيمنة المتوافق مع السردية الصهيونية الاستعمارية يعمل من أجل الوصول إلى أن يسيطر على أدوات تفكيرك لوضعك في مسار محدد لإعادة تشكيلك وتنميطك بما يتلاءم والأحداث الأمنية المرسومة لذلك سعيًا كما أشرنا سابقًا في خدمة المشروع الصهيوني الاستعماري.

وعليه ونحن نتابع الإعلام الإسرائيلي بكل مركباته وأدواته علينا أن نستحضر كل ما تم تقديمه هنا في قراءة متفحصة ومتأنية بكل ما يُذكر عبر الإعلام العبري كي لا نقع في براثن خطابه الاستعماري الموجه الذي يعمل على تضليل الحقائق وتزييف الوقائع.

 الخطورة هنا تكمن فيما يتم تضمينه في الأخبار والمتابعات الإعلامية حول مجموعات "عرين الأسود" من معلومات استخباراتية موجهة ومضللة من قبل أجهزة أمن العدو بهدف التلاعب أو إرباك المقاومة الفلسطينية ومشروعها النضالي الفريد.

لاحقًا يتم أخذ تغذية راجعة من قبل تلك الأجهزة الأمنية عبر عدة وسائل منها ما يتم نشره من مواقف وبيانات ومقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يقدم عبر العملاء الذين تسللوا في جنح الظلام من أجل الحصول على المعلومات الذهبية، وصولا إلى ما يتم تلقيه من سيل المعلومات التي لا تقدر بثمن عبر التنسيق الأمني الذي تقوم به أجهزة أمن رام الله التي تعمل على مدار الساعة على وأد ظواهر المقاومة الفلسطينية خدمة للمشروع الصهيوني الاستعماري.

 هذا وبعد الحصول على تلك المعلومات تقوم أجهزة أمن الكيان بقراءتها وتحليلها وتشكيل الخطط العملياتية التي من خلالها يمكن استهداف المقاومة الفلسطينية في مواقع تجمعها وفي عقر دارها، وإنهاء الهدف المرصود بتحييده عبر الوسيلة المناسبة لذلك الحذر ثم الحذر من الإعلام الاستعماري.

"الاغتيال وتغيير الاتجاه"

من خلال النقاش المتواصل عبر المحللين في الإعلام العبري يتم التطرق بشكل أكثر عمقًا حول الأفكار والاستراتيجيات التي تعبر عن خلفية العمليات والإجراءات العسكرية المتبعة في محاربة المقاومة الفلسطينية، ويتم تقديم الفكر العسكري الصهيوني العملاني باعتبار أنه متحرك وديناميكي ليس بالتخطيط والإعداد بل في قلب المعركة عندما يصطدم بالمقاومة التي تجبره عند الضرورة على تغيير الاتجاه.

     قد يظن المرء للوهلة الأولى أن تغيير الاتجاه يأتي استجابة لظروف المعركة بشكل أساسي؛ لكن  لا يمكن إغفال أن تغيير الاتجاه العملياتي القائم على فشل الخطة التي دخلت قوات العدو للمعركة من خلالها، كما حصل في حرب لبنان الثانية (تموز2006)، حيث قوبلت قوات العدو الغازية للمناطق اللبنانية في مقاومة لم يعهدها من قبل مما أوقع العدو في خسائر كبيرة لا يمكن احتمالها تحديداً في صورة الجندي- الخارق الذي لا يقهر- تبين أنه من السهل التغلب عليه لإعادة قراءة المشهد الميداني واختراق عوامل قوة العدو، والأهم إعادة توزيع عناصر المقاومة في مساحات متباينة التي تعمل على استهداف القوات الغازية وإفشال مخططاته، وأيضاً استخدام الوسائل الغير معهودة سابقاً التي فاجأت الجميع مما غير المعادلة لصالح المقاومة في لبنان.

 الأكثر خطورة على العدو هو الانتصار عليه في معركة الوعي؛ مما عزز الروح القتالية لدى المقاومة والتأثير المباشر على عواطفهم ومدركات عقل العدو؛ ليساهم ذلك في الانتصار العملي في ميدان القتال، نقطة التحول كانت في عملية اغتيال المجاهد في عرين الأسود "تامر الكيلاني" التي تناولها الإعلام العبري باستفاضة مع تبنيه رواية المنظومة الأمنية التي أنكرت علاقتها بالاغتيال حتى  اللحظة التزامًا بنظرية "الضبابية" بما يتوافق ذلك مع احتياجات المنظومة الأمنية الصهيونية وتقديراتها للاغتيال وكيفية الاستفادة منه تحقيقًا للأهداف التالية:

  1. اعتبارها تغيير تكتيكي عسكري وهو في الأساس اعتراف ضمني من قبل العدو بخطورة الميدان وما فرضته مجموعات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها "عرين الأسود" من  خطورة حقيقية على قوات العدو الصهيوني التي تنفذ عملياتها العسكرية الخاصة بالشكل الكلاسيكي المعهود في الضفة الفلسطينية منذ سنوات طويلة مما زاد بنسبة الخسائر وتهديد حياة الجنود  وتعريضها للخطر كما حصل بالأمس القريب في العملية الواسعة التي قام بها العدو في البلدة القديمة في نابلس، حيث تم اكتشاف القوات الخاصة مما أحبط أهداف العملية إلى حد كبير، وتعريض حياة الجنود للخطر الشديد عدا عن استخدام كبير للقوات على اختلافها في مظهر استعراضي أكثر منه عملياتي كون الهدف المرصود كان يمكن استهدافه جوًا بحسب الإعلام العبري.

هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب التنبيه إلى أن الاغتيال الأخير يصب في مصلحة العدو الصهيوني من اتجاهات عدة:

أ‌.   تضيق الحيز المكاني على المجموعات المقاومة باعتبار أن كل زاوية أو أداة كالدراجة النارية المستخدمة مؤخرًا في الاغتيال يمكن أن تشكل خطر على حياة المقاومين، وعليه الحد من تحركاتهم وفعالياتهم القتالية أو الأمنية في الميدان.

ب‌.   الوقاية من وقوع قوات العدو في كمائن مجموعات للمقاومة ليكون الاغتيال المركز إحباط موضعي ذات فعالية عالية ونتائج متعددة قد لا تتحقق في العمليات العسكرية التقليدية.

ت‌.   كما أن عمليات الاغتيال المركز تقدم صورة أقل وهجًا من الدخول في معركة قتالية ميدانية تستمر لساعات ستؤدي إلى تحريض المجتمع الفلسطيني أكثر مما يقوده إلى دخوله في المعركة من خيارات المقاومة الشعبية الشاملة، وأيضًا أقل إحراجًا لسلطة رام الله وأجهزتها الأمنية التي تعتبر رديفًا أمنيًا للعدو في المناطق الفلسطينية تحت مظلة "التنسيق الأمني" باعتبارها جسم متفرج بقواتها المتعددة أو مشاركة وداعمة لعملياتها أو لعمليات اقتحام الجيش واستهدافاته للشعب الفلسطيني من خلال سيل المعلومات الذهبية التي تقوم بتقديمها لأجهزة أمن العدو عبر التنسيق والارتباط الأمني الوثيق بينهما، ولكن يجب عدم انكار بعض العناصر الحية بظواهرها الفلسطينية الحرة حيث تقوم بين الحين والآخر بتنفيذ أعمال مقاومة ضد الاحتلال في مخالفة للتعليمات العسكرية الصادرة عن قيادة أجهزة أمن رام الله.

ث‌.   عدم الدخول في مساءلة قانونية دولية أو إدانات قد تؤثر إلى حد ما على الفعالية العسكرية الصهيونية.

  1.  الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي ستتم بعد أيام كعامل جذب للناخب اليميني لصالح الحكومة الحالية برئاسة "لابيد" وبأنه القادر على اتخاذ قرارات نوعية تضمن أمن الكيان من منطلق امكانياته القيادية؛ لذلك لجأ إلى تجديد سلاح الاغتيال بعد توقفه منذ خمسة عشر عامًا لاعتبار تأثيره  الواضح على الشارع الإسرائيلي، وعليه كان الحادث الأخير الاغتيال المركز للمجاهد "تامر الكيلاني"  تغيير اتجاه لاتجاه العمليات الميدانية العسكرية والأمنية التي تقوم بها قوات العدو الواجب قراءتها جيدًا والحذر من التهاون بمخرجاتها باعتبار إمكانيات العدو المختلفة التي تقوده إلى استخدام وسائل عدة من أجل تنفيذ عمليات الاغتيال المركز في عملية ردع للوعي المقاوم وبما يخدم مصالحه الأمنية إلى الاستجابة الديناميكية التي فرضت عليه بعد تصاعد فعالية المجموعات المقاومة الفلسطينية، وحضورها العسكري الميداني، وامتدادها الجماهيري الشعبي؛ ليصبح تغيير الاتجاه عنوان العمليات الأمنية والعسكرية الصهيونية في مناطق القطاع الفلسطينية.