الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حكومتنا الاشتراكية.. وتأميم الممتلكات الخاصة/ بقلم: د. حسن أبولبده

2022-11-27 11:43:53 AM
حكومتنا الاشتراكية.. وتأميم الممتلكات الخاصة/ بقلم: د. حسن أبولبده
د. حسن أبولبده

قررت حكومتنا الرشيدة في اجتماعها بتاريخ 14/11/2022 وقف إجراءات ترخيص مشاريع إنشاء الكسارات والمحاجر، ووقف القائمة منها بدون ترخيص نهائي عن العمل إلى حين تصويب أوضاعها. وكذلك اعتبار منتجات الكسارات والمحاجر موردا وطنيا يتم منحه وفق مبدأ الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص. 

للوهلة الأولى يبدو القرار في شقه الأول إجراءً إدارياً إصلاحيا، ولكنه في شقه الثاني يكشف عن محاولة جديدة من الحكومة لمزاحمة القطاع الخاص في عمله والاستئثار بمورد مهم من موارد الوطن الطبيعية، إضافة إلى التعدي على الأملاك الخاصة خلافا للقانون، نظرا لكون الأغلبية الساحقة من الكسارات والمحاجر القائمة حاليا والتي ستقوم لاحقا موجودة على أملاك خاصة، ولا تملك الحكومة حق التصرف بها. وبذلك فإن هذا القرار غير قانوني وغير دستوري.

حتى نضع الأمور في نصابها، فإن مضمون القرار مخالف للمادة 21 من القانون الأساسي التي تنص على أن النظام الاقتصادي في فلسطين يقوم على أساس مبادئ الاقتصاد الحر، وأن حرية النشاط الاقتصادي مكفولة، وأن الملكية الخاصة مصونة.  ويخالف أيضا المادة (6) من قانون المصادر الطبيعية التي تنص على أنه يعتبر ملكية عامة ما يوجد من مصادر طبيعية ضمن الأراضي الفلسطينية والمياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها، ما عدا مواد البناء كالأحجار الجيرية والرملية والرمال التي توجد في المحاجر أو المقالع المملوكة للغير، إضافة إلى مخالفة جميع مواد الفصلين الخامس والسابع من ذات القانون.

إن صدور هذا القرار على الرغم من العلم اليقين بأنه مخالف للقانون يضاف إلى سجل مخالفات قانونية ودستورية عديدة لهذه الحكومة، خاصة في ما يتعلق بمصادرة حقوق القطاع الخاص والمستثمرين بالاستثمار الآمن في الوطن، المحصن بمنظومة قوانين وتشريعات تحمي الملكيات الخاصة. وكان الأحرى بأمين عام مجلس الوزراء (وهو المسؤول عن دراسة كافة مشاريع القرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء قبل صدورها) دراسة قانونية القرار وعواقبه على القطاع الخاص والبيئة الاستثمارية، ونصح رئيس الوزراء بعدم وضع هذا القرار على جدول أعمال المجلس، ارتجالا، وهو يعلم ربما بمخالفته الجسيمة للقانون، خاصة وأنه محاط بمجموعة مستشارين قانونيين لديهم خبرة واسعة في دراسة قانونية ما يعرض على مجلس الوزراء، وإن اللائحة الداخلية لمجلس الوزراء تلزمه بذلك حتى لا يقع المجلس ورئيس الحكومة بالغفلة وإصدار قرارات تشوبها أي شائبة في الغاية أو المضمون، ناهيك عن أن القرار صدر بتوصية من وزير الحكم المحلي على الرغم من أن وزارة الاختصاص هي الاقتصاد الوطني، التي لم يكن وزيرها حاضرا في جلسة المجلس عند صدور القرار، وهذا بحد ذاته يشكل مخالفة صريحة للائحة عمل مجلس الوزراء.

من حق أي مواطن والرأي العام أن يسأل عن دوافع إصدار القرار في هذه الظروف، خاصة في ضوء الغليان في محافظة طولكرم حول موضوع المحاجر والكسارات تحديدا.  ولنا أن نتساءل، من المستفيد من صدور القرار بهذا التوقيت، خاصة وأن جميع المحاجر والكسارات التي يشملها القرار تقع في منطقة "ج" على أملاك خاصة، بينما توجد عشرات المحاجر والكسارات المملوكة للمستوطنين، التي يتم ترخيصها من الإدارة المدنية الإسرائيلية وهي تنهب موارد الوطن الطبيعية وتدمر البيئة الفلسطينية، ولا أرى أن القرار سيسري عليها أيضا. وبذلك، فإن هذا القرار يعني منع الفلسطيني من الاستثمار في ملكيته الخاصة في منطقة "ج"، بينما يسرح المستوطنون ويمرحون وينهبون في ذات المنطقة أمام أعين الحكومة، وهي التي تدعو ليل نهار للاستثمار في هذه المناطق، وقد أعلن رئيس الوزراء مراراً أنه يشجع، لا بل، يطلب من القطاع الخاص الاستثمار في مناطق "ج" لكونه لا يعترف بهذا التصنيف، وإنني أوافقه الرأي في هذا الرأي.

إن توقيت القرار يعكس نوعا من السذاجة السياسية لصدوره غداة تنظيم المستوطنين المستثمرين في المحاجر والكسارات في المنطقة "ج" اجتماعات ماراثونية مع جهات إسرائيلية رسمية مختلفة لمنع الفلسطينيين من إنشاء وتشغيل كسارات في منطقة "ج".  وعلى الرغم من يقيني القاطع أن حكومتنا لم تقصد ذلك، فإن هذا القرار، بغايته ومحتواه، يمثل هدية مجانية للمستوطنين المحتجين على استثمارات الفلسطينيين في المنطقة "ج".

تحسن الحكومة صنعاً بإلغاء القرار فورا والاعتذار عن وقوعها بالغفلة، وبدلا من التخبط والتعدي على صلاحيات وزارة الاختصاص وتعميق التداخل في الصلاحيات والمسؤوليات، فإنها مطالبة بتفعيل قانون المصادر الطبيعية والتأكد من التزام الجميع بنصوصه، ومنح التراخيص وفقا لمواده فقط. ونظرا لحساسية الوضع، وضمانا للشفافية، فإنها مطالبة بتشكيل لجنة وزارية (بديلة للقائمة) تضم ممثلين عن القطاع الخاص ذوي العلاقة والاختصاص لمراجعة شاملة لملف الكسارات والمحاجر، وفحص مدى التزام الوزارات المعنية بتطبيق القانون في منح التراخيص والرقابة، ووضع الضوابط للاستثمار في الموارد الطبيعية وأهلية وخبرة والملاءة المالية لمن يتقدم لطلب ترخيص، وذلك لمنع أي إمكانية لقيام أفراد بالعمل كواجهة لأي جهة فلسطينية أو أجنبية مستترة بالحصول على تراخيص ومباشرة العمل لمصلحة هذه الجهات.

إن هذا القرار يكرس نهج الإقصاء والتهميش الذي تمارسه الحكومة في علاقتها مع القطاع الخاص، ويكشف مرة أخرى عن نواياها الحقيقية بالاستحواذ على الموارد الطبيعية في الأراضي الخاصة وتأميم الاقتصاد الفلسطيني وتحويل المستثمرين إلى مجرد حلابات لتوليد الدخل لخزينة الحكومة، وإن مجرد التجرؤ على إصدار هذا القرار من خلف ظهر المؤسسات التمثيلية في القطاع الخاص، هو ترجمة لقناعتها بأنها شريكة مضاربة للمستثمرين في أملاكهم الخاصة، ويمثل إمعانا بهذا النهج المعيق لأي استثمار وطني، والطارد بالتأكيد للاستثمار الأجنبي في اقتصادنا الفلسطيني. وبالمحصلة على ما يبدو فإن حكومتنا تعمل من حيث لا تدري على بعث المبادئ الاشتراكية في إدارة الاقتصاد الفلسطيني، في الوقت الذي اندثرت في هذه الأفكار في باقي العالم منذ عقود.  وأعتبر هذا القرار بداية شرعنة تأميم و/أو الشراكة القسرية في الممتلكات الخاصة، ومنح الحق بالجباية المالية دون مسوغ قانوني، خلافا للقانون الأساسي.

إن هذا القرار وغيره من مواقف وقرارت ومشاريع قوانين يتم طبخها من خلف ظهر القطاع الخاص تؤكد أنه حكومتنا الرشيدة لا تؤمن بالشراكة مع القطاع الخاص والقطاع الأهلي والمدني في تنمية المجتمع والاقتصاد الفلسطيني.  وإن ضعف واستكانة مؤسسات القطاع الخاص والمستثمرين (كبارهم وصغارهم) سمحت للحكومة بأن لا تقيم أي وزن لهم.  إن الإمعان في تغييب دور القطاع الخاص في صنع السياسات وتطوير التشريعات الاقتصادية عاد وسيعود بأضرار استراتيجية على هيكل الاقتصاد الوطني وهويته ووظيفته وقدرته على الصمود في ظل استمرار الاحتلال، ويمنع ضخ المزيد من الاستثمارات الوطنية والوافدة. 

إن القطاع الخاص مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالانتصار لهوية ووظيفة اقتصاد وطني مفتوح ومؤطر بسياسات وتشريعات تتم بلورتها بالشراكة مع القطاع العام، في وضح النهار، ومحفز للاستثمار الوطني والأجنبي.  ولن يتم ذلك إلا إذا أدرك اللاعبون في هذا القطاع أن مقولة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" تنطبق عليهم أيضا، ولا خيار أمام القطاع الخاص بمؤسساته ومستثمريه إلا الانتفاض الداخلي على ضعفهم واستكانتهم، وعقد حوار داخلي استراتيجي لتحديد رؤية وموقف القطاع الخاص من العلاقة مع القطاع العام والشراكة على أساس قدسية المصالح الوطنية في كافة القطاعات والمجالات، واتخاذ ما يلزم من قرارات ومواقف وإجراءات لمنع تهميشه وتغييبه وإملاء القرارات والقوانين عليه وعلى هوية اقتصادنا الوطني.

حان الوقت لمباشرة إصلاحات عميقة في آلية تمثيل مصالح القطاع الخاص وآليات الحفاظ على هذا التمثيل أمينا وقويا وفاعلا، ورفع الصوت عاليا في مسألة الشراكة وإلزامية الحوار الوطني المستمر حول المصالح الوطنية الاقتصادية ودور القطاع الخاص في تحقيقها. بغير ذلك، فإنه لن يمض وقت طويل قبل أن تتحول مؤسسات القطاع الخاص إلى هياكل أثرية غير معبرة عن مصالحه الحقيقية، خالية من المحتوى، وتصبح مصالح القطاع الخاص مجرد فتات ومنح وعطايا في أروقة دوائر وأقسام وزارات الاختصاص، ومجلس الوزراء.  وعندها لا ينفع الندم.