الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في ذكرى رحيله الثانية.. إضاءة على كتاب "دراما حاتم علي والقضية الفلسطينية"

2022-12-28 10:38:01 AM
في ذكرى رحيله الثانية.. إضاءة على كتاب
غلاف الكتاب

الحدث الثقافي

في الثامن والعشرين من كانون الأول عام 2020، فجعنا بنبأ وفاة المخرج السوري حاتم علي، أو "مخرج التغريبة الفلسطينية" كما يحب الفلسطينيون أن يسموه، ذلك تقديرا للدور التوثيقي الهام والمعالج بحرفية عالية متماشية في أدق تفاصيلها مع الرواية التاريخية الفلسطينية، دون تجميل أو انتقاص أو طمع في جوائز عالمية أو تكريم عالمي لا يخلو من إملاءات وشروط قد تقتطع من الحقيقة على حساب الثوابت الفلسطينية.  

ورغم مرور 18 عاما على عرض المسلسل للمرة الأولى، إلا أنه ما زال مضرب مثل حتى اليوم، ويوصف بالملحمة الدرامية، وأكثر ما جسد مرارة النكبة وألمها، بل ويذهب المتابعون إلى أكثر من ذلك، حيث أن مقاطع المسلسل والحوارات والصور، تكاد ألا تختفي من مواقع التواصل الاجتماعي، سيما عند عرض أعمال درامية وسينمائية ذات صلة بالقضية، والتي في الغالب لا تلقى استحسان الجماهير، وبعضها يقال إن فيه تشويها للقضية الفلسطينية والفلسطينيين بخلاف "التغريبة الفلسطينية".

ويتناول المسلسل قضية الفلسطينيين من خلال سيرة عائلة صالح الشيخ يونس "أبو أحمد" التي تمتد على أكثر من 3 عقود، وتغطي مراحل زمنية وسياسية فارقة في تاريخ فلسطين بين ثلاثينيات وأواخر ستينيات القرن الفائت، حيث يلقي الضوء على نضال الفلسطينيين ضد الاستعمار البريطاني، وهجرة اليهود إلى فلسطين، ووقوع النكبة وما ترتب عليها من مجازر ارتكبتها الميليشيات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني الذي هجّر أكثر من نصفه خارج مدنهم وقراهم عام 1948.

فلسطين تكرم حاتم علي

حاول الفلسطينيون منذ عرض المسلسل عام 2004، إلى يومنا هذا وفاء الراحل حقه، وتكريمه على ملحمته التي قدمها على مدار 31 حلقة، ابتداء من استضافة الحكيم جورج حبش لأسرة مسلسل التغريبة الفلسطينية في منزله، مرورا بإطلاق اسم "حاتم علي" على أحد شوارع مدينة طولكرم عقب وفاته.

وفي الأول من كانون الثاني هذا العام، أصدر مهرجان القدس السينمائي الدولي للكتاب "دراما حاتم علي والقضية الفلسطينية"، والذي شارك فيه 15 فنانا وناقدا من 6 جنسيات ممن عملوا معه.

وفي حينها، قال رئيس المهرجان عز الدين شلح "جسد المخرج الراحل حاتم علي للأجيال العربية من خلال التغريبة الفلسطينية رواية النكبة الفلسطينية، وأصبحت الأجيال الفلسطينية والعربية تعرف تفاصيل النكبة والظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني، وبدا لجيل النكبة وكأنهم يشاهدون ذواتهم من خلال دراما التغريبة الفلسطينية، واستطاع أيضا أن يوثق العلاقة مع الأجيال اللاحقة لتعيش نكبة الأجيال السابقة".

جاء ذلك ضمن فعاليات الدورة السادسة لمهرجان القدس السينمائي الدولي، وبالتزامن مع ذكرى رحيله الأولى.

وصدر الكتاب الذي يقع في 195 صفحة من القطع المتوسط عن دار موازيك للدراسات والنشر في القاهرة وهو الكتاب الأول من نوعه الذي يتطرق لمسيرة الراحل مع شهادات من عدد كبير من الفنانين والمبدعين الذين تعاملوا وعملوا معه.

ويقسم الكتاب الذي أعدته وحررته الكاتبة والناقدة السورية لمى طيارة  إلى فصلين، الأول يتناول سيرة حاتم علي ومسيرته الفنية، وعلاقته مع فلسطين، واللقاء الذي جمعه بالكاتب الفلسطيني وليد سيف، أما الفصل الثاني ففيه شهادات الأصدقاء عنه، بعضها كتب خصيصا للكتاب، وأخرى جمعت من مواقع التواصل الاجتماعي.

وشارك في الكتاب كل من: المخرج السوري عمرو علي، المخرج السوري الليث حجو، الفنانة السورية يارا صبري، الكاتب والشاعر السوري عدنان العودة، الكاتب والشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى، مصممة الأزياء السورية رجاء مخلوف، مصمم الديكور الفلسطيني ناصر الجليلي، الشاعر والكاتب الفلسطيني راسم المدهون، الكاتب والمخرج السوري زهير أحمد قنوع، الفنانة الأردنية الفلسطينية عبير عيسى، الفنان المغربي محمد مفتاح، الفنان التونسي غانم زرلي، المنتج السوري الكندي شادي الدالي، المخرج الكنديJonathan keijser، والناقد السوري ماهر منصور.

 

وكتب راسم المدهون عن تجربة الراحل الإخراجية ومميزاتها حيث قال: "تجربة المخرج الراحل حاتم علي في الدراما التلفزيونية تأخذ ميزتها الأهم من فكرة تبدو بديهية وغير مثارة في الأوساط الفنية والثقافية عموما وهي بالتحديد "استعادة" دور المخرج باعتباره هو بالذات "المدير الفني" للعمل كله، موضحا أنه دور يفترض بالضرورة لا أن يجمع "خيوط الحكاية" كلها في يده ولكن أن يكون هذا الجمع إبداعيا يجترح للأحداث حلولا فنية مبتكرة وقادرة على تصعيد قوَة الصورة الدرامية باعتبارها العنصر الأهم ومصدر الجاذبية في المشاهدة سواء في السينما أو التلفزيون ".

وعن رؤية حاتم علي قال الكاتب الفلسطيني إنها تتكئ على مرتكزين أساسيين هما البساطة والجماليات الفنية، هي أعمال تتسق في سيرورتها وسردياتها على توصيل "الحكاية" من خلال بنائية فنية تعتني كثيرا بجماليات الصورة وهي هنا صورة درامية غايتها تجاوز الحالة الفوتوغرافية الساكنة والوصول الى "المشهدية" بما هي فعل جمالي مؤثر ومتواصل في نفس الوقت" .

وتابع: "المبدع الراحل حاتم علي تجنب منذ البداية فكرة السعي وراء "الإبهار" بمعناها التجاري والتي تذهب لاستدراج دهشة المشاهد بما هو غير مألوف إلى فكرة أخرى هي تحقيق جدلية وضوح التعبير وقوة المشهد التلفزيوني بامتلاكه جاذبية استدراج الوعي والتذوق والمتابعة وهي نجاحات تصاعدت مع تصعيده كمخرج لكافة أدوات العمل الفني وما تتيحه من إمكانات كبرى ونحن نرى كثيرا من هذا في اعتنائه بأماكن التصوير أولا كما باختياراته للمثلين ومعرفة قدراتهم الحقيقية والإستفادة منها إلى الحد الأقصى الممكن إلى جانب انتباهاته الذكية لزوايا التصوير التي تتيح القبض على انفعالات الشخوص وما تمنحه من تناغم كما أيضا اهتمامه الكبير بالديكور".

حاتم علي مخرج تأسره فكرة العلاقة الحميمة بين المشاهد المنزلي وبين الشاشة الصغيرة إلى الحد الذي يجعل المشاهدة نوعا من استعادة عصرية، حداثية ومبتكرة لدور الحكواتي التقليدي، المفرد وصاحب الدور الواحد والذي يلعب كل أدوار الشخصيات في الحكايات القديمة بدور آخر يضع الممثلين والديكور والمكان وعدسة الكاميرا والإضاءة والموسيقى ليلعبوا معا وفي تآلف حيوي دور "الحكواتي" المعاصر، الحداثي والذي يمتلك جاذبية التعبير وحميمية العلاقة مع الجمهور، وفقا لمدهون.

ويرى الكاتب أنه لا يمكن فصل الحديث عن فنيات حاتم علي كمخرج مبدع عن رؤاه الفكرية ووعيه للموضوعات التي عالجها في أعماله سواء في أعماله الإجتماعية والسياسية المعاصرة أو حتى في تلك الأعمال التاريخية والتي انتظمها جميعا وعي التاريخ لرؤية الواقع والتأسيس لرؤى المستقبل، هو يذهب إلى رؤية الواقع من خلال التحديق باستبصار له قوة الكشف الواعي كي يؤسس لفكرة المعالجة الدرامية بعد ذلك سواء في "عصي الدمع" ، "على طول الأيام" ، "الفصول الأربعة" ، أو في الأعمال التاريخية كما في "التغريبة الفلسطينية" و"الملك فاروق" ثم في ثلاثية الأندلس "صقر قريش" و"ربيع قرطبة" و"ملوك الطوائف".

وتوقف المدهون هنا أمام الميزة الأهم والأبرز للراحل، وهي إعادة قراءة التاريخ لا برؤى معاصرة وحسب ولكن أيضا برؤى مستقبلية، فهذه الأعمال التي تناولت التاريخ العربي – الإسلامي في مرحلة هامة والتي تعاون خلالها مع الكاتب المتميز الدكتور وليد سيف قامت بنائياتها الأساسية على تمحيص الروايات التاريخية واعتماد ما هو ثابت ومؤكد منها ثم بعد ذلك قراءتها بصورة حيوية تتجاوز العابر والسطحي للإمساك بالجوهري والحقيقي، موضحا أنه في الأعمال الثلاثة انتباه عميق، حيوي وفاعل لما وراء السطور والأحداث وحاتم علي كان وهو يتصدى لتقديم التاريخ يستعيد القدرة على تنقيته من كل الشوائب التي علقت به وشوهته.