الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الباحثة نور بدر تتحدث عن أنماط الإبادة المصاحبة لسرطان الثدي عند النساء

في كتابها "هندسة الاضطهاد: سياسات التحكم بالأجساد الصامة"

2023-02-06 02:52:31 PM
الباحثة نور بدر تتحدث عن أنماط الإبادة المصاحبة لسرطان الثدي عند النساء
صورة الغلاف للفنان أحمد الفراسيني

الحدث- سوار عبد ربه

"كمكعبات الدومينو" المبعثرة والمشتتة جمعت الباحثة نور بدر في كتابها "هندسة الاضطهاد: سياسات التحكم بالأجساد الصامتة"، العوامل التي تقف وراء مرض سرطان الثدي عند النساء، وتشكل تجربته على أجسادهن، كي تتمكن من فهم المرض بمعزل عن مفهوهمه الطبي المجرد، وما يتبعه من كتابة حول المسببات وطرق الوقاية والعلاج وغيرها، إذ ارتأت أنه من الضروري تجاوز المفهوم الطبي للمرض، والبحث فيما وراءه، ذلك من خلال إعادة تجميع هذه المتبعثرات التي سيطلق عليها لاحقا مسمى "الهياكل" لتشكل عملية تكاملية نراها على أجساد النساء المصابات بالمرض عندما يبدأ المرض في عضو واحد ليستوطن في باقي أعضاء الجسد.  

وفي كتابها الفائز بجائزة دولة فلسطين للعلوم الاجتماعية والإنسانية لعام 2022، بحثت الكاتبة في ثلاثة هياكل تقف وراء مرض سرطان الثدي والتجربة التي تشكلها على أجسادهن، بدءًا من السياسات الاستعمارية، ومرورا بالتصورات المجتمعية، وصولا إلى منظومة الصحة الفلسطينية.

الباحثة نور بدر

السياسات الاستعمارية

تقول الباحثة نور بدر في لقاء خاص مع صحيفة الحدث إن السياسات الاستعمارية التي تفرضها دولة الاحتلال على المرأة المصابة بالسرطان، وما تمر به من عملية تصنيف لكونها امرأة يمكن إنقاذ حياتها أو أنها امرأة غير جيدة بالمنطق الاستعماري في حال كانت أختا لشهيد أو من عائلة مقاومة، أي أنها تشكل خطرا على أمن "إسرائيل" وبناء عليه استصدار تصريح طبي لها، يطرح تساؤلا حول معايير وجودة الحياة لمريضة السرطان، وبالتالي ما يترتب عليه من انتظار طويل سيؤدي إلى انتشار المرض من عضو واحد في الجسد إلى سائر الأعضاء.

وتشير الباحثة في هذا السياق، إلى مفهومي خلق الموت وإدارة الموت المترتب على السياسات الاستعمارية، وتقول: "النساء اللواتي وصلن للعلاج لا يعني أنهن محظوظات بل ما حدث معهن هو إدارة للموت، من خلال الانتظار الطويل الذي قد يؤدي إلى الوفاة في فترة لاحقة، بينما النساء اللواتي منعن من العلاج خلقت لهن عملية موت كاملة، من خلال انتشار المرض الموجود في عضو واحد إلى سائر أعضاء الجسد.

التصورات الاجتماعية

وخلصت الباحثة في كتابها الذي يقع في 104 صفحات إلى أن 28 امرأة من المبحوثات، تم التخلي عنهن من قبل أزواجهن بسبب إصابتهن بالمرض، وفكرة التخلي لا تتمثل فقط في رغبة الزوج بالارتباط بامرأة أخرى، بل في مجرد تفكيره بالأمر وتغيير معاملته معها، موضحة أن هذا يأتي في سياق التصورات المجتمعية تجاه جسد المرأة التي يجب أن تكون بصورة معينة.

"المرأة وفقا للتصورات المجتمعية يجب أن تمتلك جسدا معينا، ومجرد فقدان جزء منه كاستئصال الثدي أو فقدان الشعر، سيقوم المجتمع بمعاقبتها"

وأضافت بدر في لقائها مع صحيفة الحدث أن المرأة وفقا للتصورات المجتمعية يجب أن تمتلك جسدا معينا، ومجرد فقدان جزء منه كاستئصال الثدي أو فقدان الشعر، سيقوم المجتمع بمعاقبتها، مشيرة إلى أن هذا ما تحدثت به جودي سبتلر التي قالت إن النساء اللواتي لا ينجحن في صنع أشكالهن وأجسادهن كما يريد المجتمع، ستتم معاقبتهن، وبالتالي سيصبحن نساء غير مرغوبات، وغير حقيقيات ومنقوصات الأنوثة.

منظومة الصحة الفلسطينية: صدفة اكتشاف المرض وحظوظ الحياة

تقول بدر إن كل النساء اللواتي قابلتهن، اكتشفن مرضهن بالصدفة، من خلال الفحص الذاتي، ما يدفع للسؤال "كم امرأة توفيت لأنها لم تكتشف مرضها صدفة"؟ مشيرة إلى أن حظوظ الحياة تصبح متوقفة على موضوع الصدفة".

وترى الباحثة أنه من الضروري وجود نظام صحي محدد لكل النساء الفلسطينيات يلزمهن القيام بالخطوات الوقائية عند بلوغهن سن معين، بحيث لا تقوم بهذه الخطوات لوحدها، بل في ظل نظام صحي مسؤول عنها، إذ أن المريضات اللواتي اكتشفن مرضهن بمحض الصدفة، لم يعرفن إلى أين يتوجهن وماذا عليهن فعله، أي أنهن كن في حالة تخبط وعشوائية بسبب النظام الصحي الفلسطيني.

مفهومي القهر والألم

إلى جانب الهياكل الثلاثة التي تقف وراء المرض، تعاملت الباحثة في كتابها مع مفهومي الألم والقهر، إذ أن الأول يمثل المرض نفسه ورحلة العلاج الكيميائي، ما أسمته النساء بـ"إمبراطور المرض" والمعركة الداخلية التي تتشكل داخلهن، والثاني أي القهر هو ما يتحكم بهن، ويحاولن رفض الخضوع له، ويتمثل بالهياكل الثلاثة وعملية الاستياء التي تلحق بهن.

وتقول الباحثة إن الأدبيات الفلسطينية تعاملت مع النساء على أنهن مجموعة واحدة تعاني من القهر، وهذا ما يعرف بتجانس القهر، ذلك من خلال الحديث عن معاناتهن في الوصول إلى مراكز صنع القرار وتخلف الثقافة المحلية والأبوية الفلسطينية لكن ما قدمته هو عملية تفكيك لخصوصية الألم والقهر اللذان تعيشهما النساء وفقا للموقع الموجودات فيه.

واشتغلت الباحثة على موقعين، النساء المصابات بالسرطان، والأسيرات المصابات بالسرطان، إذ أن الفئة الأولى موقع القهر لديهن هو موقع المرض نفسه، ومن خلاله يسعين للوصول إلى حقهن في الشفاء إلا أن الهياكل الثلاثة تتحكم فيهن، بينما الفئة الثانية وضعن في حيز (السجن) تمتلك فيه المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية السلطة المطلقة على الحيز والسيادة المطلقة عليه.

وفي هذه الدراسة أردت بدر نقد فكرة التعامل مع النساء الفلسطينيات بوصفهن مجموعة واحدة للتعامل مع النساء الفلسطينيات بناء على الموقع الموجودات فيه، مشيرة إلى أن هذا لا يعني فصل وشرذمة النساء الفلسطينيات على أنهن مجموعات، ولكن عملية تفكيك لخصوصية القهر الواقع على كل امرأة ضمن مجموعتها.

"عملية تعميم نمط واحد من القهر على النساء الفلسطينيات هو عملية إخفاء لكيفية تشكل هذا القهر على جسد النساء، وهي عملية غير بريئة"

وترى الباحثة في عملية تعميم نمط واحد من القهر على النساء الفلسطينيات هو عملية إخفاء لكيفية تشكل هذا القهر على جسد النساء، وهي عملية غير بريئة.

الأجساد الصامتة

ورد في عنوان الكتاب مصطلح "الأجساد الصامتة"، وتوضح الباحثة في هذا الجانب أن الأجساد هذه يحتم عليها الصمت، أنها يجب أن تتقن الصمت كي تصل إلى حقها في الشفاء، بمعنى أن الفلسطينية غير الجيدة بالمنطق الاستعماري أو الفلسطينية غير القابلة للتداول في النظام الصهيوني كما يطرح إسماعيل ناشئ والتي تصنفها "إسرائيل" أنها خطر على أمنها، تعاقب بمنعها من العلاج، لذا يجب أن تبقى صامتة كي تحصل على حقها في العلاج بل ويجب أن تتقن عملية الصمت.

وتضيف الباحثة أن المرأة يجب أن ترفض التصورات المجتمعية على جسدها، وأن تحاربها، وهذا يعني أنها يجب أن تتقن الصمت حيالها، لتحظى باستمرار التفاف العائلة حولها، كما أنها يجب أن تصمت من أجل أطفالها كي لا يرونها في حالة ألم.

وتتكون عينة البحث من 30 إمرأة، أفردت لهن الباحثة حيزا معرفيا من خلال جعل أصواتهن في المراكز الأمامية وانتقالها إلى المواقع الخلفية، فيما يعرف بالتأطير المسرحي.

مريضات السرطان بين الضفة الغربية وقطاع غزة 

تشير الباحثة إلى أن فلسطين هي كتلة واحدة، ولا يجب النظر إليها بمفهوم مناطقي إلا أن "إسرائيل" أنتجت سياسات متباينة على المناطق الفلسطينية، حيث أن سياساتها المفروضة على مريضات السرطان في أراضي ال 48 تتباين وتتشابه إلى درجة ما مع باقي المناطق لكن السياسات التي تطبق على النساء في الضفة الغربية وقطاع غزة تتشابه في المنطقتين من ناحية السياسات الاستعمارية ومنظومة الصحة الفلسطينية والتصورات المجتمعية ومن ناحية فكرة الألم.

وتقول الباحثة إن المعاناة تتفاقم في قطاع غزة أكثر من الضفة الغربية بسبب أن المرأة في الضفة الغربية التي ترفض "إسرائيل" استصدار تصريح لها تستطيع الوصول إلى القدس عن طريق التهريب، وأن تعيش فيها بالخفاء، بينما المرأة الموجودة في قطاع غزة، لا يوجد أمامها أي طريقة تمكنها من المغادرة.

"التصورات المجتمعية في قطاع غزة تجاه جسد المرأة أشد قسوة"

كما أن التصورات المجتمعية في قطاع غزة تجاه جسد المرأة أشد قسوة، حيث أن تعدد الزوجات منتشر أكثر هناك، كما أن التخلي أكبر من الضفة الغربية، بالإضافة إلى التصور السائد في القطاع أن مريضة السرطان لا يمكنها الإنجاب، وفي حال أنجبت تصبح النظرة لبناتهن أنهن غير صالحات للزواج لاحتمالية انتقال المرض لهن، وفقا للباحثة.

المبحوثات اللواتي تحولن إلى صديقات

وحول أثر الدراسة على الباحثة على المستوى الشخصي، تقول بدر إن سماعي لتجارب هذه النساء وألمهن وتفكيرهن بالانتحار ورفض الحياة ومشاعرهن على اختلافها، قادني إلى الانخراط فيهن بل تجاوز الأمر لأن يصبح صديقات لي، ودفعني للسؤال حول ما إذا كن موضوعا للبحث أم أننا نتعاون في تفكيك هذه الهياكل الواردة أعلاه، وما يترتب عليه من شعور بالتزام تجاههن في تفكيك مرضهن وتفكيك استهداف أجسادهن.

وتطرقت الباحثة إلى موضوع الحياد والموضوعية في البحث، مشيرة إلى أنها كباحثة لا يمكنها أن تتعامل مع الاستعمار والنساء كطرفين وأن تقف على الحياد، فهي تنتج معرفة ملتزمة حول هؤلاء النساء، مشيرة إلى أنها لا تدعي الحياد بل تنحاز إليهن لأننا كنساء نستهدف بصورة يومية.

وإلى جانب هذا، كان لهذه التجربة أثر على تعاطي الباحثة مع مرض سرطان الثدي، حيث أصبح يشكل لديها هاجسا، وتخوفا من أن يقترب من الناس الذين يحيطون بها.

يشار إلى أن الكتاب ترجم إلى الفرنسية والانجليزية وبانتظار النشر، كما أن الباحثة تعمل على فيلم وثائقي، كي تفاعل هذه الأفكار مع كافة فئات المجتمع، لأن القراءة هي عملية نخبوية، لفئة معينة، في حين أن الرؤية أعمق من القراءة وتستهدف نطاق أوسع من النساء.