الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بيل هوكس: لنقترب أكثر من الحركة النسوية

2023-03-23 09:44:02 AM
بيل هوكس: لنقترب أكثر من الحركة النسوية
بيل هوكس

 

تدوين- ثقافات

ننشر نصا باللغة العربية من كتاب "نسوية للجميع: السياسات العاطفية" لبيل هوكس، والذي نُشر بالإنجليزية في عام 2015 تحت عنوان “Feminism is for Everyday” عن دار تايلور وفرانسيسز. وتمت ترجمته إلى العربية من قبل منشورات جدل على يد المترجم منير عليمي ونشر عام 2022.

وبيل هوكس هي كاتبة، نسوية، وناشطة اجتماعية أمريكية، ركزت في كتاباتها على التقاطعات ما بين العرق، والرأسمالية، والمساواة بين الجنسين، وما وصفته قدرتها على إنتاج وإدامة أنظمة القمع والهيمنة الطبقية.

في هذا الكتاب تعلن منذ بدايته عن تقصير النسوية في التعريف بنفسها، والذي هو كما تقول مقتلها؛ لذلك تطلق صرخةً تسمح للعالم بمعرفة المزيد عن الحركةِ النسوية. إنّها ترى الوعدَ والأمل متجسِّدينِ في الحركة النسوية. وهذان هما الوعد والأمل اللذين تريد أن تشاركهما مع قرائها ومع الجميع في هذا الكتاب؛ الوعد والأمل في عالم مجرَّدٍ من كلِّ هيمنةٍ؛ حيث الرُّؤية التَّشاركيَّة هي الروح التي تشكّل تفاعلنا.

النص التالي هو من مقدمة الكتاب بعنوان: "مقدمة" لنقترب أكثر من الحركة النسوية"

حيثما ولّيت وجهي، أقول بفخر للناس، الذين يريدون التعرف إليّ، إنني كاتبة ومنظرة نسوية، وناقدة ثقافية. أخبرهم أنني أكتب عن الأفلام والثقافة الشعبية، وأحلل الرسالة التي أحملها على المديين المتوسط والطويل. يجد معظم الناس هذه النقطة مثيرة فتولد في داخلهم رغبة في معرفة المزيد يذهب الجميع إلى قاعات السينما، ويشاهدون التلفزيون، ويلقون نظرة سريعة على المجلات، فتجد لكل شخص تصوره الخاص حول الرسائل التي يتلقاها، وحول الصور التي يشاهدها. من السهل على الجمهور المتنوع الذي أواجهه أن يفهم ما أفعله بصفتي ناقدة ثقافية، وأن يفهم شغفي بالكتابة (يرغب الكثير من الناس في الكتابة والقيام بذلك)، لكن النظرية النسوية هي الموضع الذي تتوقف عنده الأسئلة، أميل إلى سماع كل شيء عن وحشية النسوية والنسويات السيئات "كيف "يكرهن" الرجال، وكيف يردن "هنّ" أن يتعارضن مع الطبيعة والله، كيف "أنهن" كلهن سحاقيات، كيف "أنهن" يحظين بجميع الوظائف، ويجعلن من العالم مكاناً صعبا على الرجال، الذين لا يملكون فرصة.

عندما أسأل تلك الفئة من الناس عن الكتب والمجلات أو المجلات النسوية التي يقرؤونها، وحين أستفسرهم عن الأحاديث النسوية التي سمعوها، وعن الناشطات النسويات اللاتي يعرفونهن، يجيبونني بأن كل ما سمعوه عن الحركة النسوية ليس إلا أمرا مستهلكا، ولأنهم لم يقتربوا البتة من الحركة النسوية، ولا يعرفون ما يحدث في الواقع. غالباً ما يعتقدون أن الحركة النسوية هي مجموعة من النساء الغاضبات اللواتي يردن التشبه بالرجال. إنهم لا يفكرون في الحركة النسوية على أنها حركة حقوقية تسعى إلى حصول المرأة على حقوق متساوية مع الرجال.

نشأنا اجتماعيا ومنذ الولادة على تقبل التحيز الجنسي فكرة وممارسة. ونتيجة لتلك الفطرة الاجتماعية، أضحت المرأة متحيزة جنسيا كالرجل

عندما أتحدث عن النسوية كما أعرفها عن قرب وانطلاقا من تجربة شخصية- يستمعون إلي عن طيب خاطر، رغم أنهم بمجرد أن تنتهي محادثاتنا، يسارعون إلى إخباري بأنني مختلفة، ولست مثل النسويات "الحقيقيات" والغاضبات اللواتي يكرهن الرجال. حينها، أؤكد لهم أنني نسوية حقيقية وراديكالية بقدر ما يمكن للمرء أن يكون، وإذا تجرؤوا على الاقتراب من الحركة النسوية فسوف يرون أن الأمر ليس كما تخيلوه.

كلما اصطدمت بأحد هذه اللقاءات، وجدت رغبة تدفعني إلى حمل كتاب صغير في يدي حتى أتمكن من الحديث مع الناس، فأقول لهم "اقرؤوا هذا الكتاب" وسوف يحيطكم علما بالحركة النسوية وماهيتها. لذا، أريد أن أحمل في يدي كتابا موجزا من السهل قراءته ومن اليسير فهمه، ليس كتابا كبيرا، وليس كتابا مثقلا بالمصطلحات اللغوية والأكاديمية التي يصعب هضمها. لكنه كتاب مباشر وواضح، تسهل قراءته دون أن يكون مبسطا إلى درجة الابتذال. منذ اللحظة، التي غيّر فيها التفكير النسوي والسياسة النسوية والممارسة النسوية حياتي، وأنا أرغب في كتابة هذا الكتاب. لقد أردت أن أقدمه لفئة من البشر أجلّها كثيرا، وأرغب في تمكينها من فهم هذه القضية بشكل أفضل، هذه السياسة النسوية التي أؤمن بها بعمق، وهذا هو الأساس الذي بُنيت عليه حياتي السياسية، ما هي النسوية؟ النسوية التي لم ترم جذورها في شراك الخوف أو الفانتازيا.

لقد أردت أن أقدم تعريفا مبسطا، يتلى مرارا على آذان الجميع فيترسخ في أذهانهم "إن الحركة النسوية حركة ترمي إلى القضاء على التمييز على أساس الجنس والاستغلال الجنسي والاضطهاد" أحب هذا التعريف الذي قدمته قبل عشر سنوات في كتابي الموسوم بـ (النظرية النسوية: من الهامش إلى المركز) أحب هذا التعريف فقد بين بوضوح أن الحركة النسوية لا تسعى إلى أن تكون معادية للرجال، كما أظهر بشكل واضح أن الإشكال متمثل أساسا في التحيز الجنسي. يساعدنا هذا التعريف المبسط في العودة بذاكرتنا إلى الخلف، رجالا ونساء، إلى حقيقة كوننا قد نشأنا اجتماعيا ومنذ الولادة على تقبل التحيز الجنسي فكرة وممارسة. ونتيجة لتلك الفطرة الاجتماعية، أضحت المرأة متحيزة جنسيا كالرجل، ولئن كان هذا التحيز لا يعدو في عمقه أن يكون تبريرا للهيمنة الذكورية، فإنه من باب السذاجة والتفكير الخاطئ لدى المفكرات النسويات أن ننظر إلى الحركة على أنها كيان نسائي معاد للرجال. لإنهاء البطريركية (طريقة أخرى لتسمية التحيز الجنسي المؤسساتي) نحتاج جميعا إلى توضيح نقطة مهمة مفادها أننا جميعا مشاركون في ترسيخ التحيز الجنسي إلى أن تحين اللحظة التي نغير فيها عقولنا وقلوبنا. حتى نتخلص من الفكر المتحيز جنسيا، والفعل المتحيز جنسيا، وتغييرهما بفكر وفعل نسويين.

إن الذكور بوصفهم مجموعة، هم الأكثر استفادة من النظام الأبوي، فهو من منحهم فرضية تفوقهم على الاناث، وأحقيتهم بالتحكم فينا. لكن هذه الفوائد كان لها ثمن. ففي مقابل كل الخيرات التي يحصل عليها الرجال من النظام الأبوي، يتعين عليهم السيطرة على النساء، واستغلالنا وقمعنا، باستخدام العنف، إذا كان عليهم الحفاظ على النظام الأبوي (البطريركي) كما هو. يجد معظم الرجال صعوبة في أن يكونوا أبويين (بطريركيين) وينزعج معظم الرجال من كراهية النساء وخوفهن من العنف الذكوري المسلط على النساء، ويشمل هذا الخوف حتى الرجال الذين يرسخون هذا العنف ويجعلونه قائما، لكنهم يخشون التخلي عن الفوائد التي يدرها عليهم. إنهم غير مؤكد لهم ما سيحدث للعالم الذي يعرفونه عن كثب إذا تغير النظام الأبوي، لذلك يجدون أنه من السهل دعم هيمنة الذكور بشكل سلبي رغم معرفتهم التي ترسخت في أذهانهم وقلوبهم بأنها سلوك خاطئ. يخبرني الرجال بشكل متواصل أنه ليس لديهم فكرة عما تريده النسويات. أنا أصدقه، وأؤمن بقدرتهم على التغيير والتقدم، وأعتقد أنهم إذا تعرفوا على الحركة النسوية عن قرب فلن يخشوا ذلك بعد الآن، لأنهم سيجدون في الحركة النسوية الأمل في تحريرهم من عبودية النظام الأبوي.

لقد أردت أن أقدم تعريفا مبسطا، يتلى مرارا على آذان الجميع فيترسخ في أذهانهم "إن الحركة النسوية حركة ترمي إلى القضاء على التمييز على أساس الجنس والاستغلال الجنسي والاضطهاد" أحب هذا التعريف الذي قدمته قبل عشر سنوات

لهؤلاء الرجال، صغارا وكبارا، ولنا جميعا، كتبت هذا الكتيب القصير، الكتاب الذي قضيت أكثر من عشرين عاما أتوق إلى كتابته. اضطررت إلى كتابته لأنني ظللت انتظر ظهوره، ولم يحدث ذلك. ومن دون ذلك لم تكن هناك طريقة لمخاطبة جحافل الناس في هذه الأمة، الذين يتعرضون يوميا لردود فعل عنيفة معادية للنسوية، ويؤمرون بمواجهة حركة ومقاومتها بنوع من الكراهية، وهم لا يعرفون الكثير عنها. يجب أن يكون هناك الكثير من الكتابات التمهيدية النسوية الموجزة، فمن السهل قراءة الكتيبات والكتب، التي تقدم لنا كل ما هو متعلق بالحركة النسوية، وإن هذا الكتاب سيكون مجرد صوت عاطفي آخر يتحدث نيابة عن السياسة النسوية. يجب أن تكون هناك لوحات إعلانية، إعلانات في المجلات، إعلانات على الحافلات ومترو الأنفاق والقطارات، إعلانات تلفزيونية تنشر الكلمة، لتسمح للعالم بمعرفة المزيد عن الحركة النسوية. لم نصل إلى هناك بعد، ولكن هذا ما يجب علينا فعله لمشاركة تصورنا حول الحركة النسوية، والسماح للحركة بملامسة أذهان الجميع وقلوبهم. لقد لامس التغيير النسوي بالفعل كل حياتنا بطريقة إيجابية، ورغم ذلك إننا نغفل عن الإيجابي عندما يكون كل ما نسمعه عن النسوية سلبيا.

حين بدأت في مقاومة الهيمنة الذكورية، والتمرد على التفكير الأبوي (ومعارضة أقوى صوت أبوي في حياتي- صوت أمي) كنت لا أزال مراهقة شغوفة بفكرة الانتحار، ومكتئبة وغير مؤكد لدي أنني سأجد معنى ومكانا لنفسي في حياتي، كنت في حاجة إلى الحركة النسوية لتوفر لي أساسا من المساواة والعدالة أقف عليه. لقد تعرفت أمي إلى التفكير النسوي ولكنها كانت تراني وجميع بناتها (نحن ست بنات) أننا نعيش حياة أفضل نتيجة للسياسة النسوية. لقد كانت ترى أن الوعد والأمل متجسدين في الحركة النسوية. هذا هو الوعد والأمل الذي أريد أن أتشارك فيه معكم ومع الجميع في هذا الكتاب.

تخيل أنك تعيش في عالم مجرد من كل هيمنة، حيث الإناث والذكور ليسوا متشابهين أو متساوين دائما، ولكن حيث الرؤية التشاركية هي الروح التي تشكل تفاعلنا. تخيل أنك تعيش في عالم، حيث يمكننا جميعا أن نكون على ما نحن عليه، عالم يسوده السلام واحتمالية التغيير. الثورة النسوية وحدها لن تخلق مثل هذا العالم. نحن في حاجة إلى القضاء على العنصرية والنخبوية الطبقية الإمبريالية، لكن ذلك سيجعل من الممكن لنا أن نكون إناثا وذكورا مكتفين ذاتيا بشكل كامل، وقادرين على إنشاء مجتمع محبوب، والعيش معا، وتحقيق أحلامنا لعالم تسوده الحرية والعدالة، والعيش في حقيقة مفادها أننا جميعا قد "خلقنا متساوين". اقتربوا عن كثب وتبينوا كيف يمكن للنسوية أن تلامس حياتكم وكل حيواتنا وتغيرها. اقتربوا أكثر واعرفوا عن كثب ما تدور حوله الحركة النسوية. اقتربوا وسترون أن: النسوية للجميع.