الإثنين  03 تشرين الثاني 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"يوم الموتى" في المكسيك: قصة عيد وطني صار رمزًا عالميًا

2025-11-01 01:24:04 PM

الحدث لايت

"يوم الموتى" أو "ديا دي لوس مويرتوس"، عطلة لإحياء ذكرى الراحلين والاحتفاء بهم. يُحتفل بها في المكسيك وبعض دول أميركا اللاتينية، فضلًا عن الولايات المتحدة.

ونشأ هذا اليوم وتطوّر في المكسيك على مدى قرون، ويجد جذوره في طقوس الأزتك المعروفة باسم ميكايهويتل، التي "كانت تكريمًا للموتى، لكنها كانت أيضًا وقتًا للحصاد"، وفق ما نقله موقع أخبار جامعة أريزونا عن الباحثة في الدراسات المكسيكية–الأميركية ميشيل تيليز.

يوم الموتى.. من الأزتك إلى الكاثوليكية

بحسب "مركز دراسات أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي"، احتفلت إمبراطورية الأزتك بـ"يوم الموتى" قبل وصول الإسبان ودمجهم له بالكاثوليكية. وكان الغرض من هذا العيد الروحي في الأصل الاحتفاء بـسيدة الموتى ميكتيكاسيواتل، ملكة ميكتلان (العالم السفلي).

وكان الأزتك يعتقدون أنّها ترعى عظام الأرواح السابقة، وأن هذه العظام تُستخدم لخلق حياة جديدة في أرض الأحياء. وبصفتها حاميةً لهم، كانت ميكتيكاتشيواتل تعتني بالعظام حتى بعد سرقتها وإحضارها إلى عالم الأحياء. وكانت تصعد مرةً كل عام للتأكد من العناية بها كما ينبغي. وعند وصولها، كان الأزتك يقيمون احتفالات بالموت تتضمّن الرقص والطعام شكرًا لها

عند وصول الإسبان إلى القارة الأميركية، جلبوا معهم الكاثوليكية التي اعتنقها كثير من السكّان الأصليين. وبعد أن شهدوا احتفالات الأزتك بالموت، بدأوا بدمج التقاليد المحلية مع الأعياد الكاثوليكية مثل "عيد جميع القديسين" و"عيد جميع الأرواح". 

وفي إسبانيا، كانت العائلات تزيّن القبور وتحمل الطعام وتضيء الطريق لعودة الموتى إلى عائلاتهم. ومع الوقت، تطوّر هذا المزج إلى الاحتفال الحديث بـ"يوم الموتى"، الذي يُقام في الأول والثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام.

مزيج ثقافات عبر القارات

وفق رواية أخرى، لعيد الموتى جذورٌ عابرة للقارات ولم يصبح مرادفًا للثقافة المكسيكية إلا في القرن الماضي، بحسب ماثيو ساندوفال، أستاذ الشرف في جامعة ولاية أريزونا، لموقع "أكسيوس". ويؤكد ساندوفال أن العيد الحالي يمزج تقاليد السكّان الأصليين في المكسيك (ومنهم الأزتك والمايا)، والعبيد الأفارقة الذين جلبهم الإسبان، والإسبان الكاثوليك والمسلمين والوثنيين، ولكلٍّ منهم طريقة في تكريم أحبّائه المتوفّين.

وعندما التقت هذه الثقافات في وسط وجنوب المكسيك خلال الاستعمار الإسباني في القرن السادس عشر، وُلد "يوم الموتى" كما نعرفه اليوم بخيوطٍ من كل ثقافة. ولكن حتى عشرينيات القرن العشرين، ظلّ الاحتفاء به إلى حدٍّ كبير محصورًا بهذه المنطقة من المكسيك.

يوم وطني في المكسيك

يُنظر إلى المناسبة أيضًا بوصفها يومًا ذا بعد وطني. فالثورة المكسيكية (1910–1920) خلّفت نحو مليون قتيل وقسّمت الشعب. ولمحاولة توحيد المكسيك، شرع القادة السياسيون في تعميم ممارسات إقليمية على مستوى البلاد؛ إذ تحوّلت موسيقى المارياتشي والرقص الشعبي من عادات محلية إلى هوية وطنية، وفقًا لساندوفال.

ولعلّ "يوم الموتى" هو التقليد الذي ترسّخ أكثر من غيره. فقد غدا معروفًا عالميًا بوصفه "حدثًا مكسيكيًا" في العقود التي تلت الحرب الأهلية، إذ استثمرت المكسيك في احتفالاته النابضة بالحياة لتشجيع السياحة الأميركية والأوروبية.

ويشير ساندوفال إلى أنه على الرغم من أن يوم الموتى يحظى بشعبية كبيرة بين الأميركيين الآن، إلا أنّه لا يستطيع القول إنّه ظاهرة حديثة تمامًا، إذ جرى تعزيز الاهتمام به منذ قرابة مئة عام.

"لا كاترينا".. سيدة الموت الساخرة

في احتفالات اليوم، حلّت "لا كاترينا"، وهي امرأةٌ بهيئة هيكل عظمي ترتدي قبّعةً أوروبية مزيّنة بالزهور والريش، محلّ "ميكتيكاسيواتل" رمزًا حديثًا للموت.

تُنسب صورة "لا كاترينا" إلى رسّام الكاريكاتير المكسيكي خوسيه غوادالوبي بوسادا، الذي قصد السخرية من الطبقة الأرستقراطية المتغربة والمنفصلة عن جذورها.

وكان بوسادا يؤمن بـ"ديمقراطية الموت"، وأننا في النهاية ننتهي جميعًا "هياكل عظمية" مهما علت مكانتنا. واليوم تستمر "لا كاترينا" رمزًا لحتمية الموت ومساواته.

طقوس اليوم: "الأوفرندا" وزهور القطيفة

في الاحتفالات المعاصرة، يرتدي الناس أقنعة الجماجم أو يرسمونها على وجوههم، ويجتمعون عند قبور أحبّائهم، ويُعدّون "الأوفرندا"، وهي قرابين وزينة لاستقبال أرواح الراحلين، ويتشاركون وجباتٍ عائلية ومجتمعية كبيرة بأطباقٍ مُعَدّة خصيصًا.

كما تنتشر زهور القطيفة البرتقالية الزاهية بكثرة. ووفق إذاعة "إن بي آر"، أفادت روايات تاريخية أن القطيفة استُخدمت في طقوس وأعياد أميركا الوسطى التقليدية لتكريم الموتى، إذ يُعتقد أنها "تهدي الأرواح طريقها إلى القرابين"، ولذا لا تزال حاضرة بفضل لونها النابض ورائحتها المميّزة.

وفي "يوم الموتى"، تمتلئ المخابز بخبز بان دي مويرتو (Pan de Muerto)، وهو خبز حلو يصنع بأشكال وأحجام متعددة، من تماثيل صغيرة إلى أرغفةٍ "تُزيَّن" بعناصر على هيئة عظام،  تكريمًا للراحلين، بحسب موقع "بارايد". كما تزور عائلات كثيرة المقابر لتنظيف القبور وإحضار الطعام.

وفي لوس أنجلوس، تقيم مقبرة هوليوود للأبد احتفالًا سنويًا كبيرًا بالمناسبة، يضم مذابح وراقصين مكسيكيين ومساراتٍ للموسيقى والرقص وفنونًا وموكبًا طقسيًا يجذب الحضور من أنحاء العالم.

"الأليبريخيس".. خيالٌ ملوّن

أصبحت "الأليبريخيس" (Alebrijes)، وهي مجسّماتٌ خيالية ملوّنة تركّب أجزاءً من حيوانات مختلفة كالزواحف والطيور والتنانين والحشرات والأسماك، جزءًا من المشهد الاحتفالي. صُنعت أوّلًا من الورق، واليوم تُنحت غالبًا من الخشب وتأتي بأحجامٍ وأشكالٍ شتّى.

وبحسب موقع "إيرث ماهو"، ابتكر بيدرو ليناريس لوبيز الأليبريخيس لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو اليوم جزء لا يتجزأ من الفن الشعبي المكسيكي، ويُستخدم أحيانًا كزينة في يوم الموتى.

ومنذ عام 2007، ينظّم متحف الفن الشعبي (MAP) في مدينة مكسيكو "ليلة الأليبريخيس"، وتشمل موكبًا ضخمًا تبقى مجسّماته معروضة على طول شارع ريفورما حتى موعد "يوم الموتى".

تقليد حديث بخلفيات تجارية

يُعدّ موكب يوم الموتى في مدينة مكسيكو تقليدًا حديثًا نسبيًا وذي خلفياتٍ تجارية، إذ لم يكن هناك موكبٌ مركزي في وسط العاصمة قبل تصوير فيلم جيمس بوند "سبيكتر" (2015)، الذي قدّم موكبًا تخيّليًا ضمن خطته لترويج المدينة كوجهة سياحية.

وتشير وثائق مسرّبة إلى أن مسؤولين مكسيكيين عرضوا على شركة "سوني بيكتشرز" حوافز ضريبية كبيرة مقابل إبراز العاصمة في الفيلم. وقد نجحت الفكرة؛ إذ سأل السياح عن زمن ومكان "الموكب" الذي شاهدوه على الشاشة. وفي 2016، أُقيم أوّل موكبٍ حقيقي لـ"يوم الموتى" في مدينة مكسيكو، ومنذ ذلك الحين أصبح من أبرز فعاليات الموسم.