الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التَّنَصُّل الإسرائيلي من هدف تحقيق السَّلام !!. بقلم: رائد دحبور.

2014-07-31 01:28:26 AM
التَّنَصُّل الإسرائيلي من هدف تحقيق السَّلام !!. بقلم: رائد دحبور.
صورة ارشيفية

 الحدث: خاص.. أكتُبُ مقالي هذا على وقع الحرب التي تُشن على قطاع غزة؛ منذ ثلاثة أسابيع؛ وعلى وقع الدم المسفوح في طرقاتها وميادينها؛ وعلى وقع إجراءَات التصعيد المتواترة في الضفة الغربية والقدس والمناطق الفلسطينية عام 1948؛ ومنذ فترة من الزَّمن وهو ما يوحي بتطورات دراماتيكية ومنهجية ليس بمقدور أحد التنبؤ بمنتهاها؛ أكتب من وحي الذَّاكرة المتصلة بالواقع وبمجرياته السَّابقة والرَّاهنة !!.

فمن حقنا انْ نتساءَل على الدَّوام، وكلما انداحت دائرة العنف والنار الإسرائيلية وأخذت معها مزيداً من الأرواح البريئة؛ وخلفت مزيداً من الدمار والتخريب والإحباط؛ من حقنا أنْ نتساءَل في كل مرَّة عن التَّالي:

ما الذي بقي من إتفاقية إعلان المباديء الموقعة في حديقة البيت الأبيض في أيلول عام 1993 برعاية رئيس الولايات المتحدة الأمريكية؛ وبشهادة الكثير من دول العام؛ ماذا بقي من المفاهيم والمصطلحات التي وُلِدَت وواكبت مؤتمر مدريد للسلام عام 1992؛ وتلك التي تم التأكيد عليها مع توقيع إتفاق المباديء؛ وقد جرت العادة على التأكيد عليها في كل محطَّات ومنعرجات عملية التسوية؛ التي أزمنت التعثُّر والفشل ؟!.

ماذا بقي من مفاهيم ومصطلحات الأرض مقابل السلام؛ وإجراءَات بناء الثقة؛ ورسائل التطمينات والضَّمانات الأمريكية التي تبخَّرت كلها ؟؟ وما الذي بقي من تعهدات إسرائيل بالإلتزام بالتعاقدات الثنائية، خصوصاً مع السلطة الفلسطينية ؟؟ ماذا بقي من المواعيد المرحلية والمواعيد النهائية ؟؟ ماذا بقي من خطط الإنعاش الإقتصادي؛ ومن مفاهيم التعايش ؟؟ وما الذي بقي من كل بروتوكول أوسلو؛ غير دائرة العنف التي تنداح بين الفينة والأخرى؛ وغير المفاهيم التي فرضتها إسرائيل؛ وغير الألغام السياسية والإجرائية؛ وغير حقائق القوة والإستيطان؛ ومحاولات تغيير الواقع الديموغرافي في الضفة الغربية؛ بما يخدم الهدف النهائي للإستيطان؛ وهو منع والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة؟!.

ماذا بقي من كل ذلك غير مقولات ومفاهيم إسحق رابين في مطلع التسعينات والمتعلقة بعدم وجود مواعيد مقدسة؛ وكذلك مفهومه الشهير المتصل بالعلاقة مع الفلسطينيين حيث قال في مطلع عام 1994:  أننا سنحارب الإرهاب كما لو لم يكن هناك عملية سلام؛ وسنمضي في عملية السلام كما لو لم يكن هناك إرهاب ؟!.

ماذا بقي غير المفهوم الذي حاول جعله أساساً للحل النهائي؛ حيث قال عام1994أيضاً: سقف الحل النهائي مع الفلسطينيين هو: لا عودة لحدود عام 1967 ؛ لا لتقسيم القدس؛ لا عودة للاجئين الى داخل حدود دولة إسرائيل؛ نهر الأردن هو الحد الشرقي لإسرائيل؛ لا لإزالة الإستيطان الأمني الذي يتعلق بأمن وبجوهر وجود دولة إسرائيل على هضاب الضفة الغربية؛ وفي محيط القدس وفي وادي الأردن؛ مع إمكانية إزالة الإستيطان السياسي الأقل أهمية من وجهة النظر الإستراتيجية الإسرائلية والذي كان الهدف منه أصلاً هو المساومة والمقايضة؛ وكذلك قوله: نعم لكيان سياسي فلسطيني؛ أكبر من حكم ذاتي واقل من دولة كاملة السيادة ؟!.

وماذا بقي غير قول " إسحق شامير " رئيس وزراء إسرائيل الأسبق؛ وعندما خسر الإنتخابات أمام منافسه إسحق رابين عام 1993؛ مُعلِّقاً على تجاوبه مع الجهود الأمريكية لعقد مؤتمر مدريد في حينه: لقد كنت أخطط أن تستمر المفاوضات المنبثقة عن مؤتمر مدريد لمدة عشرين عاماً ؟!.

وماذا بقي غير قول " إيهود باراك " عندما كان رئيساً لوزراء إسرائيل للراحل  "ياسر عرفات " عام 1999 وعندما طالب الجانب الفلسطيني عند إنتهاء المرحلة الإنتقالية بالبدء بمفاوضات الوضع النهائي؛ وبدفع إستحقاقت تلك المرحلة المنتهية: الآن إنتهت بيننا أي مفاوضات ولم يبقَ إلَّا القمة التي سيتم من خلالها التوقيع من جانبك على إنهاء الصراع وإنهاء أي مطالبات ودون أي مطالبات جديدة ؟!.

وفعلاً بعدها تم إجبار الجانب الفلسطيني على الذهاب الى مؤتمر كامب ديفد في تموز عام 2000 وذلك بفعل الضغوط الهائلة التي مارستها الإدارة الأمريكية على الجانب الفلسطيني؛ وقد  فشل ذلك المؤتمر في إرغام " ياسر عرفات " على التوقيع على إنهاء الصراع وفق الشروط الإسرائيلية؛ وكان بعدها ما كان من إنتفاضةٍ ثانية؛ إستغلتها إسرائيل للتنصل من كل إلتزاماتها البروتوكولية تجاه الفلسطينيين؛ واستثمرتها في إجراء تغييرات في بنية وبيئة العلاقة بينها وبين السلطة الفلسطينية ؟!.

وماذا بقي غير تمدد الإستيطان؛ الذي كان من المفترض أن يتم تجميده مع انطلاق أعمال مؤتمر مدريد قبل حوالي ربع قرن من الآن؛ وها هو الآن يسيطر على 40% من أراضي الضفة الغربية وحيث يبلغ عدد المستوطنين الآن حوالي نصف مليون؛ في حين كانوا عند إنطلاق مؤتمر مدريد حوالي 140 ألفاً ؟!.

لقد كانت منعطفات وتعرِّجات مشروع التسوية ومراحله المتعددة محشوة على الدوام بالأفخاخ، وبالألغام السياسية والإجرائية القابلة للإنفجار؛ والتي انفجرت فعلاً وما زالت تنفجر؛ تلك الألغام كانت فتائلها على الدوام تتمثل في مقدار التعويم والغموض؛ والميوعة؛ وبمقدار ما اعتمدت على حسن النوايا الإسرائيلية؛ وعلى إعطاء إسرائيل أحقية نقض التزاماتها على قاعدة هواجسها وضروراتها الأمنية؛ وفي الحقيقة فإنَّ جملة التفاهمات والبروتوكولات التي تم إبرامها كانت ووفق الفهم الإسرائيلي ذات بعد وجوهر أمني وليس سياسي؛ فيما حاول الجانب الفلسطيني أن يفهمها على قاعدة بعدها السياسي؛ وكان هذا جوهر التناقض الأساسي في بنية وتركيبة وآلية تلك التفاهمات؛ التي استندت الى مفاعيل قوة إستراتيجية وحتى تكتيكية غير متوازنة.

ها هي قد تبخَّرت جميع ما إعتبرت مباديء لعملية السلام ومنها ما أشرنا إليه؛ وهي الأرض مقابل السلام؛ والحلول الإنتقالية المجدولة بالزمن؛ وإجراءَات بناء الثقة؛ والبدء بالأسهل؛ والمواعيد النهائية المضروبة للمفاوضات؛ ذلك كان من المفترض أنْ يُمثِّل مباديء وأسس لما إصطلح عليه بعملية السلام؛ لكنَّها تبخرت واضمحلَّت وحلَّت محلَّها المقولات والتصريحات والمفاهيم الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين كما لو أنَّها كانت هي المباديء الأساسية التي حكمت مسيرة ومجريات التسوية؛ كما قد أشرنا سابقاً.

إذن يتضِحُ أنَّ ثمَّة فرق بين السلام كعملية والسلام كهدف؛ وفي الحقيقة فقد كان وزير خارجية أمريكا الأسبق " جيمس بيكر" بارعاً عندما إخترع تلك المصطلحات والمفاهيم التي واكبت إنطلاق المفاوضات المتعددة المسارات بين إسرائيل والأطراف العربية؛ ولقد انتظم الجميع يردد تلك المصطلحات؛ دون التدقيق بأبعادها ومراميها الأساسية؛ حتَّى أصبحت وكأنَّها ملهاة وطحن في الماء؛ وعلى رأس تلك المصطلحات كان مصطلح عملية السلام ومصطلح قوَّة الدَّفع؛ والَّذان كانا يوحيان بأنَّ السلام هو  مجرَّد عملية وليس هدفاً؛ والعملية يجب أن تستمر برغم كل العراقيل وهي بحاجة الى قوة دفع؛ وقوة الدفع يفترض أنْ تكون تنازلات عربية وفلسطينية؛ وأصبح الهدف مع مرور الوقت يتعلَّق بالمحافظة على استمرار عملية السلام؛ دون الوصول الى هدف تحقيق السلام مع ما يعنيه ذلك من تحقيق الحقوق الفلسطينية والعربية ولو بحدودها الدنيا!!.

 هذه كانت ولا تزال أحد المعضلات التي واجهت عملية ومجريات التسوية حتى الآن على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي عموماً وعلى صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحديداً؛ وقد تمثل جذر هذه المعضلة تحديداً في عمومية وميوعة المفاهيم المصطلحات التي واكبت وصاغت كل المراحل التي مرت بها تلك العملية كما ذكرنا؛ إضافة الى التحيُّز الأمريكي الواضح الى جانب إسرائيل؛ ولقد تعلَّق الأمر أساساً بمفهوم السلام وبقواه الدافعة؛ وبمستوى الإنحياز الأمريكي لإسرائيل؛ وفي غياب معايير العدالة الدولية والإنسانية؛ وقد تحولت تلك العملية ومازالت حتى هذه اللحظة الى دورات عنف ويأس وإحباط؛ والى مزيدٍ من الدَّمار والحصار وفقدان الثقة والأمل.

وها هي السياسة الأمريكية وكذلك السياسات الدولية؛ تعلن عجزها التام عن تحقيق أي إختراق في جدار التعنت الإسرائيلي؛ وفيما لم يبقَ أمام الفلسطينيين من خيارات؛ ولم يبقَ في جعبتهم من أوراق سياسية أوتفاوضية ذات أهمية حاسمة؛  في ظل واقع الخلل الخطير في ميزان القوى لصالح إسرائيل إستراتيجياً؛ وفي واقع تهتك المشهد العربي والإضطراب الإقليمي؛ ها هي إسرائيل تقوم ومن ورائها أمريكا بمواصلة ومراكمة سياسات التنصل النهائي من هدف تحقيق السلام؛ الذي لم يغادر دائرة مفهوم الأمن الإسرائيلي التفصيلي والجزئي والشامل؛ بعيداً عن المفهوم الحقيقي والجوهري لتكريس الحدود الدنيا من الحق الفلسطيني.

فماذا بقي غير الدم المسفوح وغير التنصل النهائي من هدف تحقيق السلام؛ وماذا بقي من خيارات أمام القيادة الفلسطينية؛ وهل بمقدور أحد الآن أنْ يطوِّق دائرة العنف والنار المنداحة على مساحة ساحات الشرق الأوسط والتي ستكون أخطرها تلك التي تنداح الآن في فلسطين ؟!.