الجمعة  14 تشرين الثاني 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

​البيئة... معركة وعي لا تقل شرفا عن أي معركة أخرى / بقلم: علاء كنعان

2025-11-14 02:33:54 PM
​البيئة... معركة وعي لا تقل شرفا عن أي معركة أخرى / بقلم: علاء كنعان
علاء كنعان

 

تشكل حماية البيئة أحد أعمدة الصمود الوطني الفلسطيني وجزءًا من معركة البقاء الفلسطيني، وركيزة أساسية في بناء مجتمع يعي أن الحفاظ على الطبيعة هو حفاظ على الذات والهوية. فالأرض التي نزرعها ونحميها اليوم، هي ذاتها التي نحتمي بها غدا من عواصف المناخ والسياسة معا.

في السنوات الأخيرة، ظهرت مبادرات شبابية كثيرة في القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية، مبادرات بسيطة في الإمكانيات، لكنها كبيرة في أثرها. شباب وشابات قرروا أن يحولوا الوعي البيئي من شعار إلى سلوك، ومن فكرة إلى ممارسة يومية. وقد أحدثت هذه المبادرات، رغم بساطتها، أثرا عميقا في نشر مفهوم "المواطنة البيئية"، وربطت بين الانتماء الوطني والانتماء للطبيعة.

ومن بين المبادرات الملهمة، تبرز تجربة الشاب أيمن عبد ربه من سلطة جودة البيئة، الذي أنشأ "حديقة التدوير" في قوصين بنابلس، مستخدما بقايا إطارات السيارات والزجاجات البلاستيكية والعبوات، فحول المهمل إلى جمال، والملوث إلى مساحة خضراء ليجسد ثقافة التدوير في أبهى صورها.

وفي مخيم عايدة شمال بيت لحم، شكل مشروع زراعة أسطح المنازل مبادرة شعبية نحو الزراعة البيئية الحضرية، حيث أصبحت الأسطح الخضراء رمزاً للمقاومة الخضراء ومتنفسًا طبيعيًا في وجه الخرسانة والازدحام.

وفي القدس، اختارت نجلاء عبد اللطيف طريقا مختلفا عبر مبادرة "صفر نفايات"، لتذكر الناس أن حماية البيئة تبدأ من تفاصيل الحياة اليومية، من حقيبة نأخذها إلى السوق، ومن قرار صغير ألا نرمي ما يمكن إعادة استخدامه لتصبح تجربتها نموذجا اليوم يحتذى به داخل فلسطين وخارجها.

ولأن الوعي لا يكتمل دون الإبداع، أطلقت دانا مصفر وعلياء جمهور مشروع " كيسي" لتصميم حقائب صديقة للبيئة لتقليل استخدام البلاستيك، في مبادرة تجمع بين الوعي والذوق، ولعل من أبهى المبادرات الرمزية ما أطلقه المطران سني إبراهيم عازر، رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية، حين دعا إلى زرع أشجار بأسماء الأطفال الذين استُشهدوا في غزة، ليحول الفقد إلى حياة، والذاكرة إلى غرس يواجه الموت بالأمل.

ولعل ما قامت به نادين أيوب، ملكة جمال فلسطين ملكة جمال الأرض عن فلسطين، التي ربطت من خلال حملاتها ومشاركاتها بين الجمال كقيمة إنسانية والوعي البيئي كمسؤولية وطنية وجماعية، ودعت الشباب والنساء إلى أن يكونوا سفراءً للأرض كما هم سفراءُ للهوية، وأن العناية بالأرض جزء من الاعتناء بالذات، وأن الاستدامة هي الوجه الحقيقي للجمال الإنساني. 

ولا بد من تسجيل الإعجاب بالدور الريادي الذي تقوم به النوادي البيئية المدرسية والنشطاء الجامعيون، الذين يساهمون في تعزيز رسالة البيئة داخل المؤسسات التعليمية، حيث تشكل الإذاعة المدرسية والمبادرات الشبابية نواة حقيقية لزرع السلوك البيئي منذ الصغر. فإن ما يتعلمه الطفل في الإذاعة المدرسية أو من نشاط بسيط في جمع القوارير قد يصنع بعد عشرين عاما مواطنا مختلفا، أكثر وعيا ومسؤولية تجاه بيئته ووطنه.

كل هذه الجهود والمبادرات، على اختلافها، تنتمي إلى فكرة أن البيئة أسلوب حياة وأن تمكين الشباب في العمل البيئي استثمار في وعي وطني جديد، يرى في كل ورقة شجرة جزءًا من خارطة الوطن.

ورغم أن الاهتمام الرسمي بالبيئة قد تزايد في السنوات الأخيرة، وتحول إلى موضوع عبر قطاعي يلامس التعليم والصحة والزراعة والتخطيط وكل مناحي القطاعات، إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى تعزيز الدور المجتمعي والتوعوي، وتفعيل ودعم الجسم التنفيذي للمنظومة التشريعية، أي الشرطة البيئية، التي يظل وجودها وتطوير قدراتها ضرورة ملحة. 

لقد آن الأوان لتوسيع مفهوم التدوير في حياتنا اليومية، فلا يقتصر على الحديد والخردة، بل يمتد إلى الورق والكرتون والمخلفات المنزلية. فكما نجحنا في خلق سوق للحديد المستعمل، يمكننا أن نخلق اقتصادا بيئيا يُنعش القرى والمدن، ويحول ما كنا نراه نفايات إلى فرص للعمل والإنتاج.

ولعل ما نحتاجه اليوم هو الاستثمار في طاقات الشباب في البيئة، فحين يزرع شاب شجرة، أو يصنع كيسا صديقا للبيئة، فإنه يقول بطريقته إن الوطن يمكن أن يُبنى بالعقل والوعي، ومن وعي الناس تبدأ الحكاية.