الحدث العربي والدولي
يستمر إعلام الاحتلال في حملات التحريض ضد دول الإقليم، لا سيما تركيا، عبر اتهامات تزعم أن منظومتها المالية بالكامل، من بنوك وبورصة ومؤسسات حكومية، متاحة لخدمة المقاومة الفلسطينية. وتندرج هذه المزاعم ضمن محاولة الاحتلال تصوير خطوات أنقرة على أنها جزء من سعيها لإحياء نفوذها التاريخي والتقدم نحو موقع إمبراطورية جديدة.
وادعى دين شموئيل ألماس، محرر مجلة "غلوبس"، أن جهاز الأمن العام والشرطة التابعين للاحتلال نفذا عملية مشتركة أسفرت عن توقيف عدد من فلسطينيي 48 من كفر قاسم ورهط خلال الأسابيع الماضية، بدعوى الاشتباه بتورطهم في نقل أسلحة وأموال بشكل سري لصالح أحد نشطاء حركة حماس المقيم في تركيا.
واعتبر أن هذا النشاط يعكس مستوى الحرية الواسع الذي يمنحه الرئيس رجب طيب أردوغان للحركة، متجاوزا أي مكان آخر في العالم، لافتا إلى أن الأنشطة المعادية التي تُدار من إسطنبول تشهد تصاعدا مقلقا.
وأشار ألماس في مقاله المنشور على "القناة 12" العبرية إلى أن التركيز السابق انصرف إلى توجيه الهجمات داخل الضفة الغربية وإلى حرية حركة حماس المالية في تركيا، وهما مسألتان شديدتا الحساسية.
وزعم أن العنصر الأبرز يتمثل في محفظة أصول حماس المقدرة بنصف مليار دولار، والتي تُدار من إسطنبول، وتشرف على شركات وأصول وشبكات دولية ذات أهمية بين الدول التي تدعم الحركة، ولم تتعرض لأي ضرر خلال الحرب.
وأضاف أن الحركة اختارت تركيا مركزا لعملياتها لسبب واضح، وهو أن النظام المالي التركي، بما فيه البنوك وبورصة إسطنبول والجهات الحكومية، يعمل بقدر كبير من الانفتاح، وأن تحويلات أموال النشطاء المسلحين تتم عبر مسارات معقدة. ورأت حماس أن البيئة هناك ملائمة لها قبل أن تمضي في تشغيل المسلحين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ونوّه ألماس بأن حماس تعرّف في أنقرة، حتى بعد عملية طوفان الأقصى، بوصفها "منظمة تحرير"، وأن نشاطها هناك يتم بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات التركي (MIT). وأكد أن مشاركة رئيس الجهاز، إبراهيم كالين، في اللقاءات مع قيادات الحركة، وفي محادثات شرم الشيخ التي أفضت إلى وقف إطلاق النار، تؤكد صلته المباشرة وتأثيره على قادتها.
وأشار إلى أن أردوغان يسعى لتحويل سوريا إلى محمية، وأن أنقرة تعلمت أسلوب الحرب بالوكالة من إيران وطورته، فتستخدم القوى المعادية للاحتلال وتحوّل الدول المتخلفة إلى محميات، كما حدث في الصومال، ويحدث حاليا في سوريا، حيث انتهزت تركيا فرصة سقوط النظام السوري السابق برئاسة بشار الأسد، وتنصيب أحمد الشرع، في محاولة لتغيير صورته النمطية عالميا.
وأوضح ألماس أن الاحتلال، بعد عام على تغيّر النظام في سوريا، يسعى لاستراتيجية غير مفهومة لإحياء مفهوم "حلقة الخنق" التركية، وهو تصور متأثر بسقوط "حلقة الخنق" الإيرانية. وأضاف أن الأتراك يتحركون على أكثر من مسار؛ فمع الحظر التجاري التركي على الاحتلال، يستمر التواصل مع الأكاديميين الإسرائيليين، في حين تعمل خمسون دبلوماسيا تركيا في تل أبيب.
وأشار إلى أن توزيع الطواقم الدبلوماسية التركية يوضح طبيعة تحرك أنقرة: ثلاثون موظفا في تل أبيب وعشرون في القنصلية بالقدس، التي تُعد تمثيلا لفلسطين، ما يعكس رغبة تركيا في تعزيز نفوذها داخل القدس وخدمة المصالح الفلسطينية.
وأضاف أن استمرار التعاون الاستخباراتي بين تل أبيب وأنقرة لا يعني وجود ود تجاه الاحتلال من منظومة أردوغان، وأن الأتراك يسعون لإعطاء غطاء شرعي لدخول قواتهم العسكرية إلى غزة، وهو ما يجب منعه، حتى لو أدى إلى صدام بين تل أبيب وواشنطن.
وأوضح ألماس أن أردوغان يسعى على المدى البعيد إلى زوال دولة الاحتلال، ويجب فرض ثمن على تركيا دبلوماسيا عبر تقليص التأشيرات الدبلوماسية، وليس عسكريا. وختم بأن دولة الاحتلال مطالبة بتأسيس إطار وطني موحد للتعامل مع التحدي التركي، حيث تستفيد أنقرة من الطابع اللامركزي لعمل وزارتي الخارجية والحرب والموساد، ما يخلق ارتباكا داخل المنظومة، كما أن وزير الشتات عميحاي شيكلي اقترح تشكيل فريق وزاري مشترك لفحص الأنشطة التركية في القدس.
ويبرز هذا التقدير السياسي والأمني الإسرائيلي القلق من أن التهديد التركي ما زال قائما على المدى القريب، وأن التعامل مع مخاطره البعيدة يتطلب استجابات إسرائيلية ممتدة عبر إطار وطني موحد لمواجهة التحدي التركي، وهو ما لم يتحقق بعد بسبب الخلافات الداخلية والتباينات بين الأجهزة والوزارات المعنية.
