تحليل الحدث
يُعتبر تشكيل "قوة الاستقرار الدولية" في قطاع غزة أحد الأعمدة الرئيسية في خطط ما بعد الحرب التي تدعمها الولايات المتحدة، وتهدف إلى ضمان الاستقرار الأمني وبدء عملية إعادة الإعمار ونزع سلاح الفصائل الفلسطينية وتحديدا سلاح حركة حماس. ومع ذلك، يواجه هذا المشروع تعثراً كبيراً وعراقيل بنيوية وسياسية عميقة. ويعود هذا التعثر إلى شبكة معقدة من التحديات الأمنية الميدانية، والمواقف الدولية المتضاربة، والتحفظات الإقليمية، ورفض الفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى الموقف الإسرائيلي المزدوج.
تحديات الميدان الأمني وعقبة "الانتهاكات الجوية"
تُعدّ البيئة العملياتية في قطاع غزة هي التحدي الأكبر الذي يواجه أي قوة متعددة الجنسيات تسعى للانتشار. أحد أبرز العوائق، يكمن في غياب ضمانات بعدم وجود انتهاكات جوية من جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي. فأي قوة دولية ستنتشر في القطاع ستواجه بيئة عملياتية معقدة. أبرزها ماثل في الانتهاكات الجوية الإسرائيلية التي قد تعرض قوات البعثة للخطر المباشر، وهو ما سيؤدي إلى انسحاب فوري وإحراج سياسي دولي. وهو ما توليه الدول التي قد تساهم في البعثات الأممية أو الدولية أهمية قصوى خاصة فيما يتعلق بسلامة جنودها، وغياب ضمانات الحماية السيادية، ما يُعد سبباً كافياً لرفض المشاركة من الأساس.
يضاف إلى ذلك صعوبة تجنيد دول للمشاركة بسبب المخاوف من الاشتباك المباشر مع حماس أو منظّمات أخرى في غزة. إذ إن هذه القوة لن تكون قوة حفظ سلام تقليدية، بل قوة استقرار يُتوقع منها الإشراف على نزع السلاح ومواجهة أي محاولات لعرقلة إعادة الإعمار، ما يضعها حتمًا في خط المواجهة. وترفض العديد من الدول إرسال جنودها للمخاطرة بخسائر بشرية أو التورط في حرب استنزاف مع فصائل محلية مسلحة لها عقيدتها القتالية الخاصة.
أما النقطة الشائكة الثالثة فتتعلق بمهمة نزع السلاح، فالقوة الدولية يفترض بها أن تلعب دوراً في هذه العملية، لكن هذا الدور يتصادم بشكل مباشر مع الموقف الإسرائيلي. فالمسؤولون الإسرائيليون يصرون على أن تفكيك سلاح "حماس" هو "مهمة حصرية" للجيش الإسرائيلي. وهذا التضارب يخلق فراغاً عملياً: فإذا قامت القوة الدولية بالمهمة، فإنها تخاطر بالاشتباك والمواجهة. وإذا لم تقم بها، فإنها تفشل في تحقيق أحد أهدافها الرئيسية، ويفقد المشروع معناه بالنسبة لإسرائيل. وفي المقابل، إذا أصرت إسرائيل على إنجاز المهمة بنفسها، فإن وجود القوة الدولية يصبح بلا جدوى، أو أنها ستكون مجرد قوة "حماية" دون سلطة حقيقية على الأرض.
التردد الدولي
من جهة أخرى، فإن الواقع الميداني يزيد من التردد الدولي والقلق من المشاركة في القوة، فبينما تعهدت الولايات المتحدة سابقاً ببدء نشر هذه القوة بحلول يناير (كانون الثاني) المقبل، لكن الواقع الميداني والسياسي لا يزال يشير إلى أن تلك الخطوة بعيدة المنال. إذ يتطلب التخطيط لبعثة دولية شهوراً من التدريب، وتجهيز المعدات، وتحديد قواعد الاشتباك، وترتيب التمويل اللوجستي.
