خاص الحدث
عاد مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات أدت لمقتل إسرائيليين، إلى الواجهة بعد إقراره بالقراءة الأولى في الكنيست الإسرائيلي بدعم قوي من الأوساط اليمينية في حكومة الاحتلال الإسرائيلية. ورغم أن إسرائيل أوقفت تنفيذ أحكام الإعدام منذ عام 1954، فإن هذا المقترح يُعد تحولًا جذريًا يثير قلقًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والسياسية، نظرًا لطابعه التمييزي وترسيخه لعقوبة أُلغيت فعليًا منذ عقود في المنظومة القضائية الإسرائيلية.
فيما يلي استعراض شامل لنشأة هذا المشروع ومساره التشريعي، وأبرز حيثياته وتداعياته ومواقف الأطراف المختلفة منه حتى عام 2025.
تطور مشروع القانون ونصّه عبر السنوات
خلفية تاريخية: ورثت إسرائيل عند تأسيسها عام 1948 بعض قوانين الانتداب البريطاني، ومنها قانون العقوبات لعام 1936 الذي كان يجيز الإعدام بشكل إلزامي في عمليات القتل. أبقت دولة الاحتلال على عقوبة الإعدام سارية في سنواتها الأولى، لكنها ألغتها في 1954. مع ذلك، ظل الإعدام منصوصًا عليه في قوانين خاصة بحالات استثنائية ونادرة مثل إدانة مجرمي الحرب النازيين (بموجب قانون عام 1950) وجرائم الخيانة العظمى والتعاون مع العدو ضمن القضاء العسكري، وبالفعل، نفذت إسرائيل حكم الإعدام مرتين فقط في تاريخها: الأولى عام 1948 بحق ضابط إسرائيلي (مئير طوبيانسكي) بتهمة الخيانة ثم تبينت براءته لاحقًا، والثانية عام 1962 بحق أدولف آيخمان بعد إدانته بجرائم حرب نازية. ومنذ ذلك الحين اعتُبرت إسرائيل عمليًا دولة متوقفة عن تطبيق الإعدام، حيث تُستعاض عنه بالسجن المؤبد ومدد طويلة جدًا.
وبعد احتلال عام 1967 ظهرت دعوات من أعضاء كنيست ومسؤولين إسرائيليين لتطبيق الإعدام على منفذي العمليات الفلسطينيين. بقيت هذه المطالبات دون تشريع فعلي لعقود، لكن الضغوط تصاعدت في موجات العنف المختلفة. في يوليو/تموز 2017 طُرح لأول مرة مشروع قانون صريح لفرض الإعدام على فلسطينيين قتلوا إسرائيليين، قدمه عضو الكنيست روبرت إليطوف من حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة وزير جيش الاحتلال آنذاك أفيغدور ليبرمان. جاء ذلك بعد إلحاح من ليبرمان ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بدعوى أن إعدام منفذي العمليات سيكون رادعًا قويًا يفوق إجراءات كهدم منازل عائلاتهم. إلا أن المقترح الأول رُفض بأغلبية أعضاء الكنيست في حينه، مما أوقفه مؤقتًا.
مع نهاية عام 2017، أعيد طرح المشروع إثر توافق أحزاب الائتلاف الحاكم آنذاك على دعمه، وبالفعل صادق الكنيست على المشروع بالقراءة التمهيدية في 3 يناير/كانون الثاني 2018 بأغلبية 52 صوتًا مقابل 49. نصّت الصيغة المقترحة حينها على السماح للمحاكم العسكرية بفرض عقوبة الإعدام في قضايا قتل الإسرائيليين إذا توافر أغلبية من القضاة (اثنان من ثلاثة مثلًا) بدل الاشتراط السابق بإجماع هيئة المحكمة الثلاثية. كما أعطت الصلاحية للقائد العسكري أو لوزير جيش الاحتلال للتصديق على طلب المدعين العسكريين بتنفيذ الحكم. تجدر الإشارة أن تلك الصيغة لم تأتِ إطلاقًا على ذكر تطبيق العقوبة على مرتكبي عمليات قتل من الإسرائيليين؛ أي أنها واقعياً كانت مخصصة للفلسطينيين فقط، رغم تجنب التصريح بذلك بشكل مباشر. ورغم تمرير القراءة التمهيدية، لم يتقدم المشروع في القراءات التالية وقتها بسبب حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة وتباينات داخلية حالت دون استكمال إقراره.
بعد عدة سنوات، ومع صعود اليمين المتطرف بقوة أواخر عام 2022، عاد مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين إلى الواجهة. فقد تضمنت اتفاقيات تشكيل الائتلاف الحاكم الجديد (بقيادة حزب الليكود وبمشاركة حزب "القوة اليهودية" بزعامة إيتمار بن غفير) بندًا صريحًا للتقدم بهذا التشريع. وبناءً عليه، قامت اللجنة الوزارية للتشريع في الحكومة بالموافقة على الصيغة الجديدة للمشروع مطلع عام 2023، ثم عُرض على الكنيست. في 1 مارس/آذار 2023 صوّت الكنيست بالقراءة الأولى (التمهيدية) لصالح المشروع، في خطوة اعتُبرت تاريخية لأنها المرة الأولى التي يقترب فيها تشريع عقوبة إعدام من أن يصبح قانونًا ساريًا منذ عقود. نصّت مسودة 2023 بصورة أوضح على إلزام المحاكم بفرض عقوبة الإعدام على أي فلسطيني مُدان بقتل إسرائيلي بدافع قومي. ورغم هذا التقدم، توقفت وتيرة الدفع بالقانون خلال عام 2023 بسبب تحفظات قانونية وأمنية أبدتها جهات عدة بينها المستشار القانوني للكنيست ومسؤولون في أجهزة الأمن الإسرائيلية، حيث حذروا من تداعيات خطيرة على إسرائيل داخليًا وخارجيًا في حال إقراره. كذلك واجه المشروع معارضة دولية مبكرة (كما سيأتي لاحقًا)، مما دفع الحكومة إلى التروي مرحليًا.
بعد الحرب على غزة في أكتوبر 2023، تعهد بن غفير بالمضي سريعًا لإقرار قانون الإعدام مستغلًا حالة الغضب العام. بالفعل، أُعيد تفعيل مسار القانون في أواخر 2023 وبداية 2024، لكن التطور الأبرز حصل في أواخر عام 2025، حيث وافق الكنيست بتاريخ 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 على المشروع في قراءة أولى رسمية بأغلبية 39 عضوًا مقابل 16. أعقبت ذلك نقاشات في لجنة الأمن القومي البرلمانية لوضع الصيغة النهائية قبل عرضها للتصويت بالقراءتين الثانية والثالثة الحاسمتين. كشفت تلك النقاشات عن تفاصيل جديدة جوهرية في مبادئ التشريع المقترح، من أبرزها:
● حصر نطاق العقوبة بحالات يكون فيها القتيل إسرائيليًا يهوديًا قُتل بدافع قومية أو أيديولوجية. هذا يعني أن الفلسطيني الذي يقتل إسرائيليًا في ظروف تعتبرها سلطات الاحتلال "قومية" سيُحكم عليه وجوبًا بالإعدام. في المقابل، لا تطبَّق العقوبة إذا كان الضحية فلسطينيًا، حتى لو كان الفاعل يهوديًا، مما يرسّخ تمييزًا صارخًا بين الضحايا وفق الهوية.
● توسيع المسؤولية لتشمل إلى جانب المنفّذ المباشر للهجوم المخططين والمحرضين والشركاء فيه، حتى لو لم يشاركوا فعليًا في تنفيذ عملية القتل. وبذلك قد يتعرض الأسير الفلسطيني المحكوم بالمؤبد أو أي عقوبة عالية على خلفية عملية قُتل فيها إسرائيليون لخطر الإعدام بمفعول رجعي إذا اعتمد القانون الجديد على حالات سابقة (هناك مخاوف حقوقية من إمكانية تطبيقه على أسرى معتقلين قبل صدوره، وخاصة من اعتُقلوا بعد أحداث 7 أكتوبر 2023).
● إلزامية الحكم وعدم إتاحة الاستئناف أو تخفيفه: ينص المشروع على أن هيئة المحكمة لن تملك أي صلاحية لتخفيف العقوبة أو استبدالها، مهما كانت الظروف المخففة. ويُكتفى بـأغلبية بسيطة من القضاة لإصدار حكم الإعدام (دون الحاجة لإجماع كما كان سابقًا)، كما يُمنع قطعياً أي استئناف على نوع العقوبة أو تقديم التماس لإعادة النظر فيها، ويحظر كذلك تخفيف الحكم عبر صفقة تبادل أو عفو رئاسي. هذا يجعل حكم الإعدام نهائيًا غير قابل للمراجعة حال النطق به من المحكمة المختصة.
● طريقة التنفيذ وسرعة تطبيقه: حددت المبادئ المسربة أن التنفيذ سيتم عن طريق حقنة قاتلة (إعدام بالسم)، وستتولى مصلحة السجون تنفيذ العملية تحت إشراف وزارة الأمن القومي. هذه سابقة في إسرائيل التي لم تستخدم أسلوب الإعدام بالحقنة من قبل. كما فرض القانون سقفًا زمنيًا لا يتجاوز 90 يومًا بين صدور الحكم النهائي وتنفيذه، وذلك منعًا لما يراه معدّو القانون "مماطلات قضائية" قد تؤخر التنفيذ. يعد هذا الإطار الزمني قصيرًا واستثنائيًا مقارنة بالإجراءات القضائية المعتادة.
من المتوقع بعد انتهاء لجنة الأمن القومي من إعداد الصيغة النهائية، أن يدفع الائتلاف الحاكم نحو التصويت السريع بالقراءتين الثانية والثالثة في الكنيست لتحويل المشروع إلى قانون نافذ. يصرّ قادة حزب "القوة اليهودية" بزعامة بن غفير على إنجاز التشريع قبل أي تغييرات سياسية أو انتخابات قد تعرقل إقراره، معتبرين القانون إنجازًا تاريخيًا يعزز الردع الإسرائيلي ويحقق ما يصفونه بـ"العدالة في أقصى صورها" بحق من نفذوا عمليات ضد إسرائيليين. في المقابل، يستعد معارضو المشروع للطعن به قضائيًا فور إقراره، مستندين إلى إمكانية تعارضه مع قوانين الأساس التي تُعد بمثابة الدستور الإسرائيلي.
أحكام إعدام على أسرى فلسطينيين لم تُنفّذ
على الرغم من أن إسرائيل لم تنفذ فعليًا أي حكم إعدام قضائي ضد فلسطينيين منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية عام 1967، إلا أن محاكمها العسكرية أصدرت في الماضي بعض أحكام الإعدام في قضايا محدودة تمثّل محطات بارزة. جميع تلك الأحكام تم تخفيفها عند الاستئناف أو لم يصادق عليها القادة العسكريون وبالتالي لم تُنفّذ. وفيما يلي أبرز حالات صدرت فيها أحكام بالإعدام على أسرى فلسطينيين لكنها لم تُنفَّذ في النهاية:
● محمود بكر حجازي (1965): أول أسير في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة. اعتقل في يناير 1965 بعد عملية فدائية لنسف جسر قرب الخليل. صدر بحقه حكم الإعدام شنقًا في محكمة عسكرية، وارتدى زي الإعدام الأحمر لمدة 45 يومًا انتظارًا للتنفيذ. بعد الاستئناف، أُعيدت محاكمته وخُفف الحكم إلى السجن 30 عامًا. ثم أُفرج عنه عام 1971 في أول صفقة تبادل أسرى بين إسرائيل وحركة فتح، مما حال دون تنفيذ الإعدام.
● موسى جمعة الطلالقة (1975): أحد المشاركين في عملية فدائية استهدفت فندق "سافوي" بتل أبيب في مارس 1975 وأسفرت عن مقتل إسرائيليين. طالبت أصوات عديدة آنذاك بإعدامه، وفعليًا أوصت محكمة عسكرية بتنفيذ الإعدام بحقه. لكن النيابة العسكرية الإسرائيلية امتنعت عن طلب العقوبة القصوى واكتفت بالمؤبد، مبررة ذلك بضرورة مراعاة اعتبارات سياسية وأمنية عليا تتجاوز سلطة الادعاء. قضى الطلالقة عقودًا في الأسر قبل الإفراج عنه في صفقة تبادل فيما بعد.
● كريم وماهر يونس (1980): وهما ابنا عم من فلسطينيي الداخل اتهما عام 1983 بالانتماء لحركة فتح وخطف وقتل الجندي أبراهام برومبرغ عام 1980. حكمت المحكمة العسكرية عليهما بدايةً بـالإعدام شنقًا بتهمة "خيانة المواطنة"، كونهما يحملان الجنسية الإسرائيلية. لكنهما استأنفا الحكم، فتم تخفيض العقوبة إلى السجن المؤبد لمدة 40 عامًا. أمضيا كامل المدة تقريبًا قبل أن يُفرَج عنهما مطلع عام 2023 بعد قضاء أربعة عقود في الأسر.
● سعيد بدارنة (1994): أول من حاول تنفيذ عملية تفجير بواسطة حزام ناسف في الانتفاضة الأولى. اتهمته نيابة الاحتلال بالتخطيط لتفجيرين استهدفا محطتين مركزيتين في مدينتي الخضيرة والعفولة عام 1994. أصدرت محكمة عسكرية حكمًا بإعدامه. وفق قوانين القضاء العسكري في الضفة الغربية، تم تلقائيًا استئناف الحكم أمام محكمة الاستئناف العسكرية التي ألغت الإدانة لعدم كفاية الأدلة وأعادت المحاكمة من جديد وحُكم عليه بالسجن المؤبد بدلًا من الإعدام، ثم أُطلق سراحه ضمن صفقة تبادل الأسرى عام 2011 (صفقة شاليط).
● رائد الشيخ (2003): شرطي فلسطيني اتهم بقتل جنديين إسرائيليين في رام الله خلال انتفاضة الأقصى. في محاكمته أمام محكمة عسكرية عام 2003، صوّت اثنان من ثلاثة قضاة لصالح فرض عقوبة الإعدام عليه، معتبرين الحادثة بالغة الخطورة. لكن القاضية الثالثة عارضت الحكم، ولأن القانون كان يتطلب إجماع الهيئة لفرض الإعدام، تعذر ذلك. بدلاً من ذلك فُرض على رائد الشيخ حكمان بالسجن المؤبد (مدى الحياة).
إلى جانب هذه القضايا البارزة، تشير الإحصاءات إلى أنه بين عامي 1967 و1989 أصدرت المحاكم العسكرية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بضع أحكام إعدام ضد مقاومين فلسطينيين، ولكن جميعها خُفضت إلى مؤبد عند الاستئناف ولم يُنفذ أي منها. كذلك تكشف سجلات القضاء العسكري أنه منذ 1967 وحتى 2011 تقدم المدعون العسكريون بطلب الإعدام 10 مرات في قضايا قتل تتعلق بأمن الدولة، إلا أنه لم يحصل أي إجماع قضائي يتيح التنفيذ، فبقيت تلك الأحكام معطلة. ويظهر من منطق الأحكام المخففة أن إسرائيل فضّلت تاريخيًا تجنب تنفيذ الإعدام رسميًا، ربما تفاديًا لجعل الأسرى "شهداء" في نظر شعبهم، وخوفًا من تصعيد عمليات أسر الجنود والمستوطنين الإسرائيليين لمبادلتهم بأسرى محكومين بالإعدام.
تجدر الإشارة هنا إلى أن امتناع إسرائيل عن تنفيذ الإعدامات القضائية لم يمنعها من ممارسة الإعدام خارج نطاق القانون. فقد نفذت آلاف عمليات الاغتيال والتصفية الميدانية بحق فلسطينيين على مدى عقود الاحتلال، سواء عبر إعدامات فورية خلال الاعتقال والمداهمات أو من خلال الاغتيالات المنظمة لنشطاء وقادة. وفي الآونة الأخيرة خلال حرب غزة 2023، استُشهد عشرات الأسرى داخل السجون الإسرائيلية نتيجة القصف والإهمال الطبي المتعمد، إذ وثقت مؤسسات حقوقية ارتفاع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى نحو 80 أسيرًا منذ أكتوبر 2023. لذا ترى المنظمات الفلسطينية أن سعي إسرائيل لإقرار قانون إعدام الأسرى ما هو إلا محاولة لإعطاء غطاء "قانوني" لممارسات قتل كانت تتم فعليًا دون إطار قضائي رسمي.
مواقف منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية
أثار مشروع قانون إعدام الأسرى موجة تنديد واسعة من قبل المنظمات الحقوقية في الداخل الفلسطيني وعلى المستوى الدولي، التي رأت فيه انتهاكًا صارخًا لمعايير حقوق الإنسان وتكريسًا للتمييز والعنف. منظمة العفو الدولية (أمنستي) كانت في طليعة المنتقدين عالميًا؛ فقد حذرت صراحةً من أن هذا التشريع يمثل خطوة خطيرة نحو تكريس التمييز ضد الفلسطينيين وانتكاسة فادحة للاتجاه العالمي المتجه نحو إلغاء عقوبة الإعدام. وأشارت أمنستي إلى أن النص المقترح "يلزم المحاكم فعليًا بفرض عقوبة الإعدام حصرًا على الفلسطينيين" دون غيرهم، مما يجعله قانونًا تمييزيًا بامتياز. ووصفت العقوبة نفسها بأنها أقصى أشكال العقوبات القاسية واللاإنسانية والمهينة وحرمان لا رجعة فيه من الحق في الحياة. كما نوّهت المنظمة إلى أن إسرائيل بهذا القانون تخالف التزاماتها الدولية؛ إذ وقّعت عام 1991 على معاهدات تهدف لإلغاء عقوبة الإعدام أو تقييد تطبيقها، وبذلك تضع نفسها في مواجهة اتجاه عالمي تضمّن حتى الآن إلغاء العقوبة في 113 دولة (7 دول منها ألغتها منذ عام 2020). وطالبت منظمة العفو المجتمع الدولي بممارسة أقصى الضغوط على السلطات الإسرائيلية لسحب مشروع القانون، مؤكدةً ضرورة تفكيك المنظومة القانونية والممارسات التي ترسخ نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين. ودعت إلى ضمان معاملة الأسرى والمحتجزين وفق القانون الدولي الذي يحظر التعذيب ويكفل المحاكمات العادلة، وصولًا إلى إلغاء عقوبة الإعدام بشكل تام عن جميع الجرائم وفي جميع الظروف.
من جهتها، أصدرت مجموعة من المنظمات الحقوقية الفلسطينية (من بينها مؤسسة "الحق"، ومؤسسة الضمير، ومركز الميزان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان) نداءً مشتركًا عاجلًا للأمم المتحدة لوقف مشروع القانون. وحذرت هذه المنظمات من أن مشروع تعديل قانون العقوبات الإسرائيلي (رقم 159 لعام 2025) الخاص بعقوبة الإعدام سيؤدي إلى إضفاء طابع رسمي على القتل الممنهج الذي تمارسه إسرائيل بحق الأسرى، وسيعزز نظامها القائم على الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري، ويصعّد العنف الإبادي ضد الشعب الفلسطيني. ونبّهت إلى أن القانون المقترح يفرض عقوبة الإعدام وجوبيًا ودون إمكانية تخفيف، ويتيح تطبيقها بأثر رجعي وفي محاكم عسكرية تفتقر لأبسط ضمانات المحاكمة العادلة، مما يجعل حياة مئات الأسرى عرضة لخطر الإعدام التعسفي. وأكدت أن المحاكم العسكرية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تفتقر للمعايير القانونية المستقلة، حيث تبلغ نسبة الإدانة فيها 99% وتُستخدم فيها أدلة سرية واحتجاز إداري مطوّل، ويُحاكم المتهمون بلغات لا يفهمونها غالبًا. وعليه، اعتبرت المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية أن فرض الإعدام في سياق منظومة قضائية هذا حالها يمثل انتهاكًا جسيمًا للمادة (6) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تكفل الحق في الحياة، والمادة (14) التي تضمن الحق في المحاكمة العادلة، فضلًا عن مبادئ الشرعية وعدم التمييز.
إلى جانب ذلك، انتقد الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية عديدة مشروع القانون بشدة. كان مكتب الاتحاد الأوروبي في إسرائيل قد صرح بعيد تمرير القراءة التمهيدية (يناير 2018) بأن هذه الخطوة "مهينة وتتعارض مع الكرامة الإنسانية"، مؤكدًا أن الإعدام عقوبة غير رادعة وغير إنسانية. وفي عام 2023 ومع إعادة طرح المشروع، جددت عدة دول أوروبية مواقفها الرافضة معتبرةً أن عودة إسرائيل لتطبيق الإعدام ستبعدها عن القيم الديمقراطية العالمية. كما عبّرت الأمم المتحدة عبر خبرائها المستقلين عن قلق بالغ؛ ففي بيان بتاريخ 24 فبراير 2023 اعتبر عدد من المقررين الخاصين بالأمم المتحدة أن إعادة إسرائيل العمل بعقوبة الإعدام هي خطوة رجعية عميقة، مشيرين إلى أن القانون يبدو مصممًا ليستهدف الأقليات والفلسطينيين تحت الاحتلال العسكري.
وأكد خبراء الأمم المتحدة أن المشروع يكرس فعليًا نظامًا قانونيًا بازدواجية عنصرية: نظام يحمي الإسرائيليين اليهود، مقابل نظام يستهدف الفلسطينيين ويقلل قيمة حياتهم وحقوقهم الأساسية. وشددوا على أن قوانين مكافحة الإرهاب الإسرائيلية نفسها مليئة بالثغرات وتُطبّق بتمييز وتعسف، وجاء هذا القانون ليزيد الوضع سوءًا. وحذروا من أن تطبيق الإعدام عبر محاكم عسكرية في الأراضي المحتلة دون اشتراط الإجماع يطرح تحديات خطيرة لسيادة القانون ويُعد حرمانًا تعسفيًا من الحياة. في المحصلة، دعت الأمم المتحدة إسرائيل إلى التخلي عن هذا المشروع التمييزي، مؤكدةً أن انتهاك حقوق الإنسان عبر تشريعات صارمة لن يجعلها أكثر أمنًا، بل يؤجج العنف، ويقوّض سيادة القانون التي التزمت بها الأسرة الدولية في مساعيها لإلغاء عقوبة الإعدام عالميًا.
وعلى الصعيد الإسرائيلي الداخلي، انضمت منظمات حقوق مدنية إسرائيلية إلى رفض المشروع، إذ رأت جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل ومعهد الديمقراطية الإسرائيلي وغيرهما أن تشريع عقوبة الإعدام سيشكل سابقة خطيرة تضرب سمعة منظومة القضاء الإسرائيلي. وأكدت هذه المنظمات أن وجود قانون عقوبات متفاوت على أساس عِرقي يتنافى مع قيم المساواة وحقوق الإنسان المنصوص عليها في القوانين الأساس الإسرائيلية. حتى نقابة الأطباء الإسرائيلية أعلنت موقفًا لافتًا برفض مشاركة أعضائها في أي إجراءات تتعلق بتنفيذ عقوبة الإعدام، انطلاقًا من أخلاقيات المهنة التي تحظر على الأطباء المشاركة في إزهاق الأرواح. وقد حضر ممثل عن النقابة إحدى جلسات اللجنة البرلمانية وعبّر عن هذا الموقف، ما أدى برئيس اللجنة إلى طرده من الجلسة وسط جدال حاد.
مواقف المؤسسات الفلسطينية المعنية بالأسرى
الحركة الأسيرة الفلسطينية ومناصروها يرون في مشروع قانون الإعدام تصعيدًا خطيرًا وغير مسبوق ضمن حرب إسرائيل المستمرة على الأسرى. وقد أجمعت المؤسسات والهيئات الفلسطينية المختصة بشؤون الأسرى على إدانة المشروع واعتباره قانونًا عنصريًا فاشيًا يستهدف الوجود الفلسطيني. صرح نادي الأسير الفلسطيني أن الاحتلال الإسرائيلي لم يتوقف يومًا عن ممارسة الإعدام بحق الفلسطينيين خارج نطاق القانون، سواء عبر إطلاق النار المباشر أو الإهمال الطبي المتعمد في السجون، وأن مساعي إقرار قانون إعدام الأسرى ما هي إلا خطوة إضافية لترسيخ جريمة قائمة وممارسة منذ عقود ولكن بصبغة تشريعية هذه المرة. واعتبر النادي أن وحشية الاحتلال بلغت مستوى غير مسبوق بالسعي إلى تشريع قانون خاص للإعدامات. وقد توعّد رئيس نادي الأسير قدورة فارس منذ طرح الفكرة عام 2018 بأن الحركة الأسيرة والقوى الفلسطينية ستناضل ضد هذا القانون بكل السبل المتاحة، معتبرًا إياه جزءًا من القوانين العنصرية للاحتلال.
من جانبها وصفت هيئة شؤون الأسرى والمحررين القانون بأنه نسف لمشروعية النضال الفلسطيني. وأكدت الهيئة أن أسرى الحرية الفلسطينيين هم مناضلون مشمولون بالحماية القانونية الدولية وفق اتفاقيات جنيف، وأن محاولة سن قانون لإعدامهم تشكل جريمة حرب مكتملة الأركان. في هذا السياق، شدد وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة على أن مشروع القانون مخالف تمامًا لاتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة لعام 1949 والبروتوكول الأول الملحق بها لعام 1977، والتي تعتبر المناضلين ضد الاحتلال محميين بوصفهم أسرى حرب في حالة النزاعات المسلحة الدولية. ورأى الشلالدة أن فرض إسرائيل لعقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني ولقواعد حقوق الإنسان، مما يفتح الباب لمساءلة دولية ضد إسرائيل باعتباره جريمة حرب بموجب ميثاق المحكمة الجنائية الدولية.
على الصعيد السياسي الفلسطيني، اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها مشروع القانون "جريمة سياسية وقانونية وإنسانية". وأدان المجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان في الشتات) بأشد العبارات تصويت الكنيست لصالح المشروع، محذرًا من أنه يمنح ترخيصًا رسمياً لقتل الأسرى ويُعد بمثابة دعوة مفتوحة لإعدامهم جماعيًا. كما اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هذا القانون تجسيدًا لطبيعة النظام الاستعماري الإسرائيلي، مشيرةً إلى أنه سيحوّل الأسرى الفلسطينيين إلى ورقة مساومة سياسية داخل إسرائيل، بحيث تستخدمهم التيارات المتطرفة كورقة ضغط لتحقيق أجنداتها الداخلية. وحذرت الفصائل الفلسطينية عمومًا من أن المساس بحياة أي أسير تحت طائلة هذا القانون سيقابله رد فعل قوي، إذ قد تندفع المقاومة لمعاملة الأسرى الإسرائيليين بالمثل. فكثيرًا ما أكدت حماس وفصائل أخرى أنه في حال أقدمت إسرائيل على إعدام أسرى فلسطينيين، فإن حياة أي أسير أو مخطوف إسرائيلي ستكون في خطر كإجراء مقابل. هذه التحذيرات تبرز البعد الخطير لمثل هذا التشريع على ديناميكية الصراع ومصير الأسرى لدى الجانبين.
آراء خبراء قانونيين إسرائيليين ودوليين
أثار القانون منذ مراحله الأولى تساؤلات عميقة بين الخبراء القانونيين في إسرائيل وخارجها حول دستوريته ومدى اتساقه مع المبادئ القانونية العامة. في الأوساط الإسرائيلية، أبدى العديد من القانونيين البارزين تحفظات شديدة على المشروع. حتى قبل صياغة النسخة النهائية، نُقل عن المستشار القضائي لحكومة الاحتلال الإسرائيلية آنذاك (أفيحاي مندلبليت في 2017) انتقادُه لفكرة القانون، حيث شكّك في مزاعم الردع التي يتذرع بها مؤيدوه. أشار مندلبليت وآخرون إلى عدم وجود دليل حقيقي على أن عقوبة الإعدام ستردع العمليات، بل على العكس قد تزيد تصميم بعض المهاجمين الذين يبحثون عن الشهادة.
علاوة على ذلك، أشار خبراء قانونيون إسرائيليون إلى أن القانون بصيغته الحالية يصطدم مع مبادئ دستورية (قوانين الأساس الإسرائيلية)، وخاصة قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته الذي يمكن أن يُستند إليه للطعن في عقوبة الإعدام باعتبارها عقوبة قاسية ومهينة. كما أن الحق في المحاكمة العادلة والمراجعة القضائية يُعد من القيم الدستورية الراسخة، وإلغاء حق الاستئناف في قضايا حياة أو موت يُعتبر انتهاكًا لمبدأ العدالة الإجرائية. وقد حذّر المستشار القانوني للكنيست بنفسه من أن تمرير القانون دون السماح بتدقيق قضائي قد يضع المنظومة التشريعية في مواجهة مباشرة مع المحكمة العليا الإسرائيلية، التي يمكن أن تنظر في التماسات لإلغائه. بالفعل، يرى مختصون في القانون الدستوري الإسرائيليون أن بنودًا في المشروع مناقضة لأسس سيادة القانون، مثل مبدأ الفصل بين السلطات (من خلال تقييد سلطة القضاء وإلزامه بحكم محدد سلفًا) ومبدأ تكافؤ الفرص أمام القانون (حيث يُعامل المتهم الفلسطيني على نحو أشد بكثير من أي متهم آخر اعتمادًا على هويته القومية).
دوليًا، اعتبر خبراء القانون الدولي أن هذا القانون سيُدخل إسرائيل في حالة تناقض صارخ مع التزاماتها. فإسرائيل طرف في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي وإن لم يحظر الإعدام تمامًا فإنه يضع قيودًا صارمة عليه وينص على تطبيقه دون تمييز وبأوفر ضمانات المحاكمة العادلة. القانون المقترح، وفق الخبراء، ينتهك مبدأ عدم التمييز المنصوص عليه في تلك العهود، لأنه يطبق الإعدام على فئة محددة (الفلسطينيين) بدوافع سياسية وقومية. كذلك رأت شخصيات قانونية دولية أن الجمع بين تشريع عقوبة إلزامية بالإعدام وبين محاكمات عسكرية سريعة لمتهمين من شعب واقع تحت الاحتلال قد يرقى إلى الإعدام التعسفي المحظور تمامًا بموجب القانون الدولي الإنساني. وقد ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومقررو الأمم المتحدة أن أسرى النزاعات المسلحة لا يجوز عقابهم بعقوبات جسدية مفرطة تفوق المعايير المتعارف عليها دوليًا. وفي حالة الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال، فهم محميون باتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع إصدار أحكام دون توفير كافة حقوق الدفاع والاستئناف. لذا، يرى خبراء أجانب أن إقرار إسرائيل لهكذا قانون قد يوفر أساسًا قانونيًا لملاحقتها دوليًا، سواء عبر لجان تحقيق أم أمام المحكمة الجنائية الدولية، على اعتبار أنه يشرعن حرمانًا تعسفيًا من الحق في الحياة ويميز بين المدنيين على أساس الهوية الوطنية.
إضافةً إلى ذلك، لفت خبراء حقوقيون دوليون الانتباه إلى تداعيات أخلاقية وقيمية؛ فإسرائيل لطالما تباهت بكونها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي ألغت الإعدام (في الجرائم المدنية) واتبعت نهجًا متحضرًا في العقوبات الجزائية، فإذا بها الآن ترتد إلى تبني العقوبة الأشد قسوةً بشكل موجّه ضد شعب خاضع لاحتلالها. وقد علق أحد الخبراء الأوروبيين بأن مشروع القانون يبدو وكأنه "يؤسس لنظام قضائي انتقامي لا يمت بصلة للقيم الليبرالية". بكلمات أخرى، تجمع آراء الخبراء القانونيين على أن القانون المقترح يفتقر للشرعية القانونية والأخلاقية سواء من منظور القانون الإسرائيلي الداخلي أو القانون الدولي، وسيضع إسرائيل في موضع الدولة الخارجة عن إطار المعايير القانونية العالمية إذا ما تم اعتماده.
المواقف الإسرائيلية الأمنية والسياسية: دعم ومعارضة
انقسمت الساحة السياسية والأمنية الإسرائيلية حول مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين بين مؤيدين متحمسين يعتبرونه ضرورة أمنية وعدالة مستحقة، ومعارضين يرونه خطوة خطيرة غير مجدية أمنيًا وتضر بمصالح إسرائيل الاستراتيجية.
تصدر المعسكر الداعم قادة اليمين القومي والديني في الحكومة الحالية. وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وحزبه "عوتسما يهوديت" (القوة اليهودية) هم عرابو القانون الأساسيون، وقد جعلوه شرطًا لاستمرارهم في الائتلاف الحاكم. بن غفير صرح مرارًا: "هكذا نحارب الإرهاب؛ بإرسال الإرهابيين إلى جهنم بدلاً من إطلاق سراحهم" في إشارة إلى أن من سيتم إعدامهم لن يكونوا قابلين للمبادلة في صفقات تبادل مستقبلية. ويرى المؤيدون أن إسرائيل دفعت ثمنًا باهظًا في صفقات تبادل الأسرى السابقة، حيث أُطلق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل أسرى إسرائيليين، ما شجّع الفصائل الفلسطينية على تكرار عمليات الأسر. لذلك يطرحون الإعدام كحل نهائي: "لا صفقات بعد اليوم، الذي يقتل سيُعدم ولن يكون ورقة تفاوض" كما قال عضو الكنيست تسفيكا فوغل رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست. كذلك يجادل هؤلاء بأن عقوبة الإعدام ستردع بشكل ملموس أي شاب فلسطيني يفكر بتنفيذ عملية، لأنه سيعلم أنه لن ينعم بالسنوات في السجن أو فرص الإفراج، بل ينتظره الموت المحتّم.
إضافة إلى بن غفير، أيّد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء المشروع ضمنيًا في أكثر من مناسبة، معتبرًا أن هناك حالات قصوى تستحق الإعدام لتحقيق العدالة. فقد دعا نتنياهو صراحةً عام 2017 إلى إعدام منفذ عملية قتل ثلاثة مستوطنين في مستوطنة حلميش، قائلاً: "آن الأوان لإعدام الأسرى في بعض الحالات القصوى". ومع أنه تجنّب الخوض علنًا في تفاصيل القانون الحالي (ربما لاعتبارات دبلوماسية)، إلا أن استمرار دعم حزبه الليكود لتمرير المشروع يؤكد موافقته عليه ضمنًا. أحزاب اليمين الديني الأخرى (شاس ويهدوت هتوراة) صوتت أيضًا لصالح المشروع، وإن كان بدافع الانضباط الائتلافي أكثر منه حماسة مبدئية، بينما انقسمت المعارضة، حيث أن بعض أعضاء أحزاب الوسط صوتوا لصالح القراءة الأولى. عموماً، ينظر اليمين الإسرائيلي للمشروع كإيفاء لوعد انتخابي تاريخي طال انتظاره، إذ طالما نادت قواعده الشعبية بشعار "الموت للأسرى الفلسطينيين" في المظاهرات عقب كل عملية للمقاومة.
المعسكر المعارض يضم قيادات أمنية سابقة وحالية، فقد حذر نداف أرغمان رئيس الشاباك (في عام 2018) من أن تشريع الإعدام سيكون غير مفيد أمنيًا. ونُقل عنه في إحدى جلسات الكنيست قوله إن "تنفيذ إعدام الأسرى سيدفع التنظيمات الفلسطينية إلى أسر المزيد من الإسرائيليين للمساومة، وقد يعرّض أمن اليهود حول العالم للخطر" عبر عمليات انتقامية. هذا الموقف واظب عليه مسؤولون أمنيون آخرون باعتبار أن إبقاء الأسرى أحياء ولكنهّم يقضون عقوبات طويلة أفضل أمنيًا من خلق دافع للمقاومة لتحريرهم بأي ثمن أو قتلهم انتقامًا. كذلك أعرب قادة في جيش الاحتلال الإسرائيلي عن مخاوف أن يدفع القانون المقاتلين الفلسطينيين للصمود حتى الموت وعدم الاستسلام في الميدان، طالما أنهم يعلمون أن الأسر سينتهي بهم إلى حبل المشنقة. وبالتالي قد يزيد هذا التشريع من شدة المواجهات على الأرض ويرفع كلفة العمليات العسكرية على الجيش.
سياسيًا، أعلنت غالبية أحزاب المعارضة رفضها للقانون. يائير لابيد زعيم حزب يوجد مستقبل (ييش عتيد) وزعيم المعارضة صرّح بأنه لن يدعم مشروعًا كهذا، واصفًا إياه بأنه "استغلال سياسي لآلام عائلات القتلى الإسرائيليين دون فائدة أمنية". كما اعتبرته ميراف ميخائيلي زعيمة حزب العمل قانونًا يجسد عدالة زائفة ستكلف إسرائيل غاليًا في سمعتها الدولية. وحتى بيني غانتس وزير جيش الاحتلال السابق وزعيم معسكر الدولة (يمين وسط) أبدى تحفظًا قائلاً إن الأولوية يجب أن تكون لمنع العمليات قبل وقوعها عبر تحسين الأداء الاستخباري، وليس سن قوانين عقابية بعد وقوعها قد تؤدي لعواقب عكسية. ورأى بعض نواب المعارضة أن تمرير القانون سيفاقم من عزلة إسرائيل الدولية ويمنح أعداءها ذريعة لاتهامها بالعنصرية والفاشية، خاصة وأن صورة الأسرى الفلسطينيين المهددين بالإعدام ستثير تعاطفًا عالميًا ومزيدًا من الانتقادات. لهذا دعا هؤلاء إلى التركيز على عقوبات بديلة مشددة (مثل تشديد شروط السجن المؤبد ومنع الإفراج المبكر) بدل الدخول في نفق الإعدام الذي خرجت منه الدول التي تدعي الديمقراطية منذ زمن.
جانب آخر من المعارضة السياسية يأتي من مخاوف دستورية داخلية: إذ حذرت شخصيات مثل نحمان شاي (نائب سابق عن المعسكر الصهيوني) من أن إقرار عقوبة الإعدام سيضع القضاء الإسرائيلي في صدام مع المجتمع الدولي ويعرض إسرائيل لضغط لا قبل لها بتحمله، فضلًا عن احتمال رفض المحكمة العليا للقانون، مما سيخلق أزمة دستورية بين السلطتين التشريعية والقضائية. وقد لمح بعض أعضاء الكنيست من المعارضة الذين صوتوا في القراءة الأولى، إلى أنهم ربما لن يؤيدوا القانون بالقراءات النهائية إذا لم تُعدّل بنوده الأخطر، وذلك لتجنب إدخال إسرائيل في دوامة صراع سلطات داخلي، خصوصًا في أجواء التوتر الناتج عن خطة إصلاح القضاء المثيرة للجدل.
باختصار، بينما يرى المؤيدون في قانون الإعدام وسيلة انتقام وردع تحقق شعارات "الموت للأسرى" وتنهي مسلسل تبادل الأسرى، يعتبره المعارضون تصعيدًا متهورًا سيكلف إسرائيل أكثر مما سيحقق لها، سواء على صعيد أمن أسراها المحتملين أو على مكانتها كـ"دولة قانون" في نظر العالم.
التبعات الأمنية والسياسية والقضائية المتوقعة
يحمل الدفع بمشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين جملة تبعات خطيرة ومتداخلة على المشهد الأمني والسياسي والقضائي، سواء داخل إسرائيل أو في نطاق الصراع مع الفلسطينيين:
1. تداعيات أمنية: هناك شبه إجماع بين الخبراء الأمنيين – حتى بعض الذين لا يعارضون العقوبة مبدئيًا – على أن تطبيق الإعدام في الظروف الحالية قد يجعل الإسرائيليين أكثر عرضة للخطر بدلًا من زيادة أمنهم، إذ أن فصائل المقاومة قد تعتبر تنفيذ أي إعدام بأسير فلسطيني إعلانًا لاستباحة حياة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة. عمليات أسر الإسرائيليين قد تزداد كاستراتيجية مضادة؛ إذ ستسعى الفصائل لأسر جنود أو مستوطنين لمبادلتهم بأسرى محكومين بالإعدام قبل فوات الأوان. هذا يخلق دورة تصعيد خطيرة.
في المقابل، يتوقع البعض أن يؤدي وجود عقوبة الإعدام إلى تغيير سلوك منفذي العمليات أنفسهم: فبدلًا من تسليم أنفسهم أو الوقوع في الأسر، قد يفضّل الممقاوم القتال حتى الموت على يد قوات الاحتلال أو تنفيذ عملية استشهادية، لأنه يعلم أن الاعتقال سينتهي به إلى منصة الإعدام على أية حال. وهذا سيجعل عمليات اعتقال المطاردين أكثر صعوبة. كما حذّر خبراء إسرائيليون من أنه ذا شعر شاب فلسطيني مطارد أنه في حال استسلامه سيُعدم، قد يلجأ لتنفيذ هجوم أخير فدائي بدلاً من الاعتقال، أو قد يقاوم عند محاولة اعتقاله.
2. انعكاسات سياسية ودبلوماسية: من الناحية السياسية الدولية، سيضع هذا القانون إسرائيل في موضع المساءلة والإدانة المستمرة. فمن المتوقع في حال إقراره وتصديق أحكام إعدام بموجبه أن تطلق دول كثيرة وأمم متحدة حملة ضغط دبلوماسي على إسرائيل لإلغائه أو على الأقل تعليق تنفيذ الأحكام. وقد تتأثر علاقات إسرائيل مع حلفائها الغربيين الذين يناهضون الإعدام؛ فالاتحاد الأوروبي قد يدرس إجراءات عقابية رمزية، مثل تعليق حوار الشراكة أو توجيه لوائح لوم في المنتديات الدولية. ومن السهل على الفلسطينيين وداعميهم أن يصوروا إسرائيل كدولة فصل عنصري تمارس "إعدامات قانونية" بحق شعب تحت احتلالها. وهذا قد يعزز خطاب حركة المقاطعة (BDS) ويقنع شرائح أوسع حول العالم بمشروعية تشبيه إسرائيل بأنظمة بائدة مثل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
عربيًا وإسلاميًا، سيُنظر للقانون كإعلان مواجهة مفتوحة مع الشعب الفلسطيني، مما قد يؤجج الشارع العربي ويحرج
3. تأثيرات على الصعيد القضائي الإسرائيلي: إذا أقر الكنيست القانون بشكل نهائي، فمن شبه المؤكد أن التماسات عاجلة ستقُدم إلى المحكمة العليا الإسرائيلية للطعن في دستوريته. هنا سنكون أمام اختبار حاسم لاستقلالية القضاء: فإذا قضت العليا بإلغاء القانون أو بعض مواده لمخالفته قوانين الأساس، سيُحدث ذلك صدامًا مع الحكومة والكنيست اللذين قد يتهمان المحكمة بتجاوز صلاحياتها وتعطيل إرادة الناخبين (خصوصًا في ظل التوتر القائم بسبب محاولات إصلاح/تقليص صلاحيات القضاء). وإن أذعنت الحكومة لقرار الإلغاء فسيكون سابقة تؤكد قوة القضاء، أما إن تجاهلت قرار المحكمة أو حاولت تحصين القانون ضد المراجعة القضائية (مثلاً بسن تشريع يمنع العليا من مراجعة قوانين عقوبات الأمن)، فسيغرق النظام السياسي في أزمة دستورية غير مسبوقة.
وفي حال مضى القانون وباشرت المحاكم بإصدار أحكام إعدام، ستواجه المنظومة القضائية تحديات تنفيذ غير معتادة: منها كيفية توفير إجراءات استئناف خاصة أو مراجعة قضايا الإعدام (في ظل منع الاستئناف قانونيًا) لضمان عدم وقوع أخطاء قضائية فادحة. كذلك البنية التحتية لتنفيذ الإعدام غير متوفرة في إسرائيل حديثًا، ما قد يستدعي وضع بروتوكولات من الصفر وتدريب كوادر لتنفيذ الحقن المميتة وتأمين موادها. وفضلًا عن معضلة مشاركة الأطباء كما ذُكر سابقًا، قد تتصاعد الاضطرابات داخل السجون؛ فمع صدور أول حكم إعدام مؤكد بحق أسير، يمكن توقع توترات شديدة بين الأسرى وإدارة السجون، وإضرابات جماعية عن الطعام أو محاولات تنفيذ عمليات طعن، ما يضع مصلحة السجون أمام وضع أمني هش.
أحدث المستجدات حتى عام 2025
مع نهاية عام 2025، لا يزال قانون إعدام الأسرى قيد الإجراءات التشريعية ولم يصبح نافذًا بعد، لكنه أقرب ما يكون إلى الإقرار النهائي في ظل إصرار الحكومة الحالية على تمريره سريعًا. بعد إتمام القراءة الأولى في الكنيست في نوفمبر 2025، تعمل لجنة الأمن القومي على إدخال التعديلات النهائية تمهيدًا لعرضه للتصويت بالقراءتين الثانية والثالثة المطلوبتين قانونيًا. التصريحات الصادرة عن قيادات الائتلاف الحاكم تشير إلى رغبة في إقرار القانون بشكل نهائي خلال مطلع عام 2026 على أبعد تقدير، وربما قبل ذلك إذا سمحت الظروف البرلمانية. وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال بن غفير عبّر عن أمله في إنجاز القانون قبل التوجه إلى أي انتخابات عامة مقبلة، في إشارة إلى حرصه على تخليد هذا التشريع ضمن إنجازات كتلته اليمينية.
ومع ذلك، تُواجه هذه الاندفاعة عقبات محتملة في الأفق القريب. فإضافةً إلى الضغوط الدولية المتصاعدة – حيث شهد شهرا أكتوبر ونوفمبر 2025 حراكًا دبلوماسيًا وحقوقيًا مكثفًا لثني إسرائيل عن المضي في المشروع (بما في ذلك نقاشات في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة) – هناك أيضًا اعتبارات داخلية قد تؤخر أو تمنع إقراره.
في الخلاصة، يدخل عام 2026 وإسرائيل على أعتاب حدث مفصلي: فإما أن يتم تمرير قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين ويبدأ فصل جديد بالغ الحساسية في الصراع وفي تاريخ القضاء الإسرائيلي، وإما أن تنجح الضغوط الداخلية والخارجية في تعطيله أو تخفيفه. ما هو مؤكد أن مجرد طرح هذا القانون والتصويت عليه شكّل نقطة تحول لها ما بعدها – فقد كشف عن توجهات أكثر تطرفًا في التشريع العقابي الإسرائيلي، وأثار أسئلة حول صورة إسرائيل الدولية والتزاماتها القانونية. وبينما تنتظر مئات عائلات الأسرى الفلسطينيين بقلق ووجل ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، يترقب أيضًا الرأي العام العالمي ما إذا كانت إسرائيل ستقدم فعلاً على كسر المحظور وتطبيق عقوبة إعدام غابت عن ساحتها لعقود، وعلى فئة بعينها من الناس، في خطوة تحمل أبعادًا تاريخية وأخلاقية عميقة.
