الحدث العربي والدولي
بمناسبة تولي سلوفينيا رئاسة مجلس الأمن الدولي للشهر الحالي، كانون الأول/ديسمبر، عقد السفير صامويل زبوغار، الممثل الدائم لجمهورية سلوفينيا لدى الأمم المتحدة، مؤتمراً صحافياً حول أنشطة المجلس خلال هذا الشهر.
وقال السفير إن الأسبوع الثالث من هذا الشهر سيشهد تركيزاً مكثفاً على قضايا الشرق الأوسط، حيث سيعقد المجلس سلسلة من الجلسات تبدأ بنقاش مفتوح، يعقبه، في السادس عشر من الشهر، اجتماعٌ بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية عملاً بالقرار 2334، ثم جلسة عن اليمن في اليوم التالي، فجلسة حول سوريا، وأخيراً جلسة عن ليبيا.
ووصف زبوغار هذا الأسبوع بأنه سيكون حافلاً بإحاطات مكثفة حول أوضاع المنطقة.
وهذه هي المرة الثانية التي تتولى فيها سلوفينيا رئاسة المجلس خلال عضويتها غير الدائمة، والتي تنتهي مع نهاية الشهر الحالي.
وفي سياق حديثه عن التحديات التي تواجه الأمم المتحدة، أشار الدبلوماسي السلوفيني إلى تراجع احترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وخاصة ما يتعلق بحماية العاملين في المجال الإنساني. وضرب مثالاً صارخاً بغزة، مشيراً إلى استشهاد 565 عاملاً إنسانياً، بمعدل أربعة أسبوعياً. وهي أزمة تمتد الآن إلى السودان أيضاً. وأضاف أن رؤساء المنظمات الإنسانية أبلغوه بأن شعار الأمم المتحدة لم يعد يوفر الحماية للعاملين الإنسانيين على الأرض كما كان في السابق، واصفاً هذا الوضع بأنه “مرعب للغاية”، لأن هناك سكاناً مدنيين يعتمدون على المساعدات المقدمة لهم.
أما بشأن القرار 2803، الذي اعتمده مجلس الأمن الشهر الماضي بشأن غزة، فقد واجه زبوغار أسئلة عدة حول آليات المراقبة والتنفيذ. وأوضح أن القرار منح “مجلس السلام” صلاحيات واسعة في إدارة قوة الاستقرار المؤقتة في غزة وكل ما يتعلق بها، بينما يحتفظ مجلس الأمن بدور إشرافي عبر تقارير نصف سنوية. وشدد على أن المجلس يمتلك أيضاً صلاحية طلب إحاطات شفهية في أي وقت عن تنفيذ القرار، مشيراً إلى احتمالية طلب إحاطة من “مجلس السلام” بعد شهر واحد للتحقق من إنشاء الإطار المرجعي وتشكيل القوة.
وعن سبب عدم النص على رقابة مستقلة من الأمم المتحدة بدلاً من الاعتماد على تقارير “مجلس السلام”، قدّم زبوغار تفسيراً قال فيه: إن القرار جاء في سياق رأت فيه غالبية أعضاء المجلس أن “مجلس السلام” هو الخيار الوحيد المتاح لتحقيق وقف إطلاق النار ثم دفع العملية السلمية في غزة قدماً. وأضاف أن الكثيرين كانت لديهم تساؤلات، لكنهم قرروا في نهاية المطاف “إعطاء السلام فرصة”، على حد تعبيره. وأكد أن المجلس دعم القرار لأنه كان السبيل الوحيد المتاح لبلوغ هدف السلام، مشدداً على أن أيّ قرار قابل للتحسين بمرور الوقت، بما في ذلك هذا القرار وآلياته.
وبخصوص الزيارة المقررة إلى سوريا ولبنان، أوضح السفير السلوفيني أن المجلس سيلتقي بجميع الأطراف المعنية للحصول على صورة حقيقية عن الأوضاع. وقال إن الهدف من الزيارة في سوريا هو المساعدة في إعادة بناء الثقة بين الأمم المتحدة والشعب السوري بعد 14 عاماً شعر خلالها كثير من السوريين بأن المنظمة لم تكن إلى جانبهم في مواجهة النظام السابق. وفي الوقت نفسه، سينقل المجلس رسائل تتعلق بالشمولية ومكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا.
أما في لبنان، فأوضح أن الوضع مختلف، إذ إن هناك اتفاقاً لوقف إطلاق النار، لكن من بين بنود هذا الاتفاق أن تكون الدولة هي الجهة الوحيدة المخوّلة بحمل السلاح، في إشارة إلى نزع سلاح “حزب الله”، وهو ما يزال يمثل تحدياً كبيراً. وأكد أن الرسالة في لبنان ستكون دعم القيادة اللبنانية في الخطوات التي تتخذها وتشجيعها على مواصلة الطريق. كما أشار إلى أن الوفد سيزور قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) جنوب البلاد للاطلاع على الوضع على طول الخط الأزرق.
وعندما سُئل عن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول أهمية حوار قوي بين إسرائيل وسوريا، قال زبوغار إنه لا يستطيع التحدث باسم المجلس لعدم مناقشة المسألة فيه، لكنه رأى شخصياً أن الحوار ضروري بالتأكيد، بالنظر إلى الملفات العالقة، مثل الجولان السوري المحتل والمخاوف الأمنية الإسرائيلية التي تُثار باستمرار في المجلس. وأضاف أن المجلس سيشجع الحوار بين سوريا وإسرائيل، وبين سوريا ولبنان، وبين سوريا وجيرانها الآخرين، لكن المبادرة يجب أن تأتي من الأطراف المعنية نفسها.
وفي رده على سؤال حول وضع الأقليات في سوريا، بمن في ذلك العلويون والدروز والأكراد، شدد زبوغار على أن هذه قضايا داخلية يجب أن تُحسم من خلال عملية سياسية يقودها السوريون أنفسهم.
وقال إن سلوفينيا لا ترى أن من المناسب أن يملي أحد من الخارج ما يجب على سوريا فعله. وأكد أن المجلس سيشجع الشمولية وإيجاد حلول للمظالم، لكنه لن يحدد المسار نيابة عن السوريين.
وبخصوص التقرير المتعلق بالقرار 2231 بشأن إيران، أوضح أن المجلس سيتلقى تقرير الأمين العام، في الثالث عشر من هذا الشهر. وأشار إلى أن النقاشات بين المندوبين أعضاء المجلس أظهرت كالعادة تبايناً في وجهات النظر، إذ يرى بعض الأعضاء أن القرار لم يعد قائماً، بينما يؤكد آخرون ضرورة الإحاطة به. وأضاف أن أول خطوة في العام المقبل بعد إعادة فرض العقوبات ستكون تشكيل لجنة العقوبات وانتخاب رئيس لها، وهو ما قد يواجه صعوبات تتعلق بغياب التوافق، مشيراً إلى احتمال عدم تعيين رئيس للجنة، وفي هذه الحالة سيتولى رئيس المجلس رئاستها مؤقتاً.
وفي ختام المؤتمر الصحافي، أعرب السفير زبوغار عن قلقه العميق إزاء الوضع الإنساني العالمي، مشيراً إلى القصص المروعة التي ترد من المنظمات الإنسانية حول شحّ التمويل وتزايد المخاطر الأمنية على العاملين. وأكد أن الأمم المتحدة يجري تهميشها في جهود حل النزاعات، ليس فقط في غزة، بل أيضاً في أوكرانيا والسودان، حيث تتولى الوساطات الإقليمية أدواراً أكبر، وذلك على حساب المنظمة الدولية. ورغم ذلك شدد على أن الأمم المتحدة هي الجهة الوحيدة القادرة على ضمان الأمن الجماعي، خاصة للدول الصغيرة، في ظل التوترات الجيوسياسية والهشاشة التي يشهدها الأمن العالمي.
