السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

اختبارٌ حاسم يسمَّى غزَّة.. محمد الأمين سعيدي

2014-08-06 01:54:37 AM
اختبارٌ حاسم يسمَّى غزَّة.. محمد الأمين سعيدي
صورة ارشيفية

 ضوء في الدَّغْل

الحدث: تحوَّلتْ غزَّةُ إلى مقبرة للأحياء والأمواتِ على حدٍّ سواء، جميعهم يتجوَّلون تحت القصفِ الإسرائيليِّ وهمْ لا يعرفون أ هُمْ في الدُّنيا أم في الآخرة!! يهربُ النَّاس من بيوتهم خشية أنْ تسقط عليهم السقوف بسبب قذيفة مدفعية أو صاروخ طائرة مقاتلة، يفرُّون إلى سقف السماء الذي يمطر هو الآخر نارًا وخوفًا وموتًا. لا أمان في غزَّة مطلقًا، لا أمان في سماء تحتلُّها إسرائيل..لا أمان للإنسان هناك في عصر حقوق الإنسان وحقوق الحيوانات الأليفة والمفترسة والحشرات. لكنَّ غزَّة رغم جراحِها، رغم أصابع النهاية التي تلوِّن أيَّامها بالأسودِ القاتم والدَّم تضعنا تحت اختبارٍ حاسم؛ هل نحنُ بشر على سبيل المثال؟؟ أم أنَّ الناس ليسوا أكثر من وحوشٍ همجية؟؟ بل إنَّ غزَّة تضعنا أمام حقيقتنا البغيضة، أمام أنانيَّتنا المتأصِّلة رغم أنَّنا ندَّعي العكس عادة. أنانيَّة يشترك فيها الكلُّ؛ القاتِل الإسرائيليُّ لأنَّه ينفِّذ تعاليم الفناءِ الأكثر قسوة على مرِّ العصور، والمتفرِّج العربي وغير العربي لأنَّه إمَّا يكتفي بالمشاهدة وأحيانا بالوقوف مع المجرم أو يزعم الحزنَ أو يسير في المظاهراتِ مندِّدًا، لكنَّه بمجرِّد انتهاء ذلك يعودُ إلى بيته وكأنَّ شيئا لا يحدثُ، بل إلى سعادةٍ تجعلُه متناقضًا أكثر من العدوِّ أحيانا.

غزَّةُ إذًا تقومُ باختبارنا جميعا، وفي الحقيقة هي تختبر العدوَّ والصديقَ معًا. فمن جهة إسرائيل، باعتبارِها الجلاَّد، تختبر فيها أقصى وأقسى الطرق الوحشية لإبادة الإنسان، وتضعُها أمامَ مرآةٍ مفزعة توحي بمستقبلها المخيف، لأنَّ الكيان الصهيونيّ حينَ يقتلُ بهذه البشاعة يزرع في أعماق ضحاياهُ جلاَّده الذي ينتظرُه في الآتي. فالطفلُ الصغير اليوم الذي ينجو من القصف يحمِلُ في ذاكرته صور القتلى من أهله وأحبابه، ويحمِل في الآن نفسه بذرة المقاومة الدائمة التي تجعل من إسرائيل موضوعة ثأرٍ دائم. والمجرم الذي يصنع نهاية غيره ويتفنَّن فيها يصنع أيضا نهايته هو على أيدي ضحاياهُ سواء طال الحالُ أم قصر، وهذه حقيقة يعمى عنها الجلاَّد وهو في عزِّ جبروته، وينتبه إليها فقط حين يلفظ أنفاسه الأخيرة فيكون الأوان قد فات.

من جهةٍ أخرى تختبر غزَّة اليوم الصَّديق، بل الأخ والسند في حالة العرب الذينَ خسروا في الامتحان على أكثرِ من مستوى، فهم خسروا أخلاقيًّا حين يكتفي بعضهم بالمشاهدة دون أيِّ موقف يذكر، والحيادُ في هذه الحالة هو مشاركة للجلاد فيما يفعل، وخسروا إنسانيًّا حين يعلنُ بعضهم بأنَّ غزَّة لا تعنيه وأنَّ موت أهلِها ليس من اهتماماته، وخسروا وجوديًّا لأنَّ الفناء الذي يؤدي رقصته القبيحة في غزَّة على أشلاء الأطفال والنساء هو فناءٌ لهم، وصورة حاضرة لبعض ما سيصلهم من حرِّ الاعتداء مستقبلا، فإسرائيل تدرك جيّدًا بأنّ عدم معاداتها عربيا اليوم هو نصر جديد بالنسبة إليها ما كانتْ لتحلم به سابقا، وأنَّ التخاذل العربيَّ في الواقع هو برهانٌ على التخلِّي عن فلسطين يكشف عن عوراتنا وعن الضعفِ الذي صرنا عليه، أو بالأصحِّ، كنا عليه دائما، واليوم أسقطنا ورقة التوت التي كانتْ تخفي كل ذلك العار.

لقد خسرنا الامتحان الحاسم الذي يسمَّى غزَّة، وخسرنا أنفسنا، وخسرنا بطاقة الانتماء إلى بيتِ الإنسانية. من حقِّ غزَّة أنْ تلعننا، من حق جثث الأطفال أنْ ترمينا بالحجارة كما كانتْ ترمي جنود العدوِّ وهي على قيد الحياة. كتبتُ في الفايس بوك:" كلُّ من يبرّر لإسرائيل أفعالَها، كلُّ من يقول إنّ غزّة لا تعنيه وموت أهلها ليس من شأنه فليغادر صفحتي. صعب أنْ يرى الواحد كلَّ هذا القرف يخرج من أفواه كنَّا نحسبُ أصحابَها من البشر. " فعلقتْ قارئة هيSama Alia:"معك الحق صديقي...لكن هذه الظاهرة:الشماتة بأهل غزة ألا تستحق الوقوف عندها والتساؤل:ما الذي أوصلنا لهذا ؟؟".

الإجابة بسيطة ياSama Alia:إنَّه السُّقوط والانحطاط.

* شاعر وأكاديمي جزائري