السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خيبات الأمل والخسائر...هل هو الربيع العربي الفلسطيني؟

2016-01-04 05:15:45 AM
خيبات الأمل والخسائر...هل هو الربيع العربي الفلسطيني؟
فتاة تشارك في انتفاضة القدس (أرشيفية)

 

الحدث- مصدر التقرير


ترجمة: عبد الرحمن الحسيني عن  "ميدل إيست أون لاين"

 

تجاوز الشباب الفلسطيني مختلف الفصائل وتصرف وحده من دون أي توجيهات، نظراً لأن الفصائل الفلسطينية أثبتت عدم قدرتها في الأعوام الماضية على جلب أي تغييرات ايجابية للشعب.


لم يبد الربيع العربي الذي امتد على مدار الأعوام الماضية في تونس وليبيا ومصر وسورية وأنه قد وصل بفعالية إلى قطاع غزة والضفة الغربية. وفي الحقيقة، ظلت الأراضي الفلسطينية خارج الثورات العربية غالباً. ولم يسمح نموذج الربيع العربي للفلسطينيين بالتغلب على انقساماتهم السياسية بين القيادتين الفاسدتين: فتح وحماس. وكانت الانقسامات بين الحركتين الفلسطينيتين الرئيستين قد بدأت قبل ثمانية أعوام في حزيران (يونيو) من العام 2007، عندما فازت حماس بالانتخابات وفرضت سيطرتها على قطاع غزة بقوة السلاح. ومنذ ذلك الحين أصبحت الأراضي الفلسطينية مقسمة إلى كيانين إقليميين، أحدهما تسيطر عليه حماس وتموله قطر، والآخر تسيطر عليه فتح وتموله الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وكان من الممكن أن يساعد الربيع العربي في إسقاط النظام الموجود بدرجته العالية من الفساد واستبداله بنظام جديد.


في الحقيقة، وبالرغم من المشاهد السياسية المتغيرة في العالم العربي والثورة اللاحقة في البلدان المجاورة مثل مصر، بقي الفلسطينيون في الغالب خارج هذه الحركة الشعبية. وفي الأثناء، ظل تفجر الاحتجاجات الشعبية الصغيرة في الأعوام اللاحقة، مثل حركة 20 أبريل في العام 2015 عقيماً.


تفجرت هذه الاحتجاجات مرة أخرى اليوم في فلسطين، لكنها بدلاً من أن تكون موجهة ضد فتح أو حماس، نجد أنها موجهة هذه المرة مباشرة ضد القوات الإسرائيلية التي ما تزال تحتل الضفة الغربية.


وتنقل هذه الاشتباكات في الغالب من جانب مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى سبيل المثال، يظل موقع "فيسبوك" في قلب هذه الاشتباكات، حيث يتيح لأبناء الشعب الفلسطيني التعبير عن غضبهم ويأسهم. وتخدم وسائل الاعلام الاجتماعي كمنصات للمواطنين الشباب ليوجهوا انتقاداتهم والإعراب عن استيائهم من الحزبين الرئيسيين، فتح وحماس، اللذين لم يعودا مقدسين في نظر جيل التسعينيات الذي يعتبر القوة الرئيسية التي تقف وراء الانتفاضة الأخيرة (التي تعرف بالهبة). واليوم، نجد أن هذا الجيل الجديد يتصدى للقوات الإسرائيلية من تلقاء نفسه، ولا يتلقى الأوامر من أي حزب سياسي أو أي زعيم.


هذه الثورة الجديدة، حيث الزعماء السياسيون ليسوا المحركين الرئيسيين للاحتجاجات، على عكس وسائل الإعلام الاجتماعي، تبدو شبيهة كثيراً بثورات الربيع العربي التي حدثت في مصر وفي تونس.


مع ذلك، من الخطأ القول أن مواقع الإعلام الاجتماعية هي التي تقود الانتفاضة الراهنة. فمواقع شبكات العمل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" و"تويتر" لا تعدو كونها في الحقيقة الوسائط الرئيسية لتجنيد ودفع الشباب نحو العمل، بينما يتم إعداد معظم التطورات والدعوة إليها من خلال قنوات الاتصالات الاجتماعية على الإنترنت، ولم يعد ذلك يجري من خلال الأحزاب السياسية التقليدية. ويظهر غياب أي قيادة مسؤولة -سواء كانت في الميدان أو عبر وسائط الإعلام الاجتماعي- أن الأحزاب السياسية لا تتوافر على أي سيطرة حقيقية أو تحكم في مجريات الأمور الجديدة، والواضح أنها لا تتوافر أيضاً على أي قدرة على حفزها.


ثمة تشابهات في الحقيقة بين الانتفاضة الفلسطينية والربيع العربي فيما يتعلق باستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية لحشد الدعم، وغياب أي طرف يقود الحركة.


ومع ذلك هناك اختلاف رئيسي تجب الإشارة إليه. فقد كانت ثورات الربيع العربي موجهة ضد الأنظمة العربية المختلفة وهياكلها الاستبدادية الداخلية، بينما تتوجه الانتفاضة الفلسطينية ضد قوة احتلال. وحقيقة أن الفلسطينيين يثورون مرة أخرى ضد قوة عسكرية أجنبية جيدة البناء تجعل المهمة أكثر صعوبة، لأن الجنود الذين يشكلون الجيش الإسرائيلي، على عكس الجيشين المصري والتونسي، لا يتوافرون على أي اتصال من أي نوع بالشعب الفلسطيني، ولا يمكن التأثير عليهم كما تم التأثير على الجنود المصريين.


هذا ما يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للفلسطينيين، وخاصة في ضوء الإجراءات العقابية التي تنفذها القوات الإسرائيلية، مثل الاعتقالات الوقائية أو هدم المنازل.


خلق الإعلام الاجتماعي والاتصال الحر على الإنترنت عموماً إحساساً جديداً بالوعي لدى الشباب، وهو ما دفعهم إلى تبني خطاب جديد للوطنية، والذي لا يكون مرتبطاً بأي فصيل أو انتماءات حزبية. وفي إرسالية له يوم 10 تشرين الأول (أكتوبر) على حسابه في "فيسبوك"، والذي حذف الآن، كتب أحمد الحرباوي، 19 عاماً، والذي قتل على الحدود الشرقية لقطاع غزة بعد تلقيه رصاصة في الصدر: "أنا لا اقف مع السلطة في رام الله ولا مع حماس، حزب النفاق والظلم والأكاذيب".


ولعل حقيقة أن أي حزب سياسي فلسطيني لم يعلن رسمياً أنه يقود الانتفاضة الحالية تقف لتكون حجة دامغة على أن الفلسطينيين الشباب هم شريان حياتها. ويقوم هذا الجيل الفلسطيني الشاب بهدوء وعلى نحو مؤكد بخلق ربيع عربي محلي لعله يثمر في فلسطين، سواء في الميدان أو على الموقع الإنترنت. وقد دان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مراراً وتكراراً وبقوة شبكات التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" لما رآه تحريضاً وإشعالاً لفتيل التصعيد في القدس والضفة الغربية. حتى أنه أعلن مؤخراً في واحد من خطاباته أن "المعركة الرئيسية يجب أن تتركز ضد حالات التحريض في شبكات التواصل الاجتماعي".


قد يكمن نجاح هذه الثورة الصامتة في الواقع المبهم والهوية السرية للناس الذين يقفون وراءها، وهو ما يجعلها شعبية جداً بين الفلسطينيين الشباب، ويقض مضاجع الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية، التي يبدو أن الأمور تفلت من يدها. إن الفلسطينيين الشباب هم القادة الواضحون لهذه التفجرات العفوية من الاحتجاجات، وهم يعملون لأول مرة في التاريخ الفلسطيني تحت العلم القومي، وليس تحت راية أحد الأحزاب. وقد تجاوز الشباب الفلسطيني الفصائل المختلفة، وهو يعمل من دون أي توجيهات، نظراً لأن الفصائل الفلسطينية أثبتت عجزها في الأعوام الماضية عن جلب أي تغييرات إيجابية لصالح الشعب.


يجسد بهاء عليان، 22 عاماً، والذي قتل بينما كان يهاجم إسرائيليين في حافلة ركاب يوم 13تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مثلا حياً لإرادة الشباب في النأي بأنفسهم عن رايات الأحزاب السياسية. وكان قد قال قبل 15 شهراً من تنفيذ هجومه: "إنني أطلب من مختلف الفصائل عدم تبني استشهادي، لأنني قضيت من أجل وطني وليس من أجلكم".


وكانت دراسة أجراها مركز القدس للدراسات الإسرائيلية والفلسطينية ونشرت يوم 9 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي قد أظهرت أنه من بين إجمالي الهجمات التي نفذها الفلسطينيون منذ بداية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وصلت نسبة العمليات الفردية إلى 60 %، بينما كانت نسبة العمليات التي لها روابط تنظيمية 22 %، وكانت نسبة العمليات التابعة لمجموعات 18 % -وهو ما لا يعني أن التنظيمات أو المجموعات قد أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات/ كما أوضحت الدراسة.


كان مراهق من القدس قد أعلن لصحيفة محلية أن "اليأس هو الشيء الوحيد الذي يدفع الشباب الفلسطيني نحو الانتفاض. نحن جيل خيبات الأمل والخسائر. لقد عشنا الحروب الأخيرة والحصار والاقتتال الداخلي والمصالحة الفلسطينية الفاشلة، وعملية السلام والوعود الزائفة بفتح نقاط العبور وتحسين الأوضاع".


لقد وصلت التوترات في الضفة الغربية والقدس أوجها، لكن الفلسطينيين يبدون مترددين في وصف هذه الثورة بأنها "ربيع عربي فلسطيني" لأن ثورات الربيع العربي لم تجلب سوى الكوارث للعالم العربي (ليبيا وسورية هما الآن في أتون حرب أهلية، بينما تكافح كل من تونس ومصر المجموعات السلفية/ الجهادية لديهما). وذلك واحد من الأسباب التي يفضل معظم الفلسطينيين الشباب إعطاءها اسماً آخر، أكثر إيجابية.

 

*هو مؤسس المؤسسة الفكرية "دبلوماسيون شباب". وهو يحمل درجة الماجستير في الحاكمية والاستراتيجية والدبلوماسية من جامعة تل أبيب.