الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

«انتفاضة العاطلين».. هل تشهد تونس ثورة ثانية؟

2016-01-21 06:41:54 AM
«انتفاضة العاطلين».. هل تشهد تونس ثورة ثانية؟
متظاهرون تونسيون

 

الحدث- تونس

 

الاحتجاجات العنيفة التي تجتاح منذ أيام ولاية القصرين من بين عدة مدن تونسية غاضبة، يطالب شبابها العاطل بفرص عمل، تحاكي أحداث "ثورة الياسمين" التي أشعلت شرارة الانتفاضة العربية، فهل تشهد تونس بوادر ثورة ثانية؟

 

بعد يومين من انتحار شاب عاطل، اندلعت احتجاجات القصرين، أمس الأول الثلاثاء،، قبل أن تمتد إلى مدن مجاورة، وتتصاعد وتيرتها لتشمل ما لا يقل عن ثماني مدن.

 

رياح الثورة

 

وبعد خمس سنوات من الانتفاضة التي أنهت حكم ديكتاتور تونس زين العابدين بن علي عام 2011، يرى مراقبون أن كثيرا من التونسيين في ظل الأزمات المعيشية المستفحلة لا يزالوا يشعرون بالضيق ويعانون من غلاء الأسعار وتفشي البطالة والتهميش والفساد.

 

والبعض يذهب إلى القول بأن البلاد تعيش بوادر ثورة اجتماعية ثانية، في ظل مؤشرات الوضع الاقتصادي الراهن واختلال معادلة تقسيم الثروة في البلاد التي تنذر بانفجار وشيك وفوضى اجتماعية لا يمكن كبح جماحها حال انفلاتها.

 

عدم الوعي بمشاكل الشباب

 

في مواجهة احتجاحات سلمية لشبان غاضبين يطالبون بالعمل، اجتاحت اليوم الأربعاء، عدة مدن تونسية شملت إلى جانب القصرين تالة والسبيبة وماجل بلعباس والقيروان وسليانة وسوسة والفحص والعاصمة تونس، لجأت السلطات إلى القوة والحل الأمني.

 

واشتبكت قوات مكافحة الشغب مع المحتجين الغاضبين، وأطلقت الغاز المسيل للدموع بكثافة لتفريقهم، ولاحقتهم في شوارع المدن، ما دفعهم حرق إطارات مطاطية وإغلاق الطرق، بينما ردد البعض شعارات منها "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق"، و"شغل حرية كرامة وطنية"،  لتسليط الضوء على مطالبهم.

 

نفس المشاهد تكررت في العاصمة، حيث تجمع مئات الشبان في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي أمام مقر وزارة الداخلية رافعين شعارات "يا حكومة عار عار القصرين تشعل نار"، و"التشغيل واجب موش مزية"، و"الشعب يريد إسقاط النظام" بينما كانت قوات مكافحة الشغب تراقب المحتجين دون أي صدام معهم.

 

وفي تصريحات لرويترز، قال محتج من القصرين يدعى "سمير": "أنا عاطل منذ سبع سنوات.. سئمنا الوعود ولن نعود إلى بيوتنا إلا عندما نحصل على شغل لنعيش بكرامة. هذه المرة نقول للرئيس وحكومته إما نعيش كلنا حياة كريمة أو نموت.. ولكن سننغص فرحتكم بالكراسي".

 

الحكومة لا تملك عصا سحرية

 

قال المتحدث باسم الحكومة خالد شوكات، إن "الحكومة ليس لها عصا سحرية لتغير الأوضاع في القصرين ولكن ستبدأ فعلا هذا العام عدة مشاريع هناك سعيا لامتصاص معدلات البطالة المرتفعة".

 

ورغم أن الانتقال الديمقراطي في تونس كان سلسا وغير عنيف على العكس مما حدث في دول مجاورة مثل ليبيا واليمن وسوريا وحظي بإشادة واسعة مع إقرار دستور جديد وانتخابات حرة فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الهشة تمثل أكبر تحد للائتلاف الحاكم في تونس.

 

والإضطرابات في القصرين، حيث تم فرض حظر التجول أمس الثلاثاء، تؤكد أن الجذور الاقتصادية للغضب الشعبي الذي أشعل شرارة الانتفاضة العربية، لم يتم علاجها.

 

شرارة انتفاضة عربية ثانية

 

تذكر مأساة الشاب "رضا يحياوي"، المقيم في القصرين، الذي مات صعقا إثر تسلقه عمود كهرباء،  وتهديده بالانتحار احتجاجا على استبعاده من قائمة المتقدمين للحصول على وظائف حكومية، بأحداث عام 2011 التي أشعلت فتيل الثورة.

 

وآنذاك أضرم بائع الفاكهة الشاب، محمد البوعزيزي، النار في نفسه إثر تعرضه لإهانة شرطية، ما أدى إلى احتجاجات غاضبة سرعان ما انتشرت وتطورت إلى الثورة التي أطاحت بالديكتاتور زين العابدين بن علي، وأطلقت سلسلة من الانتفاضات العربية.

 

تونس.. نموذج التحول الديمقراطي

 

في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعثرت الثورات أو تحولت إلى حرب أهلية، اشتهرت تونس بأنها المثال الوحيد الناجح على التحول الديمقراطي بين الدول العربية التي انتفضت ضد الحكام المستبدين قبل خمس سنوات. 

 

والعام الماضي، حصلت اللجنة الرباعية للحوار الوطنى التونسى على جائزة "نوبل للسلام"، تقديرا لتوسطها بين جماعات إسلامية، وعلمانية للحفاظ على مضي العملية الديمقراطية في مسارها الصحيح.

 

فقر ومشاكل اقتصادية تهدد استقرار البلاد

 

بينما يظهر أن التسوية السياسية في تونس ربما أنقذتها من الصراعات التي تعصف بدول الجوار، يحذر مراقبون من أن البلاد لا تزال تواجه مشاكل اقتصادية من شأنها زعزعة الاستقرار، ورثت جزئيا من عصر ما قبل الثورة، أما في الآونة الأخيرة فهي نتيجة الهجمات الإرهابية المتكررة التي أضرت بقطاع السياحة الحيوي للبلاد، وهو ما أدى لارتفاع معدلات البطالة إلى 15.3%. 

 

في تصريحات لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، حذرت الباحثة التونسية ألفة لملوم، رئيسة الفرع التونسي لمنظمة "إنترناشونال ألرت"، وهي مجموعة غير ربحية، أن هناك "غضب متزايد" بين الشباب التونسي في جميع أنحاء البلاد، بسبب ما يعشرون أنه طريق مسدود إلى التحسن الاقتصادي والاجتماعي.

 

الداخل أكثر فقرا وحرمانا

 

وما زاد الطين بلة، أن المقاطعات الداخلية مثل القصرين عادة أكثر فقرا، وحرمانا من الاستثمارات الحكومية عن المناطق الساحلية، التي استفادت من السياحة، ونظام الاستثمار لصالح الصناعات الموجهة للتصدير، وعن هذا تقول "لملوم"، إن القصرين، تعاني أعلى معدل أمية بين البالغين في البلاد بنسبة 37%، ونحو 20% من البالغين، يعملون في ما يسمى "التجارة عبر الحدود"، وهو مسمى لطيف لعمليات التهريب عبر الحدود مع الجزائر.

 

وأضافت: "ليس هناك فقط شعور أن يتم اعتراض سبيل الشباب، ولكن أيضا هناك تصور أن لا نهاية للمحسوبية والرشوة على مستوى السلطات المحلية".

 

ومن جانبه، يقول حسين ديماسي، وهو وزير مالية سابق إنه إلى جانب عدم الاستقرار الداخلي، عرقلت المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا، أكبر شريك اقتصادي لتونس، الاستثمار الخاص، كما أن المناطق الداخلية، تعاني أوضاعا أسوأ بسبب ضعف البنية التحتية ونقص المهارات والعمالة المدربة.

 

وفي 2015 بلغت معدلات البطالة في تونس 15.3 بالمئة مقارنة بنحو 12 بالمئة في 2010. ويشكل أصحاب المؤهلات الجامعية حوالي ثلث العاطلين عن العمل في تونس.