السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"الحدث" من العاصمة| "التفتيش الجسدي": لعنة الهوية المقدسية

قصص التفتيش الجسدي اختزلتها ريم في حكاية كانت بطلتها !

2016-03-03 05:14:47 AM
التفتيش الجسدي في القدس

 

الحدث - آيات يغمور

 

في صبيحة الحادي والعشرين من شباط، جدولت "ريم" ابنة الثالثة والعشرين عاماً، مجموعة من المواعيد التي أخذتها من شبان مقدسيين لإجراء مقابلات مسجلة ومكتوبة معهم، كان الموضوع العام يدور حول قصص التفتيش الجسدي من قبل قوات الاحتلال لشباب القدس وأهلها، خاصة في باب العامود والبلدة القديمة في القدس.

 

ريم .. من صحفية تجري مقابلاتها حول جريمة التفتيش الجسدي التي يدعهما قانون "التحسيس" الذي أقره الكنيست، إلى بطلة قصتها الخاصة، لتصبح ريم شخصية تروي حكايتها بنفسها عوضاً عن أن تروي أحداثاً حصلت مع شخوص تكون هي راويتهم أيضاً.

 

قبيل صلاة الظهر، كانت مواعيد المقابلات متقاربة جداً، وكان الوقت يعدو بسرعة، فقررت أن أؤجل الموعد القريب، وأصلي الظهر في المسجد الأقصى.

 

خرجت سريعاً.. أين دفتر ملاحظاتي؟ بحثت عنه في حقيبة الظهر الخاصة التي أحملها عند الخروج للعمل الصحفي.. وجدته !

 

أقرأ بنهم..أصحح بعضاً من الأسئلة الساذجة.. أعلم المهم فالأهم.. أرقمها..نعم هذا يجب إضافته أيضا!

 

توقفي ! بكلمات عبرية اعتدتها .. هي نظرة واحدة كان كل ما يحتاجه ذلك الجندي المغتر بسلاحه، نعم أنت تعالي إلى هنا في الحال.

 

تسارعت دقات قلبي..يا إلهي لم أفعل شيئاً..وضعت دفتر الأسئلة في حقيبتي..كان هذا جل ما فعلت، ويبدو أنه كان كافياً لجندي تافه يتطلع عن جنب وطرف، يتربص لفريسته كفأر لا كأسد.

 

هاتي الحقيبة، حاولت فتحها.. فتعالت صرخاته المرعوبة آمرةً ألا أفتحها، وفي ظرف دقائق كانت أربعة أيادٍ سمراء وشقراء، تتفحص جسدي بقلق وبتربص، بأمل وبخوف، واحدة شقراء وأخرى سمراء.. وفي خلال التفتيش أو "التحسيس" قالت تلك الشقراء للسمراء بأن تفتش هي قدمي خوفاً.. وتضحية بالسمراء.. عنصرية عنصرية .

 

وفي غضون لحظات، وجدت أعداد الجنود الفئران باتو 7 ! ، نظرات الناس من حولي بعيون متمحلقة، اعتدت أن أرى مشاهد التفتيش، وكنت قد درست الموضوع بجدية ! بل كان محور تقاريري القادمة .. إن أراد الله لي حياة ونجاة.

 

هو الدفتر ذاته، قلّبوا صفحاته، وحاولوا قراءة محتواه، عبس الجندي فتولى.. فالعبرية لغته والعربية بالنسبة له طلاسم.. إذن لنستدعي المزيد فالمزيد، من الجنود المستعربين أو من العرب المتأسرلين، أو من الجواسيس.

 

دمعت عيوني، فالهواء باردٌ جاف، ووجهي بات ملتصقاً نحو الحائط، لا أذكر يوماً كرهت به دمعتي مثل ذلك اليوم، فالدمعة ضعف، والضعف أمام هؤلاء الجبناء تهمة، والخوف تثبيت لها، ولم أكن أحمل ما يدينني ولم أكن خائفة من استمرار اعتقالي رغم أن مدته كانت قد طالت كثيراً، وهنا فقط توقف الوقت على حظي !


أفكار متسارعة، تساؤلات بل هي هواجس ! ، ماذا حملت يا ريم في حقيبتك اليوم؟ تذكري.. هل هي مرآة قديمة مكسورة؟ أم هي سكينة فواكه ! أم هل يوجد في الدفتر الصغير وصية استشهاد حقاً؟ جميعها حجج إسرائيلية الصنع بثت الرعب في قلوبهم، والهواجس في قلبي وعقلي.

 

في مكان تفتيشي تحديداً، في البلدة القديمة وفي طريق الواد، رابط روحاني جمعني به من صغري، وعند دراستي للصحافة والإعلام، كنت حريصة دائماً على إظهار القدس الروحانية، وعكس عروبتها، ورائحة أصالتها، وجمال بسطاتها وبساطة أهلها.

 

أشتاق لفوضى ترتيب باب العامود، أشتاق للحجات القادمات من قرى مترامية الأطراف إلى العاصمة، لتصبح وجوههم معالم القدس، التي استبدلت بوجوه دخيلة بشعة، وبكلاب بوليسية نجسة، وبأسلحة تدنس قدسية المكان، وبحواجز حديدية تجعل من أزقة القدس خنادق ومصائد.

 

يبدو أن سخرية القدر، أو هي الحكمة الإلهية، شاءت أن يكون اليوم الذي سأجري به مقابلات صحفية حول التفتيش، هو اليوم ذاته الذي سأخضع فيه أنا  لهذه التجربة، لتبدو الصورة لي أقرب، فتكون بلاغة الكتابة وأسلوبها في التعبير أصدق.

وبعد أن سئموا من محاولة تفسير كلماتي التي كتبتها على دفتر الأسئلة، تركوني أذهب.

 

ولم يكن هذا "الكابوس" نهاية رحلتي مع التفتيش، ففي صبيحة اليوم التالي، مررت من ذات المكان، أمام ذات المجندة، ليستوقفني مسن كبير، يشرح لي عن شبيهتي التي تحمل حقيبة ظهر كاللتي أحملها، ويقول لي قصتها التي هي أنا..لأصبح أنا مستمعة لراوي قصتي !

 

أكثر صلابة وأقل خوفاً، شعار المرحلة القادمة ومخرجات رحلة التفتيش على جسدي، دوافعٌ جديدة ألهمني بها هؤلاء الجنود، مزيد من الكراهية ومزيد من المقاطعة، فمزيد من التقارير الفاضحة لانتهاكاتهم.. هي القدس الحاضرة في قلوبنا، هي لنا ومعنا، ولن يكون لأساليبهم وانتهاكاتهم ردة فعل سلبية، بل هي طاقة إيجابية لمزيد من الدفاع والمقاومة في سبيل ما هو حق لنا.