السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص "الحدث" | حنان بين اختفاء الزوج وظلم قانون الوصاية واستغلال الأطباء.. ابنها حبيس الألم!

!حنان.. معاناة أمٍّ تخلى عنها الزوج والقانون والمجتمع

2016-06-23 01:39:24 PM
خاص
صورة تعبيرية

 

 

الحدث- آيات يغمور

 

بدا لي نهار صيفٍ اعتيادي، الشمس حارقة أشعتها، والعطش مكتوب على جبين المارّة، حديث الناس قليلٌ وتسوقها كثير، خطوات بطيئة وأخرى متعثرة، مسافة قصيرة أخذت وقتاً إضافياً وجهداً مضاعفاً.. وصلت.

 

في شارع ركب..هناك كانت حنان تعمل بحرقة، تكد وتتعب دون أمل، تفتتح صالون التجميل خاصتها في عمارة قديمة من أبنية رام الله، علها تجد فيه ملجأً يبعدها عن هموم حياتها ويعطيها عائداً مادياً يعيل أسرتها.

 

هناك وجدتها تنظف أدوات التجميل وتحضر المكان استعداداً لاستقبال زبوناتها.. لم تسمعني عندما ألقيت التحية..وأكملت بكاءها الصامت.. مرحباً قلت مرة أخرى، فأجابت حنان مبتسمة بخجل دون أن تعبث للدمع الذي ملأ وجهها..اتفضلي.

 

كيف لي أن أسرح شعري غير عابثة لامرأة ثلاثينية شابة تبكي منذ الصباح دون حتى أن تلحظ نفسها ذلك!

سألتها، ما بك؟ فأجابت:

 

 

 

حنان خليل مصلح أم بواجبات دون حقوق

 

يبدو أن البداية كانت واضحة.. فولادتي كانت عبر عملية جراحية لا طبيعية، لم يكن أحدٌ من الأطباء على علم بمرضه، أشهر وهو يبكي دون أن أعرف السبب.. مغصٌ مستمر..أو هكذا اعتقدوا، 7 أشهرٍ بات عمره وهو لا يعرف راحة النوم، لاحظتُ أن يده لا تتحرك.

 

جولة بين الأطباء.. دوامة تشخيصات خاطئة واستهتار بالحالة!

 

طبيب الأطفال قال لي إن ابني يعاني من ثلاث مشاكل طبية: لايجلس، يده لا تتحرك، حجم رأسه أصغر من المعدل الطبيعي! ورغم التطعيمات المختلفة والمراجعات المنتظمة.. إلا أن أحداً من الأطباء لم يخبرني بأي من هذه المشكلات.

 

دكتور الأعصاب "س.خ" أخبرني بأن رأسه الصغير هو أمر طبيعي، فاستحضرت في ذهني صورة ابني وهو يبكي كلما رأى في يدي قميصاً أريد أن ألبسه إياه.. لم أكن أعلم أن الألم يجتاحه عند ملامسته رأسه أو يديه. أخبرني البعض بأنني أجهل التعامل مع الأطفال من الذكور، فأنا لا خبرة لي في تربية الأولاد، فلدي ابنة واحدة فقط، وددت تصديقهم.

 

قال لي مطمئناً بأن الطفل الذي يعاني من نقص في الأكسجين تظهر عليه أعراضُ انحرافٍ في العين أو التواء في الفم.. بعد حديث طويل  نصحني بالرنين المغناطيسي.

 

إصدار الحوالات الطبية والعلاج في الداخل المحتل

 

استصدرت حوالة وذهبت إلى المقاصد لإجراء الرنين المغناطيسي، قالوا لي بأن العلة كيسٌ صغيرٌ خلف الرأس يضغط على العصب.. وقالوا أيضاً: هي بضع جلسات علاج طبيعية ويصبح محمد جيداً.

 

تجربة..

 

إلى قسم الجينات، هناك أجروا فحوصاتهم ليتأكدوا بأن ابني علته ليست خللاً جينياً أو سببه مرضٌ وراثي، أخبروني وبكل سرور.. بأني أستطيع الإنجاب مرة أخرى.. من قال أني سأفعل!!

 

كيف لي أن أفكر أصلاً في ولادة أخرى، ومحمد يضعف أمامي ويذبل دون شفاء ولا علاج؟

 

طبيب الجينات وكنيته أبو لبدة، أخبرني بأن هناك فحصاً مهماً علي إجراؤه لابني وسيأخذ مدة زمنية قدرها  شهر. هذلت لطول المدة واستنكرت وقوفي عاجزة أمام ألم طفلي..فكيف أنتظر شهراً دون حراك؟ هكذا قلت لهم فهكذا أجابوني: حسناً عليك البدء بالعلاج الطبيعي إذاً.

 

علاجٌ طبيعي يشخص حالة أغفلها الأطباء!

 

أخذت نفساً طويلاً كنت قد استنزفته منذ زمن، وبدأت بعلاج محمد في مشفى الهلال في البيرة .. لم يتحسن.

 

مرة أخرى.. نصحتني إحداهن بطبيبة أخرة للعلاج الطبيعي، شعرت بتحسن ولكن ليس بالقدر المطلوب.. محمد يعاني من  شدٍّ عصبيّ عالٍ.

 

في حديث ارتجالي قالت الطبيبة يومها: محمد لديه نزيفٌ في الدماغ ولو عرف الأطباء ذلك منذ البداية لاستطاعوا وقف النزيف.  

 

هنا كان عمره سنة وشهرين

 

نصحتني الطبيبة بطبيب يهودي اسمه ألفيرسو..أخبرني ألفيرسو بأن الضربة شديدة والعلاج متأخرٌ والنزيف يضغط على أعصاب الدماغ والآن..الدم "تيبّس"

 

سألته حضرة الطبيب: بالك بيمشي؟ .. فأجاب: انشاء الله بيحكي!

 

لا أستطيع أن استمر في النزول إلى القدس..تعبت واستزفت نفسياً وجسدياً ومادياً أيضاً.

 

الطبيب مطيع

 

عدتُ إلى الطبيب المعالج لحالة محمد، فاعترف بوجود نزيف في الدماغ لديه، أدوية تلو الأخرى ابتلعها محمد فأذته.. نوم في المشافي وفي النهاية..أصابته تشنجات.

 

كان معدل دمه 13 فأصبح ينخفض من 13 إلى 9 فَ 6، توجهت إلى الطبيب وقلت له إن الدواء يؤذي ابني والتشنجات لم تتوقف.

 

أخبرت الطبيب بأن التشنجات سببها الدواء، فأصيب بنوبة من الغضب وأنكر ذلك قائلاً: التشنجات ليست من الدواء بل هي فايروس!

 

كيف يسبب الفايروس تشنجات؟ كيف يصاب محمد بفايروس أربعة مرات شهرياً؟ أي فيروسٍ شنيعٍ هذا!

 

ناولني مهدئ يدعى "اسوفال"، لن يبقى ابني نائماً عقله ساكناً لا يتطور ولا ينمو، رفضت الدواء وخرجت.

 

من طبيب إلى آخر، تدهورت الحالة، بات محمد لا يستطيع الإخراج، وبعدها خف التبول..ثم انقطع! أخبرت الطبيب الجديد بأن الأدوية تسبب له ذلك..غَضِبَ فاستَنكر.

 

يبكي ليلاً صغيري، يستيقظ من شدة الألم، يمسك برجليه ويشير إليهما..إنه البول قد تحشر.

 

أخبرتني طبيبة مسؤولة عن قسم ما في مستشفى رام الله: ابنك غير نوم عندي في المستشفى ما الو..غير هيك عند اليهود روحي عاحسابك.

 

تحويلة طبية تتطلب ورقة والورقة عند الكدتور والدكتور المعالج في رام الله هو ذاته في المقاصد..لشو التحويلة!

 

قال الطبيب المسؤول عن حالة محمد: انت والسلطة تاعتك ما بعرف بتجيبولي القوانين من وين!.  

 

أحتاج الورقة قلت، انا ما بقدر اعطيكي ورقة انه الولد ما استفاد عندي كيف صارت هاي؟

 

حسناً، أريد فقط ورقة تثبت بأن ابني محمد ذهب إلى المقاصد وتعالج لديك.

 

عامان كاملان قضيتهما في المقاصد وطفلي بلا علاج.. لا أريد العودة إلى المقاصد.

 

أين حقوق ذوي الاحتياجات في فلسطين؟

 

معاناة الأطباء كانت شديدة، وما أن أخذت شهيقاً كنت قد قطعته منذ خمس سنين، إلى أن استوقف نفسي حقيقة أخرى وواقع آخر.. لا تعليم لمن هو مثل محمد!

 

محمد يزحف أرضاً، مشكلته الصحية حركية، لكن دماغه سليم، يمكنه أن يتعلم الأحرف والرسم أيضاً، فقط مدرسة ومربية، وبعض من الوقت المكثف ليصبح محمد أكثر إدراكاً وتأهيلاً.

 

لا مدارس لأمثال محمد..40 ألف شيقل كلفة مدرسة خاصة ومربية في سنة دراسية واحدة.

 

باب آخر وجدته مغلقاً في وجهي..التعليم، ظننتُ أن التعليم حقٌ للجميع، أو هكذا قالوا.

 

قانون الوصاية يظلم حنان ويحكم على ابنها المريض بالألم مدى الحياة

 

لا سفر لعلاج محمد، هكذا أخبرتني المحكمة، وهكذا حكم القضاء، يقولون في قانوننا: لا وصاية لأم، أحضروا أباه إذاً!

 

جاء أخو زوجي من السفر، حيث يسكن أمريكا، أراد أن يأخذني ومحمد لنعالجه كما يجب، وهو ما استوجب ورقة عمد ممانعة، وهي ورقة قانونية للتأكد من عدم هروبي بطفل "زوجي" الذي هرب منذ أن علم بمرض محمد..هزلت!

 

أخبرتني حنان وهي تبكي حزناً وألماً.. رفضوا إصدار جواز سفر!

 

بكلمات مخنوقة بالدموع قالت حنان: ابصر مين اللي حاطتلي هالقانون..انه أنا ما بحكم على اولادي، ما دام أنا بتعب كل هالتعب وما بحكم على اولادي انا ما بدي اياهم...

 

الحل كان ورقة من الصحة، هكذا قالوا لحنان، فاستصدرت لها الصحة ورقة تقول: قد يكون علاجه في الخارج أفضل.

 

يبدو أن حضرة القاضي لم تنل كلمة قد التي تحمل في طياتها احتمالية بين الممكن واللا ممكن، فرفض.

 

اختتمت حنان حديثها بقوة استجمعتها من حيث لا أدري: الأب غائب هارب.. والقانون ظالم.. والصاية حق لمحمد علي، والعلاج ضروري، والتعليمُ تأهيلٌ، فعقله سليم وإعاقته حركية..فأين حقوق ذوي الاحتياجات في دولتنا الفلسطينية؟