الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص "الحدث"| كيف تستقبل النساء في غرف التحقيق الإسرائيلية الدورة الشهرية؟

2016-11-25 01:07:27 PM
خاص
صورة أرشيفية

 

الحدث- ريم أبو لبن

من هنا تبدأ الحكاية، من غرف التحقيق الإسرائيلية، حينما يخونهن الوقت ويمارس الرحم داخل أجسادهن تغيراته الطبيعية في وقت غير طبيعي؛ ليعتبر المحقق الإسرائيلي هذه الحالة ملاذا له لاستكمال عملية التحقيق، وممارسة جبروته بالضغط على الأسيرة من أجل تزويده ببعض المعلومات، بعد أن يمتنع بشكل تام عن تقديم "الفوط الصحية النسائية" لها عند قدوم الدورة الطمثية "الشهرية"، وذلك طوال فترة التحقيق والتي تمتد لعدة ساعات، وحتى أيام.

 

"البطانية والفانيلا في التحقيق"

"كنت أقطع البطانية الخشنة، وأستخدمها بدل الفوط الصحية؛ لمنع سيلان الدم على ملابسي الداخلية، وقد مكثت في غرفة التحقيق 40 يوماً، ولم أكن أحصل على الفوط الصحية، وقد باغتتني الدورة الشهرية  مرتين خلال فترة التحقيق". هكذا نعود لعام 1987م، حينما اعتقلت عطاف عليان(54) عاماً لأول مرة ونقلت إلى سجن الرملة، بزعم التخطيط لاستهداف إحدى المباني التابعة للحكومة الإسرائيلية في منطقة الشيخ جراح في مدينة القدس، وقد تبع هذا الاعتقال 3 اعتقالات أخرى، وكان آخرها عام 2005، ليسجل في رصيدها 14 عاماً قضتها في السجون الإسرائيلية.

 

أما الأسيرة السابقة إيمان نافع والتي اعتقلت بتاريخ 25/11/1987، فقالت لـ"الحدث": "اللباس الداخلي (الفانيلا)، كانت هي ملاذنا الوحيد عام 1987م، حيث كنا نستخدم قطع القماش من (الفانيلا) البيضاء في غرف التحقيق، بدلاً من استخدام "الفوط الصحية" التي لم تكن متوفرة آنذاك، وأحيانا نقتطع أجزاء من البطانية "الخشنة" المستخدمة، وذلك طوال مدة التحقيق التي دامت 13 يوماً، غير أننا كنا نستفيد من قطع الإسفنج، ونشكلها بطريقة خاصة لتحفظ ملابسنا نظيفة".

 

قالت الأسيرة السابقة عطاف عليان: "يحرموننا من أقل الحقوق من أجل الحصول على ما يريدون، ويكون من الصعب مواجهة المحقق، والفتاة حينها تعاني من آلام الدورة الشهرية، وكل يوم يخترعون كذبة جديدة".

 

وأضافت: "فترة التحقيق هي من أصعب الفترات، حيث يقوم المحقق الإسرائيلي باستغلال الحالة الصحية والبيولوجية للنساء بشكل خاص، وإرغامهن على التجاوب، إضافة للضغط النفسي الذي يمارس عليهن في تلك اللحظة".

 

"التيمم والدم على الملابس"

الألم حينها قد يكون وقعه مضاعفا، وقد تحاول النساء الأسيرات داخل غرف التحقيق اقتناص الفرص للدخول إلى الحمام بين الفينة والأخرى، لاسيما وأن البعض قد لا يجدن حتى المناديل الورقية، ولا حتى أي وسيلة أخرى لمنع تسرب الدم خلال مدة الدورة الشهرية، والتي قد تتجاوز الأسبوع، وقد تجبر النساء على استكمال مرحلة التحقيق دون أن يبدلن ملابسهن التي اتسخت بالدماء حسب ما ذكرت عطاف.

 

وفي هذا الجانب، قالت عطاف: "خلال فترة التحقيق، لم أتمكن من الاستحمام، وكانوا يقولون لي "ريحتك طالعة"، وكنت أرتدي نفس الثياب، وكانوا حينها يرفضون تمرير الملابس لنا خلال التحقيق، وعندما نقلت إلى غرفة التوقيف (الزنزانة)، كنت أستحم بالماء البارد، ومن ثم ارتدي الملابس المتسخة، وعند انعدام الماء، كنت ألجأ للتيميم من أجل آداء الصلاة".

 

"يقولون لي: رائحتك كريهة"

وأضافت: "لم أكن أشتم رائحتي داخل غرفة التوقيف (الزنزانة)، لأنها متسخة أصلا، وصغيرة ومعتمة ولا مكان للتهوية، والحمام فيها متصل بالغرفة مباشرة، ولكن هذه الزنزانة قد تكون أفضل بقليل من غرف التحقيق، حيث تتمكن النساء من الحصول على "الفوط الصحية" التي تقضي حاجتها، حتى وإن كانت رديئة الصنع".

 

أما في السجون المركزية الإسرائيلية، قد يبدو الأمر مختلفاً قليلاً، وقد يتم تخصيص كمية محددة من "الفوط الصحية" للأسيرة، على عكس غرف التحقيق التي تحرم النساء فيها من ارتداء الفوط الصحية، وقد يصنعن طبقات من  المناديل الورقية منعاً لتسرب الدماء على الملابس الداخلية، ولكن هل تفيد المناديل الورقية في هذه الحالة، تحديدا عندما تقضي الأسيرة ما يقارب 8 ساعات في غرفة التحقيق؟".

 

"الفوط الصحية رديئة"

"كنت أستخدم 3 قطع من الفوط الصحية التي تقدم لنا من إدارة السجون، ولكن دون فائدة، فهي رديئة الصنع". هذا ما أكدته عطاف عليان، حيث أشارت في اتصال هاتفي مع "الحدث" إلى أن  إدارة السجون توزع كمية محدودة من "الفوط الصحية" على الأسيرات، وأنها أقل من احتياجهن الشهري، وفي الآونة الأخيرة، أصبحت هذه "الفوط" تباع في مقصف السجن (الكنتينة) بأسعار مرتفعة لا تقل عن 16 شيقل للباكيت الواحد.

 

"شراء الفوط استغلال اقتصادي"

"هو استغلال اقتصادي للأسيرات والأسرى، والجانب الإسرائيلي هو المستفيد من ذلك"، هذا ما أكدته منسقة وحدة التوثيق والدراسات في مؤسسة الضمير احترام غزاونة لـ"الحدث". حيث قالت: "هناك رقم بريد بنكي تحصل عليه كل أسيرة، ومن خلال هذا البريد يتم تحويل الأموال لها من خارج السجن، وتمنع من سحب النقود من الصراف، ولكن عند شراء أي سلعة من المقصف يخصم ثمنها تلقائيا من حسابها البنكي، وبالتالي هي لا تعلم بقيمة المبلغ الذي خصم منها حينها".

 

وأضافت غزاونة: "إدارة السجون الإسرائيلية لا توفر سوى المأكل (3 وجبات في اليوم)، وكذلك  نوع منظف واحد هو (الكلور)، بمقدار كأس واحد إسبوعياً، أما فيما يتعلق بتوفير "الفوط الصحية"، فهي متوفرة، رغم أن جودتها رديئة، وبكميات لا تكفي حاجة السجينات".

 

"أضم قدمي وبحر من الدماء"

وفي الحديث عن بعض الأسيرات القصر، واللواتي سجن حديثاً، وتسربت الدورة الطمثية "الشهرية" خلسةً لهن، لتترك معالم حمراء على ثيابهن، قالت غزاونة: "طفلة لا يتجاوز عمرها 15 عاماً، تم اعتقالها العام الماضي، وكانت تجلس على كرسي في المحكمة، وقد بدى عليها الخوف، وبدأت يداها ترتجفان نتيجة نزول الدم فجأة أثناء جلوسها، وعندما وقفت، وجد المحامي الموكل بالدفاع عنها، ملابسها متسخة بالدماء".

 

إحدى الأسيرات المحررات والبالغة (25 عاماً)، وأفرج عنها في وقت قريب، رفضت ذكر اسمها، وقالت لـ"الحدث": "بقيت في التحقيق ثماني ساعات، وكنت كل نصف ساعة أتوجه إلى الحمام، وكنت أضم قدمي أثناء الجلوس، وبهذه الطريقة كنت أقلل نزول كميات من الدم، لاسيما وأنني كنت قد وضعت كميات من المناديل الورقية على ملابسي الداخلية".

 

وأضافت: "بعد التحقيق، مررت بالتفتيش" العاري"، وقد لاحظت المجندة الإسرائيلية، بأنني أستخدم المناديل الورقية لمنع نزول الدم، فقدمت لي حينها  الفوط الصحية، ولكن هذه الفوط ليست جيدة، بل رديئة، وكل علبة تحتوي على 10 حبات منها فقط".

 

وأكملت حديثها: "وفي المحكمة فوجئت ببحر من الدماء أيضاً، وقد اتسخت ملابسي الداخلية، ولم أستطع سوى رفع اللباس الشرعي (الجلباب) بلونه الزهري، إلى أعلى الخصر، لأخفي بقع الدم، وأجلس على المقعد، حتى لا يشمت بي من في المحكمة".

 

وعند الحديث عن الآثار النفسية والجسدية الناتجة عن قدوم الدورة الشهرية أثناء التحقيق، قالت الفتاة: "لم أشعر بألم الدورة حينها، لأن الألم الذي كان يقتلني هو صراخ المحقق ذاته، وقد تعبت من التحقيق، ومن الساعات الطويلة وأنا أجلس على الكرسي دون حراك، ولكن زميلاتي في السجن كن يتألمن ويصرخن عند قدوم الدورة".

 

"البوسطة" تؤلم النساء

وفي القاموس العبري، تتسم كلمة "البوسطة" بالقوة والصلابة والقسوة، وهي مركبة عسكرية تابعة لجيش الاحتلال، أو لمصلحة السجون، وتنقل السجناء من مكان لآخر، وهي وسيلة لتعذيب الأسرى وإرهاقهم والضغط عليهم. فكيف يكون الحال عندما تنقل النساء عبر "البوسطة"؟

 

"هي تشبه زنزانة صغيرة داخل السيارة، وكنت أتألم كثيراً عند ركوبها، خاصة أن قدمي اليسرى مصابة، ولم أستطع التحرك كثيراً، ولا مجال للتنفس فيها، فالهواء قادم من شباك صغير، والمكيف الهوائي يخرج منه هواء بارد جداً في فصل الشتاء، بينما في الصيف ترتفع درجة حرارة "البوسطة"، وهذا الأمر غير إنساني إطلاقا، خاصة عند الجلوس لأكثر من 3 ساعات داخلها، والجرح ينزف، فكيف يكون الحال عند قدوم الدورة الشهرية أيضاً". هذا ما تحدثت عنه الأسيرة المحررة رغد الشوعاني (19 عاما) من مدينة رام الله، والتي سجنت في شهر يوليو/تموز الماضي، وبقيت في سجن هشارون لمدة 4 أشهر، وتم الإفراج عنها منذ وقت قريب.

 

وفي حادثة أخرى، وعلى لسان الأسيرة السابقة خالدة جرار، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. قالت جرار في اتصال هاتفي مع " لحدث": "مركبة (البوسطة) هي مركبة للتعذيب، وأذكر أن إحدى الأسيرات الأطفال كانت مصابة بجروح بالغة، وقد أُخذت إلى المحكمة بمفردها، وحينها باغتتها الدورة الشهرية، وكانت في وضع صحي لا يسمح لها بالدخول إلى الحمام بمفردها، وتم نقلها عبر (البوسطة)، ولا يمكن تخيل حجم الألم الذي لحق بها آنذاك".

 

قد تنتظر المرأة انتهاء اليوم الأول من أيام الدورة الشهرية، حتى تستعيد نشاطها، وتنتظم هرموناتها الجسدية، وتعيد ترتيب نفسيتها، بما يليق بحجم الأعمال المتكدسة والتي أثقلت كاهلها طوال شهر كامل، فكيف سيبدو الأمر والمرأة الأسيرة تعاني ظروفا نفسية مضاعفة، داخل سجن مغلق، ومعتم، ودون توفر أبسط احتياجاتها الأساسية.