الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 85| لماذا ازدادت الجريمة في قطاع غزة؟

2017-05-09 01:33:49 PM
في العدد 85| لماذا ازدادت الجريمة في قطاع غزة؟
غزة ليلا- ارشيف الحدث

 

الحدث- محاسن أُصرف

 

لم تكد تجف دماء ضحية قتل حتى يستفيق الشارع الغزي على غيرها بصورة أكثر بشاعة، فعلى مدار أسبوع واحد خلال شهر أبريل/ نيسان الفائت، لقيَ ثلاثة مواطنين مصرعهم قتلاً بأساليب مختلفة ودوافع متباينة تتراوح بين السرقة وعدم الوعي جراء تناول الحبوب المُخدرة.

 

وكشفت نتائج التحقيق في حوادث القتل الثلاثة أن المواطنة "نسرين حسنين" من النصيرات وسط قطاع غزة، والمُسن "إسماعيل غباين" كان دافع قتلهما السرقة والحصول على مال لم يجده السارق في بيته فالأولى تم طعنها بأداة حادة ومن ثم الإجهاز على آخر أنفاسها بأسطوانة غاز لاقتلاع بعض المصاغ الذهبي من جسدها، والثاني أُلقي به من شرفة منزله في الطابق الثاني بينما حاول الاستغاثة، فيما المواطنة "سعدة عاشور" من مدينة رفح جنوب قطاع غزة قُتلت طعناً على يد زوجها الذي قيل في سياق التحقيقات "إنه كان تحت تأثير حبوب مُخدرة يتعاطاها".

 

وصدمت حالة التوالي في ارتكاب جرائم القتل هذه، إضافةً إلى جريمة سطو مُسلح تعرض لها أحد المواطنين؛ الشارع الغزي وأثارت الخوف في نفوس مواطنيه وجعلتها حديث العام والخاص بالشارع المحلي، خاصة أنها ارتُكبت خلال أيام متوالية لا تتجاوز في عددها أصابع اليد الواحدة.

 

وعن الأسباب التي أدت إلى هذه الجرائم، أكد مواطنون لـ"الحدث" أنها نتيجة طبيعية للوضع القائم في القطاع والذي يمتاز بالمأساوية سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي والذي بدوره أدى بفئة كبيرة من الشباب إلى النزوع للهجرة تارة أو المُخدرات وحبوب الترامادول التي تُغيبهم عن الواقع، وهو ما أكده أخصائيون نفسيون واجتماعيون في سياق أحاديث منفصلة أجرتها "الحدث" إذ قالوا: "إن الواقع المأساوي الذي يعيشه المواطن في قطاع غزة، إضافًة إلى انتشار المُخدرات في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ أهم الأسباب التي تؤدي إلى ارتكاب الجرائم سواء القتل أو السرقة أو الاختطاف والابتزاز"، متوقعين استمرارها وزيادتها إلى معدلات خطيرة إن لم تتم معالجتها فوراً.

 

 سوء الوضع المعيشي

وحسب المختص النفسي "فضل أبو هين"، فإن ارتفاع معدلات الجرائم يتناسب طردياً مع حالة الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وقال: "إن الجريمة تسلوك انحرافي غاضب من مرتكبها عمّا يواجهه من قسوة في الظروف المعيشية والإنسانية".

 

ولم تكن الجرائم الثلاث-المذكورة أعلاه- الوحيدة التي شهدها القطاع منذ بداية العام بل يُضاف إليها أحد عشر جريمة أُخرى ليكتمل عددها أربعة عشر، وفقاً لما أكده "يامن المدهون" مسؤول وحدة الرصد والتوثيق في مركز الميزان لحقوق الإنسان، لافتاً إلى أن عام 2016 شهد 77 حالة قتل.

 

يرى "أبو هين" أن المجتمع الفلسطيني خلال السنوات العشر الأخيرة شهد بروز قائمة طويلة من الآفات الاجتماعية لا تقف عند حد جريمة "القتل" وإنما تعدته إلى انتشار المُخدرات لدى الشباب، الانتحار، الصراعات العائلية، والسرقة والسطو على حقوق الغير، وأضاف: "القائمة تطول ولن نستبعد وجود أي ظاهرة غريبة تطرق أبواب المجتمع الفلسطيني في المرحلة القادمة".

 

وفي تفصيله للأسباب التي تقف خلف تلك الظواهر أكد أنها لا تعدو "انعدام الأفق وقتل الطموح لدى الشباب الفلسطيني الذين فقدوا حقهم الأساسي في العمل وبناء المستقبل وفق رؤيتهم وأحلامهم الخاصة"، وأضاف أن التفكك الأسري أرخى بظلاله على ارتفاع معدلات الجريمة خاصة في ظل تراجع دور الأسرة وعدم قدرتها في ظل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية على إتاحة أجواء الدفء النفسي والاجتماعي لأبنائها مقابل السعي وراء توفير أدنى مقومات الحياة الإنسانية.

 

ويُعاني الشباب الفلسطيني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في صفوفهم، وذكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة للعام العاشر على التوالي رفع نسبة الفقر بين سكانه إلى 65%.، فيما ارتفعت نسبة البطالة في غزة إلى 47%، ما جعل 80% من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الخارجية لتأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة اليومية، فيما أصدر البنك الدولي تقريراً في سبتمبر/أيلول 2016 أكد فيه أن نسبة البطالة في غزة بلغت 43%فيما بلغت نسبة الفقر بلغت وفق تقديراته 60%.

 

وفي ظل الأرقام الصادمة أعلاه، يُشدد "أبو هين" على ضرورة التنبه لخطرها خاصة وأنّه بدأ يطفو على السطح بقوة، ودعا الهيئات الرسمية والأهلية إلى العمل على حماية الشباب وتحسين واقعهم الإنساني والاجتماعي، باعتبارهم الطاقة الاستراتيجية للمجتمع وجبهة نموه وارتقائه.

 

معدلات طبيعية

من جانبه اعتبر "تيسير البطش" مدير عام الشرطة الفلسطينية أن الجرائم التي ارتكبت في القطاع على مدار الشهر الماضي "حالات فردية" ولم ترتق إلى الظاهرة، وشدد في الوقت ذاته على خطورة تلك الجرائم وآثارها السلبية على النسيج المجتمعي.

 

وتعمل أجهزة الشرطة الفلسطينية بكل طاقتها من أجل السيطرة على الحالة الأمنية في قطاع غزة، حيث بيّن "البطش" أن الإدارة العامة لشرطة مكافحة المُخدرات تبذل جهوداً كبيرة لضبط كميات المُخدرات التي تدخل إلى القطاع بطرق مشبوهة وتستمر في ملاحقة مروجيها، وقال: "بدأنا في ملاحقة كبار التُجار للوصول إلى المنابع وضبطها قبل أن يتم ترويجها".

 

والملاحظ لحالات الضبط الأخيرة يجد أن ذلك الأسلوب نجح في إيقاع كبّار التُجار في قبضة الشرطة وإعمال القانون بحقهم، خاصة في ظل الأساليب الخطيرة التي يعمدون إليها لجلب المُخدرات ونشرها في القطاع، ولفت "البطش" إلى أن تُجار المُخدرات أصحاب خبرة ويُديرون شبكات تعمل بمنطق أمني يرتقي إلى الإجراءات الأمنية التي تتخذها الفصائل والتنظيمات.

 

وحول الكميات التي تم ضبطها أكد أنها كبيرة ولم يُخبر بتفاصيل أرقام مكتفياً بالقول: "إنها مُحرزة لدى النيابة وسيتم الإعلان عنها وإتلافها في حينه أمام وسائل الإعلام".

 

بدوره اعتبر المُقدم "أنور حمّاد" مدير شرطة مكافحة المخدرات، أن معدلات الجريمة في قطاع غزة ما زالت في نصابها الطبيعي مقارنة بالشعوب والمجتمعات الأخرى.

 

وفيما يتعلق بمدى انتشار المخدرات وكونها سبباً في إقدام المُدمن على تنفيذ جريمته، قال: "إن تعاطي الحبوب المُخدرة والإدمان عليها بلاء يفتك بالإنسان نفسياً وأخلاقياً واجتماعياً وجسدياً"، منوهاً إلى أنّ انقطاع الُمخدر عن المُدمن كونه لا يملك ثمن شراؤه يدفعه إلى العمل على تحصيل مال بأي ثمن، وهو ما تم تفسيره خلال عمليات القتل التي حدثت قبل فترة وجيزة.

 

ويُشير "حمّاد" بأصابع الاتهام إلى الاحتلال الإسرائيلي في انتشار أنواع مُختلفة من المخدرات بين أفراد المجتمع الفلسطيني وبخاصة الشباب الذين يُعانون واقعاً مأساوياً، وقال: "هو يُريد تحويل القطاع من واقع مشرف إلى واقع جحيم اجتماعي"، لافتاً أن استمرار الفرد تعاطي المُخدرات يُحيله إلى آخر بإمكانه أن يفعل أي شيء فقط لمجرد الحصول على أموال لشراء المادة المُخدرة والوقوع تحت تأثير النشوة والانفصال عن الواقع الذي تُحققه له على مدار ساعات قد تطول إلى 48 ساعة، وفق ما أخبر صيادلة.

 

وحول ما إذا كانت تلك المُخدرات المنتشرة في القطاع والتي أدت إلى جرائم القتل المذكورة في سياق تقريرنا هي "حبة الفيل الأزرق" أو "الثور" أو ما تُعرف بتجربة الموت، نفى "حمّاد" ذلك وقال: "رغم حقيقة هذه الحبوب وما تفعله في جسم المتعاطي من حالة تبلد وانفصال كلي عن الواقع قد تؤدي به إلى ارتكاب جريمة قتل دونما شعورٌ منه إلا أنه غير متوفرة نهائياً في القطاع"، وتابع أنه لم يتم ضبط حبّة واحدة منها.

 

توفير بيئة حاضنة للشباب

إلى ذلك دعا المختصون إلى محاولة فهم ديناميكية العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي بالإنسان إلى ارتكاب الجريمة سواء بدافع الحصول على المال أو الانتقام، مؤكدين أن ذلك يُسهل وضع الحلول المناسبة والناجعة التي تُخفي الجريمة من الواقع الفلسطيني.

 

وبدوره شدد "أشرف العيسوي" استشاري التنمية البشرية، على ضرورة أن تقوم المؤسسات والجهات الرسمية الحكومية والأهلية بدورها في تحسين البيئة الاجتماعية للمواطن الفلسطيني في القطاع الذي يُعاني حصاراً مُطبقاً للعام الحادي عشر على التوالي وبذل محاولات حثيثة لتحقيق القدر المعقول له من الحياة الكريمة بتوفير فرص العمل المناسبة التي تُحقق له الأمن الاقتصادي، باعتبارها السبيل الأول لمقاومة انتشار الجريمة، وفق تقديره.

 

وفي سياقٍ متصل دعا وسائل الإعلام إلى الاهتمام بالشباب والعمل على إنتاج البرامج التي تُلبي احتياجاتهم من التوعية والتثقيف، كما أهاب بالجهات السياسية المتنفذة بالقرار الفلسطيني والأحزاب المختلفة بالعمل على مُحاورة الشباب ومعرفة تطلعاتهم وطموحاتهم وإشراكهم فعلياً في العمل التنموي بكافة مجالاته السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ودعاهم إلى القيام بدورهم في بناء الإنسان وإعادة صياغة أهدافهم وبرامجهم التنظيمية بما يتلاءم مع واقع المرحلة.