الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إعلان ترامب.. قراءة ما بين السطور

2017-12-06 09:15:38 AM
إعلان ترامب.. قراءة ما بين السطور
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

 

الحدث- عصمت منصور

 

افتتحت الصحف الإسرائيلية ووسائل الإعلام أعدادها ونشراتها الصباحية بطريقة احتفالية وخاصة عشية خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن "القدس عاصمة دولة إسرائيل" أو عاصمة "إسرائيل في القدس".

 

قليلون هم الذين عادوا إلى التاريخ أو أثاروا الأسئلة الصعبة حول أبعاد هذه الخطوة الآنية والاستراتيجية وحتى من فعل ذلك تناسى قاعدة مهمة ودرس لا يمكن نسيانه حول القدس وهو أن لها قوانينها الخاصة وقدرتها على إحداث الفرق وقلب المعادلات واستنهاض كل عوامل القوة الكامنة التي ساد الاعتقاد أنها دفنت مرة وإلى الأبد.

 

ترامب على جنونه وغروره وجهله وعدم خبرته لا يمكن أن يتجاهل الطرف الفلسطيني ولا أن يتعامى عن الآثار المدمرة التي يمكن لمثل هكذا خطوة أن تخلفها في حال الإعلان عنها بشكل فظ واستفزازي كما يصورها الإعلام الآن ويحتفل بها الإسرائيليون، لذا فإنه وأمام عدم قدرته على التراجع والخضوع للأصوات التي تدعوه للعدول عن خطوته وعلى ضوء الآفاق التي فتحها مع تحالفه من دول الاعتدال وكي يستثمر الحالة العربية غير المسبوقة في ترديها سيحاول أن يلعب على وتر الصياغات.

 

الإعلان أياً كانت صياغته لا وزن قانوني له، لأن وضع القدس القانوني منذ قرار التقسيم مرورا بكل القرارات الدولية محفوظ وإسرائيل فشلت في تغيره او تهميشه.

 

قيمة الإعلان هو انه اعلاني سياسي يخدم تكتيكات آنية ويمهد لتغيير استراتيجي لصالح إسرائيل، ولكن حتى هذه العملية تعتبر مغامرة وغير مضمونة النتائج لأنها يمكن ان تعيد استقطاب الصوت الغائب للجماهير العربية وان يوحدها من جديد ويعيد توجيه نظرها نحو البوصلة الموحدة والجامعة التي تكمن بالقدس.

 

من هنا فإننا نعتقد ان ترامب سيكون حذرا وكل الفرق سيكمن في صياغة الإعلان حيث بدء البيت الأبيض يسرب اخبارا أن الإعلان سيتضمن دعم حل الدولتين لاسترضاء وتطمين الفلسطينيين والعرب كما أن الصياغة قد تكون حمالة أوجه ومطاطة وكل حرف يمكن ان يحدث فرقا في التفسير والفحوى والدلالة السياسية والقانونية كأن يعلن ان "عاصمة إسرائيل في القدس" او أن "في القدس ستكون عاصمة إسرائيل" او غيرها من الصيغ التي تسعى الى نزع فتيل الانفجار وذر الرماد في العيون.

 

سواء كان الإعلان مباشرا او مواربا فانه يعتبر خطوة خطيرة وغير مسبوقة ونقطة تحول في الصراع وهو لحظة امتحان حقيقية امام كل الأطراف.

 

خطورة الخطوة في وجهها الاخر هي أن نتنياهو هو الذي أقدم على ما امتنع عنه كل رؤساء وزراء إسرائيل من رابين وحتى شارون والذين كانوا يتغاضون ولا يطالبون وربما أحيانا يضغطون على أعضاء كونجرس من اجل عدم نقل السفارة، بينما نتنياهو وهو الذي لا يعتبر اشجعهم شجع على نقلها لأنه ببساطة يعتقد ان لا امل من عملية السلام وانه لا يريد حل الدولتين والاهم انه يشعر ان الظرف مؤاتية لأنهاء هذه العملية بأقل الاثمان في ظل وجود علاقات عربية سرية وتحالف شبه علني مع دول مركزية عربية وأيضا في ظل وجود إدارة ودودة وتشاركه نظرته اليمينية المتطرفة وعدم ايمانها وتمسكها بحل الدولتين.

 

اعلان ترامب وبغض النظر عن الصياغات التي تهدف الى اجهاض رد الفعل وامتصاص غضب الجمهور العربي والإسلامي المتوقع هو جزء من صفقة القرن وتفكير الولايات المتحدة الجديد الذي يتقاطع مع خطوط نتنياهو واليمين الإسرائيلي الحمراء والتي تتواطأ معها دول عربية والتي سيعني ان نتنياهو وترامب اجمعا على ان اللحظة حانت من اجل الانتقال الى حل القضية الفلسطينية على قاعدة تصفيتها.

 

ما بعد هذا الإعلان لن يكون مكان للخطاب السابق له والذي استنفذ منذ زمن بعيد وحول عملية السلام الى أداة لكسب الوقت وتكريس الاحتلال.