السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سلمان ناطور يكتب: "ليش هيك صاير فينا؟" شكوك في سؤال الهوية.

لا أحد يستطيع أن يدعي أنه قيم على الأخلاق وعلى الوطنية وعلى القيم الإنسانية. لا أعرف إنساناً أخلاقياً ولا أعرف إنساناً وطنياً ولا أعرف إنساناً إنسانياً لأنه لا يوجد مخلوق كهذا، لا لشيء إلا لأن الأخلاق هي قيمة مثالية والوطنية قيمة مثالية والإنسانية قيمة مث

2014-11-22 02:55:56 AM
سلمان ناطور يكتب:
صورة ارشيفية

خاص لـ "الحدث".. 

اعتراف أول...

تنزل الهواجس متلاحقة على من تجاوز مثلي الخامسة والستين، فتعيده إلى الماضي تارة وتأخذه إلى الغيب تارة أخرى، فيغضب ويشتم ويضحك ويبكي ويزفر ويشهق ويرتبك حين يُسأل: كيف حالك؟ وأنا أجيب بلغتي العامية السهلة: "كل شيء عادي، المليح عادي والعاطل عادي!".

 حالة من الإدمان القسري على كل ما هو عادي. وأقول برضى كل صباح: إنني أصغي بخوف شديد إلى مكبر الصوت في البلد حين يعلن بصوت جهوري مثير للرعب والأسى: "انتقل إلى رحمته تعالى... " ويذكر اسم من انتقل في ذلك الصباح، وإذا لم يذكر اسمي فتغمرني سعادة ما بعدها سعادة، لأنني أتأكد بيقين تام أنني ما زلت على قيد الحياة.. تغمرني السعادة فقط لأنني ما زلت على قيد الحياة. هكذا صار سقف أمنياتي: فقط أن أبقى على قيد الحياة.

هل حقاً هذا هو سقف أمنيات كل من تجاوز الخامسة والستين في هذا الزمن التعيس وفي هذا الوطن المنحوس؟

أوقن تماماً أن الناس من أبناء جيلي في العالم البعيد، في فرنسا وسويسرا وأستراليا مثلاً، هم أكثر تفاؤلاً وانفتاحاً على الحياة. وأما في عالمنا القريب، في العراق وسوريا ولبنان ومصر وهنا، مثلاً، فهم أكثر تشاؤماً وانغلاقاً.

يحدث هناك...

"شو صاير فينا نحن العرب؟"

أمة عريقة تعد حوالي أربعمائة مليون ذكر وأنثى، لها تاريخ يمتد آلاف السنين، ولها فضاء واسع من بحر إلى بحر، ولها أرض في باطنها كنوز لا تعد ولا تحصى، ورجالها يعتزون بفحولتهم ونساؤها يفاخرن بذكائهن، وحل بهم من دَرَسَهم وتعلّمهم على علاتهم ويفعل بهم ما يشاء ومتى يشاء على سراط "إجاك يا بلوط مين يعرفك!" فاختزلوا حديثهم وخطابهم من "المنزلة بين المنزلتين" إلى كل التفاصيل الدقيقة عن ومن ثقافة النكاح. منذ قال فيهم الشاعر "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم..." تحكّم بهم الإفرنجي الأجنبي والغازي والسابي وصانع الديكتاتور الأبي الذي تفنن في صناعة العربي الغبي القاتل باسم الله والثورة، والذي صار عنوان المرحلة وصار صورتَنا في الوعي الكوني ونحن صدقنا أننا الأمة الأغبى وأن ليس في جعبتنا إلا هؤلاء، ولسنا قادرين إلا على صناعة الجهل.

هؤلاء ليسوا وجهنا! ونحن لسنا كما يريدنا أغبياؤنا وأعداؤنا ومصاصو خيراتنا من "أورشليم- القدس" وحتى واشنطن. في ألف عام لم يغب العقل العربي الذي أنجب الكندي والفارابي وابن عربي وابن سينا وابن رشد والمعري والمعتزلة وابن خلدون وحتى محمد عبدو والكواكبي ومارون عبود واليازجيين والبستانيين وجبران خليل جبران وكمال جنبلاط  وطه حسين ومحمود أمين العالم وإدوار سعيد والقائمة طويلة وليس لها نهاية، وأما الذين يقاتلون بالخناجر والبواريد الأمريكية والإسرائيلية لينَصّبوا علينا أولياء وأدعياء، فإنهم يريدوننا أن نمسح هذه الهويات وهذه الأسماء من سجلاتنا وذاكرتنا الجمعية. في هذه الظروف أن نعود إلى مرجعياتنا الفكرية العقلانية المذكورة أعلاه، هو ما يبث فينا شيئاً من الأمل، ونستعيد به الثقة بالنفس ويقوي عزيمتنا وإرادتنا للعمل من أجل الخلاص من حالة الإحباط التي ألمت بأصدق الناس مع هويتهم وانتمائهم القومي والإنساني.

إن أفضل هدية تقدمها لأعدائك هي أن تفقد الصواب وتغيّب العقل.

يحدث هنا...

هنا! هو هذه البقعة الصغيرة التي لا تكاد تظهر على خارطة الكرة الأرضية، ولكنها تشغل العالم بأسره منذ أكثر من ستة عقود.

هنا! من النهر إلى البحر حيث ارتكبت خطيئة كبرى قبل أكثر من ستة عقود ولا تزال الخطيئة تصنع الخطيئة.

هنا! يحدث اليوم أن طغمة فاشية تتحكم بهذه الجغرافيا وتحكمها بالنار والحديد على رقاب البعض ممن لهم الأرض وبالحسنى واللين مع آخرين يرتكبون الجريمة تلو الجريمة ولهم الحكم.

هنا! يحرق الفاشست طفلاً حياً ويشنقون سائقاً في حافلته، وهنا تصبح المساجد ميدان قتال لتصبح الكنس ميدان قتال أيضاً (خلافا لكل الشرائع) على سراط ما ساد قبل ثلاثة آلاف عام ونيف: "العين بالعين والسن بالسن".

هنا! لا يتورع رئيس حكومة عن الإعلان أن من لا يقبلها دولة يهودية فلينصرف من هنا، هكذا بكل صلف.

هنا! الفاشيون يصولون ويجولون بحماية ورعاية الدولة.

هنا! تعلن ولاءك للدولة بقانون رغماً عنك، والدولة تزعم أن أرضك ليست لك ولغتك ليست لك وأنت لست لك، وهنا المهاجر هو ابن البلد وأنت؟

هنا! حالة لا مثيل لها في التاريخ.

هنا! الوطن ليس دولة والدولة ليست وطناً، كما في كل مكان إلا هنا.

هنا! الوطن باق والدولة عابرة.

هنا! الوطن لك والدولة لهم.

هنا! تكون متفائلاً فقط لأنك تجيد قراءة التاريخ وتثق بنفسك.

هنا! ليس أمامك إلا أن تعود إلى ذاكرة الحياة لا إلى ذاكرة الموت.

هنا! عش وسُرَّ الصديق! لا تمت! فموتك يسُرُ العدا!

يحدث في أبو سنان...

أبو سنان قرية جليلية مثل كل قرانا. جميلة ككل قرانا وأهلها طيبون. في مساء بارد وماطر تفجر فيها غضب ونار ودم بين أناس من أهل البلد، بين جيران ومعارف وأصدقاء. لا يهم السبب في اشتعال النيران وضرب الخناجر وإلقاء القنابل، فكل ما يقال عن كوفية أو شعار هنا وشتيمة هناك هو عود ثقاب أشعل النار. وهل تشتعل النار إلا في الحطب اليابس والقش وفي الهشاشة؟ ما حدث في أبو سنان كان له مثيل في بلدات عربية أخرى، ويمكن أن يحدث في كل بلدة إن لم يكن بين طوائف فبين حمائل أو حتى في العائلة/ الحمولة الواحدة بين فخذ وفخذ، فكيف تراكم هذا الحطب القابل للاشتعال؟

أبو سنان تعرف كيف تضمد جراحها وستخرج من محنتها بقدرة الواعين من أهلها، وهم كثر، ولكنها تفتح الباب على كل الأسئلة. هل نحن شعب واحد بكل طوائفه؟ الإجابة العامة والجاهزة بسيطة جداً: نعم! هذا صحيح قومياً ولغوياً وحضارياً وبكل المعايير، ولكن السؤال الأصعب: هل كل من ينتمي إلى هذا الشعب يشعر أنه ينتمي إلى هذا الشعب؟ في الماضي حاولت السلطة الصهيونية أن تنزع عنا تعريف الهوية بادعاء أننا لا نشكل أقلية قومية بل طوائف ومللاً ويمكن ربطها متى تشاء وحلها متى تشاء ولم تنجح. وفي عام 1976 جاء يوم الأرض ونسف هذه النظرية من جذورها، فأدركت السلطة أنه يستحيل طمس الهوية موضوعياً، لا بل محاولات الطمس تزيدنا إصراراً على تأكيد الهوية الفلسطينية باعتبارنا شعباً واحداً، فتخلت عن هذا النهج واتبعت نهجاً آخر وهو العمل على تبديد الإحساس الفردي بالهوية، وهل هناك طريق أقصر وأفضل من تأجيج المشاعر الطائفية والدينية؟ لقد كان المعروفيون العرب الدروز أول ضحايا هذا النهج بفرض التجنيد الإجباري عليهم عام 1956 ثم بكل مشاريع الدرزنة ومناهج التعليم، وواصلت هذا النهج مع المسلمين البدو، لم تفرض عليهم التجنيد ولكنها جندتهم بالإغراء بعد أن صادرت أراضيهم وربطت اقتصادهم ومعيشتهم بها، وهذا شكل من أشكال التجنيد الإجباري أيضاً، وواصلت مع الطوائف الأخرى الإسلامية والمسيحية بالجذب نحو الخدمة العسكرية والخدمة المدنية ووظائف "أمنية" أخرى، وعاماً بعد عام صار يتبدد الإحساس بالانتماء إلى "الشعب" ليحتل محله الانتماء إلى "الديانة" وإلى العائلة وإلى الذات الفردية في نهاية المطاف. كيف تعرف نفسك؟ مسلم عربي أولاً؟ أم عربي مسيحي ثانياً؟ أم درزي إسرائيلي ثالثاً؟ في الاستطلاعات كنا نجيب بجرة قلم أو كبسة زر على هذه الاسئلة دون أن ترتجف لنا يد. وصرنا بيننا وبين أنفسنا نستعملها بسيولة الماء. وفي الواقع الراهن، وما يحدث هنا وحولنا، أن تكون عربياً فهذا ليس مشرفاً لا في نظرك ولا في نظر الآخر، وأن تكون فلسطينياً ليس مشرفاً أيضاً (هذا هو الواقع المؤسف والمحبط) ومن يبحث عن الشرف فسيعود في أحسن الأحوال إلى انتماء حيادي أو يعود إلى الشاعر الذي قال: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم!!

المشكلة ليست في أبو سنان فقط. المشكلة في كل شعبنا. هل نحن نتصرف كشعب حقاً يناضل من أجل الحرية؟ كيف نقاتل من أجل الحرية ونحن ننتهكها ونحتقرها و"نلعن أبوها" في قرانا وبيوتنا ومع أنفسنا؟ لقد حان الوقت للمراجعة الذاتية. لإعادة النظر في مسلماتنا وفي مفرداتنا وفي فكرنا وسلوكنا. حان الوقت لنكون صريحين مع أنفسنا، لنتكلم بصراحة وجرأة، لنضع حداً للقمع الذاتي وللجلد الذاتي وللتخوين والتكفير وللاحتقار فقط لمجرد الاختلاف!

يحدث في باقة الغربية...

الصديق الشاعر والصحفي علي مواسي من باقة الغربية، مدرس للغة العربية والكتابة الإبداعية في مدينته. اختار رواية علاء حليحل لمناقشتها مع طلابه. قامت الدنيا ولم تقعد. اتهم بأنه يفسد أخلاق الطلاب من بعض صفحات في الرواية ادعوا أنها تخدش الحياء العام، وهاجموه على المنابر وهددوه وأجبروه على الاستقالة من عمله.

هذا يحدث اليوم في باقة، وقبله منعوا أمل مرقس من الغناء في كفر قرع، ومنعوا عرض "وطن على وتر" في عكا وشنوا حملة شعواء على الفنانة سناء لهب، والقائمة طويلة وكل ذلك باسم الأخلاق والدين والحقيقة، وكأنهم هم الأوصياء على عقائد الناس وأخلاقهم.

خطير جداً هذا التراجع في مساحة الحرية المتاحة للكلمة والفكر. يبدو المشهد وكأن عصابات ملاحقة الفكر تسرح وتمرح بيننا، كلها "تتمرجل" على مثقفينا ومبدعينا لتعيدنا إلى العهود الظلامية وإلى جحيم الكبت والاقتتال والجهل.

إن ما يخدش الحياء حقاً هو أننا في القرن الواحد والعشرين نمنع طلابنا من قراءة رواية أدبية ومشاهدة مسرحية وحضور حفلة غنائية، وما يخدش الحياء هو أننا نهدد مثقفينا ونشن عليهم حملات تحريض، لو أن السلطة تقوم بها لأقمنا الدنيا عليها ولم نقعدها.

في السنوات الماضية عندما كان يتعرض أحدنا لمضايقة من حاكم عسكري أو شرطي أو يُستدعى للتحقيق حول كتاب أو مسرحية أو قصيدة، كنا نثور ونحرك العالم ضدهم واليوم يأتي من ينصبون أنفسهم أولياء على فكرنا وعلى إبداعنا ويمنعون ويحرضون ويهدرون دمنا مدعين أنهم أولياء الله على الأرض.

الثقافة والإبداع والفن والحرية والفكر، خارج قبضة القمع مهما كان القامع عنيفاً ومهما كان يملك سلطة أو أسلحة.

في نهاية الأمر سيكون السؤال: أنت مع القمع أم مع الحرية؟ ويعقبه سؤال توضيحي: أنت مع قوى الظلام أم مع المتنورين؟ ويعقبه سؤال عملي: أنت مع الحياة أم مع الغيب؟

يحدث في الجليل...

بعد القدس، المواقع الفلسطينية ذات الحضور الإعلامي الأكبر في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج، هما البعنة  ومجد الكروم، قريتان من قرى الجليل على الطريق بين عكا وصفد، وبعد محمد عساف يأتي هيثم خلايلة ومنال موسى. أراب أيدول. أعترف بأنني لا أتابع هذا البرنامج ولم أر أية حلقة كاملة ولكنني أهتم عبر الإنترنيت واليوتيوب بأن اتابع نجاحات منال وهيثم. وأقول إن أداء هيثم الأخير لأغنية وديع الصافي "يا ابني" هز مشاعري وأبكاني . وأنا بحسي الفلسطيني الفطري أريد لهما أن يتأنقا ويلمعا ويصلا إلى القمة، ليس فقط لأنهما جديران بالقمة (على الأقل قمة الأراب أيدول) ولكن لأنهما في كل الأحوال وعلى كل الجبهات يمثلان قضية عادلة، ليس لأن أحداً انتدبهما بل لأنهما قادمان من بطن هذه القضية ومن أكثر مواقعها حساسية، من الداخل المربك والمرتبك والذي أسقطت ارتباكاته عليهما أيضاً وصارت رحلتهما في بيروت مثيرة للجدل مثلما أن مجرد بقائنا هنا مثير للجدل.

ليس عادياً أن يشارك فنان من الداخل في برنامج عربي فضائي مثل هذا البرنامج، وفي بيروت التي تبعد عن عكا مسافة ساعة ونصف، ولكننا لا نستطيع الوصول إليها حتى في عشر ساعات وقد وصل هيثم ومنال في طريق التفافي شرعي ومعروف، ولهما منذ بداية البرنامج حضور لافت وجميل ومؤثر.

نحن نناضل من أجل التواصل مع أمتنا العربية، ونعتبر كل الوطن العربي من المحيط إلى الخليج فضاءنا القومي والثقافي، وهذا لا يتناقض مع بقائنا في وطننا، بالعكس إنه يعززه ويثريه ونحن أيضاً نسهم في بناء الحضارة العربية وإثراء ثقافة العرب في الأدب والسينما والمسرح والموسيقى، ولكن إشكالية وجودنا تحت النظام الإسرائيلي الذي يطبق علينا شكلاً من أشكال الاحتلال تلتبس على كثيرين من أشقائنا في أجزاء أخرى من فلسطين وفي الوطن العربي، وقد لا يفهم أحياناً سلوك فردي أو جماعي وعلاقة ما مع هذا النظام مثل أن تشارك في نشاط تحت مسمى "عربي يهودي" أو تعمل في جهاز تعليم أحد أولى أهدافه التربية على الإخلاص للدولة وللصهيونية، أو يكون لك مندوبون منتخبون في البرلمان الإسرائيلي الذي هو أهم مؤسسة سلطة لهذا النظام الذي نناضل لإسقاطه وهو يهدد بترحيلنا.

أثيرت من هنا قضية متعلقة بمنال موسى حول خدمة مدنية، وفي سياق ما عسكرية- وكان لغو كثير حول ما قيل وما لم يقَل- أخذت في البداية طابع الوشاية والقيل والقال، وكان واضحاً أن إثارتها عند بعض الأوساط غير الصحفية المهنية كان للدس وللتأثير على سير نجاحات منال في البرنامج، ولكن كانت أوساط مهنية صحفية اعتبرتها قضية مثيرة للجدل ومن حق الجمهور الاطلاع عليها لمعرفة الحقيقة، ومن بينها صحيفة الحدث الفلسطينية والكاتب الصحفي المعروف أحمد زكارنة. كتب بمهنية وتساءل أكثر مما أجاب وهذا حقه وواجبه كصحفي، فلماذا يتعرض لهجمة عدائية من مقربين إلى منال؟ أحمد زكارنة الصحفي المحرر في صحيفة الحدث ومعد برنامج ثقافي واسع الاستماع في إذاعة فلسطين هو من أهم المطلعين على ثقافة الداخل والمدافعين عنها وعنا وفي مواقعه لا يوفر أي جهد للتعريف بهذه الثقافة وأبطالها. إنه محرر لصحيفة حديثة العهد، ولكنها من أكثر الصحف العربية مهنية واحترافاً، وهو من أجرأ وأصدق صحفيينا وكتابنا. قد لا تتفق مع كاتب في الرأي أو التقييم أو في قراءة مشهد، وهذا لا يعني أن تأخذ كلماته إلى ما هو أبعد من التعبير عن الرأي بحرية واستقامة. كل إنسان يظهر في الحيز العام يحق لأي إنسان آخر أن يراه كما يشاء وأن يعبر عن رأيه فيه كما يراه وأن يسأل عن أصله وفصله، وهكذا الفنانون والأدباء والسياسيون وغيرهم. طبعاً هناك حرمة لخصوصياتهم لا يجوز لأحد اختراقها ومن يرسم حدودها هو الشخص نفسه، وقد قرأت ما كتبه أحمد زكارنة عن منال موسى ولم أر فيه أي تحريض أو تخوين أو مس بها وبفنها وأدائها، فلماذا التحريض على صحفي يؤدي دوره المهني بإخلاص؟

هذه المسألة تفتح عدة ملفات علينا أن نناقشها في حوارنا الثقافي الوطني: أولا: كل مسألة العلاقة بالعالم العربي. ثانياً: كل ما يتعلق بنا وبالتطبيع. ثالثاً: كل ما يتعلق بنا وبمقاطعة إسرائيل. رابعاً: ما شأن القبيلة بجدل مهني؟ لماذا يتجند ابن العم أو الخال للدفاع عن مطرب أو كاتب أو ممثل أثيرت حوله زوبعة بحق أو بغير حق؟

ليكن حوارنا حضارياً لكي نبقى حضاريين!

اعتراف آخر...

لا أحد يستطيع أن يدعي أنه قيم على الأخلاق وعلى الوطنية وعلى القيم الإنسانية. لا أعرف إنساناً أخلاقياً ولا أعرف إنساناً وطنياً ولا أعرف إنساناً إنسانياً لأنه لا يوجد مخلوق كهذا، لا لشيء إلا لأن الأخلاق هي قيمة مثالية والوطنية قيمة مثالية والإنسانية قيمة مثالية. نحن نطمح لتحقيق هذه القيم. أنا لست أخلاقياً بل أطمح لأن أكون، ولست وطنياً بل أطمح لأن أكون، ولست إنسانياً بل أطمح، فكل الذين يوزعون ألقاباً في هذه القيم، بغض النظر إن كانت صحيحة أو مزيفة، يرتكبون مخالفة غير أخلاقية، وهي أنهم يتصرفون بما هو ليس لهم ويضعون أنفسهم في مواقع حكم لم يمنح لهم.

أعترف بأنني لا أدعي أنني صادق، ولكنني أعمل كل ما بوسعي لأن أقول الصدق.

"ليش هيك صاير فينا؟"

 تشرين الثاني 2014