الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"الجاروشة" في فلسطين على وشك الاندثار

2018-12-03 05:14:14 AM

الحدث – رائد أبوبكر

في إحدى زوايا ساحة منزله، يجلس الحاج المسن عبد الرحمن أبو الرب 69 عاما، من قرية جلبون شرق جنين، أقصى شمال الضفة الغربية، على كرسي وبيده مطرقة وإزميل ينحت صخرة بركانية، سوداء اللون، ليصنع في النهاية الرحى أو ما يعرف محليا بالجاروشة، وهي آلة قديمة تقليدية، لها أهمية كبيرة في حياة الفلسطينيين، تستخدم قديما لطحن الحبوب، وأصبحت الآن قطعة من الديكور في المنازل. 

مملكته الخاصة

مملكته التي يمكث فيها بضع ساعات يوميا، تحتوي على كرسي بلاستيكي وآخر خشبي، يتنقل بينهما حيث يرتاح، وخاصة أنه يعاني من آلام في ركبتيه، إلى جانبه عصاه التي يتكئ عليها، ومطرقة وإزميل من الأدوات الرئيسية المستخدمة، تحيطه أكوام من الحجارة البركانية، وأكوام أخرى من فتات ذات الحجارة، لها استخدامات أخرى، تمر من أمامه المركبات، يعلو حارته صراخ أطفال يلهون، ويمر من أمامه أبناء قريته يطرحون عليه التحية والسلام، كل هذه المؤثرات الصوتية لا تشتت تركيزه على ما يعمل به، وبجانبه تجلس زوجته المقعدة على كرسي متحرك بسبب مرض ألمّ بها، تراقب تحركاته.

تعد الرحى أو الجاروشة واحدة من الآلات التقليدية القديمة، التي لها أهمية كبيرة للعائلات الريفية في طحن الحبوب من قمح وفول وعدس وغير ذلك، تتكون من حجرين على شكل دائرة يوضع أحدهما على الآخر بشكل متوازي، يوجد في القطعة العليا مدخل مفرغ لوضع الحبوب ومقبض خشبي لتحريكها وتدور حول محورها.

بداية المهنة

يقول الحاج أبو الرب إنه بدأ في هذه المهنة منذ أربعين عاما، تمكن طوال هذه المدة من صنع المئات من هذه الآلة، ومن شجعه على الخوض بها والدته، لكن بشكل غير مباشر، حيث كانت تعاني سابقا، وهي تبحث عن الآلة لطحن الحبوب، فقرر صناعة واحدة ويهديها لها، فخرج إلى جبال جلبون وأحضر صخرة وبدأ ينحت بها حتى انتهى من صناعتها، ومازال أبو الرب حتى اللحظة يحتفظ برحى والدته في منزله.

وأضاف، أن والدته فرحت كثيرا بالهدية، وصارت تتباهى بها أمام قريناتها حتى أن الجميع طالبه بصناعة المزيد لهم، واستمر في هذه المهنة حتى اللحظة، مشيرا إلى أن ما ساهم أيضا في الاستمرار بصناعة الرحى شهرة القرية في زراعة الحبوب، فكان الطلب كثيرا على هذه الآلة، لكن في الوقت الحاضر، أصبحت تستخدم بشكل ضيق فقط للمتاحف والديكور في المنازل.

ويعتقد أبو الرب أنه بات اليوم آخر صانعي الرحى في فلسطين، فلم يسمع عن شخص يصنعها بالطريقة التقليدية، وما يخشاه اندثارها، فالأجيال المتعاقبة لا ترغب في خوض هذه المهنة التي تحتاج إلى نفس طويل ودقة متناهية، موضحا أن معظم زبائنه من الضفة وأبناء فلسطين المحتلة عام 1948، ويخشى في ذات الوقت أن تصل هذه الآلة إلى يد الإسرائيليين والمستوطنين الذين يعرفون بتزييف التاريخ والهوية الفلسطينية وينسبون إليهم كل ما فلسطيني الهوية.

طريقة صناعتها

وعن آلية صنعها يقول، إنه يبحث عن الصخرة البركانية، سوداء اللون شديدة الصلابة، وكثيرا ما تتواجد في محيط قريته جلبون، بفعل بركان انفجر قبل مئات السنين، ينقل الحجر إلى ساحة منزله ويبدأ بنحتها حتى تصبح مستديرة الشكل بواسطة المطرقة والإزميل، ويحتاج لسبعة أيام لصناعة آلة واحدة، بأحجام مختلفة حسب طلب الزبون، ويتراوح سعر الواحدة منها من  200 إلى 600 شيكل.

أصبحت جزءا من حياتي

ورغم كبر سنه ومعاناته المرض، إلا أنه يرفض ترك المهنة حيث قال، "سأبقى على رأس عملي حتى آخر نفس"، مشيرا إلى أنها باتت جزءا من حياته، مضيفا أن الحبوب التي تطحن بواسطة الجاروشة لها طعم يختلف عن التي تطحن بالماكينات الحديثة، معتقدا أن الأخيرة يضاف عليها مواد حافظة، بينما ما تطحن بالجاروشة تمتزج الحبوب مع زيوتها.

رسالته

ورسالته إلى الأجيال المتعاقبة، بأنه هيوصي بضرورة الحفاظ على التراث والهوية الفلسطينية، فالأجيال القديمة تموت ويبقى على كاهل من يتبعها المحافظة على ما هو قديم من الاندثار أو السرقة من قبل الاحتلال الذي يزيف كل ما هو قديم وينسبه لدولته.

الجاروشة في فلسطين على وشك الاندثار