السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التغيير بالتغيير الذاتي

2014-06-24 00:00:00
التغيير بالتغيير الذاتي
صورة ارشيفية

من النافذة

بقلم عبد الفتاح القلقيلي

التغيير لصالح المرأة لا يكون إلا بتغيّرها، ولعلّ معظم الداعين لخروجها للشارع والحياة، 

ينطلقون من ذات منطلقات الداعين لحجبها عن الشارع والحياة. إنهم ينطلقون من نزعات جنسية: الأول يريد متعاً مجانية من النساء في الشارع والحياة، والثاني لا يريد لغيره أن يتمتع بشيء من أنثاه.

ويكاد الطرفان يتفقان على المقولة التي تقول: “قوة المرأة في جمالها، بينما جمال الرجل في قوته”. وكان العديد من المنظّرين يبررون تقليل حصة المرأة من الميراث، “بأن الإرث للذي يحميه”، وكان الرجل العربي يعتبر نفسَه صاحب الحق بميراث أبيه لأنه يحميه بسيفه، بعكس أخته التي لا تحارب، بل تشكل عبئاً على المحاربين، باعتبارها عُرضة للسبي. (ومن الطريف هنا أن نذكر أن مالك بن نبي، الكاتب الجزائري، لاحظ وحدة المنطلق هذه في كتابه الذي أصدره بالفرنسية عام 1948 بعنوان “شروط النهضة”، وكذلك فعل عبد الله القصيمي، الكاتب السعودي، في كتابيه: “العالم ليس عقلاً” عام 1964 و”لئلا يعود هارون الرشيد” عام 1997.

 الناس لا يعيشون حسب ما يفكرون، بل يفكرون حسب ما يعيشون، فما زال وضع المرأة على حاله تقريباً، رغم أن أدوات القتال تغيرت، وتطوّر السلاح من السيف إلى الصاروخ، إلا أن الروح العسكرية ما زالت مهيمنة. وعندما تسيطر النزعة العسكرية على المجتمع، وكذلك عندما تكون مهمة العلم قهر الطبيعة وليس التعاون معها من أجل صالح الإنسان، تصير السيادة فيه للرجال، ويصبح الفكر ذكورياً، ويمسي العلم ذكورياً، وتبيت القيم أيضاً ذكورية.

إذاً، مهما تغيّر الرجالُ ووسائلُ الإنتاج وأدواتُ القتال، لن يتغيّرَ وضعُ المرأة إلا إذا تغيّرت ذاتياً، (فلن يغيّر اللهُ ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). الاتجاه يميناً انحراف لليمين، والاتجاه يساراً انحراف لليسار، وما التغيير إلا الاتجاه للأمام. المرأة تتغير عندما ترفض “التسليع”. المرأة تكون رخيصة عندما تكون سلعة: سواء كانت سلعة معروضة للاستهلاك، أو سلعة محفوظة في المخازن.

 أنصار المرأة من الرجال غالباً ما ينادون باحترامها والعناية بها وتقييمها بمقدار علاقتها بهم: فهي زوجة أو أم أو أخت!! وماذا لو لم تكن أما أو زوجة أو أختا؟! المرأة هي إنسانة، وتكتسب قيمتها من إنسانيتها، ولا يفرضُ إنسانيتَها غيرُها.

المراقب الاجتماعي يلاحظ أنه إذا كان الرجلُ ينجح بفضل ظروفه المواتية فإن المرأة الناجحة تنجح رغم ظروفها. وليس وضع المرأة شاذاً في ذلك، حيث هذا هو وضع الفئات المهمّشة والشعوب المقهورة. وحتى يحرر المقهورُ نفسَه، وحتى يطوّر المهمّشُ موقعَه، لا يحتاجان إلى أحلام واسعة ودعاء كبير وجهد عادي، بل يحتاجان جهداً أكبر وعناء أطول وأداء أفضل. وهناك حكمة صينية تقول: “عندما يكون العود محنياً للخلف لا يعتدل إلا بحنيه للأمام».

ولكن هنالك من لا يعرف الأمام والخلف، فالهرب من الزوايا الخرافية إلى البارات ليس تقدماً للأمام، ولكنه يكون كذلك إذا كان هرباً إلى مكاتب العلم ومختبراته، فعندما تغرُب الفكرة يبزغ الصنم، والعكس أيضاً صحيح. فإذا كانت السياسة، كما يقول السياسيون، هي “فن تحقيق الممكن” فإن المعرفة هي “فن بناء المستقبل وتحقيق المستحيل” كما يقول د.ناصر أبو زيد في كتابه “النص، السلطة، الحقيقة” عام 1995.  فالخارجون من “الدروشة الغيبية” دون فكرة، إنما يدخلون زاوية “الدروشة السياسية”، وكلاهما دروشة. والفرق بين زاوية “الدروشة الغيبية” وزاوية “الدروشة السياسية” أن الأولى مثل “تأتأة” الطفل، فيها صبيانية وبراءة ومرحلية سيتعداها المجتمع يوماً ما، أما الثانية، فهي “تأتأة” الشيخوخة ورجفتها، وتعبّر عن أواخر أيام المجتمع.