الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 39: قصة لاجئ.. النكبة الفلسطينية بعد 67 عاماً بعيون الحاج أبو اسماعيل

"والله يا سيدي اشتريت البارودة بـ80 دينار... بعدين بعتها بعشر دنانيير مشان اشتري خبز أطعم أهلي"

2015-05-19 01:19:22 AM
 في العدد 39: قصة لاجئ.. النكبة الفلسطينية بعد 67 عاماً بعيون الحاج أبو اسماعيل
صورة ارشيفية
 
 
الحدث- محمد غفري
 
"والله يا بنيي مثل ما بقول المثل الموت مر والشراد فضيحة، بس شو بدنا نعمل والله انهنّا وتشردنا والله بعلم في حالتنا وقتها"، بهذه الكلمات يستذكر الحاج إبراهيم أحمد من قرية بيت نبالا المهجرة بصعوبة ذكرى يوم النكبة الفلسطينية، بعد أن أكل الدهر منه عشرات السنين في مخيمات اللجوء الفلسطينية.
 
يروي أبو إسماعيل (85 عاماً) المقيم حالياً في مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين قرب رام الله، قصة النكبة الفلسطينية لـ"الحدث" كما شهدها قائلاً: "والله يا سيدي اشتريت البارودة بـ 80 ليرة، وكنا جميعنا شباب البلد مسلحين، نشتري مشط الرصاص بـ 25 قرش، ويكون مع الواحد 10-15 مشط، بس ما نقدر نطخ جميع الرصاص، بلاش يخرب بيتنا".
 
 
ويضيف الحاج الثمانيني مستذكراً أيام العز قبل النكبة بأشهر: "كانوا اليهود في العباسية وسلمة وواد الخيار وهم يعملو مشاكل مع الأهالي، ونروح إحنا من بيت نبالا نجدات عليهم يجو يوخذونا في السيارات 3-4 ساعات ونهاجم وندحر اليهود".
 
وتقع قرية بيت نبالا المهجرة على سفح تل في نهاية المنحدرات الغربية لجبال مدينة القدس المحتلة، وينبسط أمامها السهل الساحلي الممتد إلى البحر، ويبعد عنها مطار اللد إلى الغرب وعلى خط مستقيم حوالي خمسة كيلومترات، وتبلغ مساحة أراضيها حوالي 15000 دونماً، موزعة بين السهل والجبل.
 
وشارك أهالي بيت نبالا في الحركات الوطنية والثورات ضد اليهود والإنجليز، وبخاصة ثورة 36-39، حيث كانت بيت نبالا معقلاً للثوار، وشارك شباب القرية في معظم النجدات التي كانت تذهب للقتال من العباسية إلى سلمة غرباً، ومن رأس العين شمالاً إلى نواحي اللد والرملة جنوباً.
 
وفي أواخر حزيران عام 1948 قاد مصطفى سليمان مجموعة من شباب القرية المسلحين يربو عددهم على الأربعين، في معركة استرداد العباسية من اليهود، بالمشاركة مع أهالي العباسية والمناضلين الآخرين، وأطلق مصطفى سليمان على مجموعته حين ذاك اسم "فرقة الزوبعة".
 
لكن الحسرة سرعان ما تعود إلى أبي إسماعيل الذي شارك في تلك النجدات، ويروي ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم من العام 1948 عندما دخلت العصابات الصهيونية إلى قريته، "تكاثروا اليهود وأجو علينا مع الإنجليز، وكلها كانت خطة مرسومة ومؤامرة يا إبني".
 
ويضيف الحاج إبراهيم والدمع في عينه: "رش الرصاص علينا كان مثل المطر وبطلنا نقدر نقاوم، دخلو البلد وبلشو طخ في العالم، وطلعنا أنا وأخوتي وأمي الختيارة وأبوي كان ميت من قبل وتركنا كل إشي ورانا، ولا واحد داري عن إبنه ولا أخوه ولا أبوه ولا أخته، اللي كان صاحي سكر لأن لما أجو يطردوك من البلد وتشوف هالناس كلها، إشي ترمي إبنها وإشي يدشر أبوه، ما حدا ضل في البلد إلا ختيارية ثلاث عجزة ولادهم تركوهم وماتو وهم قاعدين، وطلعنا منها ودمروها".
 
وفي عام 1948 هجرت العصابات الصهيونية المسلحة 957 ألف مواطن فلسطيني من قراهم ومدنهم في فلسطين التاريخية، عبر اتركابها عدداً من المجازر، أو من خلال الحرب النفسية وبث الرعب والخوف في نفوس الأهالي، لتعلن بعد ذلك قيام دولة إسرائيل في 14 مايو/ أيار من ذلك العام.
 
ويتابع أبو إسماعيل قصته بعد خروجه من بيت نبالا وبدء رحلة اللجوء،" طلعنا من البلد على الجبال أسبوع أسبوعين نمنا بدون إشي، وبعدها رحنا على قرى بدرس وشقبا ودير عمار القريبة منا، وبعت البارودة بـ 10 ليرات"، ويبرر ذلك مؤكداً: "بعتها يا إبنيي مشان أشتري خبز أوكل وأطعم أهلي من الجوع، لما الواحد طلع  من البلد والطحينات والقمحات والزيت والبقر ضلين في الدار، يعني طلعت وبس معي اللي في جيبتي والبارودة".
 
بعد ذلك، رحل الحاج أبو أسماعيل وعائلته إلى مدينة أريحا على أراضٍ فارغة أقيم عليها بعد ذلك مخيم عقبة جبر، لكن حرارة شمس أيار في الأغوار الفلسطينية، قادتهم إلى جبال رام الله عند قرية دورا، ومن دورا إلى أراضٍ قريبة منها مزروعة بأشجار العنب والزيتون، أقاموا عليها مخيم الجلزون.
 
ويقع مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين حيث يسكن الحاج أبو إسماعيل شمالي مدينة رام الله، على مساحة 0.337 كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانه نحو 9 آلاف لاجئ.
 
وحتى نهاية العام الماضي، وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين إلى 5.9 مليون نسمة، حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، مسجل منهم رسمياً لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قرابة 5.3 مليون لاجئ، وهؤلاء اللاجئين يعيشون في 61 مخيماً بغزة والضفة ولبنان والأردن وسوريا، بينما الباقي منتشرون في أرجاء العالم، لا يعيشون في مخيمات.
 
ويستذكر العجوز الفلسطيني أيامه الأولى في المخيم، وكان يبلغ حينها 18 عاماً، موضحاً: "الوكالة نصبو إلنا مخيم وكنا نشتغل معهم في نصب الخيام ونوخذ رطل طحين في اليوم، وبعدها عملوا إلنا غرف ولكل خمس غرف خزان مي، وعملنا الجامع القديم".
 
لكن من ارتسمت حكاية الوطن وبؤس المخيم في تجاعيد وجهه لم يطق الحديث عن كل تلك السنوات الـ67 التي قضاها مشرداً، ليعود مرة أخرى يقص علينا تلك الأيام في بيت نبالا، قائلاً: "وأنا بحكي معك حاسس حالي موجود في البلد هناك، وفي اللد والرملة وبتذكر فيها وفي أرضها وشجرها وأيامها الحلوة".
 
ويتابع الحاج إبراهيم: "أنا والله كنت ملّاك في بيت نبالا، أبوي مات وكان ملاك أراضي في البلد، وقسمو الحصص علي أنا وأخوتي، وكان مدير الطابو وقتها عبد القادر الحسيني قائد الثورة وكان يحرص على اليتيم، مشان هيذ أخذت حصتي كاملة، و كان إلي أراضي وصلت على حدود اللد، 6 قطع بوصلوا تقريباً 12 دونم".
 
واستدرك يقول: "تزوجت في البلد وحدة من رفح وسكرت هالباب أنا وياها جوا الدار والناس برا يطبلوا ويزمروا والله ما فتحت لحدا ودشرتها وأنا ولد صغير، ووالله كانت أحسن من الثلاث اللي تزوجتهن هان في الجلزون، حتى مات ثنتين وضايل عندي وحدة اليوم".
 
وأردف: " كنا نشتغل مع البريطان عمال في الحدادة والنجارة وكل إشي، وكان في مصنع أكبر من هالمخيم، كنا نصنع في اليوم 1500 جلن مي، في ماكنات بتقص الصاج، وناس تطعج الحديد وناس تلحم وناس تدهن".
 
الحاج أبو إسماعيل عاد إلى قريته بيت نبالا في الداخل المحتل أربع مرات، في زيارات مع الصحفيين يروي لهم ذكرى النكبة، وعنها يقول: "ارجعنا لقيناها مدمرة، اليوم مهدودة مثل الرجم مش ضايل منها إلا حجار.. بس أملنا في الله لازم نرجع ولا يمكن إلا نرجع ونعمرها أنا أو ولادي أو أحفادي".
 
وبعد 67 عاماً على النكبة، لا يزال قرار الأمم المتحدة رقم 194 القرار الوحيد الذي ينصف اللاجئين الفلسطينيين في حق العودة، لكنه حتى اليوم ما زال حبراً على ورق، ولا يوجد ما يشير إلى قرب تنفيذه.
 
وفي 11 ديسمبر/ كانون أول 1948، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194، بعد أن صوت لصالحه 35 عضواً، ورفضه 15، وامتنع عن التصويت 8، وتحدث هذا القرار صراحة عن "وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات، بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة".
 
وهو ما أشعل جذوة الأمل في نفوس المهجرين، غير أن الأمل، تحول عاماً بعد عام، إلى يأس امتزج بالسخط، جراء عدم تنفيذ القرار، حيث إن قرارات الجمعية العامة بالأساس، تعتبر توصيات غير ملزمة.
 
ولم يتبق على قيد الحياة، من اللاجئين الذين سمعوا هذا القرار في حينه، إلا القليل، فقد رحل معظم جيل النكبة عن الدنيا، وهم يعانقون مفاتيح بيوتهم التي هجروا منها، منتظرين تنفيذ قرار الأمم المتحد، وأن تنصفهم عدالة القانون الدولي.