الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الجماعات اليمينية.. خلفيات أيديولوجية وأجندة الاحتلال الخفية

2015-07-28 03:13:38 AM
 الجماعات اليمينية.. خلفيات أيديولوجية وأجندة الاحتلال الخفية
صورة ارشيفية
 
الحدث- ريتا أبوغوش
 
اعتادت نشرات الأخبار ومختلف وسائل الإعلام رصد انتهاكات واقتحامات المستوطنين واصفة إياهم بـ"القطعان" أو "المستوطنين" حيناً، وبـ"الجماعات المتطرفة" أحياناً أخرى كمحاولة لوسمهم بالهمجية والتطرف، لكنها نادراً ما تتطرق إلى الخلفيات الأيديولوجية التي ارتكزت عليها هذه المجموعات، وما مدى اختلافها وتمايزها، فضلاً عن ارتباطها واختلافاتها مع حكومة الاحتلال.
 
إعادة إحياء الهيكل
شهدت القدس في الآونة الأخيرة عدة اشتباكات بين ما تسمى "مجموعات الهيكل الصهيونية" مع المقدسيين عشية ما يسمى "ذكرى خراب الهيكل المزعوم"، مشهد اعتادت القدس عليه بشكل دوري.
وتسعى هذه المجموعات تحديداً إلى هدم المسجد الأقصى المبارك، وإقامة الهيكل اليهودي المزعوم مكانه، ويقود معظم تلك الجماعات ضباط عسكريون سابقون، برعاية وحماية من جيش الاحتلال.
ويشير الباحث نزار حميد في ورقة أكاديمية بعنوان "المنظمات والجماعات اليهودية المعنية بهدم الأقصى" إلى أن سلطات الاحتلال قامت بهدم وإزالة جميع المباني الإسلامية من معاهد ومساجد وزوايا وأسواق ومساكن ومقابر قائمة فوق منطقة الحفريات، وملاصقة أو مجاورة لحائط البراق مسهلةً بذلك عمل هذه المجموعات.
وأردف حميد أنه ومع توجه المجتمع الصهيوني نحو اليمين، يتزايد نفوذ تلك الجماعات والمنظمات الساعية لهدم الأقصى، مضيفاً أن الأمر لا يقف عند ذلك، فالحكومات الصهيونية المتعاقبة، من يمين ويسار، حرصت على تكريس ومساعدة هذه المجموعات في الوصول إلى هدفها.
ويرى الباحث حميد أن هذه التنظيمات قد غذّت تطرفها من الأيديولوجية الصهيونية العنصرية، ومن حركات اليمين المتطرف التي شكلت تيارا واسعا هوس العداء للعرب، وهستيريا الاستيطان، وأفرز تنظيماته الإرهابية الجديدة".
وأوضح أن تلك المنظمات قد رسخت جهدها، ودربت أفرادها على تخريب الأقصى وإحراقه، وتدنيس حرمته، وقد أخذت شكل العصابات المسلحة والمتزمتة دينيا، التي تعمل بصورة علنية أو سرية.
 
علاقة شدّ وجذب مع الحكومةّ
ويتفاوت موقع هذه المجموعات اليمينيّة تحت المظلة السياسية والأيديولوجية للكيان الإسرائيلي، فبعض المجموعات كأحفاد "كاهانا" و"غوش ايمنيوم"، يؤمنون بضرورة فرض "الهلاخا" - وهو التعليم الديني والفقه التلمودي على دولة الاحتلال، رافضين أن تكون دولة لليهود ببنية مدنية علمانية بلّ دولة يهودية دينية سائدة.
وتعلو أصوات هذه المجموعات في الوسط السياسي الإسرائيلي داعيةً لتسريع عملية الاستيطان اليهودي وتدمير الأقصى بهدف تعجيل استحضار "المسيح المخلص".
ويتقبل بعضها الآخر البقاء داخل حدود الدولة المدنية وينخرط داخل منظومة الأحزاب القائمة كالليكود، والبيت اليهودي وغيرها من الأحزاب اليمينيّة.
وفي السياق ذاته، يصف الباحث في مركز مدار للدرسات الاسرائيلية أنطوان شلحت لـ"الحدث" العلاقة ما بين حكومة الكيان والمجموعات المتطرفة على أنّها "علاقة شدّ وجذب"، مشيرا إلى أنّ كافة هذه المجموعات لا تكسب تأييد الحكومة اليمينية، لكنّ الحكومة تغض الطرف عن نشاطات هذه الجماعات لاستطاعتها القيام بما تعجز عنه هي.
وأضاف أن المجموعات المتطرفة ترى الحكومة متخاذلة أحياناً بل ومستسلمة خاصة فيما يخص علاقتها مع الجانب الفلسطيني، والتسهيلات أو الخطوات الدبلوماسية التي تقدم عليها.
وأردف شلحت أنه في المقابل، تخشى الحكومة الإسرائيلية هذه المجموعات لما لديها من نفوذ في الشارع الإسرائيلي، لكنها ترى في أعمالها أحيانا "مخربة"، ولا يعني ذلك أن الحكومة لا تقدم على هذه النوع من الأعمال، لكن بشكل "قابل للتبرير دولياً".
وأردف أن "التحولات التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي على مدار العقدين ينزاح أكثر فأكثر نحو اليمين، وحتّى ما يسمى باليسار الإسرائيلي طروحاته السياسية ليست بالبعيدة عن تلك اليمينيّة".
وبالرغم من الصدام مع الدولة إلا أنّ تغلغل هذه المجموعات والحركات اليمينية بوحدات النخب في الجيش، كوحدة الكوماندوز البرية مكتال والشاباك، والمواقع الحساسة في مؤسسات "الدولة" كوزارة الإسكان، يسهل تمرير سياسات تخدم مشروعها الاستيطاني.
 
تطهير الأرض من الغرباء
أما فيما يخص موقف هذه المجموعات اليمينيّة من الفلسطينيين فمعظمها أيدت سياسة "الترانسفير" التي تعمل على اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم لابقائها "نظيفة وطاهرة من الغرباء" كما صرّح كاهانا قبل اغتياله. وهو المبدأ ذاته الذي ارتكزت عليه الحركة الصهيونية منذ نشأتها.
بينما رفضت مجموعة "جوش ايمنيوم" على سبيل المثال، سياسة الترانسفير علناً، إلا أن ذلك لم يعني قبولها التعايش مع الفلسطينيين وفق الخبير في الشؤون الإسرائيلية نهاد أبو غوش، قائلا: "إن كافة هذه المجموعات كرّست العنف والأعمال الإرهابية ضد الفلسطينيين من منطلق عقائدي ووجودي، بل وحتّى دافعاً تحلّ من خلاله تناقضاتها السياسية والأيدولوجية مع خصومها في المنظومة الإسرائيلية السياسية، كالعملية التي نفذها باروخ جولدشتاين في الحرم الإبراهيمي الذي استُشهد فيها 29 مصلياً تزامناً مع توقيع اتفاقيات أوسلو التي عارضتها هذه المجموعات، بل وطالت بعض عملياتها شخصيات إسرائيلية من أجل عرقلة المفاوضات الثنائية كعملية اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك اسحق رابين على يد "يجال آمير" أحد ناشطي هذه المجموعات".
 
جباية الثمن: شبكات فضفاضة أفقية لا هرمية
ومن أبرز تجليّات هذه الأعمال كانت سياسة جباية الثمن، وهي تكتيك سياسي يعمل وفق مبدأ أعمال العنف العشوائية ضد الفلسطينيين، حيث تأثر أعضاء هذه المجموعة بالأفكار الأصولية التي ترى في الوجود الفلسطيني تدنيساً للدين اليهودي ومعتنقيه وترمي لتدفيع الفلسطيني ثمن وجوده.
وأكدت دراسة للمركز الفلسطيني أعدها الباحث يوسف منيّر أن عنف المجموعات اليمينية ازداد بنسبة 315٪ منذ عام 2007، شمل تدنيس المساجد والمقابر، ومحاولات الدهس، ومهاجمة القرى الفلسطينية، وإحراق المحاصيل الزراعية، واقترنت هذه الأعمال بكتابات جدرانية أبرزها "الموت للعرب" و"جباية الثمن".
وظهرت مجموعات "شبيبة التلال"، التي تعمل على تحقيق وجهاتها الأيدولوجية من خلال خلق مجتمعات مفصولة كليا عن سلطات الحكومة من جهة، وردع الفلسطيني واشعاره بالتهديد الدائم من جهة أخرى من خلال أعمال العنف التي تهدف لما أسمته في إحدى بياناتها "توازن الرعب" وسياسة أخذ القانون باليد، فتنظم نفسها من خلال زمرات وخلايا موزّعة حول المستوطنات المحيطة بالقرى الفلسطينية.
وكانت أشهر خلايا شبيبة التلال تلك التي شُكلت في مستوطنة "بيت عين"، التي لم يتوفر أية معلومة عن كيفية تشكلها، وكانت قد تمكنت من زرع متفجرات في المباني الفلسطينية العامة، وإطلاق النار على مراكب الفلسطينيين وتدمير محاصيل القرى المجاورة، كما واعترف أحد الذين تم اعتقالهم من هذه المجموعة بتنفيذ 7 عمليات استُشهد على إثرها 8 فلسطينيين وأصيب 16 آخرين بجروح.
وتجنّد هذه المجموعات اليمينيّة منتسبيها من خلال العائلات، والأصدقاء والجيران، مشكلةً بذلك شبكة فضفاضة استطاعت من خلالها المحافظة على اللاهرمية داخل الجماعة، على عكس أحفاد كاهانا الذين ما زالوا بشكل أو آخر يعملون من خلال المنظومة الاجتماعية والسياسية للكيان.
ولطالما لازمت هذه المجموعات المشروع الصهيوني بلّ وعبرت عن أهدافه بعيداً عن لغته الدبلوماسية المعتادة، فمنذ مظاهرات حركة "بيتار" للاستيلاء على حائط البراق مروراً بالتنظيم اليهودي السري، ووصولاً إلى شبيبة التلال وغيرها من مجموعات يمينيّة تختلف بالظاهر وتجتمع على تهويد فلسطين وإفراغها من شعبها، مجموعات متطرفة تمكنت من تذويب إشكالياتها مع حكومة الاحتلال مقابل الهدف الأكبر والأهم، الفلسطينيون.