الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ثقافة المحبة في سياق العولمة/ بقلم: أحمد زكارنة

2016-10-11 11:49:45 AM
ثقافة المحبة في سياق العولمة/ بقلم: أحمد زكارنة
أحمد زكارنة

 

لم تمثل حالة الفوضى المجتمعية التي نعيشها هذه الأيام، صدمة كبيرة لي، ولم تصبني بالدهشة المميتة، ولن تفجر الرئتين، ببساطة لأن المنظومة المجتمعية بأكملها في حالة تراجع لم نشهد لها مثيلا من قبل، وكنت قد أشرت للأمر وتوقعته، مقرًّا على صفحتي الشخصية بالقول: "كلما توسعت تكنولوجيا الاتصال، وتغولنا فيما يسمى بالعولمة، كلما ضاق مفهوم الهوية بوصفها هوية جماعية إلى هوية فردية ذاتية".              

 

وضرورة الانتباه إلى مثل هذا الطرح، يفسر بشكل كبير، لماذا تتجلى كل هذه الفوضى في التعاطي مع قضايانا المحلية الضيقة؟ بينما العالم يشهد من حولنا حالة صراع دامٍ أصابته وما تزال في قيمه وادعاءاته الإنسانية على كافة الصعد، وفي سياق متصل نرى حالة تردٍّ واضحة المعالم لمن يشار إليهم بوصفهم نخبًا ثقافية ومجتمعية وحتى سياسية.

 

لا شك أن الأمر محبط جدا، ولكننا بعيداً عن العنتريات الفارغة وأدوار البطولة الواهية، يجب أن نتصدى لكل هذا السيل من ثقافة الكراهية، ليس لكوننا من تلك النخب التي أشرنا إليها، ولكن لأن انعكاس مثل هكذا وضع لن يقع في المقام الأول إلا على عوام الناس، ونحن مهما علت ادعاءاتنا من العوام، بل وربما نكون أكثرهم دفعاً للثمن.

 

من هنا جاءت فكرة الدفع بمبادرة تؤكد على ضرورة بث ثقافة المحبة في مواجهة ثقافة الكراهية، لنقول: إن ما يمكن أن نجتمع حوله، أكثر مما يمكن أن يشتت شملنا، وإننا جميعاً سواء كان الحديث هنا بالتخصيص لهذا المجتمع أو ذاك، أو كان للوجود الإنساني بمفهومه الأعم، بحاجة ماسة لبعضنا البعض، وأن ننقذ أنفسنا بيد غيرنا، كما لا يمكن أن يتقدم هذا الغير منا إلا إذا صمد واقفاً على قدميه بمساعدتنا ومساعدة غيرنا، ما يعني أن المنظومة الإنسانية بشكل عام إنما خلقت ليتعايش أفرادها مع بعضهم البعض، لا على دماء بعضهم البعض.

 

الإشكال ربما يكمن في عدم اطلاعنا بشكل واع على ما يسمى بثقافة الاختلاف، تلك الثقافة التي تشير إلى حقك في إبداء الرأي، وحق الآخر في الاستماع إلى أرائه، هذه الثقافة التي تقدّر اجتهادك، وتنتظر منك احترام اجتهاد الآخرين، في سياق منتبه إلى أهمية حضورك بما لا يلغي أو يقصي حضور الآخر.

 

لننتبه هنا، كم مرة استخدمنا مصطلح الآخر؟ سؤال يحيلنا مباشرة للوعي بأهمية ضرورة هذا الآخر ووجوده، وإلا سيكون السؤال الأهم، مع من نختلف؟ وعلى ماذا يمكن أن يقع الاختلاف، ولا أحد هنا غيري وحدي؟ حينها ربما ننظر في المرأة لندعي أن المرئي على بعد وهلة من البصر، هو السبب الرئيس فيما يجري حول العالم من توغل دامٍ للغة الدم.

 

شخصياً أدعي، وقد يكون ادعائي هذا صائبا، وقد يكون في جله مجرد وهم، أن ما يشهده المجتمع العالمي بأسره، إنما هو شكل من أشكال الحروب الأكثر خطورة على البشرية جمعاء، هي حرب لا قواعد فيها، ولا مكان لما يسمى بالقانون، كما إنها تتخلى بقصد كامل عن أي طرح يشير من قريب أو بعيد للمفاهيم الإنسانية، وضعية كانت أو سماوية.

 

ولنا أن ننظر جيداً للنموذج الأقرب جغرافيا واجتماعياً، وحالة الموت المجاني التي تطال سوريا وشعبها من قبل السلاح الروسي، فيما يشارك اليمن وشعبه في وقائع فيلم هوليودي واقعي بإمتياز يجعله فيلماً منافساً قوياً على جائزة أوسكار دون الفيتو الأمريكي، لا لشيء، إلا لكون أدوات الموت هناك، هي صناعة أمريكية خالصة.

 

نعم، نحن نحيا اليوم زمن الحرب العالمية الثالثة، التي تدفع شعوب المنطقة من أرواح أبنائها ثمن وقودها ورصاصها وصواريخها، ونحن لا ناقة لنا فيها ولا بعير، إلا بوصفنا مفعولًا به ارتضى أن يكون مطية لكل شعوب العالم وصراعاته المقيتة وإن احتلنا عبر ما يمكن أن نطلق عليه بالغزو التكنولوجي قبل العسكري، فقط لنساهم في قتل أنفسنا بأنفسنا، ببساطة لأن ثقافة المحبة لم تدرج في سياق العولمة.