الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بالودّ الذي أفسدته السياسة/ بقلم : محمد شريم

فلسطين تجمعنا

2016-10-18 09:51:07 AM
بالودّ الذي أفسدته السياسة/ بقلم : محمد شريم
محمد شريم

يقول العقلاء والحكماء : ( الاختلاف في الرأي لا يُفسد للودّ قضية ) ، أما لدينا ـ ولا فخر ـ فقد أفسدها ! فإذا اعترفنا بهذه الحقيقة ـ وهي الحقيقة الوحيدة التي لا تحتمل الخلاف ـ فإنه يتوجب علينا أن نطرح تساؤلين اثنين ، الإجابة عن الأول ضرورية للإجابة عن الثاني منهما : كيف كان ذلك الفساد ؟ وما هو المطلوب ؟

 

وقبل أن نجيب عن هذين التساؤلين ، من المناسب أن نشير إلى أن الذي دار في خلد الحكيم عندما قال هذه المقولة ، هو أن المقصود بالاختلاف ما يمكن أن يكون من تباين في وجهات النظر تجاه قضية علمية أو عملية عامة ، قد تخصّ أبناء فئة من الفئات ، أو مجتمع من المجتمعات ، أو أبناء أمة واحدة ، أو الإنسانية جمعاء ، وذلك من منطلق الحرص على الصالح العام ، وليس التكالب على المصالح الخاصّة . فإذا كان الاختلاف ضمن هذا الإطار فلا شك أنه سيكون خفيفاً لطيفاً ، لا يخرج عن السياق المعيّن ، ولا يتجاوز السقف المحدد ، وبهذا المفهوم يكون الاختلاف مظهراً حضارياً من ناحية ، ومفيداً من ناحية أخرى ، لأن تعدد الآراء يقود بالضرورة إلى اختيار الرأي الأمثل وسلوك الدرب الأفضل .

 

والمتابع لوضعنا المتردي على الساحة الفلسطينية يجد ـ والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ـ هذه الساحة مليئة بالاختلافات والتناقضات التي بدأت ـ أول الأمر ـ بخلافات مشروعة في وجهات النظر ، لم نحسن التعامل معها ، فقادت إلى تحالفات إقليمية وأخرى خارج الإقليم ، وللحليف اشتراطاته ، وللحلف أحكامه ، ثم ما لبثت أن دخلت مصالح فئوية ، وأخرى شخصية لدى هذا الطرف أو ذاك ، من أطراف الخلاف ، فخرجت الأطراف عن المفهوم المحمود للاختلاف ، لتقودنا إلى التلامز والتنابز فالتدابر والتناحر .

 

وعلى صعيد الثقافة والإعلام ، لم يقف الكثير من الإعلاميين والكتاب والفنانين بعيداً عن مواطن الخلاف ومعارك الصراع ، بل كان الكثير منهم جزءاً منها ، ومحرّضاً عليها ، سواء أكان ذلك بقصد ، أو بدون قصد ، ولا يعني ذلك أنني أدعو إلى هضم هؤلاء حقهم في التعبير عن مواقفهم ، فهم جزء من الشعب ، بل هم مفكّروه ومثقفوه ، ومن حقهم ، بل من واجبهم أن يكون لهم رأيهم فيما يجري من أحداث ، ولكن هنالك فرق شاسع بين إبداء الرأي وطرح الفكرة واستثارة البصيرة ، وبين ما انزلق إليه بعض هؤلاء من صب الزيت على نار الخلاف المتضرّمة أصلاً بالانخراط في السّب والشّتم والتعريض والتحريض ، كحال الكثير من السياسيين ، فإذا سمح السياسيون لأنفسهم أن يدخلوا هذه المداخل ، لهذا السبب أو ذاك ، فظني أنه لا ينبغي للمثقفين فعل ذلك ، ليس فقط لأنهم مفكرون ، وهذا يتنافى مع التفكير السليم ، بل لأنهم من المفترض أن يكونوا صمامَ الأمان الذي يمنع السياسيين من الدخول في المحظور ، وحاجرَ الطريق الذي يحذّرهم من الخروج عن المسار المحدد ، وفي هذه الحال ، يكون موقعهم بالنسبة للسياسيين في موقع القائد ، وليس المَقود !

 

إن المطلوب من المثقفين ، على اختلاف تسمياتهم واهتماماتهم أن يرفعوا راية الثقافة الوطنية بأبهى صورها ، فيوظّفوها في إصلاح ما فسد من الودّ ، حتى يكونوا عناصر تجميع وليس تفريق ، ودعاة وحدة وليس طلاب فرقة ، وأن ينفخوا مزامير الفرح ، لا أن يقرعوا طبول الحرب ، فهذا هو دورهم ، وتلك هي رسالتهم .

 

لقد راقت لي ، وللكثيرين غيري ، مبادرة طرحت مؤخراً من قبل إعلاميين حريصين على استقامة الطريق ، وسلامة الغاية ، ألا وهي مبادرة ( فلسطين تجمعنا ) التي ما أن انطلقت حتى رفدها عدد لا بأس به من الكتاب والشعراء والإعلاميين والمثقفين بشكل يدعو إلى الاحترام ، ويثير الإعجاب . فإنهم ـ وعلى الرغم من أن لكل منهم وجهة نظره فيما يجري ـ قد عبروا عن آرائهم بكل حصافة ورزانة وانتماء ، فأرسلوا نداءاتهم ، التي تفيض حرصاً وانتماء ، إلى أبناء شعبهم حتى ينبذوا الفرقة ويتجنبوا الشقاق ، فكانوا دعاة مخلصين ، لينجذب الجميع باتجاه محور واحد موحّد ، هو فلسطين ، ولا شيء غيرها !