الثلاثاء  30 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

دراسة توضح المسار الأمريكي الخاطئ لمواجهة إيران

2020-01-22 09:13:40 AM
دراسة توضح المسار الأمريكي الخاطئ لمواجهة إيران
روحاني- ترامب

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مقالاً للخبير في شؤون الشرق الأوسط ولي نصر، قال فيه إن الشرق الأوسط العربي ضعيف للغاية ومنقسم لدعم استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاحتواء طموحات الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

أضاف الخبير نصر، أنه في التصعيد السريع للتوترات والهجمات بين الولايات المتحدة وإيران هذا الشهر، كل جانب اللوم على الآخر. فيما حدد وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو هدف أميركا بأنه "مواجهة واحتواء" الجمهورية الإسلامية. وقال: حكام إيران لن يكونوا راضين حتى تغادر أميركا الشرق الأوسط.

ويعتقد الخبير، أن مواجهة واحتواء إيرن قد تبدو حكيمة، ولكن ما لم ينجح في الماضي لن ينجح هذه المرة؛ فالرئيس ترامب يواجه نموذجا مختلفا كثيرا في الشرق الأوسط، عما كان عليه وقت أسلافه.

يوضح الخبير، أنه "لعقود من الزمن، نجحت سياسة الاحتواء في إبقاء إيران الثورية في مأزق لأن الولايات المتحدة كانت تعتمد على سلسلة من الدكتاتوريات العربية القوية. ولكن بعد ذلك غزت الولايات المتحدة العراق وأخرجت صدام حسين من السلطة، الذي اعتمد عليه العالم العربي لكبح جماح إيران. واليوم، لم تقم أميركا بعد ببناء تحالف مستقر مع العراق الجديد، ولا تزال مصر تلعق جراحها من الآثار المريرة للربيع العربي عام 2011، وأصبحت سوريا، العملاق العربي الثالث، دولة بالاسم فقط".

 يتابع الكاتب: لذا اختار السيد ترامب أن يتطلع إلى السعودية والإمارات والخليج الفارسي، التي عانت أقل من الربيع العربي، للحفاظ على النظام القديم. ولكن تلك الممالك تحتاج إلى علاقة مع الدول العربية الكبرى، التي تعاني حتى الآن من الفوضى. من دونها تفتقر الممالك إلى القوة العسكرية لمساعدة أمريكا على مواصلة صراعها المستمر منذ عقود مع إيران، ناهيك عن النجاح بصد نفوذ طهران الإقليمي واحتوائه. فعلى سبيل المثال، تحولت المحاولة التي تقودها السعودية للتغلب على النفوذ الإيراني المتنامي في اليمن إلى مستنقع مكّن إيران من الحصول على موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن ممالك/دول الخليج الفارسي التي تراها أميركا بوصفها الخط الأمامي لاحتوائها ليست موحدة ضد إيران. فالسعودية والإمارات تخوضان معارك مع قطر، التي فتحت شرخاً بين الممالك الخليجية، وقسمت السنة في المنطقة وقوضت أمل أمريكا في أن يتحدوا ضد إيران الشيعية. إن مجلس التعاون الخليجي، الذي ساعدت أميركا على إنشائه كحصن إقليمي ضد إيران، موجود الآن بالاسم فقط. ولا يزال المجلس متمسكاً بالحصار الذي تفرضه السعودية على قطر، جاعلاً عُمان والكويت تريان السعودية، وليس إيران، التهديد الأكثر إلحاحاً لهما. بالنسبة لقطر وعُمان والكويت، تعد إيران ثقل موازن ضروري لحمايتها من العبء الثقيل السعودي.

يضيف الخبير أنه يمكن للممالك -السعودية وقطر وسلطنة عُمان والكويت والإمارات- أن تقدم لأمريكا قواعد عسكرية، ولكن بالنظر إلى الهجمات الأخيرة التي نسقت عبر طائرات بدون طيار وصواريخ كروز لمهاجمة المنشآت النفطية السعودية بشكل واضح، فإن الممالك وحدها لا تضاهي إيران.

يوضح الكاتب بأن هذه الممالك التي تشعر بالقلق من تكلفة الحرب على اقتصاداتها، قد باشرت في التحوط على رهاناتها. فدولة الإمارات فتحت قنوات اتصال مع إيران من أجل تخفيف التوترات. ووفقاً لرئيس وزراء العراق، عادل عبد المهدي، فإن اللواء قاسم سليماني، قائد "قوة القدس" في الحرس الثوري الإيراني، عندما قتل في العراق بواسطة طائرة أميركية بدون طيار، كان يحمل رد إيران على رسالة من السعودية أرسلت إليها بواسطة عبد المهدي. كما أن الممالك العربية ستدعم الضغط الأميركي على إيران، لكنها ستتطلع أيضاً إلى تصعيد التوترات الخاصة بها مع طهران.

يشير الخبير نصر إلى أن إيران ليست التحدي نفسه الذي واجهه الاستراتيجيون الأمريكيون خلال ذروة الاحتواء، "صحيح أن الأيديولوجية الثورية الإيرانية أصبحت الآن جوفاء في الداخل، حيث سئم الإيرانيون من القمع والصعوبات الاقتصادية والعزلة الدولية. لهذا السبب تبنوا الاتفاق النووي لعام 2015 كبداية لنهاية النظام القديم. وفي الآونة الأخيرة، خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالتغيير. وربما يكون ذلك قد أقنع واشنطن بأن الجمهورية الإسلامية تتأرجح، وأن المزيد من الضغوط يمكن أن تسقطها".

يرى الخبير أن الدولة الإيرانية ليست ضعيفة كما تشير تقديرات واشنطن، ومقتل الجنرال سليماني عزز فقط حكام إيران. "لقد رأوا الحشود الهائلة التي تجمعوا حداداً على الجنرال باعتباره تفويضاً، مما منحهم الثقة في قدرتهم على مواجهة الولايات المتحدة".

يعتقد الخبير أن الرئيس ترامب لم يدرك بعد أن موقف إيران في المنطقة أقوى اليوم مما كان عليه عندما بدأت الولايات المتحدة في احتواء تهديدها. كما لإيران علاقات ثقافية عميقة مع المسلمين الشيعة في المنطقة، الذين يتطلعون إلى طهران للحصول على الدعم عندما يصلون إلى السلطة في النظام الإقليمي الجديد. لقد اعتمدت إيران منذ فترة طويلة على شبكة من الفواعل غير الدول والعملاء في جميع أنحاء المنطقة لدرء الضغوط الأمريكية.

يوضح الخبير أنه مع تفكك الشرق الأوسط العربي، تحولت الميزة العسكرية إلى الجماعات المسلحة التي يمكنها شن حروب أهلية وحركات تمرد بعيداً عن القوات التقليدية المدربة على كسب المعارك بين الجيوش القائمة. وقد أفاد ذلك إيران من خلال السماح لها بإجراء استثمارات استراتيجية في الجماعات المسلحة وإجراء حروب بالوكالة في العراق وسوريا واليمن.

وفي تطور آخر، بدد الرئيس ترامب في 2018 انتصار أميركا في احتواء الطموحات النووية الإيرانية عندما سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي وقع مع إيران في 2015. الآن، تعود إيران إلى برنامجها النووي، كما أنها تستثمر بكثافة في الصواريخ والطائرات والقدرات الإلكترونية. وفي الآونة الأخيرة، كان من الواضح أن إسقاط إيران لطائرة أميركية بدون طيار والهجمات على منشآت النفط في المملكة العربية السعودية كان بمثابة إشارة إلى أميركا بأن إيران لا تزال لديها أسهم في جعبتها.

يؤكد الخبير بأن الاحتجاجات الأخيرة المناهضة لإيران في العراق ولبنان كشفت عن تصدعات في استراتيجية إيران الإقليمية. ولكن اغتيال الجنرال سليماني ساعد إيران على استعادة مكانتها بالعراق، وصرف الانتباه عن سعي إيران للحصول على مزيد من القوة الإقليمية، وركز حماس الرأي العام على السلوك الأميركي.

يبين الخبير، أنه بالنسبة لإيران، التي تخشى تهديداً وجودياً من الولايات المتحدة، قد يكون القتال بلا نهاية صحيحاً، على الأرجح في شكل تحريض على التمرد في جميع أنحاء المنطقة، وليس على شكل حرب عامة. إن قرار أمريكا باغتيال الجنرال سليماني في العراق قد أعطى إيران بالفعل فرصة، كما يتبين من غضب البرلمان العراقي من أن أميركا قد اختارت تسجيل انتصار على إيران على الأراضي العراقية.

يضيف الخبير، إذا نظرنا إلى الأمام، إليك ما يمكن أن نتوقعه من إيران: ترى الآن أمريكا تهديدًا أكبر من أي درجة من الفوضى الإقليمية. بالنسبة لإيران، حتى شبح "الدولة الإسلامية" وطالبان الذين يسيطرون على أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط وجنوب آسيا لا يبدون سيئين للغاية بالمقارنة مع تهديد واشنطن. لذلك إذا بقيت أمريكا في المنطقة، فسيتعين عليها مواجهة عدم الاستقرار والحروب بالوكالة والإرهاب واللاجئين والأزمات السياسية في مناطق شاسعة من أفغانستان إلى بلاد الشام.

يعتقد الخبير أنه من أجل مواجهة إيران واحتوائها الآن، سيتعين على الولايات المتحدة إعادة القوة والاستقرار إلى العالم العربي. لقد أدرك الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أنه من الحكمة تخفيف التوترات مع إيران أكثر من محاولة محاربتها في عالم عربي محطم. إذا تصاعد النزاع عن السيطرة، فقد يعني ذلك حربًا أخرى لا نهاية لها، هذه المرة مع بلد يقطنه 80 مليون نسمة، غاضب وموحد.

يختتم الخبير نصر مقالته بالقول: "قد يرى الرئيس ترامب وحلفاؤه لعبة حافة الهاوية كانتصار، لكنها ستثبت أنها لعبة مكلفة جداً. لأي استراتيجية ستستمر، يجب على السيد ترامب أن ينظر إلى ما وراء (المواجهة والاحتواء)، خشية أن يغرق أميركا في مستنقع جديد في الشرق الأوسط".