الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

جاك أتالي : كي تحيا الحياة/ ترجمة: سعيد بوخليط

2020-06-19 11:13:53 AM
جاك أتالي : كي تحيا الحياة/ ترجمة: سعيد بوخليط
سعيد بوخليط

 

لقد بالغنا في البحث عن المقارنة بين الأزمة الاقتصادية الحالية ثم سابقاتها،ولم نفعل نفس التقييم بخصوص الأوبئة السابقة.والحال، ببحثنا ضمن هذا السياق،سرعان ما نكتشف بأن شيئا ما يجدر به  تسليط مزيد من الضوء على السبيل الذي ينبغي لنا  المضي  بحسبه كي  ننتصر، خلال مواجهتنا مع الأولى أو الثانية.

مع الأوبئة السالفة، منذ آلاف السنوات، لم تكن الحياة الإنسانية(لاأتحدث هنا عن الجماعات القوية) تعني دلالة ما بالنسبة للكثيرين؛ بحيث بدت قصيرة،دون قيمة فعلية،اقتصاديا وإيديولوجيا.ونظرا لانعدام أيّ وسيلة علاجية تسمح لنا بإمكانية حماية أنفسنا ضد الخطر، فقد استسلمنا له؛ محاولين التعايش مع الوضع.أيضا، مَثَّل بالنسبة لأغلب الحضارات، مفهوم مابعد الحياة، الحقيقة الوحيدة التي استحقت الاهتمام، كما تصورته مختلف الاعتقادات الدينية.

عندما امتلكنا قليلا وسائل الوقاية، كاللقاحات، واصلنا العيش كالسابق، تبعا لتقلبات  ظروف مختلف الأوضاع، بالتالي لايتوقف مسارنا سوى جراء تلك الأضرار الناجمة عن الأوبئة.ولما أمكننا الأمر، شرعنا نعالج، مع إكراهات الوسائل المادية.

بيد أننا اليوم،نجدنا أمام وضعية مغايرة تماما : صارت الحياة تحظى بقيمة لانهائية، لاسيما داخل البلدان الأكثر ثراء. ليس فقط لأننا نعيش طويلا ولأمد ليس بالقصير،ثم ليس فقط لأن القدرة الإنتاجية لكل شخص صارت أكثر أهمية من ذي قبل؛بل أساسا،لم يعد مقبولا إيديولوجيا،وأخلاقيا،تثمين قيمة حياة شخص معين تبعا لمعايير اقتصادية فقط.ولا كذلك، الاكتفاء بتعهدات لمابعد الموت.إن توقفت،في هذه البلدان،علاجات معينة،فليس لأنها تكلف غاليا جدا،بل لأن تسوية مسألة التشخيص أخذت وجهة لارجعة معها.إنها بلدان نادرة جدا،وربما تبقى مجرد نماذج طوباوية.

أما بخصوص أغلب البلدان الأخرى،حتى أكثرها ثراء، فلازالت العلاجات خاضعة للتقسيط،ضمنيا أو علانية.أيضا توجد دول أخرى،ليست بالضرورة تلك،ترفض إعطاء أولوية لصحة الأفراد قبل النشاط الاقتصادي.كما الشأن بوضوح في البرازيل.وبشكل أقل وضوحا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية،حيث هوس رئيس بأسعار البورصة ويقف معارضا لقِسم من الجهاز الفيدرالي وحكَّام الولايات؛السجال بهذا الخصوص صريح جدا،وقد شاهدنا أجدادا قالوا بأنهم على استعداد للموت، متأهبين بصدور عارية،كي يتمكن أولادهم وأحفادهم من العودة إلى العمل،في ظل انعدام أيّ تعويض عن فقدان الشغل. بمعنى ثان،تعارضت داخل هذه البلدان،دواعي الصحة والاقتصاد.مما يقودنا نحو سؤال يثير الدّوار، لايطرح صراحة سوى نادرا :ماهي المجازفات التي يمكننا الإقدام عليها،فرديا وجماعيا،حاضر ومستقبلا،كي يشتغل مجتمعنا على مقتضيات اليومي؟الجواب واضح :ينبغي لنا أن نبدي استعدادا أوليا لمغامرة من هذا القبيل ولاخيار أخر أمامنا. لأنه،بقدر مايوفر مجتمع بشكل أفضل الحماية ويكافئ الذين يشكل تعرضهم للمخاطر مسألة حيوية بالنسبة لاستمرار الآخرين،ثم يعمل في ذات الوقت على توفير  حماية لهؤلاء الآخرين ضد سلبيات نتائج البطالة،فإنه يحفز أكثر المترددين كي يجازفوا بحيواتهم  صوب إمكانية الاشتغال بدورهم ضمن سياقات ليست بالضرورة دائما آمنة.

لكي تدور عجلات مجتمع كهذا،يلزمه بديهيا أولا التمكن من تهيئ رعاية جيدة، قدر  استطاعته،لأصحاب المهن الحيوية التي تقتضي فاعلية مباشرة على أرض الواقع ويصعب إخضاعها لأسلوب الممارسة عن بعد.وأن يخلق باستمرار ثروات ووظائف تتعلق بتلك  القطاعات التي تضمن الحماية،والوقاية،من أجل الحاضر والمستقبل،مجالات مهنية،سواء اشتغلت،عن قرب أو بعد،فإنها تضع نصب أعينها مهمة الدفاع عن الحياة :الصحة، التغذية، البيئة، قواعد النظافة، التعليم، البحث، الابتكار، الأمن، التجارة، الإعلام، الثقافة، وحقول أخرى.

لكننا ندرك بأن القطاعات التي عرضناها،الماسكة بزمام شروط مسار حيوي لمجتمعاتنا،تعيش راهنا أوج اضطرابها،بحيث شكلت أساسا مجرد خدمات،غاية فترة حديثة جدا،من ثمة لاتنطوي على ممكنات النمو،المتأتية فقط من ارتفاع الإنتاجية حينما تتحول الخدمة إلى صناعة.

الجديد،بل الخبر السار،أنها قد أصبحت منذ فترة وجيزة،صناعات أيضا ،قادرة على الرفع من إنتاجها وبالتالي تطوير مستمر لقدرتها على إنجاز مهمتها.إذن بتركيز مختلف الجهود على عمال وكذا صناعات الحياة،سنتمكن من إنقاذ الأوطان،والحضارات والاقتصاد.

في انتظار أن تؤتي استراتجيه من هذا النوع ثمارها، ربما أمكننا الالتماس من الذين حظوا بامتياز ممارسة أعمالهم انطلاقا من فضاء منازلهم جراء ظروف العزل الصحي، تكريس قليل من وقت الترفيه لديهم (عموما إن توفر) كي يعيدوا التفكير ثانية في علاقتهم بحياتهم الخاصة وكذا حياة الآخرين، والتساؤل أساسا عن إمكانياتهم الايجابية،هل تتمثل في إطار نطاق عملهم أم خارجه، انطلاقا من فضاءاتهم المتوارية إزاء المجازفين فعليا بمصيرهم.

حينما يتأهبون بهذا الخصوص، بتواضع على طريقتهم، سيشكل هذا التحول الجوهري، شرطا لاستمرار حياة النوع البشري.