الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تنظيم "داعش" ينقل مركز ثقله إلى قلب القارة الأفريقية

2020-12-06 09:25:11 AM
تنظيم
تنظيم "داعش"

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت شبكة "BBC" الإخبارية تقريراً لمراسلها المختص بتغطية الشؤون الأمنية فرانك غاردنر، حول نقل مركز ثقل تنظيم "داعش".

ترجمته الحدث وجاء فيه: 

مؤخراً، تم نقل 300 جندي بريطاني إلى جمهورية مالي المضطربة الواقعة في غرب القارة الأفريقية في وقت يبدو أن تنظيم "داعش" قد نقل مركز نشاطه من الشرق الأوسط إلى قلب القارة الأفريقية.

وتم نشر هؤلاء الجنود في إطار عملية عسكرية تسمى "نيوكومب" وتستمر لمدة 3 سنوات وينضمون إلى قوة متعددة الجنسيات تابعة للأمم المتحدة مكونة من 15 ألف جندي بقيادة فرنسية لضمان الاستقرار في منطقة جنوب الصحراء الكبرى التي تعرف أيضاً بمنطقة الساحل.

مالي ليست سوى واحدة من الدول التي تواجه حالياً تصاعداً مضطرداً في عمليات ونشاط الجهاديين ويتسع نطاق أعمال العنف بشكل متزايد.

وحسب نشرة "مؤشر الارهاب العالمي" التي نشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي نقل تنظيم داعش "مركز ثقله" من منطقة الشرق الأوسط إلى القارة الأفريقية وإلى جنوب القارة الأسيوية بدرجة أقل، حيث شهدت منطقة الساحل هذا العام زيادة في أعمال القتل بنسبة 67% مقارنة بالعام الفائت.

وجاء في النشرة "إن نمو الجماعات المرتبطة بتنظيم داعش في منطقة الساحل أدى إلى تصاعد وتيرة الأعمال الإرهابية في العديد من بلدان المنطقة" وتقع سبع دول من الدول العشر التي شهدت تصاعداً في الأعمال الإرهابية في جنوب الصحراء الكبرى وهي بوركينا فاسو وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والنيجر والكاميرون وإثيوبيا.

ولفتت النشرة إلى أنه في عام 2019 شهدت دول جنوب الصحراء الكبرى أكبر زيادة في عمليات القتل التي تنسب للجماعات المرتبطة بتنظيم داعش والتي بلغ مجموعها 982 حالة قتل وهو ما يمثل 41% من إجمالي أعمال القتل.

تجربة مديدة

تنشط الجماعات المتطرفة في القارة الافريقية منذ أمد طويل فقد أقام زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن مقر قيادته في السودان قبل أن يعود إلى أفغانستان عام 1996.

وفي نيجيريا سبق أن أعلنت جماعة بوكو حرام عن انطلاق عملها "الجهادي" عام 2010 وقبل وقت طويل من قيامها عام 2014 بخطف مئات الطالبات من بلدة تشبوك.

وتواجه المنطقة حالياً تصاعداً في العمليات الارهابية بفعل المنافسة بين الجماعات الجهادية. ويؤكد منسق محاربة الارهاب في وزارة الخارجية الأمريكية السفير ناتان سلز أن القاعدة وتنظيم داعش نقلا مركز ثقلهما من منطقة عملهما التقليدية في سوريا والعراق إلى الجماعات المرتبطة بهما في غرب وشرق القارة الأفريقية وإلى أفغانستان.

ويرجح سلز أن تكون ساحة المعركة الأساسية القادمة ضد الجماعات الارهابية هي القارة الأفريقية. لكن المعركة لن تكون فقط بين حكومات المنطقة من طرف والجماعات الجهادية من طرف آخر بل سنشهد صراعاً دامياً بين القاعدة وداعش بسبب المنافسة بينهما.

وهذه المنافسة تحتدم أكثر فأكثر حسب رأي الخبير في شؤون الجماعات الجهادية أوليفيه غييتا من مؤسسة غلوبال سترات للمخاطر الأمنية الاستشارية، "أفريقيا ستكون ساحة الجهاد العالمية خلال السنوات العشرين المقبلة بدلاً من الشرق الأوسط" حسب رأي غييتا.

وبالرغم من أن الجماعتين تشتركان في كراهية حكام المنطقة المدعومين من الغرب وتتهمانهم بالكفـر، لكن هناك فروقات جوهرية في مقاربة وأفكار كلتا الجماعتين. فداعش معروف عنها أنها لا تتورع عن استخدام أشد أساليب العنف والفظاعة في عملياتها، مثل عمليات قطع الرؤوس ونشرها عبر شرائط مصورة.

ورغم أنها تنجح في استقطاب المنحرفين والمجرمين إلى صفوفها عبر هذه الاساليب لكن ذلك يثير حفيظة وكراهية الغالبية العظمى من المسلمين.

بينما القاعدة تلجأ إلى أساليب أكثر براغماتية مثل كسب ولاء أبناء المنطقة الذين لا يثقون بحكوماتهم وبقوات الأمن الحكومية، واستغلال المظالم الإقليمية والعرقية.

مالي ومنطقة الساحل:

يقول الكاتب بأن منطقة جنوب الصحراء الكبرى التي تعرف باسم منطقة الساحل أيضاً، تضم بعض أفقر دول العالم وهذه الدول هي مالي ونيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا وجميعها شهدت هجمات مسلحة وأعمال تمرد.

وتعاني أجزاء واسعة من هذه المنطقة من القحط بدرجات متفاوتة ومن الفقر والبطالة والفساد إضافة إلى وجود مناطق شاسعة خارج سيطرة الحكومات.

بيئة مثالية

ويرى السفير سلز أن منطقة غرب أفريقيا تمثل البيئة المثالية لنشاط الجماعات الجهادية بسبب "فشل الحكومات في السيطرة على أراضيها وارتكاب القوات الحكومية انتهاكات ضد السكان وسهولة عبور الحدود بين هذه الدول".

والجماعة الجهادية المهيمنة في المنطقة هي "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" الموالية للقاعدة وهي تتنافس مع جماعة "داعش في الصحراء الكبرى" الموالية للدولة الإسلامية وقد وقعت عدة معارك بين الجماعتين خلال العام الحالي لكنها لم تتحول إلى مواجهات واسعة.

وكانت نيجيريا الدولة التي عانت أكثر من غيرها من عنف الجماعات المتطرفة حيث تواجه القوات الحكومية مصاعب في السيطرة على المناطق الشمالية من البلاد وهي المناطق التي تنشط فيها جماعة بوكو حرام.

وحسب "مؤشر الإرهاب العالمي" فإن بوكو حرام مسؤولة عن سقوط 37500 قتيل وأكثر من 19 ألف حالة قتل بسبب أعمال ارهابية منذ عام 2011 في نيجيريا بشكل أساسي وفي الدول المجاورة.

في عام 2015 بايع فرع من بوكو حرام تنظيم داعش وأطلق الفرع على نفسه بعد ذلك اسم "ولاية غرب افريقيا للدولة الإسلامية" ونجح مسلحوه في عبور الحدود والسيطرة على قاعدة لقوات متعددة الجنسيات على ضفاف بحيرة تشاد عام 2018 ومنذ ذلك الحين تقوم داعش بالدعاية لهذا الفرع بشدة.

كما لا تزال جماعة بوكو حرام تقوم بعمليات مروعة في شمالي البلاد حيث تبنت أوائل هذا الشهر عملية قتل عشرات الفلاحين في ولاية بورنو بحجة تعاونهم مع قوات الأمن.

وتتردد القوى الغربية في تقديم الدعم العسكري والاستخباري الواسع للقوات الحكومية النيجيرية بسبب الفساد المستشري وسجل الجيش النيجيري السيء في مجال حقوق الإنسان حسب الدبلوماسيين الغربيين.

وهذا الوضع ساعد كثيراً جماعة بوكو حرام وغيرها من الجماعات الجهادية في كسب المزيد من المؤيدين والأنصار في شمالي البلاد.

شمال أفريقيا:

انطلقت القاعدة في شمال أفريقيا من الجزائر وبالتالي لا غرابة أن يكون الزعيم الجديد للقاعدة في "المغرب الإسلامي" جزائرياً، حيث حل أبو عبيدة العنابي البالغ من العمر 51 عاماً وصاحب اللحية البيضاء محل الزعيم السابق عبد المالك دروكدال الذي قتل في عملية للقوات الفرنسية في شهر يونيو/ حزيران الماضي في مالي.

وأظهر تعيين زعيم جديد للقاعدة في المغرب الخلاف بين القاعدة وداعش، فبينما رحب بذلك أنصار القاعدة أثار أنصار داعش الشكوك في تاريخه الجهادي.

وتواجه تونس مخاطر الأعمال الارهابية بسبب البطالة المتفشية بين الشباب ومجاورتها لليبيا. وشكل الشباب التونسي أكبر نسبة من المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بصفوف داعش في سوريا بين عامي 2013 و2018 حيث بلغ عددهم ما بين 15-18 ألف مقاتل.

وتعيش ليبيا منذ الاطاحة بحكم القذافي عام 2011 حالة من الفوضى والفراغ الأمني وانعدام القانون وهذا الوضع لم يؤدِ إلى وقوع آلاف الأطنان من المتفجرات والذخائر والاسلحة التي كانت في مخازن الجيش الليبي في يد المدنيين ووصولها إلى دول الساحل بل سمح أيضاً لتنظيم داعش في إنشاء قاعدة له في شرقي البلاد.

الصومال:

تعتبر حركة الشباب الصومالية أقدم وأقوى الجماعات الجهادية في القارة الأفريقية برمتها حسب رأي سلز الذي أضاف أن الحركة ترى نفسها أفضل الجماعات الموالية للقاعدة.

وفشلت جميع الحملات العسكرية التي قامت بها القوى متعددة الجنسيات في القضاء على الحركة التي تمكنت من تنفيذ عمليات جريئة في كينيا وأوغندا وتفجيرات دامية في العاصمة مقديشو. ونجحت الهجمات الجوية الأمريكية بواسطة طائرات دون طيار تنطلق من دولة جيبوتي المجاورة في قتل العديد من قادة الجماعة لكن الجماعة استطاعت في كل مرة تعويض ذلك والوقوف على أرجلها.

كما تمكنت الحركة من منع داعش في إيجاد موطئ قدم لها في الصومال حيث ينحصر وجودها في رقعة ضيقة من شمال شرق القرن الأفريقي.

موزمبيق:

يمثل الجيب الذي أقامه تنظيم داعش في مقاطعة كابو دلغادو والذي يحمل اسم " إمارة وسط أفريقيا في داعش" تجسيداً فعلياً لمثال التمرد الشامل على الدولة واقامة جيب منفصل عبر وسيلة الانترنت حصراً.

ويعتقد مسؤولو مكافحة الإرهاب أن المسلحين الذين ينشطون في المنطقة الغنية بالغاز من موزمبيق قد انخرطوا في صفوف هذا التنظيم بفضل الدعاية عبر الانترنت وبمساعدة متطرفين في تنزانيا المجاورة ودون أن توفد داعش عناصر من سوريا أو العراق للقيام بهذه المهمة.

وراجت مؤخراً تقارير متضاربة عن بعض أعمال العنف المروعة التي وقعت في إقليم كابو دلغادو وأخرها المجزرة التي راح ضحيتها 50 قروياً جرى إعدامهم في ملعب لكرة القدم.

ويبدو أن المسلحين الاسلاميين الموالية للدولة الاسلامية في موزمبيق قد باتت لهم اليد العليا في مواجهة القوات الحكومية و "يتحركون بحرية في البلاد دون أن يواجهوا مقاومة" حسب رأي اوليفييه غييتا.

الفدية مقابل الرهائن:

يرى الكاتب بأن هذا موضوع في غاية التعقيد والحساسية. ففي عام 2013 وقع زعماء مجموعة السبعة في قمتهم تعهداً التزموا بموجبه بعدم دفع الفدية للجماعات المصنفة في خانة المنظمات الإرهابية.

وبعد سبع سنوات من التوقيع على ذلك التعهد تم إطلاق سراح الرهائن الأوروبيين المختطفين لدى الجماعات الارهابية مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة لا أحد يعلم مقدارها بينما جرى إعدام المواطنين الأمريكيين والبريطانيين بسبب رفض الحكومتين التفاوض مع الخاطفين.

فقد جرى مؤخراً إطلاق سراح عدد من الرهائن الفرنسيين المحتجزين من قبل الجماعات الارهابية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى مقابل إطلاق سراح عدد كبير من الجهاديين الخطرين الذين كانوا يقبعون في سجون مالي.

ويقدر الخبراء إجمالي المبلغ الذي تم دفعه للجهاديين خلال السنوات الماضية مقابل إطلاق سراح الرهائن الغربيين بنحو 120 مليون دولار.

ويستخدم المتطرفون هذه الأموال في شراء المزيد من الاسلحة والمتفجرات والسيارات وأجهزة الرؤية الليلية وأجهزة الاتصال وتجنيد المزيد من الأفراد ورشوة المسؤولين.

لا حلول سهلة:

يتساءل الكاتب: هل ستصبح فعلاً القارة الافريقية الساحة الرئيسة لنشاط وعمل الجماعات الجهادية بدلاً من الشرق الأوسط كما يتوقع البعض؟

هذا يتوقف على العديد من العوامل، والأساسي هو نوعية الحكم في هذه المنطقة. إن الحل النهائي لعنف الجماعات الجهادية وما تمثله من تحديات لا يقتصر على تعزيز الأمن وفرض الرقابة على الحدود، بل يتوقف أولا وأخيراً على توفير فرص عمل للناس وتحقيق الاستقرار السياسي مما يجعل حياة العنف أقل جاذبية للمواطنين.