الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مجلة أمريكية: لا يوجد سوى مخرج واحد للخروج من أفغانستان

2020-12-10 09:01:46 AM
مجلة أمريكية: لا يوجد سوى مخرج واحد للخروج من أفغانستان
القوات الأمريكية

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية مقالاً للأكاديمي الأمريكي بارنيت روبين، والذي شغل منصب المستشار الأول لممثل وزارة الخارجية الأمريكية الخاص لأفغانستان وباكستان، وأشار فيه إلى أنه لا يوجد سوى مخرج واحد للخروج من أفغانستان، وسيتطلب ذلك التعاون مع القوى الإقليمية هناك.

يقول الكاتب في افتتاحية مقاله أنه لأكثر من عقد من الزمان، ركز كل نقاش حول السياسة الأمريكية في أفغانستان بشكل ضيق على عدد القوات التي يجب إرسالها أو سحبها. ويعترف صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة بحرية بأنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري لمشاكل أفغانستان. ومع ذلك، يواصلون مناقشة نفس الخيار الزائف بين فك الارتباط والتزام القوات بمكافحة الإرهاب.

ينوه الكاتب أن لدى الإدارة القادمة للرئيس المنتخب جو بايدن فرصة لتجاوز هذا النهج المحدود. حيث تتجاوز المصالح الأمريكية في أفغانستان قضية مكافحة الإرهاب. فالصين والهند وإيران وباكستان وروسيا - وهي أربع قوى نووية، ومن ضمن هذه القوى اقتصادان عملاقان في آسيا، وخصم ماكر للولايات المتحدة – كما أن لهذه القوى مصلحة في مستقبل أفغانستان. مضيفاً أن الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع هذه الدول في سياق عملية السلام الأفغانية لها آثار عميقة على علاقاتها مع كل هذه القوى وعلى مكانتها في آسيا.

يوضح الكاتب أنه ينبغي على إدارة بايدن أن تواصل سحب قواتها وفقاً للاتفاق الذي وقعته إدارة الرئيس دونالد ترامب مع حركة طالبان في شباط/فبراير 2020، على الرغم من أنها قد تسعى إلى تعديل الجدول الزمني، نظراً لتأخير تنفيذ أجزاء من الاتفاقية. ولكن ينبغي أن يتم الانسحاب كجزء من استراتيجية إقليمية منسقة تسعى إلى الاستفادة من مجالات التوافق بين الولايات المتحدة والقوى الإقليمية.

يتابع الكاتب: وعلى الرغم من أن علاقاتها مع الصين وروسيا في حالة تراجع، إلا أن الولايات المتحدة تشترك في اهتمام البلدين بتحقيق الاستقرار في أفغانستان. كما أن التسوية السياسية التي تحظى بدعم جيران أفغانستان لن تقلل فقط من الحاجة إلى القوات الأمريكية؛ بل إن ذلك لن يؤدي إلى التسوية السياسية التي لا يمكن أن تكون لها سوى الحد من الحاجة إلى القوات الأميركية. ويمكن أن تكون بمثابة أساس لسياسات أسيوية أكثر طموحاً وفعالية.

التفكير الإقليمي:

يرى الكاتب بأن مشاكل أفغانستان ذات طابع إقليمي. ومع ذلك، ليس لدى الولايات المتحدة إطار لإدارة التوترات الإقليمية التي غذت الصراع. حتى أن استراتيجية إدارة ترامب لأفغانستان وجنوب آسيا لم تذكر الصين أو إيران أو روسيا (على الرغم من أن الدول الثلاثة مشار إليهم في استراتيجية الأمن القومي في كانون الأول/ديسمبر 2017، التي تركز على "منافسة القوى العظمى" و"الديكتاتوريات"، التي عقدت العزم على زعزعة استقرار المناطق"). ومع ذلك، عندما قررت إدارة ترامب في عام 2018 التركيز على انسحاب القوات عن طريق التفاوض، وجدت أن هذه الدول كانت منخرطة بالفعل في مفاوضات السلام من خلال ما يسمى بعملية موسكو. ونتيجة لذلك، كانت بحاجة إلى التعاون مع هذه القوى جميعًا لتأمين انسحاب الولايات المتحدة.

يضيف الكاتب بأن الممثل الخاص للرئيس ترامب في أفغانستان، زلماي خليل زاد، قد أحرز بعض التقدم نحو مواءمة جهود السلام مع روسيا والصين. وقد أذن له بالمشاركة عن الولايات المتحدة في اجتماع في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 حول عملية موسكو، والتقى بانتظام بمسؤولين روس المسؤولين عن سياسة أفغانستان، وتشاور مع المسؤولين الروس والصينيين والباكستانيين حول عملية السلام الأفغانية. وأدت تلك المشاورات إلى إصدار عدة بيانات مشتركة دعماً للمفاوضات الأمريكية مع حركة طالبان التي أدت في نهاية المطاف إلى اتفاق سلام في شباط/فبراير 2020 وإلى محادثات سلام لاحقة بين الأفغان.

ومع ذلك، وعلى الرغم من مشاركة بكين في المشاورات، استمرت إدارة ترامب في معارضة حتى التعبيرات الروتينية عن دعم التعاون الأفغاني الصيني. ففي آذار/مارس 2020، على سبيل المثال، هددت الولايات المتحدة باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتجديد تفويض بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان لأنها أشارت إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية (كما فعل في الواقع مع كل قرار لتجديد البعثة منذ عام 2016). وقد تم تمرير القرار في النهاية بتأييد غامض " للتعاون الإقليمي من أجل التنمية الاقليمية".

يتابع الكاتب: وكبادرة جزئية تجاه الهند، بذلت إدارة ترامب أيضاً بعض الجهود لضم إيران إلى المشاركة في جهوده السلام في أفغانستان. وفي عام 2018، سمحت باستثناءات من العقوبات الأمريكية على إيران للاستثمارات في شابهار، وهو مشروع ميناء إيراني تموله الهند واليابان جزئياً، ومن شأنه أن يمنح الهند إمكانية الوصول إلى أفغانستان وآسيا الوسطى. لكن حملة "الضغط الأقصى" التي تشنها الولايات المتحدة ضد إيران استمرت في تخويف الاستثمار في الميناء، مما حد من التأثير الدبلوماسي للاستثناءات. ولم يكن مفاجئاً أن إيران رفضت المشاركة في مشاورات السلام الأفغانية التي تقودها الولايات المتحدة مع الصين وروسيا وباكستان.

يؤكد الكاتب بأن الدعم الإقليمي سيكون ضرورياً لتنفيذ اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان لعام 2020. وبموجب تلك الصفقة، من المقرر أن تسحب الولايات المتحدة جميع القوات المتبقية بحلول 1 مايو/أيار 2021، مقابل التزام طالبان بمنع أفغانستان من أن تصبح ملاذاً للإرهاب. لكن الجدول الزمني مرتبط بأهداف أخرى - من أجل وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وطالبان، وإطلاق سراح السجناء، ورفع العقوبات، وبدء المفاوضات بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية في كابول بشأن خارطة طريق سياسية للبلاد ووقف شامل لإطلاق النار. وقد استمرت التأخيرات الطويلة (وإن كانت متوقعة) في إطلاق سراح السجناء وبدء المفاوضات المباشرة بين الحكومة الأفغانية وطالبان لعدة أشهر وسط تصاعد العنف. حيث لم تقطع طالبان بعد علاقاتها مع القاعدة ولم تبدأ الولايات المتحدة عملية رفع العقوبات الثنائية والعقوبات المفروضة على طالبان من قبل مجلس الأمن الدولي. حيث سيكون من المستحيل عملياً على المفاوضين الأفغان الاتفاق على خريطة طريق سياسية في المستقبل ووقف إطلاق النار خلال فترة الـ 14 أسبوعاً القصيرة بين تنصيب بايدن والموعد النهائي لانسحاب القوات.

وعندما ترث إدارة بايدن عملية السلام الأفغانية في 20 كانون الثاني/يناير، قد ترغب في التفاوض بشأن علاقات أكثر وضوحاً بين مكونات العملية، وتنسيق تنفيذ الاتفاق مع المبادرات الإقليمية الأخرى، مثل الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي الإيراني. ولكن القيام بذلك سيتطلب تواصلاً دبلوماسياً منسقاً مع جيران أفغانستان الأقوياء جميعاً، باستثناء الهند، التي تتمتع بعلاقات سياسية مع كل من الحكومة الأفغانية وحركة طالبان- وجميع هذه الأطراف قلقون من حقيقة استغلال الولايات المتحدة لموافقتهم على بعثة مكافحة الإرهاب لإنشاء قواعد عسكرية دائمة قد تستخدم ضدهم في يوم من الأيام. فهؤلاء الجيران يريدون خروج القوات الأمريكية من المنطقة، ولكن ليس بطريقة يحدث فيها الانسحاب مشكلة أسوأ خلفهم.

المصالح المشتركة:

يقول الكاتب: على إدارة بايدن أن توضح أن سحب القوات يجب أن يكون كجزء من تسوية سياسية شاملة - بما في ذلك وقف إطلاق النار والتزامات طالبان بمكافحة الإرهاب – وسيترافق ذلك مع تركيز جديد على الدبلوماسية والتعاون مع القوى الإقليمية. إن القارة الآسيوية، التي تكاد تكون غائبة عن استراتيجية إدارة ترامب في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لها مصلحة مشتركة في تحقيق الاستقرار في أفغانستان. حيث تعتبر المنطقة موطن لمشاريع البنية التحتية الضخمة التي تضم أفغانستان والصين والهند وإيران واليابان وروسيا ودول آسيا الوسطى والتي لا يمكن أن تنجح إلا إذا كان هناك سلام في أفغانستان.

ينوه الكاتب بأن مجال التعاون هنا يتجاوز الهياكل الأساسية والتجارة التي يمكن أن تيسرها. وحتى الصين، التي من المرجح أن تظل علاقاتها مع واشنطن مثيرة للجدل في مجالات أخرى مثل التجارة والتكنولوجيا، قادرة على إيجاد أرضية مشتركة كبيرة مع الولايات المتحدة في أفغانستان. خلال ولاية الرئيس باراك أوباما، أدى التدريب المشترك بين الولايات المتحدة والصين للدبلوماسيين الأفغان إلى رعاية جهود سلام مشتركة. ويتعين على الولايات المتحدة والصين إحياء وتوسيع برنامج التدريب هذا. كما يتعين على البلدين استكشاف التعاون الأمني. وعلى مدى سنوات، دأبت الصين على مناقشة إمكانية العمل مع الولايات المتحدة لدعم قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية. كما اقترح المسؤولون الصينيون بشكل غير رسمي تدريباً أمريكياً صينياً مشتركاً للضباط الجيش الأفغاني. ويمكن لإدارة بايدن أن تنظر في هذين الاحتمالين. وقد تنظر أيضاً في دعم حصول الجيش الأفغاني على طائرات هليكوبتر صينية من طراز Mi-17. ويمكن لهذه المروحيات أن تقوم بمهام مرافقة القوافل والإجلاء الطبي بتكلفة أرخص بكثير من طرازات ماكدونيل دوغلاس التي تقدمها الولايات المتحدة حالياً.

يلفت الكاتب بأن الولايات المتحدة قد تغري الصين بتكثيف تعاونها العسكري جزئياً بسبب اهتمامها بشمال شرق أفغانستان، المتاخمة لمنطقة شينجيانغ ذاتية الحكم لقومية الأويغور. وقد فرضت بكين نظاماً قاسياً للمراقبة والاحتجاز في هذه المنطقة لقمع ما تصفه بـ "الشرور الثلاثة" للانفصالية والتطرف والإرهاب. ويمتد قمعها إلى ما هو أبعد مما يمكن تبريره بالتهديدات الأمنية المشروعة، ولكن التهديدات الأمنية المشروعة موجودة رغم ذلك. ولمواجهة هذه "الشرور"، أنشأت أفغانستان والصين وباكستان وطاجيكستان آلية رباعية للتعاون والتنسيق تقوم بموجبها هذه الدول بدوريات مشتركة على حدودها المشتركة. كما ساعدت الصين الجيش الوطني الأفغاني في بناء لواء جبلي لمكافحة الإرهاب في منطقة بدخشان، على طول الحدود مع الصين. وفي حين ينبغي على الولايات المتحدة أن تستمر في إدانة القمع في شينجيانغ، فإن انشغال الصين بالتهديدات الأمنية في تلك المنطقة يمكن أن يوفر أساساً لتعاون أكبر بين الولايات المتحدة والصين لدعم قوات الأمن الأفغانية.

يتابع الكاتب: وقد تفتح سبل تعاونية إضافية إذا تحولت الولايات المتحدة من مجرد معارضة لمبادرة الحزام والطريق الصينية إلى الانخراط البناء معها ومنافستها. إن حملة بكين المميزة لبناء البنية التحتية لها جاذبية لا يمكن إنكارها: وقدّرت دراسة أجراها بنك التنمية الآسيوي لعام 2017 أن آسيا ستحتاج إلى 26 تريليون دولار من الاستثمار في البنية التحتية بين عامي 2016 و2030. ولا يوجد مكان أكثر حاجة إلى ذلك من أفغانستان. وعلى الرغم من أن أفغانستان لم تنضم رسمياً إلى المبادرة، إلا أنه بموجب مذكرة تفاهم صدرت في عام 2016، بدأت بكين وكابول بعض التعاون من خلال هذه المبادرة. ففي عام 2016، على سبيل المثال، افتتحت الصين السكك الحديدية الصينية الأفغانية الخاصة، التي ربطت مقاطعة جيانغسو على ساحل المحيط الهادئ في الصين بميناء هيراتان البري في شمال أفغانستان. حيث انطلق أول قطار محمل بمعادن التلك الأفغاني هيراتان إلى الصين في سبتمبر 2019.

وبدلاً من معارضة مبادرة الحزام والطريق، ينبغي على الولايات المتحدة أن تسعى إلى التأثير عليه، لا سيما من خلال الانضمام إلى "البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية"، وهو بنك إنمائي متعدد الأطراف يضم 103 دول أعضاء، بما في ذلك أفغانستان ومعظم حلفاء الولايات المتحدة. وبعيداً عن التهديدات المستوحاة من الصين للنظام الدولي، فإن البنك الآسيوي للاستثمار هو "وسيلة للتعاون البناء للمساعدة في استقرار العلاقات الأميركية الصينية المتصلبة، وتعزيز الوجود الاقتصادي الأمريكي في آسيا"، كما خلص تقرير حديث لمؤسسة بروكينغز. أن من شأن مساهمة رأسمالية كبيرة أن تجعل من واشنطن مؤثراً مهماً وناقداً.

إيران وشابهار:

يرى الكاتب بأن أفغانستان مسرح واعد للتعاون مع إيران، حتى لو نسق ذلك مع توقيت المفاوضات النووية. وستسعى إدارة بايدن إلى فتح حوار مع طهران في أقرب وقت ممكن والانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي الذي تخلى عنه ترامب في عام 2018. وقد يؤدي اغتيال العالم النووي الإيراني مؤخراً، والذي يرجح أن "إسرائيل" تقف خلفه، إلى تعقيد هذه الخطط. وبعد جريمة الاغتيال، أقر المتشددون في البرلمان الإيراني قانوناً يحظر الدبلوماسية مع الولايات المتحدة ما لم ترفع العقوبات في غضون ثلاثة أسابيع من تنصيب بايدن. لكن الرئيس المنتخب يدعو إلى إعادة الدخول الفوري إلى الاتفاق النووي الإيراني ويمكنه القول بأن الإنذار النهائي من المتشددين الإيرانيين لم يكن له أي تأثير على قراره.

ومن القضايا الأخرى التي تعقّد المشهد؛ الانتخابات الرئاسية في إيران، والمقرر إجراؤها في حزيران/يونيو 2021. وللتأثير على السكان المتضررين (ومن أجل تأخير المحادثات المحتملة وتخفيف العقوبات إلى ما بعد الانتخابات)، من المرجح أن يطالب المتشددون الإيرانيون بتعويضات عن الخسائر الناجمة عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. ومع ذلك، ينبغي على إدارة بايدن أن تحاول إقناع الناخبين الإيرانيين المتشككين بمقامرة أخرى بشأن التعامل مع الولايات المتحدة. وحتى قبل أن تستأنف إدارة بايدن المفاوضات الثنائية مع طهران، يمكنها أن تشجع بنشاط الولايات المتحدة والشركات الأخرى على الاستثمار في شاباهار، وهي بادرة سترحب بها أفغانستان والهند على حد سواء.

كما يمكن لإدارة بايدن أيضاً أن تستفيد من المصلحة التي تتقاسمها مع إيران في مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» - وهي مصلحة مشتركة تجاهلتها إدارة ترامب أو نفتها. وحتى الحد الأدنى من تبادل المعلومات في الحرب ضد الجماعة المتطرفة يمكن أن يساعد في إرساء أساس لمزيد من التنسيق بين واشنطن وطهران.

الهند وباكستان:

يتعين على الولايات المتحدة أن تدرس السبل الممكنة للتعاون مع الهند وباكستان أيضاً. وكلاهما مقصد هام للصادرات الأفغانية. ففي عام 2018، على سبيل المثال، صدرت أفغانستان سلعاً إلى الهند بقيمة 360 مليون دولار و380 مليون دولار إلى باكستان. ومن شأن رفع العقوبات الأمريكية عن إيران أن يسمح للهند وغيرها ببناء خطوط الطرق والسكك الحديدية اللازمة لتوسيع نطاق تلك الصادرات عبر شاباهار. كما ان اقامة علاقات اقتصادية أعمق مع افغانستان ستوفر أيضا منبراً للمشاركة الهندية في الجهود الاقليمية المتعلقة بعملية السلام.

وفي الوقت نفسه، من شأن سياسة إقليمية متماسكة وتعاونية أن تساعد الولايات المتحدة على إعادة تقويم العلاقات مع باكستان. وبمجرد أن تسحب قواتها وتغلق قواعدها العسكرية في أفغانستان وتفتح الطرق أمام حلفائها عبر إيران، ستكون الولايات المتحدة أقل اعتماداً على التعاون اللوجستي مع الجيش الباكستاني. كما سيساعد التنسيق مع الشركاء الإقليميين الآخرين، وخاصة الصين، في تأمين الدعم الباكستاني الحيوي للتوصل إلى تسوية سياسية في نهاية المطاف بين الحكومة الأفغانية وطالبان. ولحماية هذه التسوية، ستحتاج إسلام أباد إلى المساعدة في إغلاق المرافق العسكرية واللوجستية لحركة طالبان في أراضيها. وأفادت الانباء أن باكستان تناقش هذا الجانب من التسوية في محادثات عسكرية رفيعة المستوى مع أفغانستان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. ولكن نظراً لضرورة رصد تنفيذ هذا الاتفاق شديد الحساسية، ينبغي دعوة الصين، التي قد يكون مراقبوها مقبولون لدى باكستان، للانضمام إلى هذه المجموعة.

إن النجاح في تنفيذ اتفاق السلام سوف يتطلب موافقة موسكو أيضاً. وسيكون تعاون روسيا، إلى جانب تعاون الصين، حيوياً لإعادة التفاوض على الجداول الزمنية وإجراء تعديلات على نظام العقوبات الذي أقرته الأمم المتحدة. ويتعين على إدارة بايدن أن تسعى إلى الحصول على مساعدة روسيا والصين في التواصل مع إيران وباكستان والهند.

مركز للأمم المتحدة في آسيا الوسطى؟

يؤكد الكاتب بأن الولايات المتحدة لن تكون قادرة من تنفيذ استراتيجية إقليمية ناجحة لأفغانستان بمفردها. والأمم المتحدة وحدها هي التي تملك سلطة تنظيم الاجتماعات لتنسيق المستويات المتعددة من المفاوضات التي ستكون مطلوبة. ويمكن للأمم المتحدة أن تقوم بدور أكبر في أفغانستان إما من خلال توسيع سلطات الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان أو بتعيين مبعوث خاص منفصل للدبلوماسية الدولية لدعم عملية السلام الأفغانية.

كما يمكن للولايات المتحدة أيضاً أن تدعم إنشاء مركز إقليمي جديد للأمم المتحدة في آسيا الوسطى. وفي الوقت الحاضر، يتم تقديم معظم المكاتب القطرية للأمم المتحدة في المنطقة من مراكز بعيدة في بانكوك والقاهرة. ولا وجود للعديد من الوكالات، مثل منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي، على الإطلاق في بعض بلدان آسيا الوسطى. وقد أصبحت هذه الثغرات واضحة بشكل خاص خلال العام الماضي، حيث أدى الوباء إلى تعطيل سلاسل الإمداد ودفع أسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع. كما إن استمرار انتشار "COVID-19" قد يتسبب في حدوث اضطرابات إضافية في ربيع هذا العام، الأمر الذي قد يهدد بدوره عملية السلام والتعاون الإقليمي الذي تتطلبه.

وقد أعربت أوزبكستان بالفعل عن اهتمامها باستضافة مكاتب الأمم المتحدة ويمكن أن يُطلب منها إنشاء هذا المركز. وسيكون وجود الأمم المتحدة الموسع هناك خبراً ساراً في كابول: فقد وقعت الحكومة الأوزبكية عشرات الاتفاقات مع أفغانستان منذ عام 2016، وأنشأت خط سكة حديد بين البلدين، وسهلت التجارة الحدودية، وأنشأت مركزاً لوجستياً دولياً ومنطقة اقتصادية حرة على الحدود الأفغانية. وقد تكون اليابان والاتحاد الأوروبي - وكلاهما يبحثان عن سبل لتوسيع قوتهما الناعمة في آسيا الوسطى - على استعداد لتمويل مركز إقليمي للأمم المتحدة في أوزبكستان.

يختتم الأكاديمي روبين مقالته بالقول: ستكون المنافسة دائماً سمة من سمات النظام الدولي، ولكن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى السماح لذلك بتحديد خياراتها في أفغانستان. كما أن للولايات المتحدة مصالح في المنطقة تتجاوز مكافحة الإرهاب – وأدوات تحت تصرفها بخلاف الجيش. ولدى إدارة بايدن فرصة للتغلب على رؤية النفق في العقدين الماضيين من خلال دمج سياستها في استراتيجية إقليمية تعاونية تسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة مع جيران أفغانستان.