الأربعاء  08 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كيف يمكن لبايدن منع المحافظين في إيران من تقويض الاتفاق النووي؟

2020-12-22 09:31:24 AM
كيف يمكن لبايدن منع المحافظين في إيران من تقويض الاتفاق النووي؟
بايدن

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالاً للمتخصص في الشؤون الإيرانية والشرق الأوسط صاحب صادقي، أشار فيه إلى أن الإصرار على أن إيران يجب أن تتخلى عن برنامجها الصاروخي قد يقع في فخ المتشددين ويجعل التوصل إلى اتفاق جديد مستحيلاً.

تحدث الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن حتى الآن بشكل مادّي عن إيران، بما في ذلك مقال رأي على موقع "سي إن إن" وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز. وكجزء من استراتيجية تدريجية، قال إنه سيعود إلى الاتفاق النووي كخطوة أولى ثم يعالج المخاوف الأخرى بشأن النفوذ الإقليمي لإيران وقدراتها الصاروخية.

يتساءل الكاتب كيف سترد الحكومة الإيرانية على طلب الولايات المتحدة بأن تكون القضايا الإقليمية والقدرات الصاروخية جزءاً من المفاوضات؟

يقول الكاتب بأن هناك نهجان مختلفان في إيران للتعامل مع المفاوضات الشاملة مع الولايات المتحدة.

فهناك إجماع واسع داخل المؤسسة الإيرانية على أن إيران لن تقدم أي تنازلات فيما يتعلق باستراتيجيتها الدفاعية والردعية. وقد استخدمت إيران تقليدياً استراتيجية ردع لتعزيز أمنها القومي والدفاع عن سلامتها الإقليمية في السنوات الأخيرة. ولهذه الاستراتيجية شقين. الأول هو تعزيز ودعم الحلفاء الإقليميين والحركات المسلحة في لبنان والعراق وسوريا واليمن وأماكن أخرى؛ والثاني هو تعزيز قدراتها الصاروخية وبناء واختبار الصواريخ القصيرة وطويلة المدى، فضلا عن الصواريخ الباليستية.

وقد توسعت هذه الاستراتيجية منذ الحربين اللتين قادتهما الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، والتي جلبت مئات الآلاف من القوات الأمريكية إلى المنطقة على بعد بضعة أميال من الحدود الشرقية والغربية لإيران، مما زاد بشكل كبير من خطر توجيه ضربة عسكرية وشيكة إلى الأراضي الإيرانية.

وقد أشارت طهران إلى التهديدات الأمنية في محيطها، أنها ليست عضواً في أي تحالفات عسكرية إقليمية، ولهذه الأسباب عملت طهران على تطوير قدراتها الصاروخية وتوسيع نفوذها في البلدان الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من هذا الإجماع العام حول استراتيجية الردع الإيرانية، إلا أنه يمكن تقسيم نهج الحكومة الإيرانية تجاه دعوة بايدن لإجراء مفاوضات شاملة إلى معسكرين.

يتكون المعسكر الأول من المحافظين الذين حصلوا مؤخراً على الاغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية في وقت سابق من هذا العام، ومن المتوقع أن يفوزوا في الانتخابات الرئاسية القادمة. ويرفض المحافظون بشدة أي محادثات مع الولايات المتحدة حول القضايا غير النووية، وقد تعزز موقفهم أكثر من ذلك بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني في أوائل عام 2020، ومؤخراً العالم النووي البارز محسن فخري زاده.

يعتبر المحافظين أن الهدف من عمليات الاغتيال هذه؛ هي محاولة لشل قوة الردع الإيرانية، لذلك يرى هؤلاء أنه قد حان الوقت لإحياء هذا الردع، بدلاً من التفاوض. وتعبيراً عن وجهة النظر هذه، انتقد سعيد جليلي -عضو بارز في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني والمفاوض النووي السابق خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد- الرئيس حسن روحاني بشدة لمناقشة مسألة الصواريخ مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مكالمة هاتفية. (ودعا إلى رفض مثل هذه المحادثات من جانب روحاني، معلناً أن المحادثات غير النووية محظورة وغير مقبولة).

ويعتقد المحافظون أنه مثلما سعى الغرب إلى الحد من القدرات النووية الإيرانية في المحادثات النووية السابقة مع إيران، فإن أي مفاوضات حول قضايا الصواريخ والقضايا الإقليمية من شأنها أن تلحق ضربة ساحقة للأمن القومي الإيراني. وقال رئيس البرلمان المتشدد محمد باقر قاليباف مؤخراً: "إن المفاوضات مع الولايات المتحدة ضارة وممنوعة تماماً".

أثناء رئاسة أحمدي نجاد، عندما كان المحافظون في السلطة، شهد العالم ست سنوات من المفاوضات غير المثمرة بين إيران والغرب من عام 2008 إلى عام 2014، وقد يكرر هذا الاتجاه نفسه إذا فاز المحافظون في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

أما المعسكر الثاني فيتكون من البراغماتيين المعتدلين، الذين يؤكدون على تعزيز استراتيجية الردع الإيرانية، إلا أنهم لا يرون في المفاوضات غير النووية خطراً أو تهديداً لمصالح إيران الوطنية. ومع ذلك، فإنهم لن يقبلوا بأن يكون تنفيذ الاتفاق النووي مشروطاً بالمفاوضات على القضايا الإقليمية والصاروخية.

يعتقد البراغماتيون أنه إذا ركز فريق السياسة الخارجية لبايدن على محادثات أمن الشرق الأوسط والحد من التسلح بدلاً من الإصرار على مواجهة النفوذ الإيراني والحد من صواريخها ونزع سلاحها، فسيكون من الممكن التوصل إلى اتفاق بين إيران والغرب بالتعاون مع دول المنطقة.

ويرى للمعسكر الثاني أنه عندما يكون "التصدي لنفوذ إيران الإقليمي وصواريخها" على جدول أعمال الولايات المتحدة، فهذا يعني نهجاً عدوانياً تجاه إيران لا يأخذ في الاعتبار المخاوف الأمنية المشروعة للبلاد. ولن يكون هذا النهج فعالاً كما أظهر الإيرانيون بصمودهم في مواجهة العقوبات الأمريكية غير المسبوقة، الناجمة عن حملة "الضغط الأقصى" للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.

ويعتقد البراغماتيون أن سياسة إيران الصاروخية دفاعية تماماً ورادعة بطبيعتها؛ وسبق لطهران أن أعلنت أن مدى صواريخها لن يتجاوز ألفي كيلومتر في حين اشترت بعض الدول العربية في المنطقة ومنها السعودية صواريخ يبلغ مداها 5000كم.

يرى البراغماتيون أنه في المفاوضات المستقبلية المحتملة على مستوى المنطقة، إذا تم الضغط على إيران للحد من قدراتها الصاروخية، يمكن لإيران أن تطرح قضايا مثل الصواريخ السعودية، والرؤوس النووية "الإسرائيلية"، ومشتريات الأسلحة الحديثة من قبل دول الخليج كمبرر لإصرارها على الحفاظ على قدراتها الصاروخية الخاصة. ويمكن أن يكون شراء طائرات مقاتلة من طراز "F-35" من قبل الإمارات العربية المتحدة والأسلحة النووية "الإسرائيلية" على جدول أعمال المحادثات المستقبلية المحتملة، الأمر الذي سيعطي إيران اليد العليا في تلك المفاوضات.

وفي مثل هذه الحالة، يجب على الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الإقليمية أن تقرر ما إذا كانت ستتحرك نحو عملية أوسع للحد من التسلح في الشرق الأوسط أو الاعتراف بحق إيران في الحصول على قدرة صاروخية. فيما يعتقد البراغماتيون أنه لا ينبغي أن يكون هناك أي خوف من التفاوض؛ وبدلاً من ذلك، ينبغي استغلال فرصة المفاوضات لتعزيز الإنجازات الإقليمية والدفاعية لإيران. فهم يرون في فوز بايدن فرصة لحل مشاكل إيران الإقليمية والدولية، ويرون أن نهجه في حل مشاكل الشرق الأوسط متوازن على النقيض من نهج ترامب.

بل إن وجهة نظر البراغماتيين هذه أكثر أهمية نظراً إلى حديث بايدن عن إعادة النظر في موقف الولايات المتحدة من المملكة العربية السعودية. وخلال حملته الانتخابية الرئاسية، تعهد بإعادة تقييم علاقة الولايات المتحدة مع السعوديين ووضع حد للدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن.

ويزعم البراغماتيون أن الرئيس السابق باراك أوباما كان يتحرك في هذا الاتجاه، والآن أصبح بوسع بايدن أن يخطو إلى مكان أوباما وأن يستمر في ذلك الطريق غير المكتمل. وفي مقابلة مع مجلة "ذا أتلانتيك" في أيار/مايو 2015، شدد أوباما على أن النهج الذي يكافئ الحلفاء العرب بينما يقدم إيران كمصدر لجميع المشاكل الإقليمية يعني استمرار الصراع الطائفي في المنطقة. وشدد أوباما على أن المملكة العربية السعودية يجب أن تتعلم مشاركة منطقة الشرق الأوسط مع عدوها اللدود، إيران.

وقال جيك سوليفان الذي يشغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس المنتخب جو بايدن في مقابلة مع مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: إن إدارة بايدن ستوقف حملة "الضغط الأقصى" التي يمارسها ترامب ضد إيران ولن تجعل الاتفاق النووي رهينة للمحادثات الإقليمية والصاروخية، ولكن من شأن العودة إلى الصفقة أن يضع ضغوطاً على الأطراف الإقليمية الفاعلة -بما في ذلك إيران والمملكة العربية السعودية- لإجراء محادثات إقليمية. كما أضاف أن الولايات المتحدة ستسلم هذه المفاوضات لدول المنطقة ولن تتولى زمام المبادرة. ويتماشى هذا الموقف مع تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي أكد فيه استعداد إيران لإجراء محادثات مع دول المنطقة حول الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

وحتى وزير الخارجية الصيني دعا مؤخراً إلى إجراء محادثات أمنية في الشرق الأوسط. وقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف مؤخراً اقتراح بوتين اجراء محادثات بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي وإيران لإقامة نظام أمني جماعي في الخليج.

ويبدو أن استعداد إيران لاستخدام النفوذ الذي تتمتع به على الحوثيين لإنهاء الحرب اليمنية - التي أصر عليها بايدن والتي تكمن في صميم المصالح الوطنية للمملكة العربية السعودية وأمنها - هي نقطة انطلاق ذهبية. ويمكن لإيران أن تقنع حلفاءها اليمنيين بتوقيع اتفاق سلام مع المملكة العربية السعودية.

ومع ذلك، هناك عقبات خطيرة أمام المفاوضات الإقليمية والصاروخية، والتي سيعتمد حلها على نهج فريق بايدن للسياسة الخارجية. العقبة الأولى تتعلق في جو عدم الثقة بين إيران والولايات المتحدة، الذي تأثر بحملة "الضغط الأقصى" التي شنها ترامب بالإضافة إلى اغتيال سليماني وفخري زاده.

أما العقبة الثانية فهي تتعلق بقصر المدى الزمنية الي سيمكث فيها حسن روحاني رئيساً لإيران. ومع تولي بايدن منصبه في 20 كانون الثاني/يناير 2021، لم يكن أمام البلدين سوى خمسة أشهر قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران لإحياء الاتفاق النووي والعمل على قضايا أخرى.

وإذا لم تسير خطط إدارة بايدن لإحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة» ورفع العقوبات كما هو متوقع، فإن الجانبين سيواجهان مشكلة خطيرة في أوائل شباط/فبراير، وحينها ستنتهي المهلة المحددة في مشروع قانون دفعه المتشددون وتم تمريره مؤخراً في البرلمان الإيراني.

ومنح البرلمان الإيراني الدول الأوروبية والولايات المتحدة شهرين لرفع العقوبات. وعبرت إدارة روحاني عن معارضتها لمشروع القانون ووصفته بأنه يضر بالجهود الدبلوماسية. ومع ذلك، لأنه أصبح قانونًا، لا يمكنهم منع تطبيقه. وقال ظريف إن الحكومة ستضطر إلى تطبيق القانون الذي بموجبه ستتخلى إيران عن جميع التزاماتها النووية تقريبًا.

يختتم الخبير صادقي مقالته بالقول: إذا تم تنفيذ مثل هذا القانون، فمن المحتمل أن تموت خطة العمل الشاملة المشتركة - التي نجت من أربع سنوات من الضغط الهائل لإدارة ترامب - في الشهر الأول من رئاسة بايدن. قد يرفع بايدن العقوبات التي تم تعليقها بموجب الاتفاق النووي بعدة أوامر تنفيذية، وبعد ذلك، كما أعلن روحاني مؤخرًا، ستعود إيران إلى التزاماتها النووية.