الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في أزمة "فتح" البنيويه/ بقلم نبهان خريشه

2022-05-24 09:59:32 PM
في أزمة
بقلم نبهان خريشه

 

لم تكن هزيمة كتلة الشبيبة الذراع الطلابية لحركة فتح في جامعة بيوزيت الاولى، ولن تكون الأخيره، وفي معرض التحليل عن الاسباب الكامنة خلفه هذه الهزيمة، ذهب البعض الى القول، إن الاداء السياسي  لقيادة الحركة المضطرب هو السبب، وآخرون يرون بأن اللجان والهياكل التنظيمية للحركة، بما فيها كتلة الشبيبة الطلابيه، حملت فشل وفساد رموز السلطة، الذين هم بمعظمهم من قادة الحركة .. الخ . قد تكون الاسباب سالفة الذكر، وغيرها من الاسباب التي سيقت، لتفسير هزيمة فتح في انتخابات نقابات، وهيئات محلية، ومجالس طلابية صحيحة، ولكنها هي أعراض وليست السبب، لأن أزمة فتح هي أزمة بنيوية قديمة.

لم تطرح حركة فتح، خلال أكثر من خمسة عقود ونصف من عمرها، برامج اجتماعيه او اقتصادية، وأقتصر طرحها على برامج سياسية، متغيرة بتغير المراحل، وبتغير السياسات الاقليمية والدولية، فهي طرحت نفسها منذ البداية كحركة تحرر وطني، ذات طيف واسع، إنصهر فيه قوميون وماركسيون ومتدينون وعلمانيون، دون ان تتخذ اي من مدارسهم مسارا فكريا لها، وهذا ما فسر آنذاك اتساع قاعدتها الجماهيريه ... 

لقد كانت مسألة تبني فتح لبرامج إجتماعيه مختلفه، موضع نقاش في اوساط مثقفيها ومنظريها قديما، بين من يرى بضرورة طرح هكذا برامج (وهم أقليه)، جنبا الى جنب مع معركة التحرر الوطني، ومن يرى أنه يجب تحرير الارض أولا ، ومن ثم العمل على تحرير الانسان (وهم الاكثريه).

وبعد تأسيس السلطة الفلسطينة في العام 1994، أصبحت فتح الحزب الحاكم، الذي يشكل الحكومات لإدارة شؤون البلد، دون ان يكون لديها برامج إجتماعية او اقتصادية مسبقه، حيث وجدت نفسها في وضع يجب عليها فيه، تلبية إحتياجات المواطنين المختلفه ابتداء من "تكنيس" الشوارع، وتوفير شبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء، فضلا معالجة قضايا النساء والاطفال والشباب، وغيرها من القضايا المجتمعية.

وأمام غياب برامج اجتماعية واقتصادية لديها، أضطرت قيادة فتح للاستعانه بـ "إنكشاريين" من الإنتهازيين، الذين لم يكونوا أعضاء فيها في مرحلة ما قبل اوسلو، وهؤلاء احتلوا مراكز متقدمه في حكومات ،ومؤسسات السلطة التي تقودها فتح، وهو ما لم يحظ به الكثير من أعضاء الحركة، خاصة من أبناء الاراضي المحتله، االذين تم استيعاب العديد منهم، في الوظائف الامنية والادارية الدنيا، ما شكل "خلخلة وتململ " في بنيتها القاعديه، رافق ذلك شعور مرير لدى العديد منهم، بالاقصاء وعدم التقدير لنضالاتهم وتضحياتهم. هذه "الخلخلة" تراكمت على مر السنوات، لتنفجر على شكل هزائم هنا وهناك، وتشكيل قوائم لخوض انتخابات تشريعية (قبل الغائها)، أو لخوض إنتخابات لنقابات او لهيئات محلية خارج إطار الحركة وفي تحد لقيادتها.

ولم يقتصر الأمر على اقصاء كوادر من الحركة وتهميشهم، والاستعانه بـ "الانكشاريه"،  بل تعدى ذلك الى نسخ قوانين انظمة عربية، مغرقة بالرجعية، طالما كانت موضع انتقاد الحركة الوطنية الفلسطينية بكافة اطيافها، شملت مجالات مجتمعية واقتصادية وإعلامية وقانونية مختلفه. حتى القوانين العصرية، التي ساهم خبراء فلسطينيون وعرب واجانب في صياغتها، عند تأسيس السلطة (كالقانون الاساسي)، أصبحت حبرا على ورق، بفعل تعطيل الحياة البرلمانيه، وتغول السلطة التنفيذيه على السلطة القضائيه.

هناك الكثير من الأعراض السياسية، والعلاقات الداخليه السلبية بين القوى السياسية الفلسطينية، نتيجة لأزمة فتح البنيويه لا تتسع لها هذه العجاله، ولكن فتح على مدار عقود، شكلت القاعدة الأساسية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، وضعفها (وربما تفككها) ، بفعل الأزمات التي تعصف بها ، سيعيد النضال الوطني من أجل التحرر من الإحتلال إلى البدايات، ما سيستغرق وقتا طويلا لعودته.