الأربعاء  30 نيسان 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الفساد وقمع الحريات في سوريا البعث| بقلم: ناجح شاهين

2025-04-30 04:36:57 PM
الفساد وقمع الحريات في سوريا البعث| بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

ارتفع الناتج القومي السوري من 10 مليار سنة 2000 إلى 60 مليار سنة 2010 . وكان عدد المعتقلين السياسيين "عادياً" ويشبه المعتقلين في دول الجوار. كان بداهة أقل بكثير من موجة الاعتقالات والقتل في التحقيق في سجون مصر بعد الانقلاب "العلماني" للسيسي.

يتقدم نزيه الاحدب صاحب الأداء الإعلامي الساحر ليدافع عن حق الدولة السورية في حظر الأنشطة الفلسطينية: فجأة يتضح أن سيادة الدولة أمر لا يجوز المساس به، ولا يصح التذرع بفلسطين شماعة لانتهاك سيادة سوريا.

ليس الاحدب مهماً إلا في سياق من يسبحون بحمد الجزيرة، ولن أقول للرجل المتباكي على "سيادة" سوريا أن شمالها وجنوبها وشرقها وغربها ينهشه الإسرائيلي والتركي والأمريكي والكردي والروسي...الخ، لكن أقول لكم: تخيلوا لو ان نظام الاسد هو الذي منع حركة الفصائل الفلسطينية في دمشق! تخيلوا كمية الشتائم التي كانت ستنهال عليه بوصفه عميلاً لإسرائيل خائناً لفلسطين والعروبة! أظن أن الجزيرة كانت ستخصص موجهة مفتوحة تستمر ستة أشهر لتغطية الموضوع.

نتيجة أولية: ليس ما يفعله النظام هو المهم، إنما ما تريد لنا وسائل الإعلام التابعة للغرب وأصدقائه في الخليج أن نراه مهماً. لكن سوريا لم تكن دولة حريات أبداً. وليس بوسع أحد أن ينكر ذلك مهما كان عاشقاً للبعث أو حتى لبشار ووسامته الساحقة. لكن أين هي دولة الحريات؟

مثال شخصي من قلعة الديمقراطية الأولى في العالم: الولايات المتحدة.

في جامعة بنسلفانيا إحدى قلاع العلم، قدمت الأستاذة نانسي هيرشمان النسوية الليبرالية جداً، بل التي تعد نفسها يسارية أصيلة، شكوى ضدي لأنني "أحمل طريقة في التفكير، ومحتوى أديولوجياً يتناقض مع ما هو مقبول في الولايات المتحدة"، ورأت أن من الأفضل "إلغاء ترشيحي لنيل درجة الدكتوراة في الفلسفة السياسية والسياسة المقارنة"، لأن المحتوى الذي أركز عليه ليس مما تفضل الجامعات طرحه بسبب ميله إلى تجريم الديمقراطية الليبرالية وتقريظ الإرهاب. إذا كان هذا موقف هذه الجامعة البحثية العريقة، وإحدى الجامعات الأكثر تسامحاً في الولايات المتحدة من الرأي المخالف، فما هو يا ترى رأي وكالة المخابرات أو الاف بي اي في الرؤى، ناهيك عن الأنشطة المعارضة الجذرية؟

لقد كان النظام السوري نظاماً دكتاتورياً شأنه شأن غيره من الأنظمة في العالم الاستبدادي والديمقراطي على السواء. ولكنه لم يقتل الناس العزل لأنهم يختلفون معه في الرأي، فقد كان يعلم أن جمهور المسلمين في الأرياف يكرهونه لأنه علماني قومي، ناهيك عن أن رئيسه علوي نصيري كافر لا شك في ذلك. كان النظام يقمع من يعارضه سياسياً، لا شك في ذلك أبداً. لكن أين هو االنظام الذي لا يقمع معارضية. عموماً، بمجرد أن "تحررت" سوريا من السجون بدأت موجات قتل الناس على الهوية الطائفية من الشمال الى الجنوب الى الوسط . لكن ما يزال الشرق بمنأى عن عمليات التطهير العرقي/الطائفي بفضل خضوعه لسيطرة الأكرد وسيدهم الأمريكي.

لكن ماذا عن ملف الفساد؟

مرة أخرى سأدافع عن شيطان سوريا. ليس دفاعاً عن البعث أو الأسد، ولكن عن الوعي والعقل الضروري لصياغة مستقل هذه الأمة إن ظل لها مستقبل.

من أين يأتي الفساد "الحرزان" لسوريا؟ تقدمت قطر والسعودية لتسديد ديون سوريا للبنك الدولي البالغة خمسة عشر مليون دولار . يا للهول، فقط؟ نعم فقط. فدولة الفساد أيام البعث لم يكن عيها أية ديون، باستثناء هذا الرقم التافه. فمن أين اذن يثري الفاسدون في سوريا ونحن نعلم أن سرقة الدولة والأموال المقترضة هو الطريق الأفضل للثراء لدى النخب المرتبطة بالدول في العالم الثالث؟ وكما تعلمون تمثل رشوات صفقات السلاح، وقروض الصندوق والبنك الدوليين، وقروض الدول المدخل الأساس للثراء في الدول الدكتاتورية غير المصنعة . في المقابل من الصعب سرقة ما ينتجه الناس مباشرة، وما يمكن جنيه لا يزيد عن بعض العمولات التافهة التي يتقاضاها كبار الموظفين من الإنتاج الزراعي والصناعي الوطني. هناك طبعا فساد شاع في سوريا البعث، يتمثل في دفع الرشوات التافهة لكل موظف لكي يتمكن من العيش بالراتب القليل الذي يتقاضاه. فساد يتغلغل في نخاع نظام الرواتب الحكومية وقدرته المحدودة على توفير الرفاه في بلد محاصر، ويتحمل أعباء البناء، والإنفاق على التعليم والصحة والجيش والمرافق العامة.

طبعا كل من دخل سوريا رأى بأم عينه ودون حاجة للذكاء البشري أو الصناعي أن سوريا فاسدة. لكنك لن ترى ذلك الفساد مباشرة في الإمارات أو السعودية أو السلطة الفلسطينية أو الأردن ولا حتى مصر. هناك فساد أضخم وأبعد عن مدى رؤية المواطن بعينه المجردة تمارسه طبقة تثري ثراء فاحشاً لا موظفاً يتكسب مئة دولار في الشهر من أجل تحسين دخله.

أين هي أموال الفاسدين الكبار في سوريا بدءاً ببشار الأسد تحديداً؟ لا أحد لديه الإجابة اليوم مثلما اختفت الإجابة حول السلاح النووي العراقي الذي استخدم ذريعة لاحتلال العراق؟ نتيجة ثانوية: لم تكن سوريا أكثر قمعاً ولا فساداً من غيرها؛ لقد كانت عينة ممثلة لشكل الدولة في العالم الثالث عموماً، والوطن العربي على وجه الخصوص. بل إنها من نواح كثيرة تتصل بتوفير الخدمات الصحية والتعليمية مجاناً تتفوق على الكثير من زميلاتها في العالمين المذكورين.

إذن ما الذي جعل النظام السوري يبدو شيطان الفساد والقمع الذي لا مثيل له في العالمين؟ الجواب البدهي الذي تعضده الأدلة الواضحة كلها أن معارضته للمشروع الصهيوأمريكي المسمى بالشرق الأوسط الجديد، وتعطيله لبعض المصالح الخليجية وعلى رأسها القطرية، ودعمه واحتضانه لقوى المقاومة في المنطقة هو الذي جلب عليه الهجوم الجهادي بصفته كافراً نصيرياً، ومقاتلي الحرية بصفته دكتاتورياً استبدادياً في واحة الحريات الممتدة من المحيط إلى الخليج.

الكارثة التي لحقت بالدولة السورية "الممانعة" هي نفسها الكارثة التي لحقت بالمقاومة اللبنانية المخترقة بالبيجرز وطرائق التجسس التكنولوجي المتفوق عموماً. هناك أدوات خارقة تطورت في العقد الأخير تفوق الخيال في قدراتها السحرية، وقد تم توظيفها ضد سوريا على صعيد العمل العسكري لإضعافها، والعمل الإعلامي لشيطنتها على السواء.

وللأسف حتى بعد ذوبان الثلج يظل جزء كبير من الجمهور العربي بمن في ذلك السوري أسيراً لصناعة الإعلام الكونية وإلإقليمية وعلى رأسها الجزيرة والعربية التي تحاول إخفاء الضربة القوية التي تلقتها فلسطين ولبنان وسوريا والمنطقة العربية كلها بإسقاط الدولة السورية تحت ذريعة القمع والنخبوية والفساد المميزة حصرياً للنظام السوري، مع أن تلك السمات مكونات جوهرية للنظام السياسي في العالم الثالث كله دون استثناء.