السبت  14 حزيران 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تحليل الحدث| المفاهيم الأمنية الإيرانية: الفشل في تفسير الذات وإسرائيل

2025-06-13 11:31:06 AM
تحليل الحدث| المفاهيم الأمنية الإيرانية: الفشل في تفسير الذات وإسرائيل
إسرائيل وإيران

تحليل الحدث

شكلت الضربة الإسرائيلية لإيران، فجر اليوم الجمعة، مفاجأة من حيث قدرة الوصول إلى عدد كبير من القيادات الإيرانية والمهنية العاملة في المجال النووي في آن واحد. بينما لم تكن الضربة بحد ذاتها مفاجئة، فقد سبقها بساعات وأيام تقارير أمريكية تشير بشكل قاطع إلى استعداد "إسرائيل" لتوجيه ضربة عسكرية، بل إن التسريبات الإسرائيلية خلال أزمة الائتلاف الحكومي مع الحريديم كانت توضح أن أهم عنصر في لغة الإقناع التي استخدمها بنيامين نتنياهو، هو عنصر "المرحلة الأمنية المعقدة التي بانتظارنا"، وكان هذا كافيا للإشارة إلى استعدادات جدية لضرب إيران.

إلى جانب التسريبات الإعلامية، كانت القرارات التي اتخذتها بعض الدول من بينها الولايات المتحدة بسحب موظفي سفارتها من العراق، وتحذير موظفي سفارتها في "إسرائيل" بأربع رسائل متتالية في غضون ساعات وقبل ساعات من بدء الهجوم، وتحذير هيئة بريطانية أمنية تعنى بالملاحة البحرية للسفن البريطانية، إشارات واضحة يُفترض أن المستويات العسكرية والاستخباراتية والسياسية في إيران قد قرأتها وخلُصلت إلى استنتاج بأن الضربة الإسرائيلية على بعد ساعات أو أيام قليلة. السؤال الملّح هو كيف قرأت إيران هذه الإشارات، ولماذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة فيما يخص أمن قيادتها العسكرية والسياسية والنووية؟!.

الإشكالية الرئيسية التي وقعت فيها إيران، هي "التصور الاستخباراتي". عادة ما يميل الإيرانيون إلى مركزة مفهومين أساسيين في التحليل الاستخباراتي الذي يفضي إلى "تصور استخباراتي" ينتج عنه السلوك الأمني: الأول، هو الردع، وهذا المفهوم انتفى من الحسابات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بعد الضربة القاسية التي تلقاها حزب الله في لبنان، والضرر العسكري الكبير الذي تعرض له حلفاؤها في المنطقة. وبالتالي كان الأولى بالإيرانيين عدم الاعتماد على هذا المفهوم التقليدي الذي تشوهت طبيعته منذ السابع من أكتوبر 2023. يضاف إلى ذلك، الاعتداد الإيراني بالنفس وهي ثقافة متأصلة بالوعي التاريخي للمجتمع الإيراني مستمدة من موروثه القومي والديني، من أهم ملامحها المصطلحات التي تستخدم في التصريحات التي تحمل نبرة التهديد، وفي بعض الأحيان تحكم هذه الثقافة المنطق الأمني بوصفها ثقافة أساسية فوق مهنية.

أما المفهوم الثاني الذي يركز عليه الإيرانيون في تحليلهم الاستخباراتي، فهو نظرتهم للغرب و"إسرائيل" ككيانات تعتمد التضليل والخداع بحكم الثقافة الغربية التي تحكم قيم منظوماتها السياسية. وبالتالي فإن فكرة "الحرب النفسية" و"العمليات النفسية" حاضرة بقوة في تحليل بنية سلوك وخطاب الآخر لدى الإيرانيين. قبل ساعات من بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران، صرّح مسؤول إيراني لوكالة رويترز بأن كل التحركات التي تجري في المنطقة، ما هي إلا "حرب نفسية" للضغط على المفاوض الإيراني في الجلسة المقررة الأحد القادم في عُمان. يختلط هذا المفهوم نسبيا بالمفهوم السابق، إذ أن فكرة "الخداع" تنبع في كثير من الأحيان وخاصة في السياقات الأمنية والعسكرية من منطق الضعف، لكن الأمور لم تكن كذلك.

الاستنتاج الرئيسي هو أن المنظومات الأمنية والاستخباراتية في المنطقة لم تحدّت مفاهيم التحليل الأمني لديها بعد السابع من أكتوبر، وهذا جزء مهم من أسباب نجاح الضربات التي تلقاها حزب الله، الذي حللت منظومته الأمنية، "إسرائيل"، بمنطق تقليدي لا يتناسب مع المتغير التاريخي الأهم في تاريخ "إسرائيل". يقول أحد ضباط الاستخبارات الإسرائيلية من الذين أشرفوا على اغتيال الشهيد حسن نصر الله، أن الأخير كان أكثر مسؤول في الشرق الأوسط يفهم "إسرائيل"، لكنه لم يدرك ما الذي تغيّر في "إسرائيل" بعد السابع من أكتوبر" سنهاجم كلما كنا قادرين على الهجوم.. سنبادر في كل الحالات". إن المفهوم الرئيسي الذي يجب أن يحكم منظومات الأمن المناهضة لإسرائيل اليوم هو الحذر، واستحضار روح المبادرة الإسرائيلية في كل تحليل.

لكن، إذا ما نظرنا بتفسير تكتيكي لوصول "إسرائيل" لقيادات الصف الأول العسكري في إيران، فلا بدّ من الإشارة إلى عامل موضوعي يحكم منطق الأمن الشخصي للقيادات في الدول يختلف عن ذلك الموجود لدى الفصائل المسلحة أو الجماعات. وبالتالي فإن مسألة الوصول إلى قيادي عسكري في الحالة الأولى أسهل بكثير من الحالة الثانية بحكم تأطير الأمن الشخصي للقيادات في الدول بمفاهيم ذات علاقة بالسيادة الأمنية والسياسية والقانون الدولي والشرعية السياسية وغيرها. لكن أحد أهم أهداف السلوك الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر هو تفكيك السيادات الأمنية والسياسية في الشرق ككل، وهذا هدف استراتيجي مهم أخذه بعين الاعتبار في مدخلات أي تحليل أمني.