الأحد  15 حزيران 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الحرب...لكل أهدافه

2025-06-15 10:13:10 AM
الحرب...لكل أهدافه
رولا سرحان

 

ليست الحرب غاية في حد ذاتها، كما نعلم جميعا، لكنها اليوم تخرج من منطقة الظلال إلى المواجهة المباشرة التي تضع الأهداف لكل طرف بوضوح أمام المراقبين. وبنظرة سريعة على المنطقة والعالم اليوم في ظل تفجر حرب إيران ودولة الاحتلال، فإنه يمكن القول إن الحرب هذه المرة، رغم كونها بين طرفين، إلا أن للمشاركين المباشرين فيها والداعمين لأحد الطرفين، كما لغير المشاركين فيها، أهداف استراتيجية تُقاس هذه المرة بدقة رأس الإبرة.

أولا: إسرائيل، التي تحاول تغطية حربها على إيران بالادعاء أن برنامجها النووي يهدد الأمن والسلم في المنطقة، ويهدد أمنها بشكل مباشر، وذلك استدلالا بأن إيران تصرح علانية برغبتها في القضاء على إسرائيل التي ترى فيها إيران الشر المطلق الذي تم اصطناعه لتخريب المنطقة. ويمكن تقسيم مصلحة إسرائيل من الحرب إلى ثلاثة مستويات من الأهداف، الأول، الهدف الاستراتيجي لدولة الاحتلال ككل، والتي هي دولة استعمارية توسعية تقيس حجم قوتها بمقدرتها على تحجيم وتقزيم القوى الإقليمية الأخرى، وهي بذلك لا ترضى إلا بأن تكون الدولة الإقليمية الوحيدة ذات التفوق العسكري والسياسي ضمن مجموعة من الدول الإقليمية التابعة لها وغير القادرة على تحديها، ولا تفكر حتى في تحديها. الثاني، هو هدف يسعى إلى تحقيقه الائتلاف الحكومي في إسرائيل، الذي لا يرى في الحل السياسي حلا لأي تحد في المنطقة بما فيه التطبيع مع دول عربية وازنة إن كان الثمن هو إقامة دولة فلسطينية أو الإقرار بوجود الفلسطينيين كشعب وكهوية، وهو ثمن يهدد البنية الأيديولوجية للإتلاف الحكومي الذي يسعى إلى تثبيت نقاء الدولة اليهودية على كامل جغرافيا فلسطين التاريخية. الثالث، هو الهدف الشخصي لنتنياهو، والذي يسعى إلى تجاوز عدة تحديات بما فيها المحاكمات الجنائية في ملفات الفساد التي تلاحقه، والمحاكمات السياسية بفعل الإخفاقات منذ السابع من أكتوبر، ساعيا إلى تجاوزها من خلال الوصول إلى النصف الثاني من عام 2026، عام الانتخابات الإسرائيلية، وقد حقق مكاسب سياسية وانتخابية.

ثانيا: إيران، والتي كانت تحاول الموازنة ما بين سياستها التفاوضية في الملف النووي بما يحقق لها الحفاظ على الذات أطول فترة ممكنة دون إضطرارها إلى الانخراط في صراع مباشر سواء مع إسرائيل أو الولايات المتحدة مكتفية بصراع بالوكالة، تجد إيران نفسها اليوم في خضم حرب عليها أن تخرج منها محققة ثلاثة مستويات من الأهداف. الأول، هو الهدف الاستراتيجي لإيران الدولة، وبما يعني التأكيد على أنها قوة إقليمية يحسب لها حساب في المنطقة وأن الدفع بها باتجاه الحرب بعيدا عن طاولة التفاوض الدبلوماسي لا يشكل تهديدا وإنما هو خيار يصبح حتميا عندما يتعلق بالدفاع عن سيادة الدولة وهيبتها. الثاني، وهو الهدف الاستراتيجي لإيران النظام، بالتأكيد على مقدرته الديناميكية على الحفاظ على الذات وفي إعادة ترتيب نفسه في ظل خساراته السابقة والحالية، والتي أوحت بأنه نظام مستباح استخباراتيا بدءا من اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليمان في العراق عام 2016، وصولا إلى سلسلة الاغتيالات والاختراقات الاستخباراتية منذ السابع من أكتوبر التي خسرت فيها قوة حلفائها في المنطقة، وصولا إلى الاغتيالات الأخيرة لقائدي الأركان والحرس الثوري وعلماء البرنامج النووي، وهو ما يسعى النظام إلى رده أو عكس تأثيره. الهدف الثالث، هو الحفاظ على إيران النووية، وهو الهدف الأقصى لإيران من هذه الحرب وهو الأهم الذي يحافظ على تماسك الهدفين السابقين، إذ ستستعى إيران وتحاول تقليل الخسائر إلى حدها الأدنى فيما يتعلق ببرنامجها النووي وإن اضطرها ذلك العودة سنوات إلى الوراء بينما كانت على بعد أسابيع قليلة من إنتاج أول قنبلة نووية بحسب المزاعم الإسرائيلية والأمريكية.

ثالثا، الولايات المتحدة، والتي كان تلعب دور المفاوض والمخادع في الوقت نفسه، والتي وجدت في الحرب فرصة لإخضاع إيران والدفع بها باتجاه العودة تحت الضغط إلى طاولة التفاوض النووي لتقديم تنازلات وبالتالي تحقيق مستويين من الأهداف الاستراتيجية. الأول، على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، التي تريد أن تكون دولة مطلقة النفوذ في الشرق الأوسط، وذلك بالخلاص من تهديد أساسي لمصالحها يحول دونها ودون استفرادها بإعادة تشكيل خارطة المنطقة الجيوسياسية بما فيها خارطة التحالفات والولاءات خارج الولاء والتحالف مع الولايات المتحدة وبالتالي قطع الطريق على روسيا والصين. الثاني، متعلق برئيس الولايات المتحدة على الصعيد الشخصي، الذي يريد أن يبدو وكأنه السيد المطلق للعالم، وتشكل منطقة الشرق الأوسط عنق الزجاجة الذي تسده إيران في وجهه.

رابعا، الدول العربية، التي تلعب دور شاهد الزور، فبينما تدين الاعتداء على إيران، وتفتح أجواءها للطيران الحربي الإسرائيلي، فإن تناقض أهدافها أيديولوجيا (دينيا) وسياسيا (تطبيعيا) مع إيران يجعل من الحرب فرصة لتحقيق هدفين إستراتيجيين بحسب سيناريوهات نتائج الحرب. الأول في حالة خسارة إيران في الحرب، فإن ذلك يعني الخلاص من عدو أزلي يمتلك المقدرات العسكرية والمادية ليشكل تهديدا مباشرا لسياسات الدول العربية في ملفات أمن الخليج، القضية الفلسطينية وإسرائيل، واستقرار الأنظمة الناشئة ما بعد 7 أكتوبر وتحديدا سوريا ولبنان. السيناريو الثاني، استيعاب إيران دبلوماسيا فيما لو تسببت الحرب في خسائر لكل من إيران وإسرائيل لكن دون إضعاف إيران كليا، وهو ما يعني البقاء على الوضع القائم وإعادة إحياء المساعي التي كانت بدأتها السعودية في التقارب مع إيران.

خامسا، غزة، التي أطلقت شرارة هذه الحرب، إنما تأمل أن تخفف جبهة إيران من شدة آلة القتل التي تواجهها، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، لكنه في أقل تقدير يشفي غليل صدور قوم يصمدون!