الأربعاء  01 تشرين الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عن "تسونامي" الاعتراف بدولة فلسطين.. كيف نقرأ الاعتراف وماذا عن وقف المقتلة؟

2025-10-01 08:43:09 AM
عن
أرشيفية

 الحدث - سجود عاصي

يؤكد محللون سياسيون، أن الاعترافات بدولة فلسطين تحمل بعدًا رمزيًا وسياسيًا في آن واحد، فهي تشير إلى دعم دولي متزايد للحقوق الفلسطينية رغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وهذه الاعترافات تُقرأ على أنها تعزيز للشرعية الدولية للفلسطينيين، وتضغط على حكومة الاحتلال لتعديل سياساتها التوسعية، لكنها لا تعني بالضرورة تغييرًا فوريًا على الأرض، خصوصًا في ظل استمرار الممارسات الإسرائيلية التي تقوّض أي خطوات نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة. أما بشأن وقف المقتلة في غزة والضفة، فإن الحل الحقيقي يرتبط بضغط دولي متوازن على الاحتلال لإنهاء الحصار ووقف حرب الإبادة، إلى جانب تعزيز الوحدة الفلسطينية.

إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية كان على مدى عقود طويلة إحدى القضايا الأكثر حساسية في الخطاب السياسي المرتبط بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ فمنذ سبعينيات القرن الماضي بدأت بعض الدول بالاعتراف رسميًا بالدولة الفلسطينية، لكن في العالم الغربي، وخاصة في أوروبا الغربية، ظل الموقف متحفظًا، فقد كان المبدأ السائد أن الاعتراف لا يمكن أن يتم إلا في ختام عملية سياسية متفق عليها، ومنذ توقيع اتفاقيات أوسلو في التسعينيات، تبنى الاتحاد الأوروبي نهجًا داعمًا من حيث المبدأ لحل الدولتين، لكنه امتنع عن القيام بخطوة الاعتراف الأحادي بحجة أن ذلك من شأنه أن يقوض المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين. ومع مرور السنوات، ومع تعثر المفاوضات وتوسع الاستيطان، تزايد الشعور في العواصم الأوروبية أن الامتناع عن الاعتراف ليس حيادًا، بل هو مساهمة في تكريس الاحتلال ومنح جائزة للوضع القائم.

الحرب على غزة التي اندلعت في أكتوبر 2023 قلبت المعادلة من أساسها من ناحية الرأي العام الأوروبي، فقد أثارت صور الدمار الهائل ومشاهد عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين وملايين النازحين تحت حصار خانق صدمة عميقة لدى قطاعات واسعة من الرأي العام في دول مثل إسبانيا والنرويج وإيرلندا، وحتى في فرنسا وبريطانيا والدول الاسكندنافية ارتفعت الأصوات الشعبية التي طالبت حكوماتها باتخاذ خطوات ملموسة بدل الاكتفاء ببيانات الشجب، والنتيجة كانت موجة جديدة من الاعترافات الرسمية بالدولة الفلسطينية في عام 2025. 

فقد كانت إسبانيا وإيرلندا والنرويج في طليعة الدول المعلنة، ثم لحقت بها بريطانيا وفرنسا، بينما أعلنت دول أخرى مثل بلجيكا والبرتغال نيتها الانضمام، هذا المسار وُصف بأنه "تسونامي سياسي" يعكس تغيرًا نوعيًا في علاقة أوروبا بالصراع.

على المستوى السياسي فإن المعنى المباشر للاعتراف هو ضرب الرواية الإسرائيلية التقليدية التي دأبت على القول إن الدولة الفلسطينية لن ترى النور إلا عبر مفاوضات مباشرة، ومنح الاعتراف الأوروبي الفلسطينيين مكانة كيان سياسي معترف به دون موافقة إسرائيل، وصنع واقعًا جديدًا تقول فيه أوروبا إنها لم تعد على استعداد للانتظار إلى ما لا نهاية من أجل عملية سلام تبدو مستحيلة. 

بالنسبة للفلسطينيين يعد هذا إنجازًا دبلوماسيًا يعيدهم إلى صدارة النقاش الدولي بعد سنوات من التهميش، ويتيح لهم الظهور ليس فقط كضحايا بل كشعب يتمتع بحقه في تقرير المصير، أما بالنسبة لإسرائيل فالأمر يعني فقدان أحد أهم أوراق الضغط في علاقاتها مع المجتمع الدولي، حيث لم تعد هي الجهة الوحيدة التي تملك مفاتيح الشرعية.

هذا الاعتراف الأوروبي ليس مجرد إجراء بروتوكولي بل هو خطوة ذات معنى سياسي وقانوني واقتصادي ودبلوماسي عميق، فهو يعزز مكانة الفلسطينيين دوليًا ويضعف قدرة إسرائيل على فرض شروطها، ويضيف ضغطًا ملموسًا على مستويات القانون الدولي والاقتصاد والسياسة. لكنه في الوقت ذاته لا يغير الواقع الميداني مباشرة، حيث تظل إسرائيل مسيطرة عسكريًا والفلسطينيون بعيدون عن بناء مؤسسات دولة متكاملة، لذلك فإن المغزى العملي للاعتراف سيتحدد بما سيأتي بعده: إن ظل اعترافًا رمزيًا معزولًا فقد يخبو أثره، أما إذا ترافق مع عقوبات اقتصادية وخطوات قانونية وتوسع موجة الاعتراف عالميًا، فقد يشكل نقطة تحول تاريخية في مسار الصراع.

يقول الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق، إن هذه الاعترافات رغم كونها متأخرة إلا أنها مهمة واستراتيجية، يبنى عليها في المرحلة المقبلة في حال كانت هناك حكومات سواء في أوروبا أو مناطق أخرى تدعم القانون الدولي، "ونحن في مرحلة الاعتراف هذه من الممكن أن تأخذ الحكومات هذه الخطوة لإرضاء شعوبها والتوقف عندها بعدم التقدم للخطوة التالية، ولكنها ستسجل استراتيجيا للتاريخ في المرحلة المقبلة سواء تغيرت هذه الحكومات أو بقيت وتغير المشهد الدولي".

ووفق القيق، فإن المهم الآن "أن يبنى عليها فلسطينيا، ولا تستطيع لا السلطة الفلسطينية ولا حركة حماس منفردة أن تقوم بالبناء عليها، ويجب إلزام حماس وفتح على مصالحة ووحدة فورية على قاعدة اتفاقات القاهرة والدوحة وبكين وموسكو وما يرونه مناسبا، ليقوى الموقف والقرار الفلسطيني ومن ثم القرار العربي ولاحقا جني ثمار هذا الاعتراف الذي قد يتحول إلى قرار سياسي وقانوني فعلي يمنع الضم والتوسع الإسرائيلي".

وأشار المحلل السياسي في حديث خاص لـ "صحيفة الحدث"، إلى أن كل ما جرى حالة تراكمية، ووصلت الدول لقناعة في الساحة الدولية، إلى أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا بدولة فلسطينية، عدا عن أن الأوروبيين يخافون من سطوة نتنياهو ومشروع التوسع في المنطقة الذي يمهد لوجود لاجئين من الدول التي يشملها المخطط والذين قد يلجأون إلى أوروبا، لذلك يراد حل الصراع بدولة فلسطينية بغض النظر عن تفاصيلها.

وعن حقيقة وجود تغيير في المشهد الدولي تجاه الفلسطينيين، يرى القيق، أن هناك حالة رفض للفعل الإسرائيلي، فحينما حاول نتنياهو حشد العالم يوم 7 أكتوبر للهجوم على غزة، لم يعترضه أحد، ونجح بحشد العالم حينها، ولكن اليوم أصبح هناك تغير حقيقي على مستوى العالم وأصبح هناك نفور عالمي من الفعل الإسرائيلي ومثال ذلك وجود أسطول الصمود العالمي، وعدم قدرة البعض على الوقوف على الحياد كما كان سابقا. مؤكدا أن كل خطوة يقوم بها الفلسطينيون سواء بالمقاومة أو دبلوماسيا على الصعيد الدولي أو بالعلاقات مع الدول لتعزيز الموقف يوقف ويعطل مشروع الضم والوصول لمخطط "إسرائيل الكبرى"، وقال: حماس وفتح سيخسرون كثيرا إذا لم يستثمروا إنجازاتهم معا، وستكون المعادلة معاناة دون مواجهة، بالتالي الاستثمار للمشهد مهم، وهناك فرصة ذهبية يبنى عليها إلا إذا قطع الطريق عليهم ترامب ونتنياهو بتسريع مخططات الأخير في الشرق الأوسط.

أما المحلل السياسي محمد هلسة، فاعتبر أن الاعترافات بالدولة الفلسطينية تأكيد على الانتصار للرواية الفلسطينية، بعدما فقدت إسرائيل الكثير من صورتها المدعاة كدولة ليبرالية وديمقراطية، لكن الاعترافات من الناحية الفعلية على أرض الواقع لا يغير شيئا ولن يقيم الدولة الفلسطينية.

وأشار إلى أن الجدل الكبير داخليا إسرائيليا، يتمحور حول من الذي تسبب بهذه الاعترافات المتتالية وكيفية معالجتها وأثرها على الاحتلال، وقد يحاول الاحتلال تدفيع الفلسطينيين ثمن هذا الاعتراف لتجعل جزءا منا ينظر إلى الموضوع بصورة غير مبالية بمعنى أن يحول الاعتراف إلى عقاب على الفلسطينيين، كما أن الاحتلال يمارس نوعا من القوة والردع مستندا إلى مظلة الولايات المتحدة، التي تطمئن إسرائيل بوجودها.

ووفق هلسة، فإن غالبية الفلسطينيين يفضلون وقف المقتلة في قطاع غزة والضفة الغربية والتوسع الاستيطاني ومحاولات ضم الضفة على الاعتراف بالدولة، مشيرا إلى أن الاعتراف جاء لتخفيف الضغط عن الحكومات أمام الشعوب ليقال بأنها قدمت خطوة ضد العدوان الإسرائيلي وإشعار الفلسطينيين بموقف إيجابي معهم، رغم أن ذلك لن يغير في الواقع الفلسطيني على الأرض شيئا. 

وعن الرد الإسرائيلي على هذه الاعترافات؛ قال هلسة، إن نتنياهو أمام معضلة حقيقية بين أن يكتفي بردود شكلية ويصعد أمام جمهوره والأثمان التي قد تترتب عن الضم الإسرائيلي فيما لو طبق، من بين ذلك اتفاقيات التطبيع والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي. منوها إلى أن الضم مشروع قائم لكن دون إعلان رسمي.

تداعيات الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية على إسرائيل 

الاعتراف انعكس أيضًا على السياسة الداخلية في إسرائيل، فقد رد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بغضب قائلًا إن دولة فلسطينية غرب نهر الأردن لن تقوم، ووصف الاعترافات بأنها "مكافأة للإرهاب"، مجددًا تمسكه بعدم السماح بقيام دولة فلسطينية ما دام في منصبه. وقد دعمه في ذلك وزراء من اليمين مثل بتسلئيل سموتريتش الذي ذهب أبعد من ذلك واقترح ضم أجزاء واسعة من مناطق "ج" ردًا على الاعترافات الأوروبية. في المقابل حذر قادة المعارضة مثل يائير لبيد وبيني غانتس من أن العزلة الدولية المتصاعدة قد تمس بالأمن القومي الإسرائيلي. أما الإعلام الإسرائيلي فانقسم بين من يحذر من موجة مقاطعات قادمة قد تذكر بالسيناريو الجنوب أفريقي، وبين من يقلل من أهمية الخطوة ويرى أنها رمزية أكثر منها عملية.

أما على المستوى القانوني فإن الاعتراف الأوروبي يمنح الفلسطينيين أدوات إضافية في معركتهم القانونية ضد إسرائيل؛ فالقانون الدولي يرتكز إلى مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعندما يُعترف بالكيان الفلسطيني كدولة فإن ذلك يعزز مكانته في مؤسسات مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. 

بالفعل هناك قضايا منظورة أمام هذه المحاكم تتعلق بالاستيطان والعمليات العسكرية في غزة، والاعتراف يجعل بإمكان الفلسطينيين الادعاء أنهم دولة ذات سيادة واقعة تحت الاحتلال، وبالتالي أن إسرائيل ترتكب أفعالًا تنتهك سيادة دولة معترف بها، وقد حذر "مركز القدس للشؤون العامة والدولة" من أن الاعتراف الأوروبي قد يشكل أساسًا قانونيًا لإصدار أوامر اعتقال بحق ضباط جيش الاحتلال وقادة سياسيين عند سفرهم إلى الخارج.

من جانبها بحثت إسرائيل في خطوات تشريعية وقانونية عقابية، حيث طُرحت أفكار عن قوانين في الكنيست تهدف إلى تقليص التعاون مع دول تعترف بفلسطين أو تقليص مشاريع مشتركة معها، غير أن تطبيق مثل هذه الإجراءات معقد لأن أوروبا هي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل. 

وقد كتب باحثون في "معهد دراسات الأمن القومي" أن مثل هذه القوانين ستكون في أحسن الأحوال ذات طابع رمزي، وقد تؤدي إلى تعميق العزلة بدلاً من كسرها.

على الصعيد الاقتصادي، فإن التداعيات المحتملة قد تكون ثقيلة الوطأة؛ إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي عشرات المليارات من الدولارات سنويًا، وتعد أوروبا سوقًا رئيسيًا للصادرات الإسرائيلية في مجالات التكنولوجيا والزراعة والصناعات العسكرية، وسبق للاتحاد الأوروبي أن فرض عام 2015 سياسة وسم منتجات المستوطنات، والاعتراف بالدولة الفلسطينية قد يكون خطوة تمهيدية لإجراءات أشد مثل فرض قيود على استيراد منتجات من إسرائيل كلها أو تجميد مشاركة إسرائيل في برامج بحثية أوروبية كبرى مثل "هورايزون يوروب"، فمثل هذه الخطوات ستؤثر بعمق في الاقتصاد الإسرائيلي.

 أما الفلسطينيون فقد يجدون في الاعتراف نافذة لفتح قنوات استثمار مباشرة، والحصول على دعم اقتصادي وتنموي من الدول الأوروبية باعتبارهم دولة شرعية لا مجرد كيان محاصر.

صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية الاقتصادية وغيرها من الأصوات حذرت من أن ضغوط المستهلكين والرأي العام في أوروبا ضد إسرائيل قد تتحول تدريجيًا إلى مقاطعة رسمية، كما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا حين بدأت المقاطعة شعبية وأكاديمية ثم تطورت إلى عقوبات حكومية شاملة، وفي الحالة الإسرائيلية يلوح هذا السيناريو إذا ما استمرت السياسات الحالية دون تغيير.

على الصعيد الأمني، فإن الاعتراف بحد ذاته لا يغير الواقع الميداني؛ فالسيطرة على الأرض لا تزال بيد إسرائيل التي تهيمن على المعابر والحدود والأجواء، وتتحكم بالمرتفعات الاستراتيجية في الضفة مثل غور الأردن. وحذرت مؤسسات بحث إسرائيلية من أن الاعتراف بدولة فلسطينية من جانب واحد قد يخلق واقعًا أمنيًا خطيرًا، إذ أن المرتفعات الغربية للضفة يمكن أن تتحول إلى مواقع تهدد المراكز السكانية الإسرائيلية الكبرى، وهذا التحليل يعزز الإصرار الإسرائيلي على الاحتفاظ بوجود عسكري دائم في غور الأردن حتى بعد قيام أي دولة فلسطينية مستقبلًا.

أما دبلوماسيًا فإن الاعتراف الأوروبي يرفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة ويعيد النقاش حول منحها العضوية الكاملة، فحاليًا تتمتع فلسطين بوضع "دولة مراقب"، لكن كلما ازداد عدد الدول المعترفة بها زاد الضغط لرفع مكانتها، وهذا يتطلب تصويتًا في مجلس الأمن، حيث تملك الولايات المتحدة حق النقض، لكن مجرد تكرار طرح الموضوع يضع واشنطن في موقع حرج أمام الرأي العام العالمي، في الوقت نفسه فإن الاعتراف الأوروبي يشجع دولًا في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا على إعادة فتح ملف الاعتراف وربما الانضمام إلى الموجة.

ثمة بعد آخر يتمثل في الجبهة الأكاديمية والثقافية. فحملات المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل موجودة أصلًا في أوروبا، لكن الاعتراف الرسمي بفلسطين يضفي عليها شرعية إضافية، فالجامعات والمؤسسات الثقافية قد تجد في قرارات حكوماتها سندًا لتوسيع المقاطعة ووقف التعاون مع مؤسسات إسرائيلية، وهو ما يعزز كذلك حجج الحركات الاجتماعية ومنظمات حقوق الإنسان التي باتت تقول إنها لا تقاطع إسرائيل فقط بل تقف مع "دولة معترف بها تحت الاحتلال".

في إسرائيل يستمر الجدل هل هذه الاعترافات خطوة تاريخية أم مجرد ضجيج بلا أثر، ورأت صحيفة "هآرتس" أنها خطوة ضرورية لإعادة القضية الفلسطينية إلى قلب الأجندة الدولية وإجبار إسرائيل على مواجهة الواقع، في حين كتب معلقون في "إسرائيل اليوم" و"معاريف" أن الاعترافات رمزية فارغة، لن تغير شيئًا على الأرض، ومع ذلك يتفق الجميع على أنه إذا تحولت الاعترافات إلى موجة عالمية واسعة فإن تداعياتها على إسرائيل ستكون ثقيلة بالفعل.