الثلاثاء  14 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

محمد سباعنة.. سيعود المضيف بتوقيت شهيد آخر

2022-09-06 09:23:23 AM
محمد سباعنة.. سيعود المضيف بتوقيت شهيد آخر
الشهيد محمد سباعنة

الحدث الفلسطيني

لم يكن محمد سباعنة اسما معروفا في عالم الصحافة أو التوثيق الصحفي، لكن الأكيد أن بعض ما شاهدناه من مقاطع فيديو وصور خلال اقتحامات سابقة كانت من إنتاج شهادته على التاريخ وحركته التي تسير ببطء على دماء الشهداء. محمد كما كثيرون غيره، يؤمن أن الصورة، رسالة، عندما يريد أصحابها أن تتجاوز بالدم نطاق الحدث خارج حدود الزمان والمكان.

في مركبته التي أوقفها بأحد أحياء جنين، استعان سباعنة بالبث المباشر على تطبيق التيك توك، لينقل للعالم صورة متقدمة عن إسرائيل.. عشرات الآليات والمركبات العسكرية اقتحمت المدينة، لهدم منزل منفذ عملية تل أبيب رعد حازم. الأخير محتجز في ثلاجاتها، بينما تتجه قواتها للمنزل الذي نشأ فيه لتنتقم منه. تقول إن هذه ديمقراطية دفاعية، عقاب باسم الإنسانية والديمقراطية.

"صوت جيش" "يا جماعة وين محمد"، "والله صوت جنود" "شو في ليش انقطع البث". تعليقات جمهور محمد الذي افتقد صوته لدقائق، كانت حركة الكاميرا وفوضى الأصوات تشير إلى أن أمرا ما قد حدث. "محمد طمنا بحياتك" "محمد انت بخير". في الرد على كل هذه التساؤلات ظهرت جملة مكثفة بسيطة فارقة، من إنتاج العالم الرقمي المادي جدا: سوف يعود المضيف بعد قليل. 

عادة نقرأ وصايا الشهداء التي يخطونها بأيديهم، أو تلك التي يحكونها، أو المنقولة عنهم، أما أن تتحول كلمات ميكانيكية آلية، تظهر للناس حول العالم ملايين المرات، في معناها المباشر خلل فني لتطبيق رقمي، إلى وصية، فهذا لم يكن معروفا من قبل في عالم الشهادة والشهداء. 

"سوف يعود المضيف بعد قليل" حتى نبقى، من يضمن عودة المضيف! كيف عرفوا أن المضيف سيعود!.. هذه الردود الآلية تهمة كبيرة لعالم رقمن كل تفاصيل الحياة وحوّلها إلى سلع قابلة للبيع في عالم فوق الحقيقة بمعرفته وأخلاقه. المضيف اليوم ضيف، في حضرة شهداء سبقوه، وثق صورهم وأفعالهم وآخر لحظاتهم. لن يعود المضيف، سيعود دمه وخيبتنا فقط، فنحن في عالم لامرئي محجوب عنه الدم. 

وكأن أم محمد لن تجد بعد اليوم تعبيرا مختصرا أكثر من: الله يرضى عليك. لتواسي نفسها في قدرٍ من اللاعودة، تدرك أنه لن يعود لها إلا على هيئة حلم تتمنى أن لا تستفيق منه. الفجر كابوس، هكذا في فلسطين، يستفيق الناس حول العالم ليرتبوا جدول أيامهم، بينما يستفيق الفلسطيني ليرتب أحزانه، أو يستفيق من منام بحجم الواقع. سيعود محمد  بتوقيت شهيد آخر، سيعود لأن دمه رسالة، وجرحه ذخيرة، فشعبنا يقاتل بذاكرة الدم على البقاء.