الخميس  28 آب 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تحولات غير مسبوقة في موقف اليمين الأميركي تجاه دعم “إسرائيل”

2025-08-28 08:46:36 AM
تحولات غير مسبوقة في موقف اليمين الأميركي تجاه دعم “إسرائيل”
أرشيفية

ترجمة الحدث

نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية تقريرًا موسعًا يرصد تحولات غير مسبوقة في موقف قطاعات واسعة من اليمين الأميركي تجاه دعم “إسرائيل” وحربها على غزة، وهو تحول ترى الصحيفة أنه يهدد الأساس الذي استندت إليه تل أبيب لعقود طويلة في علاقتها مع واشنطن. 

وقد ركز التقرير على المقابلة التي أجرتها الإعلامية الأميركية المحافظة ميغن كيلي، التي بنت لنفسها خلال السنوات الماضية إمبراطورية إعلامية مؤثرة بعد تركها شبكة “فوكس نيوز”، مع النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين، وهي من أبرز رموز تيار MAGA (اجعل أمريكا عظيمة) المؤيد للرئيس السابق دونالد ترامب. اللقاء كان مفصليًا لأن كيلي، التي طالما عُرفت بتأييدها الصارخ لـ”إسرائيل”، بدت مترددة هذه المرة وهي تتحدث عن الحرب في غزة، فيما مضت غرين إلى حد اتهام "إسرائيل" بشكل مباشر بارتكاب إبادة جماعية، لتصبح أول نائبة جمهورية في الكونغرس تستخدم هذا الوصف علنًا.

غرين لم تكتف بالتصريحات، بل دعت إلى تقليص المساعدات الأميركية السنوية الهائلة لـ”إسرائيل”، متسائلة عن جدوى تمويل دولة قادرة على توفير خدمات صحية وتعليمية مجانية لمواطنيها بينما يواجه الأميركيون ديونًا وأزمات معيشية خانقة. 

وأضافت أن على “إسرائيل” أن تشتري أسلحتها من أموالها الخاصة لا من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين. الأكثر إثارة للجدل أن غرين، التي قبل عامين فقط قادت حملة ضد النائبة الديمقراطية من أصل فلسطيني رشيدة طليب بسبب مواقفها المناهضة لـ”إسرائيل”، وجدت نفسها اليوم تتعاون معها. فقد صوتت كلتاهما، إلى جانب عدد من الديمقراطيين، لصالح مشروع قرار لتقليص 500 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمنظومات الدفاع الجوي “الإسرائيلية”. 

بالنسبة لصحيفة يديعوت أحرونوت، كان المشهد أشبه بزلزال سياسي: نائبة جمهورية يمينية متشددة ونائبة ديمقراطية تقدمية فلسطينية الأصل تتحدان في محاولة لتقليص الدعم لـ”إسرائيل”.

المفاجئ أيضًا أن ميغن كيلي، التي أدارت الحوار مع غرين، لم تواجهها بالحزم المتوقع من شخصية طالما عُرفت بدفاعها المستميت عن “إسرائيل”. بل ظهرت مترددة، وأشارت إلى أنها لا تزال تؤمن بحق الاحتلال في “الدفاع عن نفسه”، لكنها باتت ترى المشهد مختلفًا عمّا كان في السابع من أكتوبر 2023، مضيفة أن هناك ضغوطًا متزايدة في المجتمع الأميركي، وأنها بدأت تشعر هي نفسها بهذا التحول. هذا الاعتراف من إعلامية بحجم كيلي يعكس حجم التغير في المزاج العام الأميركي.

الأرقام التي استند إليها التقرير تؤكد هذا التغير. فبحسب استطلاع حديث لمؤسسة “غالوب”، لم يؤيد سوى 32% من الأميركيين العمليات العسكرية “الإسرائيلية” في غزة، فيما عارضها 60%. أما استطلاع “YouGov” فكشف أن غالبية الأميركيين باتوا يميلون إلى خفض المساعدات العسكرية السنوية لـ”إسرائيل”. الأخطر أن التراجع في التأييد لم يعد مقتصرًا على القاعدة التقدمية اليسارية، بل امتد إلى داخل المعسكر الجمهوري المحافظ نفسه، وخاصة بين الشباب. ففي عام 2022، أعرب 63% من الشباب الجمهوريين تحت سن الخمسين عن موقف إيجابي تجاه “إسرائيل”، أما في الاستطلاع الأخير فانخفضت النسبة إلى 48% فقط، مقابل 50% عبروا عن موقف سلبي.

هذا التحول يثير قلقًا حتى بين أكثر السياسيين الأميركيين ولاءً لـ”إسرائيل”. النائب الديمقراطي ريتشي توريس، الذي يُعرف بوقوفه الدائم إلى جانبها، حذر مما وصفه بـ”العاصفة المثالية”: مزيج من فقدان صبر النخب السياسية في واشنطن مع فقدان صبر الشارع الأميركي الذي يرى يوميًا صور المجاعة والدمار في غزة. هذه الصور، التي تملأ الشاشات منذ أكثر من عام، أصبح لها أثر مباشر في تغيير المزاج الشعبي، وهو ما ينعكس الآن على حسابات السياسيين الجمهوريين والديمقراطيين على السواء.

الصحيفة استعرضت أيضًا شهادات من طلاب أميركيين محافظين، أكدوا أن الصور القادمة من غزة، خصوصًا مشاهد الأطفال الشهداء، دفعتهم لإعادة النظر في مواقفهم. بعضهم قال إن الأموال التي تُمنح لـ”إسرائيل” كان من الأجدر أن تُنفق على قضايا داخلية مثل مكافحة الجريمة وأزمة المخدرات. العبارة التي تلخص هذا التحول صارت شعارًا متداولًا بينهم: “أميركا أولاً، قبل نجمة داوود”. أحدهم، جوسايا ناومان، البالغ من العمر عشرين عامًا، قال إنه زار “إسرائيل” قبل سنوات وكان يؤمن بأنها “أرض الشعب المختار”، لكن مشاهد الحرب الأخيرة غيّرت كل شيء، وجعلته يدعو إلى سياسة انعزالية أكثر وضوحًا تجاهها.

لم يتوقف الأمر عند الطلاب، بل وصل إلى وجوه بارزة في الإعلام اليميني مثل تاكر كارلسون، المذيع السابق في “فوكس نيوز”، الذي ذهب بعيدًا حين دعا إلى سحب الجنسية الأميركية من كل من خدم في جيش الاحتلال، متهمًا إياهم بازدواج الولاء. كما اتهم الموساد بالارتباط بملفات فساد وقضايا مثل شبكة جيفري إبستين. هذه التصريحات، التي كانت في الماضي من المحرمات، تعكس حجم الانهيار في الإجماع الذي كان قائمًا حول العلاقة بين الجمهوريين و”إسرائيل”.

يديعوت أحرونوت ذكّرت بأن علاقة الجمهوريين بـ”إسرائيل” لم تكن دائمًا بهذا الدفء. فالرئيس ريتشارد نيكسون عُرف بميوله المعادية لليهود، ورونالد ريغان لم يزر “إسرائيل” قط، أما وزير الخارجية في عهد جورج بوش الأب، جيمس بيكر، فقد قال عبارته الشهيرة لحكومة يتسحاق شامير: “رقم البيت الأبيض هو 1-202-456-1414، اتصلوا بنا عندما تكونون جادين بشأن السلام”. لكن التحول الكبير حدث بعد صعود الإنجيليين المؤيدين لـ”إسرائيل” في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، وصعود التيار المحافظ الجديد الذي جعل من دعمها جزءًا لا يتجزأ من الهوية الجمهورية. اليوم، وفق التقرير، بدأت هذه القاعدة التاريخية تتآكل بوتيرة مقلقة.

ونقلت الصحيفة عن أحد الاستراتيجيين الديمقراطيين قوله إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حقق إنجازًا سلبيًا نادرًا، حين دمّر الإجماع الحزبي الأميركي حول “إسرائيل” بجعلها ملحقًا للجمهوريين، والآن يساهم في خسارتها حتى بين الجيل الجديد من المحافظين. واعتبر المصدر أن هذا “يحتاج إلى موهبة خاصة” في الفشل.