الحدث - صنعاء
نجحت الأمم المتحدة، في انتزاع موافقة من جميع الأطراف اليمنية المتصارعة، للجلوس مجددًا على طاولة مفاوضات مباشرة، وذلك بعد أكثر من 200 يوم حرب، راح ضحيتها الآلاف.
وأعلن المبعوث الأممي إلى اليمن "اسماعيل ولد الشيخ أحمد"، ليلة أمس الأحد، أن المساعي التي قادتها الأمم المتحدة، تكللت بإقناع كافة الأطراف اليمنية، بعقد جولة من المفاوضات المباشرة.
وكشف "ولد الشيخ"، في بيان له على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن المفاوضات ستعقد في "جنيف"، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، دون تحديد يوم معين.
وفيما شكر جميع الأطراف، قال ولد الشيخ، إن الأمم المتحدة تدعو إلى "مزيد من المرونة"، فلعل الفرص بعد الآن قد لا تكون مواتية، ولم يذكر المزيد من التفاصيل.
وكانت الحكومة اليمنية، التي تمارس مهامها من العاصمة السعودية "الرياض"، قد وافقت عصر الأحد الماضي، على عقد مفاوضات مباشرة مع جماعة "أنصار الله" (الحوثي) وحزب الرئيس السابق "علي عبد الله صالح"، وفقا لمصدر حكومي للأناضول.
وجاءت موافقة الحكومة، بعد يوم من تلقي الرئيس اليمني "عبد ربه منصور هادي"، رسالة من الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، نقلها المبعوث الأممي "اسماعيل ولد الشيخ"، أكدت موافقة الحوثيين على تطبيق القرار الأممي رقم /2216/، قبل الدخول في مفاوضات مباشرة.
ولا يُعرف حتى اللحظة من هي الأسماء التي ستمثل الحوثيين وحزب صالح من جهة، والحكومة اليمنية من جهة أخرى، في مفاوضات جنيف، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
رغم إيمان غالبية اليمنيين، بأن الحوار هو اللغة الوحيدة الكفيلة بإخماد خلافات اليمنيين وليس الحرب، إلا أن حالة من التوجس مازالت تسود الشارع اليمني، وخصوصًا جراء مواقف الحوثيين تجاه إيقاف الحرب وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة.
ويرى مراقبون، أن الحوثيين مازالوا متصلبين في مواقفهم فيما يخص الحوار، وأن عليهم إبداء مرونة كبيرة، تبرهن أنهم جادون ولديهم نوايا حسنة، بالدخول في حوار وإيقاف الحرب، سواء باطلاق الرهائن أو تقديم أي دليل على الأرض، كالإنسحاب من مدينة تعز التي يحاصرونها.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي "أحمد العرامي"، أن اشكالية جماعة الحوثي الكبرى، ليست في أي من عناصر هويتها المركبة، كالقبيلة والمذهب والطائفة، ولكن في كونها تتألف من هذا كله، ثم تتجاوزها جميعًا كمرجعيات، لترتهن إلى مرجعية وحيدة ومطلقة هي "القوة".
وقال العرامي في تصريحات للأناضول "تاريخ الجماعة يقول إنها لا يمكن أن تحتكم إلى أي نوع من المرجعيات بما في ذلك السياسية، كل الاتفاقات التي كانت تعقدها مع خصومها، كانت بمثابة حصان طروادة، لذلك لا يمكن الركون إلى أي حوار معها"، وفق تعبيره.
وأضاف العرامي "الاتفاقات التي لم تنكثها الجماعة، اتخذت منها استراحة لاستعادة قوتها، هي جماعة حربية بدرجة أساسية، لا تتوقف إلا لتسأنف، ومع ذلك لابد أن ننتظر جنيف أواخر أكتوبر، السلام هو كل ما يحتاجه اليمنيون".
من جهتهما، التزم كل من الحوثيين وحزب الرئيس السابق الصمت، يوم أمس الأحد، حيال الإعلان الأممي، فيما تقول الحكومة إنها لا تملك ضمانات حول حقيقة رغبة "التحالف الانقلابي" في تنفيذ القرار الأممي، سوى الرسالة الخطية التي تسلمها الرئيس هادي من بان كي مون.
وخلافًا لمفاوضات "جنيف 1"، التي انطلقت منتصف يونيو/ حزيران الماضي، بعد أن تعثَّر عدة مرات، بات الوضع الميداني يختلف عمّا كان عليه في السابق، وفقد الحوثيون الكثير من أوراق الضغط التي كانت بأيديهم.
وقال ضابط في الجيش الموالي للرئيس هادي، طلب عدم الافصاح عن هويته لأسباب أمنية، في تصريحات للأناضول "على الأرض تغيرت المعادلة، في مفاوضات جنيف السابقة كان الحوثيون يسيطرون على خمس المدن الجنوبية، وكل محافظات الشمال، أما الآن فقد فقدوا كل أوراقهم"، وفق قوله.
وأضاف المصدر ذاته، "حاليًا لم يعد بأيديهم سوى تعز، ومواقع في حدود مأرب وشبوة.. المفاوضات قارب نجاة لهم، ونحن سنواصل مهامنا القتالية حتى نراهم ينسحبون من كل المدن".
وبعيدًا عن المواقع على الأرض، يمتلك الحوثيون أوراق ضغط، تتمثل بقيادات عسكرية من الصف الأول وقعت بالأسر، أثناء معارك لحج جنوبي اليمن، في مارس/ آذار الماضي.
ويأتي على لائحة الرهائن، وزير الدفاع "محمود الصبيحي"، الذي طالب القرار الأممي /2216/ صراحة بالإفراج عنه، إلى جانب شقيق الرئيس هادي، اللواء "ناصر منصور هادي"، واللواء "فيصل رجب"، والقيادي الإصلاحي "محمد قحطان".
ويقول مراقبون أن الساعات التي أعقبت موافقة الحكومة على مفاوضات جديدة مع الحوثيين، لم تحمل مؤشرات على الدخول في اتفاقية سلام، حيث تَوَاصَل إطلاق النار بشكل مكثف وعنيف.
وقال شهود عيان للأناضول، إن قصفًا مدفعيًا عنيفًا، شنه الحوثيون وقوات الرئيس السابق، على مدينة "تعز" ليلة أمس الأحد وفجر اليوم الاثنين، وإن انفجارات هزت المدينة.
وفي شبوة، جنوبي البلاد، ذكر سكان محليون، أن قوات حوثية تزحف للسيطرة على عاصمة المحافظة "عتق"، المواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية، وأن مقاتلات التحالف، شنت غارات على مواقع الحوثيين في عسيلان وبيحان.
ويأمل الشارع اليمني، في أن تعي الأطراف المتصارعة، وخصوصًا الحوثيين، أن الحرب قد انهكت كاهل الناس بعد سبعة أشهر من المعارك المتواصلة.
وقال "سعيد القباطي"، وهو طالب جامعي للأناضول "إن الحوار بعد ثمانية أشهر من الحرب، جريمة بحق الشهداء والجرحى، لكننا نأمل أن يتفقوا، وأن يقدموا في جنيف نموذجًا مشابهًا للفرقاء الليبيين واتفاق الصخيرات.. يكفي ما سال من دماء".
وطبقًا لاحصائيات أممية، صدرت أواخر أغسطس/ آب الماضي، فإن /4513/ يمنيًا قتلوا في الحرب الدائرة منذ مارس/ آذار الماضي، بينهم /505/ طفلاً.
ويقول مراقبون إن عدد الضحايا سيكون قد شهد تضاعفاً، خصوصًا وأن شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الجاري، شهدا أعنف المعارك الميدانية بين القوات الموالية لهادي، مسنودةً بالتحالف العربي، والحوثيين، وانتهت بتحرير شبه كلي لمأرب شرقي اليمن، ومضيق باب المندب، وأجزاء من ساحل تعز.
وفي الوقت الذي لا يعلن فيه الحوثيون عن قتلاهم في المعارك، قال الرئيس السابق "علي عبد الله صالح"، في حوار متلفز مع فضائية "الميادين" التي تبث من بيروت، الأسبوع الماضي، إن 25 ألف شخص قتلوا في الحرب اليمنية، دون أن يحدد هويتهم.