يُعدّ الصراع بين المؤسسة الهاشمية وجماعة الإخوان المسلمين في الأردن واحداً من أكثر أشكال التوتر السياسي–الديني تعقيداً في المنطقة العربية. فهذا الصراع لا يمكن اختزاله في مجرد خلاف سياسي بين نظام حاكم وحركة معارضة، بل هو امتداد لصراع أيديولوجي بين شرعية "دينية-تاريخية" تُنسب الى العرش الهاشمي، وشرعية "دينية – شعبية" تدّعيها جماعة الإخوان المسلمين.
منذ تأسيس إمارة شرق الأردن في عشرينيات القرن الماضي، اعتمد النظام الهاشمي على "تحالفات مرنة" مع جماعة الإخوان التي سمح لها بالعمل السياسي والاجتماعي تحت سقف النظام، مقابل اعترافها بشرعيته. وقد تعزز هذا التعايش في خمسينيات القرن الماضي حين كانت الجماعة تقف سداً في وجه المدّ القومي واليساري، ما جعلها حليفاً غير معلن للنظام. لكن هذا التحالف لم يكن دائماً مستقراً، إذ برزت التناقضات حين بدأ الإخوان يوسعون نفوذهم في مؤسسات التعليم والنقابات، ما اعتبره النظام تهديداً لسلطته الرمزية والإدارية.
في تسعينيات القرن الماضي، ومع انفتاح الأردن على موجات "الديمقراطية المراقبة"، شارك الإخوان بفعالية في الحياة البرلمانية، لكنهم بدأوا في الوقت ذاته يتَحدّون بعض السياسات الرسمية، لا سيما ما يتعلق باتفاقية وادي عربة والعلاقة مع الولايات المتحدة. وهنا بدأت الهوة تتسع، وبدأت المملكة تُعيد النظر في هامش الحركة الذي سمحت به للإخوان، خاصة بعد صعود الإسلام السياسي إقليمياً.
تفاقم التوتر بعد 2011، إذ رأى النظام حَراك الربيع العربي تهديداً لهيكل المملكة نفسه، بينما حاول الإخوان ركوب موجة الشارع الأردني لتحقيق مكاسب سياسية. وردّت المملكة بـ"إجراءات قانونية وتنظيمية" قادت في النهاية إلى انشقاق الجماعة وتفكك بنيتها، مع تعزيز مؤسسات المملكة تحت مظلة رسمية تُحصّن شرعية "العرش الديني والسياسي".
هذا الصراع يعكس صداماً بين تصورين: أحدهما تقليدي–ملكي يعتبر أن شرعية الحكم تستند إلى النسب النبوي والشرعية التاريخية، وآخر حركي–شعبي يضع الدين في مواجهة الحكم القائم بزعم تمثيل الإرادة الجماهيرية. ولكن السؤال المطروح، هل نجح النظام في إدارة قرار حظر جماعة الإخوان ضمن قواعد "الاختزال المزدوج" – احتواء بلا إقصاء، وتفكيك بلا صدام مباشر – باعتباره مجرد "فركة أذن"، تمهيداً لصياغة معادلة تلائم المرحلة القادمة؟
وهكذا، يظل الصراع بين الهاشميين والإخوان في الأردن صراعاً على النفوذ، وعلى تطبيق الايديولوجيا في المجال العام، لكنه أيضاً صراع ضمن حدود لا تُسمح فيها بأي كسر لقواعد التوازن الهش بين "الـشرعية الدينية" و"السلطة السياسية".