كل ما يقال عن التسوية الشاملة في الشرق الأوسط يتضمن قبل البدء بالعمل عليها، شرطاً صريحاً بحتمية إصلاح السلطة، ذلك ليس فقط من أجل التسوية وإنما لما هو أقل من ذلك وهو تقديم المساعدات للسلطة بعد أن وصلت أمورها المالية إلى الحضيض.
الخطيئة الأساسية التي وقعت فيها الطبقة السياسية الفلسطينية الرسمية، ممثلةً بالسلطة، هي الموافقة على ربط مسألة الإصلاح بالمطالب الخارجية وليس بالحاجات الأساسية للشعب الفلسطيني، التي تتطلب إصلاحاً وطنياً واجباً وليس تسديداً لفاتورةٍ خارجية، غالباً ما تستخدم كذريعةٍ للتنصل من الالتزامات، وإلقاء تبعة التقصير بشأن الحل السياسي للقضية الفلسطينية على السلطة، التي من جانبها توفر معظم الذرائع، ولا تقوم بما ينبغي القيام به من إصلاحاتٍ أساسيةٍ يلمسها المواطن الفلسطيني قبل أن ترضي الأطراف الخارجية.
الإصلاح الفلسطيني يكون مقنعاً إذا ما أظهرت السلطة الرسمية قرائن ملموسة على أنها جادةٌ في إصلاح النظام السياسي الذي ما يزال متهالكاً وعاجزاً عن أداء مهام المرحلة، حين يُفتح الملف الفلسطيني على مشروع تسويةٍ سياسية، كالتي يجري الحديث عنها.
الفعالية الأساس في إصلاح النظام السياسي وإشراك الشعب الفلسطيني بما لديه من طاقات وقدرات واجتهادات، يكمن في استبدال الإصلاحات الملفقة وغير المجدية وذات الطابع البيروقراطي الأوامري، بالانتخابات العامة التشريعية والرئاسية، وبديهيٌ أن المطلوب هو أن تكون حرةً نزيهة، وتحت إشرافٍ دولي، وهذا ما أشار إليه الرئيس عباس في رسالته للرئيس ماكرون، إلا أن الذي ما يزال غامضاً هي الجهود العملية لوضع الانتخابات العامة موضع التنفيذ، وذلك باستعداداتٍ ملموسة تدل على أنها قرارٌ تجري ترتيبات تنفيذه من اليوم وليس مجرد الوعد به.
قبل أن ينصرف الجهد الفلسطيني نحو تدبير بعض المال لسد الالتزامات المستحقة للموظفين وللنفقات العامة، فينبغي أن يسبق ذلك ما هو أهم وهو العمل الجدي والمقنع للانتخابات العامة.
الشعب الفلسطيني مهيئٌ دوماً لهذا الاستحقاق الوطني الإلزامي، وقد أدّاه بكفاءة أكثر من مرة، بما في ذلك الانتخابات النقابية والمحلية والقطاعية، وإذا كان لا بد من طلبٍ نتقدم به للأصدقاء والأشقاء، فهو أولاً دعم الإجراءات المتخذة للانتخابات، على كل الأرض الفلسطينية بما فيها القدس، وإن تعذّر إجراؤها في القدس من قبل الحكومة الإسرائيلية فلتكن انتخابات تحدٍ في القدس أولاً وفي كل المناطق الفلسطينية، حين إذٍ سيقف العالم معنا لأن خيار صندوق الاقتراع هو خيارٌ حضاريٌ إنساني، يخسر كل من يعارضه ويمنع تحقيقه، إنه خيارٌ بين الإرادة الفلسطينية المعبر عنها بصورةٍ حضارية، وبين إرادة الاحتلال المعبر عنها ببنادق القمع والاستيطان والإبادة.
إن انتظار الحكومة الإسرائيلية كي تقدم تصريحاً بإجراء الانتخابات في القدس هو الوصفة الحقيقية بل الوحيدة لعدم إجرائها وهذا ما يريده الاحتلال ويصادر حقنا فيه.
إذاً لننزع شرط الإصلاح من يد الآخرين لنضعه بيدنا وحين نفعل ذلك يكفّ الإصلاح عن أن يكون ذريعة بيد من لا يريده أصلاً ويتحول إلى سلاحٍ في يدنا يجعلنا جديرين بالذهاب بثقةٍ واقتدار نحو تحقيق أهدافنا الوطنية.